دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 117 )
نسكافيه
وفتح جديد فى عالم الرواية
بقلم : فؤاد نصر الدين
دراسة من كتاب
التشظى وتداخل الأجناس الأدبية
فى الرواية العربية
" الجزء الثانى "
إعداد وتقديم
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
نسكافيه
وفتح جديد فى عالم الرواية
بقلم : فؤاد نصر الدين
يهتم النقاد اهتماماً كبيراً بخصوصيات الرواية العربية الجديدة وبما تتميز به عن مثيلاتها من الروايات الكلاسيكية ، والرومانسية والواقعية بميزات مفارقة ، حيث انعكس تكتيك التجريب الروائى المتعدد التناول والمفتوح على الذاكرة المعرفية والتاريخية، والفنية، والجمالية.
ولذلك أصبح من الضرورى أيعيد الروائى المجدد قبل كتابته الإبداعية التفكير فى الطرائق والرؤى وكافة الوسائل التقنية للتعبير عن القضايا، ومتطلبات، وحاجات عصره وإلا لكان عمله مكرراً، ولا إضافة له على المستوى النوعى .. ومن هذا المنطلق الذى يدعو إليه النقاد فى كل وسائلهم الإعلامية نجد هذه الرواية (نسكافيه) للكاتب الكبير (السيد حافظ) فتحاً جديداً فى عالم الرواية العربية، ولذا تستحق من النقاد أن يواجهونها بنوع آخر وجديد من النقد يتوازى مع نصها الإبداعى الجديد .بحيث يكشف لنا الناقد أسرار الكتابة الإبداعية الثرية التى يقدمها لنا (السيد حافظ) عبر روايته (نسكافيه) الصادرة عن (روافد) هذا العام فى 428 صفحة من حجم كبير ومتميز ..
قيمة هذه الرواية المبدعة أنها تحافظ على قارئها وعلى دهشته من أولى سطورها إلى منتهاها؛ فيظل القارئ يتجول بين شخصياتها)لمى) (وحيد) (عامر) (طارق) (سلوى) (نجوى) إلخ وبين أسلوبها ولغتها وصورها، تلك الأساليب التى تكون النص القائم بذاته، وهذا النص لا ينبغى الدخول عليه من الخارج وفق معايير مسبقة جاهزة، أو قراءة على أساس الصح والخطأ.
لقد تجاوزت هذه الرواية السرد على الطريقة التقليدية أو المحفوظية فى الكتابة، وأنطلقت إلى فضاءات أوسع فى المفاهيم والشكل الذى قدمه لنا الكاتب عبر التجريب لكسر الجمود الذى يغلف المجهودات السابقة للرواية فى عالمها السردى الجميل...
(نسكافيه) رواية شبه نهرية ، تتفرع إلى ثلاثة أفرع إبداعية ..النهر الأساسى هو قصة (لمى القيسى) مع بقية شخصيات الرواية والفرعان المسميان (تنهيدة) و(همسة) التى يسجل فيها (السيد حافظ) الأحداث العربية الفنية منها والسياسية والثقافية وأيضا الأحداث العالمية التى عاشتها البشرية بتفاصيل تاريخية.. أما (تنهيدة) فهى صوفية الحب والعشق .. فالأسلوب الصوفى، والأسلوب التجريدى، والأسلوب الواقعى ، وبينهم الأحداث الدرامية تجعلنا نحلق فى سماوات حالمة ، ثم نهبط لنقع فى شرك دائرة السحر الإبداعية ..
وإذا كانت (التنهيدة) التى يقدمها لنا السيد حافظ طوال روايته نسكافيه تتميز بالترميز فى الرؤية ، وهى من الإنماط السردية الحديثة ؛ فجاءت كإحدى الإيقونات الرئيسية الحديثة فى العمل الأدبى ، أو ما وراء السرد التقليدى من رؤية ..فإذا كان الكاتب العالمى نجيب محفوظ قد سجل تاريخ مصر فى رواياته ؛ فإن السيد حافظ سجل تاريخ مصر والوطن فى نسكافيه وهو هنا يتفوق على نجيب محفوظ عبر رؤيته وتشكيله التجريدى الذى صاغ به نسكافيه وايضا ً متفوقا على كل الروائيين العرب الذين كتبوا عن تاريخ بلدانهم مثل محفوظ ، والحكيم ، والسباعى ، والغيطانى وأيضاً مارى رشو، وكلاديس مطر، أبو طالب الرفاعى ، وابراهيم الكومى ، إلخ ...
