دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(38)
قراءة في مسرحية:
" ملك الزبالة أو الزبالين "
للسيد حافظ
بقلم : زكية أمسلك - المغرب
دراسة من كتاب
المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة
قراءة في مسرحية:
" ملك الزبالة أو الزبالين "
للسيد حافظ
بقلم : زكية أمسلك - المغرب
كلمة السيد حافظ :
إنني كاتب مبتدئ عاشق تراب الوطن محموم بحب الفقراء .. ضد اغتيال الفكرة وسجن الرأي الآخر وذبح القصائد وديمقراطية الجرائد..
إنني كاتب بسيط .. أبحث في عيون الناس عن اللغة السرية ومدن تمنح الإنسان الأمان .. عاشق مصر العربية, لست بكاتب كبير ولست بصاحب تقليعة. ولكنني محاولة ثم محاولة ثم محاولة تحاول أن تكون الكتابة المغامرة الأدبية, تفتح أمام جيل آخر طرق البحت عن الكلمة الفعل الخلاص.
(ملك الزبالة) قراءة واصفة:
- مسرحية كوميدية من تأليف : السيد حافظ .
- صادرة سنة : 1992 بالقاهرة .
- تضم تمهيدا عن الواقعة التاريخية لأحداث هذه المسرحية. ثم ثمانية مشاهد
- وتردف في آخر الكتاب: الأعمال المسرحية والفنية الأخرى للسيد حافظ من: مسرح ومؤلفات ومسلسلات وسينما وصحافة ومهرجانات والدراسات النقدية التي قدمت لأعماله.
- ويوجد في غلاف هذه المسرحية: كلمة لأحمد العشري, تلخص مضمون المسرحية, وتقدم أهم المواقف التي تناولتها .
استهلال:
قد يكون السؤال حول قراءة النص متوجا بعدد من التساؤلات الأخرى التي تستوجب قراءته. وتكون الإجابة دائما متعلقة بطبيعة هذا النص وماهيته.
لكن السؤال يختلف هذه المرة عندما يكون الأمر متعلقا بنص مسرحي قابل للعرض. فصفة المسرحي التي أسندت إلى النص تنقلنا إلى أشد الفنون جدلا وأكثرها محاورة لعديد من التساؤلات: جذوره؟ وأصوله؟ ورواده؟ وماهيته؟ وعرضه؟ وبيئته؟ وأسسه الجمالية.. إلى غير ذلك من التساؤلات المتعددة التي تنقلنا إلى ربط هذا النص المسجل على صفحات الكتب أولا، وإلى عرضه فوق خشبة المسرح ثانيا, وتمثل هذا النص من ممثلين بالطريقة التي اختارها المخرج لذلك ثالثا, وبالأحداث والوقائع التي وضعها المؤلف من خلال تجربته الإبداعية.
فهذه المفارقات:
الـنــص – العرض.
المـؤلـف – المخرج.
الشخصيات – الممثلون.
الأسس الجمالية – السينوغرافيا..
تدعونا إلى القول بأننا أمام فن بصري بالدرجة الأولى, فن يقوم على الازدواج " فن شعبي, جماعي ينتمي إلى عالم الفلكلور أكثر من انتمائه إلى عالم الأدب." ([1])، فن يتشكل من مجموعة من الفضاءات التي تعمل على بناء هذا النص/العرض وفق نسق خاضع لقوانين وأنظمة معينة.. تتيح الفرجة والاطلاع على كل ما يحمله هذا الفن, ويهدف إلى تجسيد فكرة أو رؤيا أو حدث واقعي أو تاريخي، ليصنع به حدثا آخر يتزامن مع أحداث العصر. " وفي هذا تتمثل العلاقة المزدوجة التي يعمل المسرح على تأكيدها باستمرار بين الماضي والحاضر حيث تكون الحكاية الممثلة والمنطوقة شفهيا هي رمز الماضي المستعاد, فيما يكون الممثل الحي هو رمز الحاضر المستمر أو بكلمات أخرى يكون هو نموذج تفعيل أو تحيين الماضي وجعله حاضرا بالإمكان." ([2])
يتوجب علينا في ضوء هذا المهاد النظري أن نقيس هذه التساؤلات حول نص مسرحي لأحد المبدعين ينتمي المسرح السياسي من خلال مسرحيته " ملك الزبالة أو الزبالين " لصاحبه السيد حافظ.
