دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(29)
مذكرات كاتب ومخرج مسرحى
تجربتى حول مسرحية
"والله زمـــان يــا مـصــر"
والتى كتبت عام 1973
بقلم : محمد صدقى
دراسة من كتاب إشكالية الحداثة والرؤى النقدية في المسرح التجريبي
الســيد حــافظ
مذكرات كاتب ومخرج مسرحى
تجربتى حول مسرحية
"والله زمـــان يــا مـصــر"
والتى كتبت عام 1973
بقلم : محمد صدقى
جريدة الجمهورية – ديسمبر 1973
لا يمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه؟
سبتمبر 1973.. المكان.. الإسكندرية.
الوطن منقسم إلى جناحين.. جناح يسيطر عليه العدو الإسرائيلى وترفرف أعلامه فوق أرضنا فى غرور وجناح مستغرق فى غيبوبة.. الشوارع فى الداخل ممتلئة بالتفاهة والناس مستغرقة فى تفاصيل الحياة اليومية اختفاء الشاى والسكر..الخ. كنت أدرك أن استمرار هذا الحال من المحال حالة اللا سلم واللا حرب.. كما أطلق عليها الكاتب والصحفى الكبير محمد حسنين هيكل كنت مع جيلى أشعر بالتمزق.. وفى مقهى الدرينى بمحرم بك كنا نجتمع كل ليلة بعد الثامنة والنصف مساءً كمجموعة من الشعراء والأدباء والمسرحيين، والحوار يطول وعادة ما يتبع الحوار الشجار فيما بيننا لأننى أرى أن دورنا فى هذه المرحلة يجب أن يكون تهيئة الناس للمعركة وتوجيه مشاعرهم للإحساس بالمعركة بدلاً من الغيبوبة، ولكنى كنت أقاوم والسبب الحالة التى عاشها جيلنا من الضياع.. فمن يدخل التجنيد لا يعرف متى يخرج منه ولا أمل فى الخروج فالبلاد فى حالة حرب والمعركة القادمة فاصلة.. وهذه المعركة الله أعلم متى تبدأ؟
وكانت حرب الاستنزاف قد توقفت والناس فى يأس، ولكننى كنت أؤمن أن جيلى دفع الثمن، وفى العالم الثالث الشهداء من الفقراء ليس لهم ثمن كانت تأتى جثثهم ليلاً ويدفنون وأخبارهم تأتى سراً، وفى كل يوم نرى صوراً لأناس لا نعرفهم فى الجرائد يتحدثون باسم مصر وأنهم المسئولون عنها كانوا مصريين فقط فى شهادة الميلاد. أما الشهداء أبناء مصر الحقيقيين يدخلون الجيش كأرقام وعندما يستشهدون يدفنون سراً وفى الليل وكأن حياتهم كتب عليها (الحياة السرية) وهم مجهولوا الأسماء فى كل زمان ومكان.. ودائماً شهداء.
لا تظهر صورهم فى الجرائد والصحف.. تشاجرت مع ناجى أحمد ناجى ومحمد حسونة ومحمد مرسى على ضرورة أن نجهز أمسيات شعرية وطنية فى حب مصر والمعركة وقلت لهم اجذبوا حمدى رؤوف من تجاربه العاطفية وجريه خلف البنات إلى المعركة، وكان ناجى يقول دائماً معركة إيه.. يا عم سيد الدنيا ربيع والجو بديع.. وفى النهاية وبعد حوار طويل اقتنعوا بأن نبدأ بتجهيز عدد من الأمسيات الشعرية والأدبية فى حب مصر والمعركة وبدأت من جانب آخر أجهز فرقة شباب المسرح الطليعى بقصر ثقافة الحرية إلى هذه الأمسية.. وجماعة المسرح الطليعى تمثل مجموعة من الهواة تمثل جزءاً من نشاط القصر. وكان محمد غنيم مدير القصر يرى أنه تجمع كبير يضم ما يقرب من ثلاثين أو أربعين شاباً وفتاة يأتون باستمرار وكان دائماً يقول لى : هات الأولاد بتوع المسرح لحضور ندوة سياسية أو ثقافية أو افتتاح معرض فهو يراهم (جمهوراً احتياطياً) متواجد يدارى عيباً كبيراً وهو عدم إقبال الجماهير على الثقافة الجادة أو الندوات. كنت أرى ضرورة أن يحضروا حتى يكون لديهم ثقافة موسوعية، فرجل المسرح يجب أن يكون موسوعى الثقافة بينما كان يراهم هو أنهم يفطنون العيوب.
أول أكتوبر 1973 :
قدمت أول أمسية ثقافية فى منظمة الشباب الاشتراكى الناصرى فى قسم محرم بك تحت عنوان فى حب مصر والمعركة، وتحدثت عن سيد درويش وتأثره بالمجتمع وأحداثه ثم غنى حمدى رؤوف مع الكورال، وفوجئنا بالشباب ينقد الأوضاع ويعبر عن اليأس، الذى وصل إليه ولكن مع أغانى حمدى رؤوف لسيد درويش تحولت الأمسية إلى ما يشبه المظاهرة الفنية الثقافية فى حب مصر، تركنى حمدى رؤوف وخرج من الندوة مسرعاً مع فتاة وجلست بمفردى فى الندوة وفى المساء سألنى ناجى أحمد ناجى عما حدث فأخبرته، فقال حمدى رؤوف مشكلة يا ريس قلت له : هو فنان موهوب ووظيفتى أن نحافظ على أى موهبة حقيقية ونوجهها، فهو ملحن ممتاز ومطرب الأمسية الثقافية (بتعاتك) ضحك ناجى أحمد ناجى وقال : عايز تتعبنى يا ريس قلت.. معلش.
