Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 23 سبتمبر 2021

116 نسكافيه أو الذاكرة الإنسانية للسيد حافظ أ.د. كمال الدين عيد

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(116  )

 

نسكافيه أو الذاكرة الإنسانية للسيد حافظ
أ.د. كمال الدين عيد

دراسة من كتاب

التشظى وتداخل الأجناس الأدبية

فى الرواية العربية

" الجزء الثانى "

إعداد وتقديم

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى

 

 

 


 

 

 

 

نسكافيه أو الذاكرة الإنسانية للسيد حافظ
أ.د. كمال الدين عيد

Kamaleldin 60@yahoo.com

·       تعريف مقتضب عن الرواية .. منبتاً ونوعاً :

الرواية هى نوع أدبى ملحمى يعود تاريخه الى العصر القديم، حيث نعثر على نوعين من الرواية.. الأول رواية (المغامرات) والثانى رواية (الرعاة).

اعتمدت رواية المغامرات على البطل، وعادة ما يكون جوّالاً أو عاشقاً غرامياً يأتى بالمعجزات وما هو فوق الطبيعة من أحداث وفِعال خارقة (كما فى نسكافيه) .

أما النوع الثانى (الرعاة) فقد آثر سيرة الرعاة وانتقالاتهم من مكان الى آخهر وسط المزارع والحقول والتقاليد وأصالة البيئة.

سّجلت دوائر المعارف الأدبية خُلو العصور الوسطى من الرواية ، وهو ما يشير الى تأخرها وعدم دخولها الى مراحل القرن التاسع عشر الميلادى – ولفترة قصيرة على يد كل من ج. بايرون، أ.س. بوشكير، ج. آرانى.. G.byron , J. Arany, A.S. Pushkin فى عصر النهضة الأوروبى ظهرت روايات للكُتاب سانازارو ، سرفانتس، لوب روفيجا Sannazaro, Lope De Vega, M. Cervantes .

تحتل الرواية عادة بعض محطات التجديد ، سواء فى فترة الطبيعية على يد رائد الطبيعيين إميل زولا E. Zolaأو فى تجديدات الشكل الواقعى الحديث فى روايات بروست ، جويس، كافكا M. Proust , F. Kafka, J. Joyceولا يزال عصرنا يذكر الروائيين الواقعيين (توماس مان، مارتن دى جارد، أناتول فرانس، رومان رولان، أرنست همنجواى ، ألبرتو مورافيا.

TH. Mann, R. Martin Du Gard, A. Frane , R. Rolland, E. Hemingway, A. Moravia)

لقد حققت الرواية الواقعية بعد ذلك (واقعية اشتراكية) مميزة – عالمياً على يد مكسيم جوركى، شولوخوف، أندرسون نسكو، بتروف ميكسات.

M. Gorki, M. Sholohov, M. Andersonn Nexo, J. Petrov, K. Miksat.

مثل هذا النوع الأدبى الملحمى من الروايات الطويلة الممتدة يماثل رواية الأديب الملهم المصرى السيد حافظ المعنونة (نسكافيه).

ثم نعرف فى أيامنا هذه (الرواية العصرية) Short Novel أو كما جرى العُرف على تسميتها بـ(الرواية القصيرة) . وهى أحد الأنواع الملحمية القصيرة فى الأدب ، يفوق شكلها من حيث الاتساع حدود القصة، لكنها لا تصل الى حجم الرواية الطويلة. لا توجد حدود قاطعة بين أنواع الروايات قصيرة أم طويلة ، إنما يكمن الأمر فى تعبيرات مجازية فى الغالب. وإذن فتتصل الرواية القصيرة بعلاقة قرابة مع القصة، وتتجلى هذه القرابة أو التشابه فى سرعة العرض عند كل منهما، وفى حدود المساحة التى يصعب تجاوزها، وفى الأحداث التى تجرى فى اختصار.

لا نعثر على أبطال روائيين فى الروايات القصيرة (مصير إنسان – شولوخوف، البحروالصياد العجوز – همنجواى) وأعظم كُتاب الرواية القصيرة ديكنز، ليو تولستوى ، ميريميه. Ch. Dickens , L. Tolstoi, P. Mérimée

·       الرواية الطويلة نسكافيه :

قبل أن تبدأ الرواية العطرة أسلوباً ، وأحداثاً، وفعالاً، تنقلات، وقفزات بيد المدن والعواصم العربية – الرائعة منها والشائهة، ألمح مدخلاص يُنير الطريق الى عالم السيد حافظ المتدين، الولهان فى الحب، وهو يتحسس طريق حياته فى هذه الدنيا العجيبة، وبخاصة على أرض مصر، واعياً لتاريخ بلدة مرة، ولمنطقة شبابه – الاسكندرية مرةأخرى. يدفع الكاتب عبر (الإهداء الخفى) فى مقدمة روايته ليرسم صورة حقيقية – واقعية بعالم التاريخ العربى، ناقماً على زمن الأقزام فى بلاد سكت وهمت فيها إنسان لعصر الحديث، بل كل البشر الأحياء ، كما سكت الحجر الأهم. لا أحد يجرؤ على فتح فمه فى هذا العصر الشقى، وكما يذكر :

" نحن كمنجات بلا وتر، ونحن قمر بلا ضوء"