النص المسرحي: الجانب الموضوعاتي:
1- الـعـنـوان:
يشكل العنوان عتبة أخرى تكون تمهيدا لوضع قراءة موازية للنص المسرحي الداخلي. و يقوم بتقديم مجموعة من الافتراضات الأولية التي يمكن نسج خيوطها على هذه الصفحة: فمن هو هذا الملك؟ ومن هم هؤلاء الزبالة؟ وكيف يعقل أن يكون لهذه الفئة من الناس ملك؟ فالملك ملك للشعب كله: وزراؤه, كتابه وموظفوه ونوابه.. ولذا جيء بالملك مضافا إلى هذه الفئة من الناس. وكيف يمكن تقبل ربط كلمة الملك التي تدل على العزة والكرامة والعلو والسمو باللفظة الثانية زبالة المرتبطة بكل ما هو مشين في هذه الحياة.
فهنا: العلو مقابل الدنو. وهذان المتناقضان شيئان مترابطان, خصوصا إذا ما افترضنا أن هذا الملك مجرد مجاز أو لباس يتوارى من خلفه شخص ينتمي إلى هذه الفئة أو هو بالصورة المعكوسة تماما, ملك حقيقي يختفي في زي هؤلاء الزبالة حتى يراقب استمرارية الحياة بشكل لا يعرفه به أي شخص آخر.
إذن يمكن لأحد من هذه الافتراضات أن يكون صحيحا ويحتم علينا الموقف هنا الوقوف على المستويات الدلالية للمشاهد من داخل المسرحية حتى نميط اللثام عن هذا الغموض.
2- ملخص المسرحية:
من المؤكد أن لكل مسرحية جوانب موضوعية تتمحور حولها أحداثها. ويمكن تجسيد الحدث الرئيسي لهذا النص في مجموعة من الجوانب يمكن تلخيصها على الشكل التالي: فالمسرحية تعرض معانات الزبالين: هذه الفئة الفقيرة من الناس التي يفرض عليها بشكل قاس دفع الضرائب وتقديمها للسلطة على كل قفة زبالة يجمعونها من أمام منازلهم. إلا أن ظلم هذا الحكم وجوره يؤدي بنفور هذه الفئة من تنفيذ هذا الأمر الذي ألحق بالزبالين ضررا كبيرا, لأنهم لا يملكون قوت يومهم، فكيف لهم بدفع الضرائب. وهنا تظهر الشخصية الرئيسة في النص المسرحي: "قسام تراب " الذي سيهتدي إلى رأي " زعتر" بدفع الضريبة مدة يومين ثم التوقف عن تأديتها، والتوقف عن حمل الزبالة وتنظيف الأزقة حتى يتم إيقاف هذا الحكم. وكانت هذه الخطة المحرك الأساسي في بداية العنصر الدرامي المسرحي، بعد محاولة القاضي و الوالي و أتباعهما إرغامهم على جمع الزبالة. لكن محاولتهم تبوء بالفشل بعد الإضراب ثم الثورة على الفاطميين؛ مما سيفجر رد فعل كبيرة لدى السلطان الذي يعلن البحث على " قسام التراب " وجماعته للقبض عليهم بسبب إثارتهم الفساد في المجتمع، وهو ما سيِؤدي إلى اعتقاله ومحاكمته بالعودة إلى جمع الزبالة للإبقاء على حياته وحياة من معه.
المسرحية الكوميدية وإيجاد بديل للواقع:
إن أول ما يشد انتباه القارئ حول هذه المسرحية، هو النوع الذي تنتمي إليه، وهو المسرحية الكوميدية. وهذا النوع المسرحي يؤلف نسيجا آخر يندرج ضمنه هذا العمل بشكل يفتح جوانب كوميدية مضحكة، مقابل جوانب جدية تعمل على تصوير الواقع بكل مجالاته في أحواله السيئة بشكل نقدي. وهو ما خلف صورة هزلية تصور حدثا مضحكا، لكنه يخفي وراءه أبعادا هادفة. إن هذه الثنائية التي تفرضها صورة الكوميديا ما هي إلا تجسيد الممثل " الكوميديان " لها على خشبة المسرح الذي " يتفهم الضحك بوصفه فعلا إيجابيا, وليس مجرد رد فعل غير عاقل, وأنه فعل هادف لا يسعى فقط إلى ذاته ( والضحك للضحك ) ولكنه يعمل على تحقيق أهداف اجتماعية بل وسياسية أوسع بكثير مما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة." ([3])
فهذه الجوانب تفتح لنا بابا نلج من خلاله إلى مسرحية " ملك الزبالة " التي تحمل هذه الثنائية بين الهزلي والواقعي, وتتجلى في:
- مطالبة القاضي بإبعاد مريم عن المعركة وهي في أوجها التي تتطلب الحزم والعزم.