يوم 5 أكتوبر 1973 قدم ناجى احمد ناجى إخراجه لأمسية ثقافية فى حب مصر والمعركة واشترك معه خضر الشاعر الموهوب الذى كان لا يبخل بالتواجد معنا دائماً كمسرحيين، واشترك حمدى رؤوف معه، ويومها قدم حمدى رؤوف من ألحانه تلحين أغنية لى بعنوان بلدى بلدى.. ولم أحضر الأمسية لظروف خاصة بالعائلة ولكننى حضرت فى نفس الميعاد.. جاء ناجى فرحاً ملوحاً ثم همس لى "هل تعتقد أننا نفعل ما هو صحيح وهل هناك معركة ستتم وسط هذا اليأس واللا إنت عايز تودينا فى داهية؟؟؟
فقلت له المهم كيف حال استقبال الناس لكم.. قال كان رائعاً رائعاً وبعدها دخل ناجى أحمد ناجى الجيش حيث كان مجنداً وطال به الأمر سنوات ولا يعرف متى يخرج من الجيش ولكن كانت ليلة حرب أكتوبر جزءاً من تاريخ حركة المعركة والثقافة ودور المثقف فى التنوير..
يوم 6 أكتوبر 1973 مساء وبعد الإفطار كنا نجلس فى مقهى الصعايدة وهو مقهى فقير بجوار مقهى الوادى فى محطة الرمل (الآن تحول إلى بوتيك .. محل انفتاحى) وجلس معى على المقهى المخرج محمد حسونة وبعض الأصدقاء وسمعنا فى الراديو صوت المذيع يذيع بيانات عبور قواتنا للقناة.. خرجت من المقهى مسرعاً إلى قصر ثقافة الحرية وفى الطريق شاهدت نجيب سرور المخرج والشاعر العبقرى الذى قتله المثقفون فى مصر ورفضوا أن يستقبلوه كعبقرية منفردة فأصيب بحالة نفسية وادعوا أنه مجنون وأنه مصاب بحال من الخلل العقلى، كان نجيب سرور واقفاً فى محطة الرمل أمام (محل على كيفك) يصرخ يا ناس السادات بيضحك عليكم (الحرب دى كذبة) كان نجيب سرور نزيل مستشفى الأمراض العقلية فى الإسكندرية وكان دائماً يسبب لى المشاكل فكلما شاهدته طلب منى نقوداً وكنت دائماً أراه يشرب بها (بيرة) ومرة أحرجنى وقال لى : الجرسون فى محل ايليت.. (المحل الذى كان يجلس فيه دائماً وهو محل يقع أمام سينما مترو فى الإسكندرية) سألته : ماذا بك، قال سيدخلنى السجن.. أحتاج إلى ثلاثة جنيهات فوراً.. بحثت فى جيبى لم أجد نقوداً.. ذهبت إلى أمى فى محرم بك وطلبت منها ثلاثة جنيها (سلف) وكذبت عليها قلت لها : نجيب سرور أكل وجبه غذائية وإذا لم يدفع سيسجن ولابد أن يدفع الفلوس، وأخذت منها جنيهات ثلاثة ونزلت وأعطيتها له.. كنت وقتها أعمل مدرساً فى مدرسة النجاح الإعدادية بمبلغ تسعة جنيهات فى الشهر والمرتب ضئيل للغاية، وكنت أعطى بعض الدروس وكنت أذاكر فى كلية التربية لأحصل على شهادة، وكنت أعمل مخرجاً لفرقة الشركة الأهلية بمبلغ ثمانية جنيهات فى الشهر، وكنت أخرج لفرقة التمثيل بالجامعة مقابل 150 جنيهاً فى المسرحية، وهو أعلى أجر وقتها للمخرجين، وكنت أقوم بتدريب شباب فرقة المسرح الطليعى بالاسكندرية مجاناً أقرأ وأكتب وأرسل مقالات لمجلة السينما والمسرح لعبد الفتاح الباردوى كى ينشرها لى مقابل 4 جنيهات فى المقال، كما كان وقتها صلاح عبد الصبور يفتح لى أبواب مجلة الكاتب لتنشر لى مقابل مكافأة ستة جنيهات قال لى على شلش مرة إن صلاح عبد الصبور يقول عنك إنك موهبة تحتاج من يرعاها كان على أن أقرأ يومياً كتاب وكان على أن أكتب وأدرب الشباب على التمثيل وأذاكر فى الكلية وأحب.. فلا مانع من إقامة علاقة مع فتاة جميلة فى الجامعة فى فريق التمثيل والصعلكة على البحر وسرقة ساعات الحب، كنت أرى الله جميلاً فى الكون فى البحر والإسكندرية والشمس التى تشرق على شوارع المدينة بعد شتاء لتمسح الشوارع من المطر.. كنت أرى أن اليوم 24 ساعة لا تكفى لكى يمارس الإنسان حياته كنت أرى حرب أكتوبر قد طهرتنا من الجراثيم وحولتنا لشعب أسطورة لمدة شهر على الأقل، كنا نحب بعضنا ونعطف على بعضنا.. المهم تركت، نجيب سرور فى محطة الرمل يصرخ ويشتم السادات وشرطى المرور يجذبه ولكننى لم أفعل شيئاً، فى آخر مرة جذبته من يده من ميدان محطة الرمل تحت تمثال سعد زغلول وكان