هل اقترب عالم السيد حافظ من اللابشرية ؟ نعم ، هو كذلك. نتبين صوراً عديدة فى مسار الرواية الجميلة العذبة، والمعذبة فى الزمن نفسه ، لكن عّم يبحث المؤلف الجميل الصادق؟ إنه يبحث – إن لم يخطئنى الظن – عن كلمة واحدة، لكنها متعددة المعانى والمتطلبات. إنها الحرية، ولغة هذه الحرية التى يبنتج من خلالها الفكر والفلسفة والأدب الروائى. لغة هى فى حاجة الى (موتيف) مُحّرك رئيسى يسمونه (لعفل") . لكن ليس أىت عقل، إن المطلوب هنا، والفاعل هنا، هو وحدة العقل الحامل لنبضات الفعل الحر. ولذلك كانت الحرية هى مربط الفرس على طول مساحة الرواية (نسكافيه) بحثاًعن متغيرات أدبية وفكرية وفلسفية تسكن أو تظهر لتسكن فى زوايا الحرية الروائية، ولتتعامل مع القيم والأخلاقيات والمُثل الرفيعة العالية عند الإنسان روحاً وجسداً، لتشبع بهما، ولهما، من خلال الشواهد والممارسات العقلانية – الوجدانية، بغية الوصول الى تواصل أو تضامن مع جمهور المتلقين والقُراء. تعيش الحرية فى زماننا الآنى وسط ظروف سيئة، تعرضها الرواية فى أكثر من مكان، تاريخاً ومعاصرة، كما تسوء الصحة النفسية لدى البشر أجمعين، والتمدّن، بمساعدة خيال متقد وجميل ومُبشر . وبين أطروحات أخرى لا تهتم بالبعدين الفكرى – واللغوى فى تقديم لبُعد فضائحى (جمهور القُراء عاوز كده!) ، حتى الوصول الى الفكر الإبداعى الذى يتجاوز الوقائع الى جماليات الآداب والحياة والفنون ، وهو أجلّ الأطروحات وأعظمها قيمة أدبية، لأنه يحتوى على الصراع فى مواجهة تداعيات المجتمع وإنهياره قبل سقوطه فى براثن الذل والحضيض.

ما من شك أنّ العمل الروائى يمثل ضرورة حضارية للحرية، تجعله – وفق هذه الضرورة – قابلاً على رهان المستقبل، وفى قوة وعزة وتبصر وبصيرة، متحدياً، ومتوجهاً الى عالم ثقافى – واجتماعى – وفنى أدبى ، رغم الواقع ، والصعوبات التى تجتاح حياتنا بين كل لحظة وأخرى. وهذا العالم الذى يحقق الانتصار بعد الصراع ، وإيصال الرسالة عن طريق لغة حية، وغير كاذبة ، وشفافة، تصدت بكل ما هو أخلاقى وعفيف وبشتى أشكاله السياسية ، والاجتماعية ، والدينية والثقافية.

الرواية بهذه الصورة ، وعلى هذا النمد من الأشكال تصبح رديفاً لغوياً، ومجساً دقيقاً لأحاسيس القراء وشاهداً على وجدانهم، لتزرع الأمل ، وتُجمل المستقبل، وليصبح العامل الروائى موازياً للحياة الواقعية وغير الواقعية، بغية خلق فضائيات جديدة تكنس هذا العالم الروائى المتكلس الذى طال زمنه وبقاؤه. لا مناص من استعمال الرواية لسهام الحرية الضاربة لكل ما هو تقليدى وفات الزمن عليه. هذه مهمة تراجيدية تنهل من التراجيديات الإغريقية الأولى التى عُنيت باول ديمقراطية فى العالم، والتى أُشبعت البشر المكائد والمصائب الكبرى منذ القديم من الزمان. إنه المسرح الإغريقى القديم الذى علّم البشرية الانتباه الى قسوة الظُلم، وحلكة الظلام، وبزوغ الفجر والنور فى عهد الحرية والاستقامة والعدالة.

لقد بيّد أرسطوطاليس فى مؤلفه (فن الشعر) أن الملحمة عمل محكى. فى العصر الحديث نبه الفيلسوف المجرى جيرج لوكاتشG. Lukács الى (نظرية الرواية) والى شكل جديد للرواية عند دستوفيسكى يحقق سر الإيقاع، والى موسيقية فى النص الروائى لا غنىً عنهما فى العصر الحديث.

·       اللغة الرواية لعرض الموجود :

وبطريقة السرد، للخروج بنا من عالم الواقع الى لُب العلاقة بهذا الواقع، وهذا اللب الأهم هو الجامع للزمن ماضياَ وحاضراً ومستقبلاً ، وهو الذاهب بنا الى احتساب السرد فناً وتخيلاً فى صورة لا هى صورة الواقع الذى انبثق عنه ، ولا هى صورة الخيال الجامع المعُبّر الذى يسبح فى ملكوته الروائى السيد حافظ، فيُكثّف ما يراه فى الحياة من صور الحقيقة ليجعلها أكثر جمالاً وأعظم تعبيراً وأشد تأثيراً. حقيقة أنه يستعير أو يستنبط صوراً حقيقية من الواقع المعيش ، لكن القيمة الأخيرة فى هذه الصور بكل مشاعرها الحسية والشعرية لتصير فى نهاية الأمر صوراً دالة عن الطبيعة. وهذه الرحلة السردية هى مهمة الروائى الأصيل.

·       تضاريس الرواية نسكافيه :

تجوب بنا الرواية فى عوالم شتى ، تطوف بنا – وبالقارئ – متنقلة بين البلاد العربية ، لتصل بأحاسيسنا الى اكتشاف دول لم تذهب اليها أو الى بعضها من قبل، لكن السيد حافظ بخبرته الطويلة فى سلوكيات وعادات هذه الدول، يكشف لنا عن دقائق هذه الحيوات هنا وهناك، لتُفضى بنا روايته الى خبرات حقيقية تُضيف الى معارفنا الكثير من المخبوء أمام عيوننا. وأليست هذه اضافات معرفية وإنسانية الى القُراء؟

فى السياسة ، تمتلئ الرواية بالحقائق والأخبار السياسية التى قد لا ينتبه اليها القارئ، مقولة الأديب الأديب الكبير محمد حسنين هيكل فى حديث لقناة الجزيرة .." إن آخر فنجان قهوة شربه عبد الناصر قبل وفاته بدقائق، قام أنور السادات بعمله بنفسه، ومات بعدها الرئيس".. بدون تعليق!