- رغبته في الانفراد بقسام التراب ليحدثه عن أمر مهم بعد هزيمته في المعركة: وهو أمر مريم.
- تقبيل الوالي ليد قسام التراب
- الإعلان عن تشكيل علم يحتوي على " مكنسة وقفة "
- مطالبة القاضي بالزواج من مريم ليكون ثمن الموافقة في أن يصبح زبال حمار.
- حكم زبيدة على ابنها بعدم معرفته لحمل السلاح، في مقابل معرفته حمل المكنسة.
- اختفاء الزبالين في صناديق الزبالة وارتياحهم في أماكنها، لأنها مصدر أمان بالنسبة لهم.
- عملية إزالة الملابس للقاضي والوالي.
- عدم معرفة العزيز الفاطمي للوالي والقاضي بعد تجردهما من ألبستهما ومحاولة خلق أعذار سخيفة لإقناع الخليفة.
الأحداث الكوميدية | دلالتها |
رغبة القاضي في الزواج من مريم أثناء المعركة وتقديمه العديد من التنازلات لأجلها. | رمز لاستهتار الحكام وهزلهم في المواقف الجادة وتغليبهم الجانب النسوي على المواقف الحازمة. |
علم قفة ومكنسة. | رمز لتنظيف البلاد من الظلم والجور على الفئات الشعبية |
الاختفاء في صناديق الزبالة. | إحالة على قصة علي بابا والأربعين حرامي، رمز لقيمة الأشياء بجوهرها وليس بمظهرها |
نزع الملابس للوالي والقاضي . | افتضاح حقيقة الحكام وتعريتهم من الواقع المزيف الذي ينشرونه في صفوف المجتمع. |
إن هذه الدلالات التي تحملها المسرحية – الصورة الهزلية مقابل الصورة الحقيقية – ما هي إلا حقيقة المجتمع العربي بحكامه، وسياستهم في تسيير البلاد، مع قهر الفئات الشعبية وتهميش حقوقها. ونجد هذا التركيز الملح حول هذه الفئات بكون المؤلف محموما بحب هذه الفئات وشغوفا بالدفاع عن حقوقها، وكشف الحقائق المزيفة التي تسعى إلى سجن وكبح الآراء الحرة والكلمة الشفافة.
النص المسرحي وجمالية الخطاب.
1- البناء العام للمسرحية:
تتكون مسرحية " ملك الزبالة "من ثمانية مشاهد:
م.1-: فرض الضرائب على الزبالين.
م.2-: إضراب الزبالين عن جمع الزبالة.
م.3: إرغامهم على جمع الزبالة مع دفع الضرائب.
م.4: استمرار الزبالين في إضرابهم.
م.5: ثورة الزبالين واشتعال الحرب بينهم وبين الفاطميين.
م.6-: البحث عن قسام التراب.
م.7-: القبض على قسام التراب واعتقاله.
م.8-: محاكمة قسام التراب.
من خلال هذه المشاهد إذن، يمكن الحديث عن نص مسرحي متسلسل الأحداث بشكل تراتبي. فالسيد حافظ يؤلف بين الأحداث بطريقة واعية تسير في خط أفقي، تبرز فيها براعة الكاتب في التأليف، لا يجد فيها القارئ نوعا من الارتباك في سرد الأحداث، أو خلق ثغرات في صفوف الشخصيات والوقائع.
2) الشخوص المسرحية
شخصيات مسرحية "ملك الزبالة"شخصيات يمتزج فيها الماضي والحاضر,التراث والتاريخ, الواقعي والهزلي. كما تمتزج فيها قيمتا الخير والشر، والظالمون والمظلومون، والفئات الغنية والفئات الفقيرة .إن هذه الازدواجية بين شخصيات المسرحية تشكل الدور الفعلي لتطوير الأحداث المسرحية، والاستمرار بها إلى نهاية النص. وعلى هذا الأساس يمكن تصنيفها إلى قسمين:
- قسم له حضور قوي في تجسيد الأحداث الدراسية.
- وقسم له حضور أقل ظهورا من الفئة الأولى, لكنه يمثل عنصرا فعالا أيضا في تفعيل الدور المسرحي في المشاهد.
بالنسبة للفئة الأولى يمثلها: قسام التراب وزعتر وسعد و زبيدة.
والفئة الثانية يمثلها: القاضي والوالي والعزيز الفاطمي.