يشتم ويحثهم على الثورة ووضعته فى تاكسى وقلت للسائق اذهب لمستشفى المعمورة للأمراض العقلية وأعطيته جنيهين.. وبعد ربع ساعة قابلته فى محطة الرمل فسألته إيه يا أستاذ نجيب ألم تذهب إلى المستشفى فقال مستشفى إيه.. إنت تعطى السائق جنيين وأنا لا.. قلت أعرف أن مشوار المستشفى بعيد قال : أخذتهم منه ونزلت.. الآن لابد أن أتركه على أن أذهب إلى المسرح الطليعى الذى يزداد يوماً بعد يوم بأفراد أدباء وشعراء وفنانين، وكان هو التجمع الثقافى الوحيد المتميز فى الإسكندرية، بل وفى مصر فى وقت كان يأكل الوسط الثقافى والأدبى لحم بعضه ويقتلون بعضهم بعضاً بالإشاعات كانت البروفات مستمرة حول قصائد المعركة لعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب ومجدى نجيب وإبراهيم غراب وابراهيم رضوان وزكى عمر، دخل ذات يوم محمد غنيم فى البروفة فسمع الشعر فقال لمن؟ فقلت له أسماء الشعراء فقال دول لهم أفكار ضد النظام قلت له يا عم محمد النظام لم يرسل لك ملف أسماء الناس اللى ضده ولكن هؤلاء عشان الوطن.. عشاق مصر، وكنت أخرج يوماً مسرحية لعلى سالم عفاريت مصر الجديدة للشركة الأهلية. دخلت إلى القصر وقلت لفريق الشركة الأهلية مبروك عليكم وعلى مصر الانتصار والعبور ربنا يوفقنا ونحرر سينا كلها، ما رأيكم فى تقديم أمسية وطنية تشتركون فيها مع فرقة المسرح الطليعى.. فوافقوا.. انزلوا قاعة المسرح الطليعى كانت الشركة الأهلية يجتمع فريقها فى غرفة فى الدور الأرض للقصر.. ونزلوا بفرح طفولى.
وأعلن ضم فريق الشركة الأهلية مع المسرح الطليعى فى أمسية عمار يا مصر وبدأت فى إخراج قصيدة جديدة كانت الأمسية الشعرية عندى تعنى الاهتمام بعنصر الدراما.. الحركة التشكيلية المسرحية فمن الممكن أن يتحول بيت شعر واحد إلى خمس حركات مسرحية.. إن المخرج الكسول الفاشل هو الذى يستخدم الممثلين فى الوقوف كالأصنام على المسرح لإلقاء الشعر.. فالشعر له إيقاعات درامية تصنع حركة مكثفة وغريزة وديناميكية فى المسرح.. عندما هبط الشباب إلى القاعة.. دخلت للقاعة؛ أين حمدى رؤوف ابحثوا لى عنه فى أى مكان أتذكر حمدى رؤوف فى عام 1971 أثناء زيارتى للإسكندرية من القاهرة.. كنت أشاهد حفلاً غنائياً له فى مركز الشباب بالشلالات وبعد الحفل جاءنى عادل شاهين المخرج الموهوب وكان عضواً فى جماعة الاجتياز وكان يساعدنى فى الإخراج فى معظم أعمالى، وكنت كلما قلت له أخرج مسرحية يقول لى : حتى الآن لم تكتمل أدواتى فأنا أتعلم وكنت أحب ذكاءه وقصائده الشعرية.. قال لى عادل شاهين أقدم لك حمدى رؤوف ملحن وصديقى ويجب أن يتعاون معك فى تلك الأيام، كان دورى هو تفجير الطاقات الفنية بحوارات فكرية وكنت أبحث عن حمدى رؤوف دائماً ويبحث عنى ولحن لى أكثر من خمس قصائد للكورال الجماعى. وكان لا يلتزم بمواعيد ولا بروفات ولا أى قرارات يترك نفسه للحياة اليومية وكنت دائماً أتشاجر معه لهذا السبب.. جاء حمدى صدفة ودخل القاعة فقلت له أجلس ولحن لى هذه القصيدة الآن للأبنودى قال الآن.. قلت نعم.. قال لا يمكن قلت البلد فى المعركة وأنت تريد أن تتدلل وأخذت أطلق كل سباب الأرض عليه ولكنه ابتسم وأخذ يدندن ويلحن عندئذ دخل محمد غنيم مدير القصر للقاعة فوجد حمدى رؤوف يغنى فى البروفة صرخ قائلاً يا أستاذ سيد حافظ.. قلت نعم قال تعال.. فخرج من البروفة وأغلقت باب القاعة فقال.. الولد ده طلعه بره.. فقلت الولد مين قال الولد بتاع كورال سيد درويش حمدى رؤوف.. فقلت له اهدأ قليلاً يا عم محمد دا ولد موهوب وأنا أقدمه على ضمانتى قال عندك أستاذ ملحن عظيم مثل فتحى جنيد.. عندك محمد عفيفى أستاذ.. دا عضو فى الكورال وأنت بهذا بتفتح لنا الباب فقلت له لقد لحن لى مجموعة قصائد وهو موهوب وبعدين وبعدين دا مدرب كورال فى مركز الشلالات دعه لى.. قال ستندم..