مصر التى فى خاطرى،مقولة على يافطة كبيرة شهدتُها شخصياً قُرب منزلى فى حى المعمورة الشاطئ معلقة على باب قصر الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، تذكرتها بين كل لحظة وأخرى طوال قراءتى للنص الروائى نسكافيه. إنها تتردد فى استمرارية بيد الصفحات. لعلها فى كل مرة تكشف عن الزيف فى حب مصر، وعن النفاق وعن الرياء فى الحياة المصرية الواقعية آنذاك.

فى همسة السيد حافظ يقول :

" مصر التى فى خاطرى بنت الأهرام والقلعة والسد العالى ، ومصر التى أراها أمامى فشلت فى رصف شارع واحد وكل الشوارع محفرة مكسورة وقذرة"

نقد تهكمى على الفشل فى مصر!

ومن حب مصر، وصدق الروائى السيد حافظ لها، يكتب همسته التى تحمل رصاصاً وباروداً علّ طلقاته بصوتها الأجشّ تُفيق الجماهير من غفلتها.

"مصر التى فى خاطرى، خرجد عشرة ملايين مصر لاستقبال الفريق القومى للكرة فى المطار بعد نجاح فريق كرة القدم ببطولة افريقيا بقيادة حسن شحاته مدرباً، ومصر التى أمامى تستقبل العالم أحمد زويل ونجيب محفوظ والبرادعى الحاصلين على جائزة نوبل بعشرة أشخاص فقط فى المطار" بدون تعليق!

ثم، أين مصر (التى فى الخارط دوماً) من زنا المحارم والعياذ بالله؟ " أعلنت منظمة دولية أن زنا المحارم فى مصر فى العالم الماضى 150 ألف حالة، والحقيقة أن الرقم يمثل عشرة بالمائة ، وفى الدول العربية النسبة أكبر بسبب قلة السكان " بدون تعليق!

ومصر التى فى خاطرى اليوم هى مجموعة الأمراض التى تعصف بها. " وقع الطاعون بمصر سنة سبعين هجرياً، ووقع بمصر الأن انفلونزا الدجاج، والخنازير، والفشل الكلوى، والسرطان وفيروس سى"

ومصر الفهلوية ! " قال سائق التاكسى لوحيد سالم : يا باشا إحنا فى بلد عباقرة، كل واحد عامل عبقرى وهو حمار وما بيفهمش حاجة ويقاوح بجهله، وأخذينها فهلوة.. قال الدكتور حامد عمار فى كتاب (بناء البشر) إن 80% من الشعب المصرى فهلوى، وواخدها فهلوة".

" ومصر العظيمة ، أنجبت فاطمة بنت الخديوى اسماعيل التى قامت ببناء جامعة القاهرة، وباعت مجوهراتها من أجل هدفها السامى، ومصر العبيطة (بعد ذلك) تبيع أصولها الى مستثمر مجمول الهوية" ! يا بلاد من أنت؟ وهْهمُ أم حقيقة؟

ما معنى وطن ؟ رأسى يكاد ينفجر...

 

 

·       ومصر، تصحيح وقائع التاريخ :

تمتلئ الرواية بحقائق رائعة موثقة تكشف عن تصحيح كثير من وقائع التاريخ، وأشهد أن الروائى السيد حافظ قد عاد الى صحف التاريخ – قديمة وحديثة – ليخرج على القراء بتصحيحات مهمة تعيد اكتشاف التاريخ وحقائق عبر العصور والأزمان.

"دائماً كان تجار مصر سبب بلاء مصر.. خان التجار الشعب المصرى على مر التاريخ، جوّعوه أيام الشدة المستنصرية. اكل المصريون من الجوع كل شئ.. القطط والكلاب والفئران والحمير والضفادع !. جاع المصريون سبع سنوات أيام المستنصر بالله !" أليس اليوم شبيهاً بالأمس ؟

الزعيم مصطفى كامل قال " إن مصر أمة أموت.. متماوتين وأنه ابتلى بكونه مصرياً.. ولم يقل لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً. الحقيقة فى قراءة التاريخ، ونحن أمة لا تقرأ على حد قول "موشى ديان" عندما قال بعد نكسة 1967.. سنخاف من العرب ومصر يوم أن يقرأوا تاريخهم. قال مصطفى كامل فى رسالة خاصة الى "جوليت آدم" إن مصر وطن شقى وتعس الى آخر درجات التعاسة. وسبب تلك التعاسة – كما ذكر فى رسائله الى صديقه "فؤاد سليم" أضعف همم المصريين وخوْر عزائمهم" . إن مصر تعدادها ثمانية ملايين ونصف المليون – فى وقت مصطفى كامل – تريدأن تأتيها الحرية وهى نائمة فتوقظها من نومها . وقال صارخاً " دعنى من هذه الأمة التى بلانى بها الله بأن أكون واحداً من أبنائها".

·       وأبطال مصر وشهداؤها ، التى فى خاطرهم :

يبقى فى مصر – على مستوى التاريخ – أبطال عظام ، ومحاربون من أجل مصر ، ومنفيون من أجل الوطن مصر. يحفظ لهم التاريخ عهودهم ومواقفهم ، وهو ما تشير اليه الرواية تذكيراً لأجيال مصر الشابة المعاصرة.