1- قسام التراب: أهم شخصية في المسرحية بأكملها. وهو يمثل الجسد الحي والقوي والشجاع في الثورة، والتمرد على الأنظمة الجائرة ضد المظلومين, يسعى إلى تحقيق العدل في صفوف الزبالة, إضافة إلى مجموعة من الصفات المثالية التي يمكن اختزالها في: القوة والحلم والعقل والحكمة والتفكير المنطقي في حل الأمور، وحسن التدبير والتخطيط والسعي إلى إسعاد الفئة الكادحة بعدما عانته من ويلات الضرائب والفقر. فهو " أبو الرجال وملك الرجال "[4] كما وصفته زبيدة زوجته. إضافة إلى قوته، نجد تواضعه الذي جعل الحشود والجماعات تلتف حوله للخروج من الأزمات التي يعيشها المجتمع العربي. فهو يمثل البطولة. وتتجلى هذه البطولة في:
- انتصاره على جنود الوالي في معركة كبيرة مما ألحق بالمجتمع عدة تغيرات.
- تسييره لشئون البلاد مدة سبع سنوات، تسييرا ينم عن شخصية لها قدرتها في إصدار الأحكام، والتخطيط لتعديل شئون البلاد ومن بين هذه التعديلات:
- تعيين زعتر قاضيا على البلاد بدل القاضي السابق.
- تغيير علم البلاد والرمز له بالمكنسة والقفة.
- تغيير مهام قائد الشرطة إلى مسئول الزبالين في حي التجاريين وتجار الخيش.
- تعيين سعد قائدا للشرطة.
- عقاب الموظفين الكبار:( الحرامية الكبار ) بإركابهم على الحمار وتجويلهم في شوارع المدينة.
- تغيير مهام القاضي إلى قسام التراب، وتنظيف البيوت والحمامات، وإعطاء المخالفات للأشخاص الذين لا يستترون من التبول من أمام الناس.
- تغييره لمهام الشاعر إلى صنع العطور، وتحذيره من العودة إلى قول الشعر بالجلد.
- حكم البلد بدون وزارة.
إن هذه التحولات التي لون بها قسام التراب مجتمعه، دليل على ثلاثة أشياء كونت لديه مجموعة من الاقتناعات:
1- الحياة الفقيرة التي عاشها قسام التراب ضمن الفئة الشعبية, قد جعلته يحس وينفعل ويتفاعل معها بعد أن عرف متطلباتها وحاجياتها وما تفتقر إليه.
2- السلطة الجائرة على الفئات الفقيرة كونت لديه دافعا في نشر العدل والأمن والسلام، وكسر الحواجز بين الحاكم والمحكوم، وتقريب المسافات بين هذين الطرفين حتى يتعين تسيير البلاد من الشعب وإلى الشعب
3- صفاته الخلقية التي تميز بها، جعلت كل الحواجز والعراقيل المفروضة في صفوف المجتمعات الأخرى تكسر، وتهتز لإقامة علاقات ودية بين الولاة والقضاة، وتعيين ذوي الاختصاصات في الأماكن المناسبة لهم من غير تكليف مسبق.
زعــتـر: صاحب الفضل في إقرار منع الزبالة بعد منع الضرائب. فهذه الشروط الموضوعة, وهذا الرأي السديد الذي توصل إليه دليل على كونه مدبرا للأمور، وحالا للمشاكل بشكل عقلاني ينم عن شخصية موثوق بها في الحالات الصعبة. لهذا عينه قسام التراب قاضيا للبلاد ليحكم بما آتاه الله من حكمة وعقل رشيد، وصدق وتضحية ووفاء لصديقه قسام التراب.
سـعــد: إحدى الشخصيات الفعالة في المسرحية بقوته وشجاعته وقدرته على نزال القاضي. وأهم صفاته هي: الثبات: ثباته على مبادئه عندما قدم له القاضي رشوة – ألف دينار وبيت وحصان وحمار وجمل وجارية رومية -– مقابل التنازل عن مريم. ثم القوة عند نزاله للقاضي. هي الصفة التي تغلب على شخصيته بشكل كبير. ونراها في لغته الصارمة والمتحدية لكل صور الظلم.
-" ما عملتيش حاجة يا مريم.. ضربته "([5])
-" أموت اثنين عسكر العزيز الفاطمي واقتل نفسي."([6])
والوفاء ويتمثل في وفائه بوعده المتمثل في الزواج من مريم. وهو ما جعله يتحدى كل العراقيل للحصول عليها.