ثم سألنى ماذا تقدم فى البروفة.. أما زلت تقدم شعر المعركة وحب مصر.. قلت نعم قال: نستطيع أن تقدمها للناس متى؟ قلت الليلة، قال لا غداً.. قال ليس عندى نقود سأقدمها باسم الشركة الأهلية وقصر الثقافة.. وبالفعل أحضرنا من عند ذهنى صاحب محل الملابس والكهرباء فى شارع الاسكندرانى لكى يضئ القاعة باسبوتات متحركة وطلبت من حمدى رؤوف أن يكمل الألحان غداً وأن العرض غداً 7 أكتوبر 1973 لأول عرض مسرحى فى مصر عن حرب أكتوبر باسم أحبك يا مصر.. ها هى الإسكندرية تظلم مبكراً الحرب.. البيانات.. الأغانى الحماسية الازدحام فى الأفران أو الجمعيات لا حوادث فى الطرقات شعب كأنه هبط من السماء فجأ لا مشاكل فى أقسام البوليس.. الأغانى الحماسية فى حرب 1973 مختلفة الإيقاع عن الأغانى الحماسية فى حرب 1967 كانت الأمسية تحتوى على أشعار محمود درويش معين بيسو وزكى عمر – الأبنودى – سيد حجاب – إبراهيم رضوان – مجدى نجيب – محسن الخياط.. أربعون ممثلاً قاعة محاضرات عامة 3 أمتار يتحركون بتشكيلات أصغر ممثل 14 سنة عادل حافظ وأكبرهم عم السيد 58 سنة من الشركة الأهلية للغزل.. نجح العرض نجاحاً لم نتوقعه ودخلت الكلمة المعركة ونجح حمدى رؤوف ملحنا وبدأت أغانيه تغنى فى شوارع الإسكندرية، وطلبت من فريق التمثيل أن يستعد بعد أسبوع لتقديم عرض جديد حتى لا تمثل الناس وأن نغير فقرة فقرة فى العرض.. وأثناء زحف الجماهير إلينا وحشد الناس، فعلها حمدى رؤوف، فوجئت أثناء الاستراحة ما بين الفقرات.. بعدم وجوده فقالوا أنه خرج مع فتاة وتأخر الناس فى انتظاره أكثر من نصف ساعة فقلت لهم اصعدوا على المسرح وغنوا دون موسيقى وبدأ الممثلون يغنون دون العود.. يومها قال لى محمد غنيم ألم أقل لك إنه سيخذلك قلت فعلها ولكن ماذا أفعل.. قال أطرده قلت لا سيتعلم ذات يوم، وبدأت تتوافد علينا جماهير الإسكندرية الفقراء منهم من الأحياء الشعبية ولا يخافون الموت.. من حى كوم الدكة – حى سيد درويش العظيم، لم أشاهد فى جمهور الصالة أى واحد من الأثرياء أو الطبقة العليا.. الفقراء يموتون يحتفلون بالوطن ويغنون له.. زارنى الملحن الصديق المبدع منير الوسيمى الذى أخذ بعد العرض للقصائد يبكى بصوت عال واحتضننى قائلاً : إنت أنقى صوت فى مصر الآن؛ أربعون شاباً وفتاة يعملون معى وصبرى سالم جارى فى المنزل وصديقى والمشرف على مسرح الشركة الأهلية يقف بجوارنا وفوزى خضر أخبرنى أنه كتب قصيدة عن سيناء يوم 5 أكتوبر.. هكذا ومحمد غنيم بدأ يجلس طوال اليوم والليل معنا فى قصر ثقافة الحرية ومعه صلاح أبو الكل.. وقال محمد غنيم ما رأيك السيدة ليلى مهدى تعمل ديكوراً بسيطاً ولوحات ترسم على البانوراما فوافقت وكانت ليلى مهدى تقف لترى وتسمع لتعبر فى لوحة تعلق كبانوراما.
9 أكتوبر 1973
كنت أجلس فى المنزل بعد السادسة عشرة ومازال فى أذنى صوت المذيع الذى يعلق فى بيانات عن اقتحام جنودنا العظام إلى القنطرة شرق وتحريرها.. وأن القتال من بيت إلى بيت.. كنت أتمنى أن أسمع صوتاً واسم شهيد واحد وأن أعرف الأبطال واحداً واحداً؛ ولكن للأسف كانت الصحف مليئة بصور الذى لم يحاربوا.. وكأن قدر مصر الدائم ناس تزرع وناس تحصد.. ناس تموت من أجل الوطن والانتصار وناس تعلق الأوسمة على صدورها.. القنطرة شرق تتحرر.. هذا هو المكان نعم المكان والزمان 6 أكتوبر 1973 عنصرا الزمان والمكان معى هناك رجل أحبطته الهزائم يجلس فى منزله وحيداً أعزب.. يقتحم منزله ثلاثة من الفدائيين ماذا يمكن أن يحدث.. الدراما بكل عناصرها.. كتبت المسرحية فى ليلة واحدة.
