Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

السبت، 18 سبتمبر 2021

35 تجربة السيد حافظ في مسرح الكبار دراسة بقلم د. ليلى بن عائشة

 

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(35)

تجربة السيد حافظ في مسرح الكبار
دراسة بقلم

د. ليلى بن عائشة

 

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة 


تجربة السيد حافظ في مسرح الكبار
دراسة بقلم

د. ليلى بن عائشة

 


 

إن الفن في حقيقته تعبير جميل عن تأثير الشخصية الإنسانية في مواقفها الخاصة بالإنسان والمجتمع، فهو محاولة لفض حدود الأشياء وتخطيها واستيعاب اللحظة الفاعلة قصد تكسير جدار الهموم، والانطلاق قدماً في مسيرة التحرير والانعتاق من ربقة التقاليد الجوفاء. ومن ثمة إحداث ثورة في ديناميكية الإبداع وخصوصية الفكر. مما لا شك فيه أن الفنان سواء أكان شاعراً أو كاتباً للمسرح أو كاتب قصة أو رواية يتطلع إلى القمم الشامخة كما يتطلع النسر فيحلق بأجنحته القوية التي لا يعتريها الخور أو الوهن هنيهة، وإنما يلتمع فيها وهج الإبداع ودفق اللمعات الفكرية ليقود مركبته بكل ثقة وتصميم على تغيير الأوضاع السياسية والفكرية والاجتماعية، ومن ثمة تبديل الأحوال الفكرية والثقافية، فاللحظة التاريخية غالباً ما تفرز لنا ذوقاً جمالياً مغايراً لأن سيرورة التاريخ تقتضي أن يتلاءم الموقف الفني مع  النسق المعرفي دون  الركون في زاوية الثبات، إنها إذن حركية الإبداع كما حددتها "خالدة سعيد".

فعملية الإبداع ليست جزيرة نائية بعيدة عن محيط السلوك البشري لأن المبدع يستمد أصول ثقافته وينابيعها من المجتمع، فتصبح عملية الكتابة عنده جريان مستمر ليس من قبيل الرغبة فقط بل هو وازع الإرادة يحمل الجمر، الذي تكتوى به سيقان الكتابة فيتجاوز عوالم الذات وكوامنها ليجبرها على مراودة لغز الوجود ومجابهة قوي الظلم.

وليس ثمة شك في أن المسرح أداة معرفية وجمالية حاول أن يحقق وجوده في بنية الثقافة وسط فضاء ديموقراطي يؤمن بالحرية والحوار، أنه يبذل قصارى جهوده لتأسيس خطابه، وتوسيع حقل الملاحظة، وإذكاء فتيل النقد، وباختصار فالمسرح هو فعالية جمالية يحقق التفتح الفردي ويجسم التطور العام للمجتمع، كما أنه ينزل إلى معترك الحياة فيثير الروح الوطنية وينشر الأمجاد المطوية هاجسه الإبداع وليس التكرار وإعادة السائد من الإنتاج لأن ثقافة الاستهلاك كما يقول أدونيس تساهم في ترسيخ القمع وتحول دون التحرر.

إذا حاولنا تشريح العمل المسرحي بطريقة جادة نكتشف كيف أن المسرح العربي حاول أن يؤسس مشروعيته وكينونته وتحدي قوي الظلم والجبروت وإعلاء كلمة الحق، والواقع أن المسرح العربي قطع أشواطاً طويلة لإثبات هويته العربية وتأصيل خطابة وتحدي الهزائم والنكسات فولج إلى الواقع الاجتماعي وحاول انتشاله من هوة الفساد والضياع التي تردي فيها وإدانة كافة الأجهزة الديكتاتورية.