زبـيـدة: هي زوجة قسام التراب: وهي محبة لزوجها, وفية ومضحية في سبيل الحصول على العدالة, واثقة من كل الأشياء الصادرة عن زوجها , غير شاكية ولا متبرمة. ففي اللحظة التي طلب منها إعطاءه سبعة دنانير، لم يصدر منها أي رد فعل سلبي، بل نفذت قوله بشكل مباشر:
- قسام : تعالي يا زبيدة..اسكت يا سعد.
- زبيدة : أيوه يا خويا.
- قسام : (هامسا) هاتي من عندك عشر دنانير أديهم لهم.
- زبيدة : بتقول إيه؟
- قسام : اعملي اللي بقوليك عليه.
- زبيدة : حاضر.([7])
فهي صامدة في الظروف الصعبة. و يتجلى ذلك عندما أعلن القبض على زوجها ومحاميته.
مريــــم: ابنة قسام التراب: ذكية وجريئة ومحبة لأبيها، ووفية لسعد وصامدة على حبها له, رغم محاولات الإغراء من قبل القاضي, ذكية حينما استعملت الحيلة لنزع ملابس القاضي حتى يتسنى لها الهرب مع سعد خارج البلدة.
ولـــيــد: ابن قسام التراب ، تزوج من ليلى أخت زعتر. و كان له الفضل في نشر خبر انتصار قسام التراب على الفاطميين في الشام لدعم الثورة، والتمرد على النظام. لم تكن له قوة سعد، لكن مقابل سعد كانت له تضحيته ووفاؤه لأبيه، ومساعدته له في المصاعب.
الـقـاضــي: متسلط وظالم وعدواني. وهو صاحب قرار فرض الضرائب على الزبالين. يتكلم بلغة المال والنفوذ والسلطة، وهو لا يهمه مشاعر الآخرين, حتى إنه قرر الزواج من مريم باختطافها رغم كبر سنه. و يخفي تحت لباس السلطة ضعفا كبيرا، يظهر عند نزاله لسعد، وانتصار مريم عليه بالحيلة. وهو يؤمن بالطبقية وسلطة القوي على الضعيف:
- اسمع يا قسام .. اعدل الميزان الوالي والي.. والزبال زبال.([8])
كما أنه يعلن حكم القبض على قسام التراب ظلما، بتهمة إعلانه التمرد والعصيان.
الـوالــي: متواطىء مع القاضي في فرض سيطرته على قسام التراب وجماعته. وهو من أعطى الأوامر للقاضي كي يجمع الضرائب من الزبالين، وكذا جمع الجنود لمنازلة قسام التراب:
وليد: " الوالي جاي ومعاه ألف جندي."([9])
الوالي: أنا الوالي مش متولي يا قسام, اعدل الكلام علشان يتعدل الميزان.
ويظهر ضعفه الكبير عندما انتصر عليه قسام التراب وعلى جنوده, مما جعله يستعطف قسام لضعفه الشديد وخوفه من أن يصل خبر الهزيمة إلى العزيز الفاطمي.
الوالي:-" ارحمي وسفرني للقاهرة...
-" أبوس ايدك..اديني ايدك ابوسها.1
استسلام ظاهر وكبير يبرز ضعف قوته وضعف القاضي معه. و بسبب ظلمه للزبالين، يغير قسام التراب من مهامه ويعينه كاتبا للملك والديوان.
العزيز الفاطمي: شخصية تاريخية معروفة.وهو ملك الدولة الفاطمية الذي يمثل الحاكم السلبي المستبد. عمل على إخماد ثورة قسام التراب بنشر جنوده للبحث عن الثائرين, حتى لا يدخل قسام التراب التاريخ. وكانت هذه النقطة هاجسه الكبير الذي أحاط به منذ بداية ظهوره. فالتخوف من دخول شخصية مثل قسام التراب إلى التاريخ يعني وجود سلطة مغتصبة لحقوق الشعب، ويعني أيضا قمع لحرية التعبير. كما يدل على سياسة فرض السلطة والحفاظ على الأمن الداخلي والهيبة الخارجية,حتى لا يفتضح وهن الدولة ويصبح الزبالون هم الأبطال. لذلك رفض قتله حتى لا يصبح بطلا في أعين الناس, لذا أعاده إلى مهنته حتى يعود إلى حالته الأولى.
إضافة إلى هذه الشخصيات التي كان لها الدور في تفعيل الصراع الدرامي داخل المسرحية, هناك بعضها التي اكتفت بالظهور في مشهد واحد، أو في مشهدين خلال الأحداث بكاملها: كنوش, وشرطي 1و2و3و4 ومنصور، وغسان وشهبندر التجار، وقائد الشرطة، والروماني، وليلى، وابن الصمصامه.