10 أكتوبر 1973
مر على منزلى عطيه المصرى تلميذى فى المسرح أعطيته مسرحية "والله زمان يا مصر" وطلبت منه كتابتها بخط واضح لأن له خط جميل فكتبها "أصل وصورتين" على ورق الكربون.. كنت سعيداً جداً بهذا.
جاءنى فى القصر فى هذا المكان مساء يوم الفنان المخرج على عبد العزيز الذى جاء ليشاهد عرض (أحبك يا وطنى) وانفعل كثيراً بالعرض الذى شاهده وقال لى غير معقول أن كاتباً وفناناً مثلك لم يكتب مسرحية عن هذا الحدث العظيم "العبور" قلت له كتبت أمس على استحياء عملاً متواضعاً من فصل واحد اسمه "والله زمان يا مصر" قال أريده فوراً.. قلت له يا رجل إنه مشروع لعمل مسرحى.. قال أرجوك أريد قراءته فقط.. قلت له غداً.. وثانى يوم أعطيته إحدى النسخ التى كتبها عطية المصرى.
كان مسرح السيد درويش مظلماً وقاعة قصر ثقافة الحرية لا تتحمل أكثر من مائة مشاهد يومياً والناس تتزاحم.. قلت لمحمد غنيم مدير القصر نريد مسرح سيد درويش قال سأتحدث مع المحافظ.. مر أسبوع وكنت كل يوم أطلب من الممثلين الحضور قبل العرض بساعتين لتجهيز عرض جديد هو عرض "وطنى يا وطنى" حيث أن الشركة الأهلية لا يمكن أن تصرف على العرض بتكليف الإضاءة من عم ذهنى صاحب محل الإكسسوار؛ وهو عرض مكون من مسرحية شعرية قصيرة عن عبد الله النديم – ومسرحية رجل ونبى وخوذة وهما من أعمالى ثم قصيدة كبيرة للشاعر محمود درويش تحت عنوان الخروج من ساحل المتوسط. قلت لمحمد غنيم نحتاج إلى ميزانية فانلات بسيطة سواء وقطع ديكور بسيطة جداً قال الفانلات ممكن يتصرف الشباب أما الميزانيات ليس عندى والديكور لا يوجد، وجذبت الفنان على عاشور ليقوم بعمل ديكور من ورق اجرائد تكلف 4 قروش ونصف ثمن ثلاثة صحف يومية، وأخذ يشكل صوراً وقلت لن نكتب ديكور على عاشور سوف نكتب رؤية تشكيلية على عاشور ومساعده محمد جعفر فى لوحة.. ومسرح سيد درويش كعادته مغلق الأبواب مظلم ورجال الثقافة والفن معظمهم هاربون فى المنازل أما كبار الموظفين فيجتمعون مع المحافظ ونحن نطالب بفانلات..
صيام شهر رمضان وتعب وإرهاق وعمل بالمجان من أجل مصر دون مزايدات دون مكافآت دون أى هدف إلا الوطن والمسرح.. كنت أريد أن أعرف ماذا يدور فى جلسات.. المحافظة كل يوم كلام ونحن نعمل ونعرف الناس من حولنا تغنى أعمالنا.
كان المسرح الطليعى أكبر من كل الادعاءات ومن كل الهزات وأكبر من أى عمل جعلنا صلاح أبو الكل يقدم كل ليلة العرض بكلمة الثقافة الجماهيرية وفوجئت بمسرحية "والله زمان يا مصر" تعرض فى دمنهور من إخراج على عبد العزيز وبدأت المسرحية تنتشر فى المحافظات كنت فرحاً للغاية وأنا أسمع انتقالها من محافظة إلى محافظة بفرق مختلفة.. كانت القاهرة مضيئة بمسرحية (مدد مدد ما تشدى حيلك يا بلد) للشاعر إبراهيم رضوان وزكى عمر كانت أقاليم مصر تحتضن إبداعنا لأن الشهداء من الأقاليم والفنانين من الأقاليم والعاصمة تضم معظم العناصر التى سقطت فى بحور الادعاء والنص والاحتيال والدعارة الفكرية، نحن نتحدث باسم مصر لا مانع أن يخرج فى العاصمة ألف واحد يقول مصر.. ولكن مصرنا غير مصرهم وطننا غير وطنهم.. نحن عندما نقول يا وطنى يغنى معنا كل الشعوب وهم عندما يقولون يا وطنى فى الإذاعة والتليفزيون أو كل وسائل الإعلام ينصرف الناس عنهم فى لعب الطاولة أو متابعة نشرة الأخبار أفضل أو سماع إذاعة لندن للتأكد من أن العبور حقيقة وأننا انتصرنا، وليس كما خدعنا الإعلام فى الحرب السابقة، الوطن ليس صورة فى جريدة وليس حديثاً فى التلفزيون ولا أغنية فى الإذاعة.. الوطن الناس كان زكى عمر وابراهيم رضوان والمخرج عبد الغفار عوده فى مدد مدد ما تشدى حيلك يا بلد.. وفجأة ازدحمت أصوات الكدابين فى العاصمة بمسرحيات كثيرة وأعمال كبيرة وكان الكذابون أعلى صوتاً، وفجأة بدأ يضيع صوت الشرفاء فى زحام الأصوات الفاسدة وضجيج المتاجرة والتغنى وعبادة الفرد.. كان المسرح الطليعى متميزاً وكان حمدى رؤوف فى كل ليلة يغنى مع فاطمة حرفوش فى أغانى مسرحية النديم وقدمنا قصيدة إضافة لمجدى نجيب ومحسن الخياط.. أرسلت إلى على شلش رسالة أدعوه لمشاهدة العرض المسرحى ودعوت الناقد الأديب محمد صدقى من جريدة الجمهورية دعوتهما على نفقتهما للحضور.. كتب على شلش فى مجلس الإذاعة والتليفزيون العدد (2020) يوم السبت أول ديسمبر 1973..