-      "نُفى سعد زغلول الى جزيرة مالطة فى يوم 8 مارس 1919 ميلادية"

-      "عادل أحمد عرابى من المنفى يوم 30 سبتمبر 1901 ميلادية . وجد أن الخديوى أمّم أرضه بالمنوفية. وحتى الآن 2010 لم يُفرج عن هذه الأرض. ووجد أن الأزهر الشريف أصدر فتوى بأنه كافر ومارق ، لأنه تحدى الخديوى وهو من أولى الأمر. وحتى الآن لم يصدر من الأزهر الشريف فتوى بأن أحمد عرابى بطلاً وليس كافراً فهل مات الزعيم عرابى كافراً أنم بطلاً ؟ سؤال للأزهر الشريف؟"!

-      "عبد الله مصباح إبراهيم (عبد الله النديم) . خطيب الحزب الوطنى وشاعر الثورة العرابية. مصر العظيمة أنجبت عبد الله النديم شاعراً ، وصحفياً ، ومدرساً ، ومسرحياً، ومعلماً ، ومناضلاً، وخبأته سبع سنوات من عيون الانجليز . ومصر العبيطة خانته وسلّمته للإنجليز مقابل ألف جنيه مكافأة، وتركوا جثته فى اسطنبول منفياً حتى الآن.. يا ولاد الـ.... كلب"!!

-      "كوبرى عباس.. حادثة تمثل الواقع فى يوم21 فبراير من عام 1946 ميلادية، واقع مرير لكنه صحيح وصادق ومتطابق مع نفس الواقع، وهو صادق لأنه يتضمن معيار التطابق مع الواقع.

-      "الثورة وقودها الطلاب من الشباب.. حركة ثورية وطنية ضد سياسة الخديوى عباس.. حقيقة من واقع مرّت به مصر. وُصفت الحركة بالمجزرة، أو المؤامرة، أو الواقعة الهمجية، والثورة. أمر الخديوى بفتح الكوبرى الذى يحمل اسمه فى منطقة المنيل على الطلبة والعمال الذين تعاونوا معهم فى المظاهرات. ومات الكثير منهم. مصر العظيمة أنجبت آلاف الطلاب الشهداء الأبرار من أجل مصر.. ومصر العبيطة كل المؤرخين تآمروا عليها ولم يكتبوا، ويحتفلوا بأسماء هؤلاء الشهداء من الطلبة، ويكتبوا أسماء بعضهم .. قلة أدب وقلة أصل !".

فكرة الصدق المتطابقة مع الواقع تنطق بها رواية السيد حافظ عندما تقدم العبارات الروائية موجودات فى عالمنا المصرى فى زمن معيد ما ، باعتبارها تعبيراً لغوياً عن هذا العالم. هكذا وردت وجاءت بعده فى صدق دقيق.

-      المؤرخ والزعيم المصرى محمد بك فريد ...

يقدم له السيد حافظ فى تنهيدة بقوله : " كل شئ يموت، الإنسان والحيوان والورد والظاهر والموجود، إلا الحى القيوم".

ثم يضيف فى همسته .. " مقبرة محمد فريد بجوار السيدة نفيسه عار جديد على جبين مصر... مصر العظيمة انجبت من الطبقة الارستقراطية الرأسمالية محمد فريد، وكان رمزاً للوطنى الشريف، ومصر العبيطة لا تحتفل بذكرى وفاته أو ميلاده أو تقدم مسلسلاً تليفزيونياً عنه!"

·       سِيَر رجال الأدب والفن :

الزميل القدير السيد حافظ صاحب تاريخ أدبى وفنى عمليين ، وهذا التاريخ يظهر بارزاً على طول مساحة روايته نسكافيه. درس الفلسفة والاجتماع وعمل بالثقافة الجماهيرية بين الناس والبسطاء، مارس الصحافة والكتابة والإدارة فى مؤسسات مصرية وعربية وخليجية، وحصل على جوائز عدة فى التأليف للمسرح والدراما، وكُتبت عنه وعن أعماله عدة رسائل للماجستير والدكتوراه فى المغرب، الكويت، ومصر والجزائر... الخ.

ظلت هذه الرحلة غير المنقطعة اتصالاً ومعايشة للأدب والفن، والأدباء والفنانين دليلاً دامغاً على تأثير فكرة النّير بأعمال هؤلاء المبدعين، بين الحين والحين ، وداخل المساحة الزمنية لروايته نسكافيه، الأمر الذى زّين الرواية بسَيرٍ عطرة، تطرح على سطح المعرفة آلام ومعاناة أصحاب هذه الإبداعات، والتى لم تنل ما يستحقها من تكريم ، سواء من الدولة مصر العظيمة ، أو من أشرفوا على مقاليد الثقافة، من الدب والفنون! لهم الله !!

يكتب السيد حافظ بالحب كل الحب، وبالاعتراف الكامل والواضح وضوح الشمس الساطعة، يكتب موقفه النبيل حيال مجموعة الفنانين، ليمنحهم وسام الشرف، وقلادة الحب والذكريات التى لا ولن تُمحى من كتاب مهم، هو روايته نسكافيه.

-      زميلى الراحل نجيب سرور ....

" مات نجيب سرور فى مستشفى للأمراض العقلية .. مطلوب محاكمة أدبية للرموز فى تلك المرحلة – محمد حسنين هيكل ، محمود أمين العالم، سعد الدين وهبه، ثروت عكاشة، عبد القادر حاتم، جلال الشرقاوى، سعد أردش، أحمد عبد الحليم، كرم مطاوع، رجاء النقاش، وهم نجوم تلك المرحلة الذين تركوه للموت جوعاً".

-      الكاتب محمود دياب :

توفى قهراً فى اكتوبر 1983 ، بعد أن رفض المسرح القومى المصرىتقديم مسرحيته (أرض لا تُنبت الزهور) لأنه معارض للحكومة.