من خلال هذا الجرد الواصف لشخوص المسرحية، يظهر لنا تقابل فئتين من الشخصيات تمثل قوتين متصارعتين:
الفقير الغنى
الخير الشر
العدالة الظلم
المجتمع الدولة
وهذه المفارقات تمثلها الشخصيات التي وظفها السيد حافظ في هذا النص المسرحي. وأهم ما يلاحظ عليها هو تباين الاستعمال بين هاتين الفئتين. ويمكن أن نسجل الجدول التالي لكي نوضح هذا التباين:
الفئة الأولى | الفئة الثانية |
- قسام التراب - زبيدة - مريم - سعد - وليد - زعتر | - الوالي - القاضي - العزيز الفاطمي - ابن الصمصامه - شهبندر التجار - الروماني. القرموطي - الشرطي - الشاعر |
نلاحظ أن السيد حافظ وهو يضع أسماء شخصيات هذه المسرحية على وعي تام باختياره المبني على هدف واضح تجسده هذه المفارقات:
- بالنسبة للفئة الأولى: - التصريح بالاسم.
- أسماء شعبية
- أسماء الأعلام مفردة, باستثناء الاسم المركب لقسام التراب.
- بالنسبة للفئة الثانية : وضع الألقاب.
- توظيف أسماء تراثية من التاريخ: العزيز الفاطمي..
- أسماء من الطبقة الحاكمة: الوالي, القاضي..
- أسماء منسوبة: القرموطي, الروماني..
إن التصريح بالأسماء مقابل التلميح بها دليل على شيئين:
- تباين هاتين الفئتين بشكل كبير.
- دليل على الوضوح والشفافية التي تلف الفئة الأولى، ورغبتها في إظهار الحقيقة على زيف السلطة وظلمها، مقابل الغموض وسياسة التحايل التي تبرز في الفئة الثانية.
وهذا الأمر يحيلنا على قدرة السيد حافظ في اختيار الأسماء، ووضعها في محلها المناسب بوعي شديد منه, وليس بفعل اعتباطي لأن لكل شئ قيمته.
وهنا تبرز أهمية الشخصية المسرحية وموقفها داخل اللحظات المشهدية من حيث التموقع والحضور، لأنه يقوم على التعارض في أفكارها ونظرتها للواقع. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فهي تمثل جانبا مهما في حبك مسيرة الأحداث، لأن الشخصية في النص المسرحي تتفاعل وتنتقل من حالة الكمون إلى حالة الحركة أثناء إخراج المسرحية على خشبة المسرح. وهنا يصبح الدور أكثر دينامية ونشاطا، تتحكم فيه لغة الممثل وصوته وحركاته وزيه . ويهدف المؤلف من وراء ذلك إلى إيجاد بديل عن الواقع المرير الذي يحياه المجتمع العربي، في ظل حكام يسودهم الضعف والوهن، والجري وراء المال والسلطة، ونفي الشعب وتهميشه. هذا ما حاول السيد حافظ إيجاده في هذه المسرحية التي مثلت بشكل بارز نقد الحكام و الواقع في صورة هزلية كوميدية, لكنها صورة تدمي الروح والوجدان مما تعانيه الفئات المظلومة والمحرومة. و يتبين ذلك من خلال الشخصيات التي كان لها- كما أشرت- تباين كبير من حيث الاهتمام بها خاصة، لأن المؤلف لم يهتم " بالشخصيات النمطية الغيرية أو الضد وإن طرحها كنماذج محملة بسخريته المرة, والتي في سلوكها " الوالي, القاضي, كبير الحراس" تثير ضحكا لكن ضحك كالبكاء."([10])
3- إنتاج النص المسرحي/ تفعيل الصراع الدرامي
إن النص المسرحي " ملك الزبالة " يمثل بؤرة من الصراعات والأحداث المتفاعلة بشكل كبير. فعملية تفعيل الحدث تتم منذ الحدث الأول، بمجرد فرض الضرائب التي كانت المحرك الأساسي في تفجير أصوات الزبالين المقموعة، ومحاولة البحث عن حل للخروج من هذا القرار الظالم. ويمكن النظر إلى هذا النص من زاوية الخطاب الذي تحمله منذ بداية المسرحية إلى نهايتها, وهو ما ألف الأحداث بشكل تصاعدي ثم عودتها بشكل تنازلي.