والحقيقة أن مرحلة الستينات في مصر اتسمت بوضوح الرؤية القومية وبتبلور المعلم العربي، وقيام مجموعة من الجسور الثقافية مما أثرى عملية الجدل الفعال. وبمجرد غياب "جمال عبد الناصر" انهار صرح كامل من الأحلام والرؤي والتصورات على امتداد الوطن العربي. فعرفت مصر أسوأ أشكال التردي الثقافي ومن ثمة تم إغلاق كل المنابر الثقافية والأدبية الهامة ومصادرة حقوق الكتاب، وأدى هذا كله إلى التعتيم على إنجازات أبرز عناصر جيل الستينات خاصة المسرحيين، وتضييق الخناق على محاولاتهم الإبداعية، فأصبحت الكتابات المسرحية تعاني من الغربة التي فرضتها عليها المؤسسة الثقافية، ولأن "السادات" أيضاً أثناء تقلده مراسم الحكم قام بمصادرة إبداعات المثقفين، هكذا أصبح شبح الرقابة يهدد المسرح بوصفه جهازاً ثقافياً وفكرياً يتحدث عن بطولات الشعب.

لعل أهم قضية طرحت في هذا الخصم بشكل مكثف هي محاولة البحث عن صيغة إبداعية جديدة للمسرح العربي تحاول الحفر في التراث الشعبي ومن ثمة استلهام منابعه وتوظيفه من أجل إعادة صياغته وتركيبه، فاللجوء إلى التراث كان يهدف بالدرجة الأولى إلى التأكيد على الهوية العربية الإسلامية التي حاول الاستعمار طمسها وتأسيس مسرح عربي أصيل قلباً وقالباً، ومن هنا فالتراث ليس مادة جامدة وإنما هو حضارة الشعوب، فالكاتب حينما يستلهمه يشبه إلى حد كبير تلك النحلة التي تمتص رحيق الزهر لتصنع منه العسل، وباختصار فالتراث كما يقول عبد الكريم برشيد ليس هو الكتب الصفراء وإنما هو النحن، إنه اللغة والعقلية والروح والتاريخ أيضاً هذا الذي عرف الاستمرار ولم يعرف القطيعة أبداً(87)   

لقد مثل التراث العربي منظومة مرجعية استلهم من خلالها الكتاب العرب أعمالهم المسرحية قصد تجدير الخطاب المسرحي في تربية الثقافة العربية، وعليه أصبح يكتسب مدلولات وظيفية وحمولات فكرية وسياسية واجتماعية، أن الأساس هو تمثل المخزون الشعبي في الكتب الخضراء وليس في الكتب الصفراء وجعله فعلاً آنياً بدل أن يكون مجرد ذكرى، ومن لسه إعادة صياغته ونفخ روح الأصالة في أحشائه كما يقول المبدع المسرحي " مصطفى رمضاني" لأننا حين نتعامل معه.. لا نتعامل معه كمادة خام تنتمي إلى الماضي الذي انتهت وظيفته، وإنما نتعامل معه كمواقف وكحركة مستمرة تساهم في تطوير التاريخ وتغييره (89)

من الطبيعي أن التراث العربي الإسلامي مفعم بالأحداث الجسام والشخصيات العظيمة القادرة على التجسيد المسرحي، وعليه يمكن مخاطبة الشعب العربي انطلاقاً من مخزونة الثقافي ومحاولة نبش التاريخ والحكاية الشعبية العربي قصد توظيفها مسرحياً، من هنا يمكن قراءة الماضي بلغة الحاضر واستنطاق الماضي من أجل تحقيق تواصل مسرحي مع الجمهور، ومن ثمة يتحقق الفعل والحوار، لذلك كان لزاماً على الكتاب أن يعملوا على تطويع التراث من أجل تأصيل المسرح العربي، وخلق صبغة جمالية إبداعية تزخر بالحيوية والتلقائية وتنظر لقالب مسرحي مستقبلي.

وعلى مثال هذا الدرب سار كاتبنا المسرحي السيد حافظ، فاغترف من ينبوع التراث الفياض واستلهمه بوعي، فتعامله مع التراث العربي الإنساني في مسرح الصغار والكبار على السواء لم يكن تقديساً للماضي بكل ما يحمله وإنما يستمد منه جوانبه المشرقة والمضيئة ليسقطها على المشاكل الحياتية التي يعيشها الإنسان العربي.