الأمة المصرية العظيمة أنجبت محمود دياب، والأمة المصرية العبيطة دّمرت محمود دياب وجعلته ينتحر فنياً"!

-      كامل الخلعى :

قتله الجوع فى مصر المحروسة المنحوسة.!

-      بيرم التونسى ويوسف وهبى.

" مصر العظيمة أنجبت عبقرية بيرم التونسى المصرى الذى خرج من عباءته عباقرة شعر العاملية فؤاد حداد ، سيد حجاب، صلاح جاهين ، أحمد فؤاد نجم، مجدى نجيب، عبد الرحمن الأبنودى، ومصر العبيطة جعلت بيرم التونسى يموت فقيراً معدماً، ومعه يوسف بك وهبى وصلاح جاهين ، والباقى الله أعلم ".

-      طه حسين :

" توفى فى 28 اكتوبر 1973 نفس العام بل نفس الشهر الذى حققت أحقر المقابر فى مصر... هكذا نحن ، وطن يحب الأديب، والملك وهو حى ، وطن لا يحب الذكريات، وطن ذاكرته مثقوبة،... الأمة العربية العظيمة لا تنسى عظماءها ، والأمة العربية العبيطة تمتلك ذاكرة مثقوبة "!

-      الجاحظ ، عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى :

" أحد أئمة الأدب والشعر فى العصر العباسى، أديب، بائع سمك. الأمة العربية العظيمة أنجبت الجاحظ العلامة ، والأمة العربية العبيطة قهرته وهو حى حتى عمل سّماكاً ليأكل ويكبت"!

-      الممثل محمود المليجى :

" من أصل كردى.. عبقرية مصر تستوعب نجيب الريحانى العراقى، شادية التركية، يحيى حقى التركى... مصر العظيمة أنجبت هذه العبقرية.. محمود المليجى ، ومصر العبيطة قتلته بسوء التقدير والإهانة "!

-      بدر شاكر السياب :

"شاعر عراقى قتله المثقفون العرب فى الكويت"!.

-      غسان كنفانى :

" روائى وقاص وصحفى فلسطينى (1936 – 1972) أغتيل على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية – الموساد . كتب فى موضوعات التحرر الفلسطينى ... الأمة العربية العظيمة أنجبت الروائى والعظيم غسان كنفانى ، والأمة العربية العبيطة تركته للصهاينة يغتالونه!"

-      القاص الكبير محمد حافظ رجب الشقيق الأكبر للروائى السيد حافظ.

" مصر العظيمة أنجبت عبقرية محمد حافظ رجب، ومصر العبيطة لم تمنحه جائزة الدولة التقديرية ، ولا معاشاً استثنائياً مع أنه من رواد القصة القصيرة فى مصر"!

-      الناقذ المسرحى فاروق عبد القادر :

" توفى فى شهر سبتمبر 2010، الذى تخصص فى وصف جيل السبعينات من دكاترة المسرح فوزى فهمى، سمير سرحان، عبد العزيز حموده ، محمد عنانى ، هم أسوأ كتاب المسرح فى تاريخ المسرح المصرى. عند الوفاة حضر الجنازة خمسة أفراد، وفى العزاء مساءً خمسة أفراد، وقال ابن اخته للمقرء فى العزاء : خلص الدنيا برد !"

-      عماد حمدى :

" ممثل مصرى، قتله جحود الوسط الفنى الحقير فى مصر.. توفى فى 28 يناير 1984 وحيداً إثر أزمة قلبية حادة ... مصر العظيمة أنجبت عماد حمدى، ومصر العبيطة تركته يموت معدماً وكأنه يتسول دوراً أو مالاً"!.

-      اسماعيل يس :

" قتله جحود الفنانين والدولة.. هو النجم الذى قدم أكثر من مائة فيلم .. مصر العظيمة أنجبت اسماعيل يس ، ومصر العبيطة تركت اسماعيل يس يتسول فقيراً"

-      المتنبى ، أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمتد ، أبو الطيب الجعفى الكوفى :

"عبقرية الأمة العربية ، قتله التخلف العربى، ولم تلد الأمة مثله حتى الآن، الأمة العربية العظيمة أنجبت المتنبى، والأمة العربية العبيطة قتلته ومثلّت بجثته ".!

-      ليلى مراد (1918 – 1995) مطربة وممثلة :

"مصر العظيمة انجبت ليلى مراد المصرية اليهودية المسلمة ، ومصر العبيطة ظلمتها حية وميتة ".!

-      محمد عمر .. فنان تشكيلى . شاعر وكاتب :

" مثل النبت الفنى الذى لا يموت.. يظل حياً فى لون أو كلمة أو نكتة أو رسماً... قلبه فى الاسكندرية ، وروحه فى النوبة، وإبداعه فى القاهرة.. مصر العظيمة أنجبت محمد عمر، زهى، عز العرب ، طوغان، جمعة ، صلاح جاهين ، مجدى نجيب، سعيد العدوى ومصر العبيطة ألقت بأعمال سيف وانلى فى دورة المياه مغلقة بقصر ثقافة الأنفوشى ، ثم ألقوا بها فوق سطح القصر فى الشمس لأنه لا يوجد مكان لها "

-      على الكسار (1887 – 1957) ممثل كوميدى مصرى.

" عام 1907 أنشأ فرقة مسرحية سماها (دار التمثيل الزينبى) ، ابتدع شخصية (عثمان عبد الباسط) النوبى. نجحت مسرحياته فى الشام نجاحاً منقطع النظير.. مرّ بازمةأدّت الى إغلاق مسرحه بالقاهرة. (حضرتُ شخصياًعام 1948 مسرحية له بروض الفرج، وسط جمهور يجلس على مائدة دائرية يشرب الخمور وياكل السميط أثناء عرض المسرحية. بكيتُ على حال الكسار وحالة مسرح مصر، ولماّ لم أكن إلا طالباً بمعهد التمثيل، !.....