بداية الحدث فرض الضرائب
تطور الحدث الثورة و المعركة
نهاية الحدث العودة إلى جمع الزبالة
العودة إلى جمع الزبالة
إن هذا الخطاب الدائري تمثله أحداث المسرحية من بداية الحدث الذي جسد تفعيل عمل عادي قامت به هذه الفئات : جمع الزبالة- وتآلفها إلى أن كسر هذا الجو الهادئ بظهور الشرطة، وفرض الضرائب الذي حرك الأحداث، وجعلها تتطور بشكل تصاعدي :إضرابهم عن جمع الزبالة و الثورة واشتعال الحرب بين الزبالين وبين الفاطميين والبحث عن قسام التراب، ثم القبض عليه، لتعود الأحداث بشكل تنازلي، مع عودة الزبالين إلى عملهم بجمع الزبالة من أمام البيوت والأزقة. ويبدو أن المؤلف استثمر أحداثا واقعية حدثت بالفعل في التاريخ الماضي سنة365-373 ه بدمشق. فهناك تناص مع أحداث تاريخية ،إلى جانب النص التراثي المرتبط بقصة "علي بابا والأربعون حرامي"في اختفاء الزبالين في صناديق الزبالة.
الزمن و المكان:
الزمن : تتداخل في هذه المسرحية أزمنة الحاضر و الماضي. لكن لكل زمن حيزه الخاص الذي يتجلى من خلال الأحداث فهناك :
· الزمن العام : بين365 و 373 ه الزمن الذي حدده السيد حافظ في بداية المسرحية بأنها أحداث وقعت بالفعل في دمشق، وبين أهم المراجع التي أشارت إلى حقيقة هذه الوقائع:
- مجلة الآداب والتربية, مقال لمصطفى شاكر.
- النهاية لابن الأثير. ص: 10. 205 .
· الزمن الخاص: وهو الزمن الذي حدده الكاتب من خلال كل مشهد جعل أحداث المسرحية تسير بشكل منطقي:
م.1:" في الفجر..ضوء أزرق..في عام 365ه " ([11])
م.2:" بعد مرور ثلاثة أيام "([12])
م.3:" بعد أسبوع "([13])
م.7:" سنة 373ه "([14])
إن هذا الزمن كما هو واضح، يعني وجود مراحل زمنية مختلفة في تاريخ الزبالين وفي التاريخ الفاطمي، حدد بزمن الفجر الذي هو بداية يوم جديد.
* اللون الأزرق: انقشاع ضوء الشمس.
* عام 365 ه بداية النضال والثورة ضد النظام السلطوي على الحكام لتحقيق العدالة ومحاربة الظلم.
ويزيد المؤلف في تدقيق الفترات الزمنية بتحديده لمرور ثلاثة أيام في المشهد الثاني، بعد الامتناع عن تقديم الضرائب وجمع الزبالة. وتزيد الأحداث في التطور بعد أسبوع في المشهد الثالث الذي يعلن فيه الكاتب عن بداية الحرب، والثورة ضد الجيش الفاطمي. ثم تمر ثمان سنوات في المشهد السابع سنة 373 ه التي كانت فترة البحث عن قسام التراب ومحاولة القبض عليه.
المكــان: لا نقصد هنا بالمكان الفضاء الذي يستوعب القاعة والخشبة.. وإنما المكان الذي يعرف بالفضاء المشهدي, " الفضاء الملموس للخشبة الذي يتم إدراكه من قبل الجمهور, أو هو بشكل أدق الفضاء الخاص بالممثلين وما يحتوي عليه من علامات مشهدية "([15])
ومن بين الأمكنة التي ظهر أفقها في مسرحية " ملك الزبالة " نذكر:
أحداثها | حيزها في المسرحية | الأمكنة |
تصوير الحالة العادية للزبالين | من م.1 إلى م. 4 | دمشق إحدى الضواحي أكوام الزبالة, كوخ بسيط يطل على الأكوام |
ثورة الزبالين | من م.5 إلى م. 6 | قصر الوالي في دمشق |
مطاردة العسكر لقسام التراب | م.7 | شوارع دمشق |
محاكمة قسام التراب | م.8 | قصر العزيز الفاطمي |
إن الفضاء الزمكاني لهذه المسرحية استند على حقيقة تاريخية حدثت في بلاد الشام، لينطلق المؤلف من خلالها إلى عكس صورة الواقع بكل تناقضاته
5- اللغة والحوار:
أول ملاحظة يمكن تسجيلها على لغة المسرحية هي توظيف اللهجة المصرية عوض اللغة العربية الفصحى. وفي استعماله لهذه العامية تقريب للمسافات بينه وبين المتلقي, خاصة الفئات الشعبية، لأنه كما أشرت سابقا محموم بحب الفقراء. وهذه الفئة لا تستجيب بشكل فعلي إلا باللهجة العامية. ونجد مجموعة من الأمثلة العامية التي وظفها الكاتب لإثراء الحوار المسرحي، كقول زعتر: " ساعات العقل يبقى زينة والذراع يبقى خيبة "([16])
و كقول زبيدة أيضا: " شوف الراجل العجوز مناخيره قد الكوز وعايز يتجوز يا أخي جاتك جنازة."([17])
وهذا يختلف مع ما جاء به في مسرحيته " الأشجار تنحني أحيانا "التي وظف فيها اللغة العربية.