فإنهم كتبوا عن بلدانهم روايات تقليدية دون الخوض فى تقديم (مغامرة) الشكل التى خاضها السيد حافظ ، وهو لم يبدأ هذا الشكل كطفرة فى حياته الإبداعية ؛ بل هو يخوض التجريب والبحث عن الجديد فى كتاباته منذ ما ظهر على الساحة الأدبية بالأسكندرية التى أثبت وجوده في هذه الساحة عبر المسرح والقصة والرواية (نسكافيه) تتحدث عن وطن.. الوطن الذى نعيش فوق أرضه والذى هو يعيش داخلنا ، وقد تجسد هذا الوطن كله فى شخصية البطلة (لمى القيسى) ..مدرسة التاريخ اللبنانية التى تعمل فى مدرسة التمييز بالكويت ، والتى تعد لرسالة الماجستير ثم الدكتوراة وتتمنى أن تصبح وزيرة أو أستاذة جامعية ؛ لكنها تصطدم بعقلية (عامر) زوجها تلك العقلية العربية المتخلفة .حيث ضحك فى وجهها ساخراً وهو يرد عليها :
ـ أى وزيرة وأى كلام فارغ يا امرأة .. ص 296 أنها الوطن الذى يعشقه كل الرجال والذى يقهر من أهله .. كما قهرت هى من زوجها ومن أهلها ومن زملائها فى العمل .. وكما قدم المؤلف فى همساته الوطن كامرأة عاهرة لا تعترف بأولادها فتتركهم للضياع والتسول والموت فلمى القيسى هى الوطن بعشقها ونزواتها الجنسية مع كل الرجال ....
كان وحيد سالم يفكر من هى لمى؟ هل هى تلك المرأة اللحظة أم اللحظة
المرأة ... أنها فى حالة بحث دائم عن رجل ما ، عن جنون خاص ، أى توهج خفى يحركها ..البحث عن جديد .. تريد أن تمشى على الهواء وكل الرجال نجوم
حولها.. ويؤكد لها ذلك وحيد فى عبارته التى قالها ص 408: (إنت عالمى
ووطنى .. الآن اؤكد إنت عالمى ووطنى)
إن رواية (نسكافيه) هى الديوان الجديد للعشق العربى يقدمه لنا الكاتب بكل تفاصيل العشق المحرم . تفاصيل ربما تخجل أن تقرأها، ولكنها موجوده فى شوارع الوطن العربى وبيوتنا العربية . أنه يسجل كل تفاصيل الحب فى روايته لتصبح تاريخاً للعشق) يسألونى هل قرأت تاريخ العسق ؟ قلت نعم فى عينيها وشربت كل كؤوس الهوى من شفتيها، وطفت كل قارات العالم بين نهديها ، وتعطرت بأنفاسها حين غاب عطر الورود وأنا المولود ألف مرة ومرة فى عهد غرامها ، وانا المسمى بالهوى والجنون .
وأنا الجنون ص 410 ويدور حوار بين (لمى) و(وحيد)عن الجنس وكيف يراه كل منهما حسب رؤيته ..
قالت له: أسمع يا وحيد.. الزنا جنس.. والجنس كالماء والهواء والطعام. ضرورة
قلت : أنت يا وحيد تنام معى ومع غيرى من النساء وانا متزوجه وأنت متزوج. أنت زانى أم عاشق ؟
نظر لها :أنا زانى وعاصى وعاشق. أنا عاصى لأوامر الله وأعلم أن نقطة ضعفى الجمال والأنثى .....ص263
ولأن الأوضاع فى هذا العالم كلها فاسدة ، وأن دولنا العربية لا تستطيع أن تحمى رموزها فقد أنطلقت الشرارة العربية فى بلداننا العربية وقام شباب مصر فى الخامس والعشرين من يناير بثورة لتسقط كل هذه الأنظمة والحيوات الفاسدة (وفى 25 يناير 2011 قام شباب الفيس بوك بيوم الغضب فكانت ثورة الشباب ضد حكم حسنى مبارك ببطولة قد يحكى عنها الزمان )ص 402) ، ويهدى المؤلف وردة لأحد الثوار الشباب الذى بدوره يعيد له حقيبته التى فقدها فى وطنه منذ أربعين سنة والتى تحتوى كرامته وجنسيته التى فقدها طويلاً.
إن قيمة رواية (نسكافيه) المبدعة أنها تحافظ على إعجاب قارئها ودهشته من أولى سطورها إلى منتهاها؛ فيظل القارئ يتجول بين شخصياتها ، وأسلوبها ، وشكلها ، وتنهيداتها ، وهمساتها فى إعجاب كبير ويعود ذلك لتمكن مؤلفها (السيد حافظ) وعبقريته فى كتابتها .
فؤاد نصر الدين
روائى وناقد
عضو اتحاد كتاب مصر
الأسكندرية
السيرة الذاتية
· فؤاد نصر الدين
· مؤلف لدى كاتب روائى
· كان يعمل لدى جريده تحيا مصر أم الدنيا
· كان يعمل لدى Bahrain Authority for Culture & Antiquities
· كان يعمل لدى اتحاد الاذاعة والتليفزيون
· كان يعمل لدى مديرة شركة
· كاتب روائى سابق لدى كاتب روائى
· كان يعمل لدى مدير عام تحرير جريدة المسائية
· كان يعمل لدى writer
· يقيم في الإسكندرية
· متزوج
· من الإسكندرية
0 التعليقات:
إرسال تعليق