مصر العظيمة أنجبت على الكسار (الذى شاهدته على مسرح كازينو ليلاس بروض الفرج) ، عبقرية الكوميديا العظيمة، ومصر العبيطة لم تفكر فى عمل قاعة أو مسرح باسمه على امتداد محافظاتها التسع والعشرين (29) "!!

-      الشاعر حافظ إبراهيم (1872 – 1932) :

" أبرز الشعراء فى التاريخ المصرى ، شاعر النيل لعشقه للنيل. ترجم شكسبير وفكتور هوجو . أغرب ما فى حياته أنه كان فقيراً جداً.. وكان أمير الشعراء أحمد شوقى يأتى به كل يوم الى المقهى.. كى يضحك من طرافة أحاديثه... مصر العظيمة أنجبت حافظ إبراهيم موهبة عبقرية، ومصر العبيطة قتلته فقراً حتى النخاع ، وإهمالاً حتى كتب قائلاً : وما أنت ببلد الأديب"!!

-      فاطمة رشدى :

إمراة جعلت أحمد شوقى أمير الشعراء يزورها يومياً فى المسرح، ويكتب لها خصيصاً ، ويذوب فى عشقها ..

عرفت معلمها واستاذها المخرج عزيز عيد، انتقلت الى مسارح روض الفرض ، فمسرح روز اليوسف، ثم فرقة رمسيس . ماتت فقيرة مُعدمة تنكر لها الجميع عاشت حياة بائسة.. كانت سيدة المسرح العربى، خيرها على الجميع، ما أحقر الوسط الفنى والثقافى .. مصر العظيمة أنجبت فاطمة رشدى التىنهضت بالفن والفنانيين وكانت عبقرية حقاً، ومصر العبيطة تركتها تموت جوعاً مثل زينات صدقى وعبد الفتاح القصرى وغيرهما"!

-      أحمد شوقى .. قاتل حافظ ابراهيم وعاشق فاطمة رشدى (1868 – 1932) :

" شاعر مصرى يعتبره منير البعلبكى أحد أعظم شعراء العربية فى جميع العصور حسبما ذكر ذلك فى قاموسه الشهير (قاموس المورد) كتب للمسرح حباً فى فاطمة رشدى.. كتب للمسرح (10) عشرة مسرحيات، رواية واحدة بعنوان (الفرعون الأخير) . عاش أولاده خارج مصر وحصلوا على جنسيات مختلفة ، امتلك قصرين على النيل فى منطقة الدقى. الدولة عملت قصراً منهما قصر ثقافة باسمه ، وباعت القصر الثانى لجهة أجنبية . أولاده كانوا مثل أولاد طه حسين لم يعيشوا فى مصر، ولم يتكلموا العربية.. وابنة فاطمة رشدى تركت مصر وهاجرت الى فرنسا وأخذت الجنسية الفرنسية.

الناجحون والفاشلون من صُناع الفكر والفن المصرى، ترك أولادهم مصر وحصلوا على جنسيات مختلفة .. تُرى لماذا ؟

مصر العظيمة انجبت احمد شوقى امير الشعراء.. ومصر العبيطة رفضت أن تمنح لقب أمير الشعراء للشاعر صلاح عبد الصبور الذى كان أشعر من شوقى، وكانت له إضافاته الشعرية السحرية على المسرح الشعرى فى مصر" (وأنا هنا أضيف وأثنّى على رأى الهوائى الكبير السيد حافظ وقد شهدتُ مسرحيات عبد الصبور الشعرية التى تؤكد قول السيد حافظ)

-      صلاح چاهين :

" صلاح چاهين ، ضحية النكسة، وعشق سعاد حسنى، ومصر التى لا تُحب المواهب العظيمة .. درس الفنون الجميلة، ولم يُكملها ، ثم درس الحقوق، كتب للسينما المصرية. الرباعيات ظلت قمة أعماله، له قصيدة مميزة بعنوان (على اسم مصر) قصيدة (تراب دخان) أوبريت (الليلة الكبيرة)...

مصر العظيمة انجبت صلاح چاهين الذى غنّى له عبد الحليم حافظ ، سعاد حسنى أجمل الأغانى الوطنية والعاطفية. ومصر العبيطة تركته مستوراً وليس ميسوراً. وقال ابنه الشاعر بهاء چاهين : " يا ليت مصر تكرّمه ، وتطبع له الدواوين" لكن مصر العبيطة أذن من طين وأذن من عجين "!!

-      أم كلثوم (1898 – 1975) :

أسطورة الغناء العربى فى القرن العشرين وهى التى شدت بالثورة المصرية 1952 ، وفى مناسبة نصر أكتوبر ظلت يُعد لأغنية مطلعها : ياللى شبابك فى جنود الله .. والحرب فى قلوبهم صياح وصلاة.

إلا أنها توفيت قبل أن تؤديها .. ماتت الست حسرة ، أما الورثة فحدّث ولا حرج. باعوا الفيلا المتخلفين ، ولو حولوها متحفاً لكانوا كسبوا كل يوم لا يقل عن عشرة آلاف من الجنيهات، لكنهم باعوها وهُدمت الفيلا.

مصر العظيمة انجبتها ، ومصر العظيمة قتلتها وهدمت بيتها "!

-      الاقتصادى طلعت حرب (1867 – 1941).