وطنى يا وطنى ومسرح الطلقة :
من قلب المعارك والانتصارات تتوهج الكلمة.. وإذا توهجت الكلمة صارت طلقة.. وإذا انطلقت هذه الكلمة (الطلقة) أصابت هدفها فى الصميم وهذا ما حدث عندنا منذ 6 أكتوبر العظيم، صحيح أن الكلمة لا تغنى عن الطلقة وصحيح أيضاً أن لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بما تحمل من معنى وما تحدث من أثر، ولكن الأصح أن الكلمة والطلقة تصبحان وقت الحروب شقيقتين ووجهين لعملة واحدة اسمها الجهاد.. والجهاد على مسرح الطلقة، أما الجهاد على مسرح الجماهير فوسيلته الكلمة، ولأن الكلمة توهجت فقد تحولت طلقة وتحولت عروضنا المسرحية إلى صواريخ من الكلمات، إنه مسرح الطلقة يولد مع المعارك والقتال ويستجيب للأحداث بسرعة ويصل إلى جمهوره بسرعة أيضاً.. ساخناً أحياناً وثائراً أحياناً على القواعد والموروث ولكنه مخلص فى النهاية.
فى الإسكندرية، وعلى مسرح صغير وأمام ديكور بسيط ومع 15 ممثلاً شاباً شاهدت عرضاً ساخناً من هذا النوع.. أعده وأخرجه كاتب شاب طموح هو السيد حافظ (أوزوريس) كما يحب أن يسمى نفسه، كان العرض فى قصر ثقافة الحرية الذى تبنى هذه التجربة وقدمها لجمهوره بأبسط إمكانات الثقافة الجماهيرية، كان عرضاً مسرحياً من النوع الذى يدخل مباشرة تحت ما نسميه "مسرح الطلقة" أى مسرح الكلمة الساخنة المتوهجة الذى يولد مع المعارك وقتال الطلقات الحقيقية وتحت عنوان "وطنى يا وطنى" قام السيد حافظ بعملية مونتاج ذكية بين عدد من قصائد محمود درويش ومجدى نجيب ونص مسرحى قصير من تأليفه بعنوان "رجل ونبى وخوذة" يدور فى شاعرية جميلة حول انتصارات شعبنا.. وينتهى بوصية بليغة رددها ممثلون بحماس مثير :
ضموا كل كف فى قلب كف .. وقفوا صفاً واحداً
وقفوا يداً واحدة وقلباً واحداً .. لسه قدامنا المشوار طويل
لسه جوانا حاجات كتير.. عايزة مقاومة.. عايزة الحرب
عايزة الرصاص.. عايزة الخلاص.. عايزة مصر
مصر التى قال عنها مجدى نجيب فى قصيدته التى تضمنها العرض :
الموج لو جاله عالى اعلاله .. ومتطاطيش
الريح لو جات شديدة .. اصمد بإرادة حديد
إعلاله وما تطاطيش
وهى مصر التى نطق عبد الله النديم بحبها قائلاً : فى العرض نفسه..
احبك قد الريح العفية .. أحبك قوية
أحبك ضليلة عليه .. وكلمة مندية
وفجر وأذان .. أحبك عساكر أمان
أحبك جنود وسلاح .. أحبك فرسان
الكلمات جميلة ومتوهجة والطاقات التى أنشدتها أكثر توهجاً، ولا سيما ذلك الصوت الدافئ المبشر لشاب أسمر موهوب "حمدى رؤوف" وكذلك الصوت الشعبى الرنان لزميلته فاطمة حرفوش والأداء الحماسى لفريق الممثلين الشباب وعلى رأسهم غريب مهنا وعادل شاهين وسعد دسوقى، الذين كانوا يمثلون بالعرق والحب للمسرح والوطن.. ولو أتيح لهم مزيداً من التدريب والدارسة لخرجت من صفوفهم مواهب لامعة، أما الديكور فمع أنه بسيط.. ومع أن اللون الأسود لم يكن فى محله.. وكان يمكن للأخضر أن يتألق فيه أكثر، إلا أنه يعكس مقدرة تصميمه على مصطفى عاشور ومحمد جعفر.
وإذا كانت الإسكندرية محرومة من حركة مسرحية فإن العرض الساخن البسيط يؤكد أنها مدينة تريد لنفسها حركة نشطة فلابد أن تبدأ ولو من الصفر وبأية إمكانيات والحركات المسرحية فى كل التاريخ المسرحى هنا وعند غيرنا لا يمكن أن تبدأ بقرارات ولكنها تولد فى قلب ظروف مسيئة لولادتها..