أما بالنسبة للحوار، فنجده ثنائيا لكنه يتوزع على مجموعة من الشخصيات في اللحظة الواحدة، خاصة إذا تعلق الأمر بقسام التراب إذ نجد كل الزبالين يدافعون ويرفضون بشدة ما يوجه إليه من تهم باطلة بوجود شخص أو اثنين أو ثلاثة, لكن لكل واحد دور في إلقاء كلمته.
6- النص المسرحي والجانب السينوغرافيا:
1) الديكور: إن الديكور الذي تجسد في مسرحية " ملك الزبالة " متعدد ومتبدل بتغير الأماكن التي تقع فيها أحداث المسرحية. ويتم عادة هذا التغير إما أمام مرأى الجمهور وإما بعد إسدال الستارة أو بتغيير الإضاءة.
وفي ما يخص الديكور المرتبط بتغير الإضاءة سنلمسه في المشهد الأول والثاني، عندما تحول الديكور إلى ساحة من المعركة بعد تغير الإضاءة.(ضوء بلاك أوت ).
أما تحول الديكور من خلال إسدال الستارة، فيظهر في المشهد الرابع والخامس عندما تحول من أحد الشوارع إلى قصر الوالي.
أما ما يتغير منه أمام الجمهور، فيرتبط بالمشهد السابع والثامن عندما قلب المسرح ساحة فرح بمناسبة زفاف وليد إلى قصر العزيز الفاطمي ثم تحول الديكور إلى سجن قسام التراب، وتم تحويله إلى أكوام الزبالة التي كانت في المشهد الأول.
2) الإنارة: كان لها الدور في تفعيل الأحداث، وشد المتلقي إلى تتبع الأحداث المسرحية،و التركيز على حدث معين ، أو إبرازحدث كما في مشهد المعركة. فهي تحتاج إلى دينامية و حركية، و ما ساعد على هذه الحركة "ضوء البلاك أوت ". وقد تتغير هذه الإنارة إما للتخفيف من نسبة الحدث، وإما للانتقال من مشهد إلى آخر، أو لإبعاد الإنارة بشكل مباشر لنشر الظلام على العرض المسرحي
3) الأغنية: تظهر الأغنية في المسرحية بشكل نسبي جد. فهي على المستوى التقني تؤدي إلى تغيير الديكور, فحينما خرج وليد وزوجته ليلى في ليلة الفرح من الخشبة مثلا، تصبح الأغنية هي الفاصل بين حدث الزواج وبين تغيير الديكور. إلا أن السيد حافظ رغم ذكره لها لم يسجلها في النص المسرحي.كما نجد بعض الأغنيات الشعبية تتكرر في النص مثل التي صدرت على لسان زبيدة: " خمسة وخميسة في عينيك خمسة وخميسة عليك
بخروها بنتي دي بخروها من عين حاسد حسود."([18])
الخـــاتمـــة
جاءت مسرحية " ملك الزبالة " بسيطة وسهلة في أسلوبها، لكنها ذات عمق كبير لما تحمله من معان عميقة جسدت الأحداث المسرحية في صورة كوميدية خلف واقع مزر للسياسة العربية في الحكم.
و قد جاءت لتهدف بشكل عام إلى ما يلي:
- نقد الواقع والسياسة العربية وظلمها للفئات الشعبية
- إبراز دور الثورات الشعبية في التغيير
- تأكيد دور الشعب في نشر الوعي الاجتماعي والسياسي
- رفض الطبقية والتسلط
- فضح تلاعبات السلطة و دورها في قمع الحركات التحررية..
وعموما يمكن القول كما قدم لذلك أحمد العشري إن مسرحية الزبالة على طرافتها، إنما تثير العديد من الأسئلة السياسية. وعليه نقول إنها مسرحية سياسية بكل المعاني.
0 التعليقات:
إرسال تعليق