" بانى مصر الحديثة .. ضحية تخلف أمة ووطن.. يطالب فى شبابه بالاستقلال العام ، وأن تكون مصر للمصريين.. كان ميالاً (بشكل واعٍ) للفلاحين والغلابة مدافعاً عنهم.. ألّف العديد من الشركات المصرية، وبنك مصر ، والطيران، والغزل والنسيج، والمطبعة المصرية، والملاحة البحرية، والمصنوعات المصرية، والنقل البرى ، وحلج القطن المصرى والمستحضرات الطبية ومصر لصناعة السينما ، ومصر للسياحة وغيرها..

مصر العظيمة بطلعت حرب الاقتصادى العبقرى ، أنشات بنكاً مصرياً ومصر العبيطة تبيع البنوك التى أنشاتها تحت شعار الخصخصة"!!

فى سير الرجال وعظماء الأدب والفن – القُدامى والجدد – لم ينس السيد حافظ ان يُضمن روايته نسكافيه صفحات طويلة طويلة، وعطرة فى الوقت ذاته، عن أعمال الأدباء والفنانين الذين أثْروا حياة مصر ووجدان المصريين بإبداعاتهم وأفكارهم النّيرة، مما جمّل وحصّن روايته بالعديد من الحقائق التاريخية والنفسية التى حملتها سرائر هؤلاء الأدباء والفنانين ، وكشفت ضمن ما كشفت للقارئ تصحيحاً دقيقاً لأشياء كثيرة كانت قابعة فى ظل النسيان أو الخطأ. ولم ينس السيد حافظ فنانين وأدباء أشار اليهم على غرار (أمل دنقل – عزة بلبع) وغيرهما كثيرون. تتجلى هذه الكتابات عنهم لتُفصح عن سريرة السيد حافظ وحساسيته الناعمة تجاه الآداب والفنون، وهو واحد من صانعيها ورُوادها.

·       بين الواقع والخيال :

هى هذه المساحة الروائية التى يجمع طرفيها الروائى المخضرم الذى يدور بين الواقع – الحقيقة ، وبين الخيال. وتجئ الحقيقة ، او قُل مجموعة الحقائق التى تنضج بها هذه الرواية "نسكافيه" رافعة أعلام ومفاهيم الصدق فى حياتنا الفكرية المعاصرة، بل هى لا تكتفى بذلك الواقع (المرير فى أحيان كثيرة) بل تمتد اليه بالسخرية من الأقدار ، وبالنقد الصريح والمناسب أيضاً (فقرات النهاية فى مواضع عديدة ، وتكرار لفظتى (مصر العظيمة ، ومصر العبيطة).

إن هاتين العبارتين المحمودتين الجريئتين تحملان ولا شك هموم السيد حافظ، وتكشفان عن ألمعية فكره ، ووعيه الثاقب ، وخياله الواسع والعريق فى عالم الخيال الذى ملأ به روايته الرائعة " نسكافيه" لم ينس السيد حافظ أن النظريات الفلسفية فى عصرنا الحديث إنما تضيف فى كل لحظة زمن إضافات ثرية وعطرة الى كل مظهر من مظاهر الحياة المعاصرة. فالحكاية أو الرواية كلها لحظات صدق ولحظات معاناة لإبراز الحقائق من حولنا ، يلتقطها الماهر الكاتب الصادق والحقيقى.

أما الخيال أو كما يحلو لى أن أسميه (الحب) ومسار شخصيته "لمى" ، فقد انتصف الرواية ، محتلاً مساحة عريضة هى الأخرى بين واقعية ، لعلنى أراها نصف واقعية فى البطل وحيد سالم ، ونصف خيالية أخرى فى متْن الرواية . أحياناً ما كنت أحس بأن أعمال وحيد هى أعمال السيد حافظ مؤلف الرواية ، لعلها لحظات الانشطار فيما بين الحقيقة والخيال، ويهدينى الحوار الى عوامل الصدق الذى أتبينه من نص الحوار، وكذا الإيمان الشخصية الكاتب الذى يعانى فى صدقه لإبراز الحقيقة كل الحقيقة.. "سبحان ربى المُلك لك، والحب منك ولك. أسألك ربى لِماَ جعلت قلبى فى العِشق لك؟ وفى عشق جمال النساء يدور فى فلك .. وكم من الخناجر والسهام قد رميتنى من رسوم جميلة؟ وكم مرة قلبى هالك ويبعث فىّ الحب من جديد؟ سبحانك ربى – تنهيدة ".

·       وفى العصر الآنى :

لا يعدم السيد حافظ أن يُفصح فى روايته أن يمر على العصر ، ليؤكد معاناته من وقائع غير محبوبة وغير متقبلة ، ونحن داخل بدايات القرن الواحد والعشرين. فيمس فى أكثر من مكان ما رقيقاً ونقداً ناعماً مؤدباً وحشية وسفه رجال الأعمال أو بعضهم على أقل تقدير (قام رجل الأعمال المصرى أبو هشيمة بعمل حفل زواج من الفنانة هيفاء وهبى تكلف خمسين مليون دولار، والمهر كان 250 مليون دولار ، وحوالى 40 مليون مواطن مصر دخل كل واحد منهم فى اليوم أقل من دولار)!. بلا تعليق. كم شاب مصرى يتزوج بهذا المبلغ)!

كما تكتب الرواية ناقلة عن خير صحفى فى (أخبار الحوادث) عن قيام اللبنانية سوزان تميم – رحمها الله – بسحب مبلغ 300 مليون دولار بالفيزا من حساب هشام طلعت مصطفى رجل الأعمال المصرى ! هل مصرنا غنية حقاً؟ وهل نهبها بعض رجال الأعمال؟ الله أعلم !

جريدة الأهرام يوم 18 اكتوبر 2010 صفحة 24 خبر يقول (القمامة تحاصر مدينة أسيوط) ! أين الدولة النظيفة ؟!