ومن محاسن يوم العبور العظيم أنه كان "شرارة" لأشياء كثيرة نرجو أن تبدأ وأن الفرصة متاحة لولادتها واستقبالها ورعايتها والمسرح واحد من هذه الأشياء، وعلى الإسكندرية بماضيها المشرف، فمن المسرح أن تبدأ معها كل مدينة بل وكل قرية لأن المسرح هو الفن الجماهيرى الوحيد تقريباً الذى يمكن أن يولد، وأن يعيش فى كل الظروف وبأية إمكانيات.. أما هذه التجربة التى عرضها قصر ثقافة الحرية والتى تستحق من الثقافة الجماهيرية كل التشجيع، ولا أقل من أن تجد الإمكانيات تنقل فى قصور الثقافة العديدة المنتشرة على طول مصر العظيمة، التى بدأت تستنشق هواءً نقياً منذ 6 أكتوبر ولا يهم أن تكون التجربة ناضجة ومكتملة من جميع الوجوه، ولكن المهم أنها "شرارة" وأن الشرارة بطبعتها قابلة للتكاثر والانتشار ما لم تخمد، والفن بأسره مجموعة من الشرارات. (على شلش).
وفى العدد نفسه من المجلة كتب الناقد حازم هاشم تحت عنوان "كل مصر انفعلت إلا هذا المسرح"
"تصور مسرح القطاع الخاص أنه يستطيع أن يواكب ظروف معركتنا المجيدة بمجرد إضافة فقرات أو قفشات تافهة وهزيلة إلى أعماله السابقة على المعركة أو الأعمال الجديدة التى بدأ عرضها بعد أكتوبر المجيد رفع ولا أقول وضع.. النص بقفشات على مستوى (والله أخليك دبابة إسرائيلى.. مالك بتتكلم كده زى جولدا.. مالك خايف كدا زى عسكرى اسرائيلى) والبعض الآخر فضل أن يلهى عرضه المسرحى بالإشارة إلى أن "أجمل لقاء فى العالم هو لقاء الجندى المصرى معه تراب سيناء" والبعض الثالث تصور أنه قد شارك فى معركتنا بالتبرع بإيراد يوم عرض لمجهودنا الحربى، لكن التفاهة هى التفاهة، والتأوهات هى التأوهات والمواقف المعادة المكررة كما هى لم تتغير.. ناهيك عن الفكر السقيم وافتقاد هذه الأعمال كلها إلى أى قيمة نبيلة لكن الممنوع منهاً باتاً لدى مسرح القطاع الخاص أن تفكر فى تقديم عمل جاد ذى قيمة ولا مانع أن يكون كوميديا أيضاً فليس هناك حتى الآن ما يشير إلى افتراض الهزال والتفاهة فى الكوميديا لا تاريخياً ولا حديثاً، ولكن مسرح القطاع الخاص مازال مصراً على هذا الافتراض واعتقد أن إصراره لا يستمر، رغم تشجيع هيئة المسرح له بتجهيز المسارح لأعماله ومحاولة دفعه إلى الأمام وكنت أتمنى أن ينتهز مسرح القطاع الخاص فرصة معركتنا المجيدة ليغير جلده ومضمونه فإن مصر انفعلت بأكتوبر المجيد إلا هذا المسرح".
ثم كتب الأديب الكبير محمد صدقى فى جريدة الجمهورية سنة 1973 مقالاً بعنوان (وطنى عشت يا وطنى) ليس الفن والثقافة مجرد معرفة فكرية، وإبداء آراء نقدية.. ونقاش ولوائح لجان قراءة وميزانيات وقرارات مكتبية علوية.. الثقافة والفن.. فعل.. موقف.. يكشف ويحدد أن يقف الكاتب والفنان والمسئول الإدارى فى حقل الفن من قضايا مجتمعة.. مع من.. وضد من كيف يجسد مبادرته التى تعطيه بحق جلال صفته كفنان..
فبالذات.. حين يواجه الوطن الخطر، ويصبح قلم الكاتب وريشة الرسام، وكلمة الممثل على المسرح وقصيدة الشاعر وكاميرا المصور مطالبة جميعها أن تقف بمسئوليتها إلى جوار البندقية والمدفع، وفى قوة خطرهما يفرض السؤال نفسه بحثاً عن الإجابة، فى مثل هذه الظروف، يصبح ما قدمته فرقة المسرح الطليعى من مسرحيات على مسارح قصور الثقافة، وفى أماكن تجمعات العمال بالاسكندرية، بالجهود الذاتية.. المحدودة، والتبرعات العينية والمادية التى جمعها شباب تلك الفرقة والتى بلغت ستين جنيهاً تصبح مثل تلك الجهود مثلاً يحسن التنويه به وتكريمه بعد أن عضده وتسانده على الأقل بقدر حماس الجمهور السكندرى الذى شاهد أعمال تلك الفرقة المسرحية وشجعها.
ذلك أنه بحافز مسئولية الفنان الإقليمى للقيام بدور إيجابى فى المعركة ضد العدو قدمت فرقة المسرح الطليعى بالاسكندرية ثلاثين فناناً شاباً هاوياً عرضها الشعرى المسرحى "وطنى عشت يا وطنى" على مسرح قصر ثقافة الشاطبى من إعداد وإخراج السيد حافظ من أشعار لمحمود درويش ومجدى نجيب وأوزوريس لمدة أسبوع.. بعد تقديم نفس العرض على قصر ثقافة الحرية – ومسرح قصر ثقافة الأنفوشى" ولعمال عدد من الشركات الصناعية بالإسكندرية فى مواقع عملهم.