إذا حاولنا أن نتتبع تجربة السيد حافظ المسرحية نجد أن النكسة لعربية لسنة 1967 أضرمت الوعي الثوري وساهمت في خلق تحديات على  الأوضاع السياسية والقوالب الكلاسيكية الغثة، فأنجبت لنا ثائراً تدي الأزمة وتمرد على صنمية الإبداع المسرحي التقليدي، "إن  الثورة أفرزت الطاقات الحبيسة لدى الجماهير والفنانين والكتاب فنبغ جيل من الستينات يحمل تطلعات واسعة، فظهر ما تسميه باللحظة المسرحية (91)

اختار السيد حافظ مسلك التجريب في مشواره الفني، فخاض نضالاً مريراً ضد القهر والاستبداد ليفجر شرارة الانتفاضة العارمة على كل أشكال التردي والتخلف، ومن هنا لم تكن لتهزمه نكسه حزيران لأنها أمدته بفيض من الإصرار والتحدي لليأس والسلبية فتجاوز بذلك أحلام الرومانسية ليصبح إبداعه محاولة لبناء واقع جديد يواجه الامبريالية ويناضل من أجل الديموقراطية والحرية "وينتمي السيد حافظ إلى جيل السبعينات الذي ركز جهوده على القضية التي لم يجرؤ أحد أن يناقشها وهي قضية الديموقراطية والحرية السياسية، والدفاع عن حقوق الإنسان المهضومة في مجتمع يفتقد التقاليد الطبيعية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم(92)

رضع كاتبنا من ثدي امرأة أسمها الثورة، فلم يكن ليبكي على الأمجاد العربية، وإنما عرض الداء الذي ينخر جسم الأمة العربية وفي  المقابل قدم الدواء الناجع لقتل السم الذي يسري في شريان الأجهزة الديكتاتورية، ومن ثمة تشبه إبداعات السيد حافظ إلى حد كبير السيف القاطع الذي يشهر للدفاع عن الحق واستئصال جذور الظلم والقهر، إنه باختصار كما يقول عن نفسه "لست تشيخوف ولست يونسكو ولكنني إنسان مرسوم في معبد آمون ومحفور في جبهة التاريخ، أسطوري الملامح.. فعشيقتي إزيس تهبني في كل رحلة سراً من أسرار الحقيقة، تهبني رفضاً منقوعاً في شريان الوعي، ولكنني يا أصحابي ألون في داخلي الأتربة والاخضرار والمنازل والقرى والمدن والحواري والأطفال الصامتين.. كتبت على جبهتي بأنني لا أريد أن أكون سطراً من السطور البيضاء الجوفاء أو كلمة في ناموس أخرس جامد أو ناسك في محراب الاغتراب". (93)

إن المسرح بالنسبة لمبدعنا يمثل ذلك المركب وتلك الموجهة الزاحفة والحمامة الطائرة التي تجوب أرجاء الأرض الفسيحة ومن ثمة يكون هو السفير المتجول الذي.

يعبر كل البلدان ويخترق كل الحدود، ويسافر بدون جواز، إلى كل إفطارنا العربية لأن المسرح يمثل بالنسبة إليه "الهوية.. الجيتار.. لقصيدة.. الباخرة كان المسرح الأجراس التي أدق بها في أذن البلاد لفارقه في الغيبوبة (94) 

تكتسي إبداعات السيد حافظ طابع الثورة والتمرد على القوالب الجاهزة في المسرح العربي من هنا وجدناه يعبر عن قناعاته في تغيير المجتمع العربي بفعل الرفض لكل أشكال الحيف، فكأن كاتبنا يشبه إلى حد كبير ذلك الشاعر الفحل أبا القاسم الشابي الذي أنشد يوماً بحث شعبه على النضال بخوض غمار الثورة ضد كل الغزو الامبرويالي"

ومن لا يحب صعود الجبال              يعيش أبد الدهر بين الحفر

لقد فضل كاتبنا أن يمتشق سلاح الكلمة العادلة، وأن يبحر بحثاً عن يوم النقي الصافي الذي تنمحي فيه جميع المآسي وتطرد فيه العناصر دخيلة التي وطأت أرض الأمة العربية وداست على مقدساتها، ولعل هذا السبب الذي جعل البعض يشبهه بطائر نورس جوال، وهو من مقدسة الجيل من كتاب المسرح العربي بشكل عام والمسرح المصري بشكل خاص.. هذا الكاتب لم يحمل جواز سفر مصري فقط بل في الحقيقة حمل جواز سفر عربي أفريقي عالمي.. فكل قلوب الناس جنسيته(95)