من أخبار التليفزيون – قناة الحياة (2)تاجر يشعل النار فى محل سيدة وابنتها بسبب الخلاف على خمسة جنيهات، وقتلهما حين حاولت المرأة الفرار من النيران هو ابنتها" هل نحن فى عصر الوحوش والقتلة؟

" 21 أغسطس 2010 تعلن وزارة الثقافة عن سرقة لوحة (زهرة الخشخاش) للفنان العالمة فان جوخ من متحف محمد محمود خليل.. مصر العظيمة تملك كنزاً من اللوحات لفنانى العالم، ومصر العبيطة تهدر كنوزها بالسرقة" ! أين الأمن المصرى يا تُرى ؟!

الأمم المعاصرة ، بما لا يليق بمصر ثورة 25 يناير 2011 ميلادية.

الى أين نسير؟ والى أين المفر ؟

هكذا تستعيد الرواية عصور مصر والعرب، والانتصارات الزاهية فى عصور سبقت فى الاندلس وفى غيرها. حتى يصل الروائى الصادق الى نهاية أو قُرب نهاية روايته. يُلخص الحب الضائع لكل الكتاب والمبدعين حين تُغلق عليهم نوافذ الإبداع...!! عندما يأتى المساء، وينتشر الكُره – الكراهية ، ويقوم الحاقدون لذبح قصائدى وآحرفى – حروفى، ويمنعون الماعون، والضوء ، والقمر، حتى لا أصل الى قلبها ، أكتب على وجه القمر وليس الفيس بوك، أكتب على الهواء والماء.. لن تمنعونى من حبها !! لحظات مزْج وامتزاج بين الحقيقة والحب، أو هى فى الحقيقة بين الواقع والخيال اللذين عطّرا الرواية بخطىّ الحقيقة والخيال..." هو ذا الحب فى القرن الواحد والعشرين. نور شمع يحترق ولا يترك أثراً علىأى مكان. بحثت فى زفيرها وهى أمامى واقفة أبحث عن شهقة شهقتها لى وهى تغنج تحتى لم أجد.

بحثت عن نجم أهديته لها وخاتمى الماس لم أجده فى أصابعها... لم أجد.. لم أجد.. دخلت دمها أفتش الخلايا خلية خلية التى كتبت فيها أننى أحبها.. وجدتها بيضاء من غير سوء. نظرت لشفتيها أين القبلات التى علمتها أن تستمر ساعة، لم أجدها . أو حتى رشفة نسكافيه على شفتيها.. ولا عطرها أو رائحته على جسدها.. آه.. آه.. آه.

انا شخصياً أكاد أجزم أنه يتحدث عن حبيبتنا جميعاً.. عن أمنا جميعاً .. مصر الخالدة رغم غزات التاريخ والغزاة لها. وبما يؤكد لحظى هى هذه الصورة الخيالية التابعة لهذا الحوار الجميل السابق، وأقصد الاستيقاظ المفاجئ وعودة وحيد الى القاهرة .. فماذا رأى ؟ " شرب النسكافيه ، أمسك بالصحف الصباحية ، كلها محررة بالعبرية فتح عدة قنوات تليفزيونية ، المفاجأة أنها كلها تتحدث بالعبرية، رفع سماعة تليفونه يأتيه صوت يرد بكلمة (شالوم) ذهب وحيد الى أقرب مكتبه له ، كل الكتب مكتبة باللغة العبرية ، فتح نافذة منزله ، صرخ أنا فين؟ نظر حوله كل لافتات الشوارع مكتوبة باللغة العبرية حتى شارع سكنه حاول كتابة رسالة وجد نفسه يكتب باللغة العبرية نزل الى الشارع وجد أشكالاً غريبة قال له الناس : ربما نمت سنين عددا ، العرب انتهوا منذ زمن قلت لهم كم نمت.؟ قالوا : ثلاثمائة سنين وازدادو تسعاً، والله أعلم، بكيت ، نزلت دموعى على الأرض تكتب كنت عربياً. وجدت شاباً يمسكنى منيدى ، قلت له: ما هو اليوم : قال اليوم 25 يناير 2011 ميلادية.. ونحن شباب الفيس بوك، نحن فى يوم الغضب.. نحن ثورة الشباب ضد حسنى مبارك، وقمنا ببطولة قد يحكى عنها الزمان، أهديته وردة بنفسج ، وأهدانى حقيبتى التى فقدتها فى وطنى منذ أرعين عاماً.. حقيبة بها كرامتى وجنسيتى المصرية التى فقدتها طويلا".

ختام رائعة الأديب السيد حافظ الصديق. تلقيت منه أول شهادة تقدير لشخصى فى حياتى عام 1989 حين أقام مؤتمراً مسرحياً دولياً كلفه المليون جنيه مصرى على حسابه الخاص ، داعياً اليه محسريين الدول العربية فى فندق مكة بالاسكندرية، حضره عراقيون ومصريون وكويتيون أذكر منهم المرحوم قاسم محمد ومحفوظ عبد الرحمن وسميرة عبد العزيز والناقد فوزى سليمان والمرحوم د. محمد صديق الاستاذ والدكتور أبو الحسن سلام من نفس الجامعة.

إن إشارة اللامع السيد حافظ الى هذه النوْمة الطويلة والاستيقاظ المفاجئ للبطل وحيد سالم، إنما تشير الى ما كان يمكن أن يحدث لغزو العبرية والعبريين لها، لولا أن قدّر الله لمصر وقيّض لها هذه الثورة الجديدة – ثورة 25 يناير – لتعيد لها مكانتها بإذنه تعالى.

حفظ الله مصر، ووفق الروائى السيد حافظ لمزيد من نفحات الإبداع الفنى والعلمى. الله ولى التوفيق.

 

 


 

 

 




 




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More