منذ 6 أكتوبر قدمت فرقة الطليعة بالإسكندرية مسرحية "وطنى يا وطنى" كما قدمت عروض مسرحية "عمار يا مصر" ومسرحية "6 رجال فى معتقل" والتى تبرز مقاومة الشعب المصرى فى مواجهة المؤسسة العسكرية الصهيونية ومسرحية "رجل ونبى وخوذة" ومسرحية "سيناء ما نسيناش" تحية لفرقة مسرح الطليعة.. بالاسكندرية، لحماس شبابها الذين انفعلوا بالمعركة وأعطوا أكثر مما انفعل بها وأعطاها بعض كبار الكتاب والفرق الفنية المحترفة..
وتحية للمسئولين فى قصور الثقافة بالإسكندرية الذين ساعدوا على تلك الأعمال الفنية البسيطة فى إطار احتياجات المعركة من الفن ورسالته.
ثمن كتب مقالاً فى الجريدة نفسها تحت عنوان "أحبك أحبك يا مصر" قال فيه :
يعرض مسرح قصر ثقافة الحرية بالإسكندرية بإمكانيات بسيطة.. وحماس دافئ وإخلاص متواضع ثلاث لوحات مسرحية شعرية لجماعة (المسرح الطليعى) شباب هواة من الجامعة والعمال والموظفين الذين هزت وجدانهم أحداث معارك أكتوبر.. فتجمعوا يقدمون لجمهور رواد القصر ذلك العرض الشعرى الغنائى الراقص الذى يستغرق ساعة ونصف الساعة من شحنة اشتعال الوجدان بحب الوطن من الدعوة اليقظة للتفكير، الدعوة الواثقة بالشعب.
فمنذ 6 أكتوبر وبعد عرض "عمار يا مصر" و "وطنى يا وطنى" وهما المسرحيتان اللذان قدمتهما نفس الفرقة، يأتى العرض الجديد المكون من تلك اللوحات الثلاث من كتاب النيل الوصايا – رسالة من فلاحى الضهرية إلى فلاحى العالم.. التى ينتظم حوارها قصائد شعرية لمجدى نجيب – أوزوريس- إبراهيم غراب.. وقام بتلحينها عامل النسيج على محمود.. وغناء الكورال الشجى "فاطمة إبراهيم" اللوحات الثلاث مضمونها الشعرى يقترب برؤية مبسطة لفهم دلالة 6 أكتوبر.. يقظة مصر وبطولات مقاتليها وتضحياتهم، بعد الاختزان الطويل لمرارة النكسة – حيث يعبر المشهد التمثيلى الأول (من كتاب) النيل – عن مصر فى لحظة تطهير وتنوير.
أحبك.. أحبك.. يا مصر الرصاص.
يا سيرة شجاعة.. وعزيمة خلاص.
أحبك فى حضرة فيضانك... ... ..
أحبك مصانع... كبارى
أحبك صفا ... . وانتباه
أحبك فى صوت المدافع
أحبك يا مصر المقاتل
يا مصر العزيمة.. وأم الشهيد
كذلك فى اللوحة الثانية (رسالة من فلاحى الضهرية إلى فلاحى العالم) التى صاغها إبراهيم غراب بتحويل وتطوير الأغنية الشعبية (قولوا لعين الشمس) يحكى العدوان فى إطار شجن الفلاح المصرى وعزيمته يوقظ أهالى القرية وكل الفلاحين فى مصر.. إلى شرعية المقاومة وعدالة الحرب دفاعاً عن الأرض والعرض..
قولوا لعين الشمس ما تحماشى.. إن كنت ماشى.. واللا ما انتاش ماشى.
زاحف ضنايا فى عز الضهر يحضن سينا.. سايقه عليك طه النيى يا خلى.
تبعت معاه العافية ما تحشهاشى.. وتجيب معاه مسك وورد وشاشى.
أما اللوحة الثالثة عن (انتفاضة الزعيم الوطنى مصطفى كامل) فتحكى قصة نضاله من أجل يقظة مصر ومقاومتها من خلال عرض شعرى سريع لحياته ولدعوته للقضية المصرية.
يا بلدى يا فرحى وهمى..
يا لحمى ودمى.. يا ركعة صلاتى.
يا منقوشة على الحق على الجدران
يا مجلات الحيطان.. العباد تشتاق دايماً للحقايق
وضمينى يا كل الشوارع.. آه يا لندن.. يا باريس.. يا مصر.
دنشواى حمامة بيضة.. حطت على كتفى بيضة.
تحية لمخرج العرض.. وشعلة الحماس.. السيد حافظ.. تحية لبساطة العرض وتواضع الإمكانيات التى تم بها.. لجهود الأداء الفنى لمجموعة أعضاء الفرقة.. وفى مقدمتهم فتنة مؤمن عادل الحوفى، أحمد عبد المجيد.. سعيد دياب.. لإخلاصهم وتفانيهم بكل طاقتهم الإبداعية. ودعوة لمساندة هذه الفرقة على الاستمرار بمزيد من التقدم الفنى مع مزيد من الجهد والإمكانيات.
محمد صدقى / الجمهورية – ديسمبر 1973
0 التعليقات:
إرسال تعليق