إذا تتبعنا مسيرة السيد حافظ الحياتية نجد أنه يعد شهادة إثبات ووثيقة ساطعة للحظته التاريخية، فقد ولد هذا المبدع عام 1948 هذه السنة التي تمثل ذكرى اغتصاب فلسطين من طرف العدو الصهيوني الذي انتهكت جحافله حرمه القدس ودنست تربتها المباركة، يقول المخرج الكبير سعد أردش "لكل من تاريخ فإنه محفور بالدموع والدم في السجل المعاصر للأمة العربية بحروف الذل والعار : ضياع فلسطين، وقيام إسرائيل، تحقيقاً لوعد بلفور.. وعندما أتم السيد حافظ عامه التاسع عشر أصابت الأمة العربية هزيمة أخرى مدوية على يد الجيش الإسرائيلي، كخطوة على طريق الحلم الكبير من النيل إلى الفرات.. كاتبنا إذن من جيل عاش صباه ويعيش شبابه ملتاعاً يكتوي بسلسلة من الهزائم الوطنية والقومية وكان من الممكن أن يعيش عصر  التحرر والاشتراكية والعدالة والعتق من كل ما كان يثقل كواهل الأجيال السابقة، وما حاربت من أجل الخلاص منه أجيال 1919 – 1946، وقامت من أجله ثورة يوليو 1952 وما تلاها من ثورات في الوطن العربي.

هو جيل لمعت في عيونه ابتسامة الأمل في حياة أفضل، ولكن أمله سرعان ما أصيب لا أقول بخيبة أمل، ولكن باليأس الكامل من كل ما كان من أجداده وآبائه وأخوته الكبار، بل في إمكانية إصلاح ما أفسده التاريخ(96)

إن هذا الفنان اكتوى بنار وهزيمة حزيران وعبر عنها بعقوبة وصدق، ولعل ألم النكسة وجرحها الغائر سما بالكاتب إلى أفق العبقرية وجعله يوقع ينبض قلبه ودمه على خشبة المسرح، من هنا أورد رأي عبد الكريم برشيد في السيد حافظ بأنه "مؤلف ومخرج مصري ينتمي إلى جيل العنف والغضب والشعور بالإحباط "فكأن القلق ميزته الأساسية في الكتابة وهو قلق وجودي واجتماعي (97)

والواقع أن مبدعنا "خرج من خميرة النيل كالصاعقة أو كالنار على الشارع المصري وكان يلتقط أنفاس البحر ويحمل الكلام والرؤية.. وقد اقتحم المسرح الطليعي حتى يكشف القناع عن الحرف العربي والظلام عن  الاستعارة ويمحو الضباب عن الكتابة (98)

والسيد حافظ مبدع يسكنه هاجس المسرح، ويرتمي في لهيب الحق ليكتوى بنيرانه بحث عن ذاته فرآها تذوب في المسرحية، ومن ثمة وزع أعضاءه كلها وجوانحه في نيران الكلمة المخاض، بدأت رحلته مع المسرح ودخل محرابه بكل ثقة، وجعل يستمد عناقيد إلهامه من دالية العشق الأبدي لإيزيس، إنه كما يقول عن نفسه في إحدى حواراته التي أجراها مع مجلة الرسالة الكويتية "عاشق تراب الوطن شغوف بحب الفقراء.. ضد اغتيال الفكرة وسكن الرأي الآخر وذبح القصائد وديموقراطية الجرائد.. إنني كاتب بسيط أبحث في عيون الناس عن اللغة السرية ومدن تمنح الإنسان الأمان.. عاشق مصر العربية.. لست بكاتب كبير ولست بصاحب تقليعة ولكنني محاولة ثم محاولة تحاول أن تكون الكتابة المغامرة الأبدية حتى تفتح أمام جيل آخر طرق البحث عن الكلمة الفعل الخلاص (99)

ارتاد كاتبنا عوالم التجريب قصد تأصيل الخطاب المسرحي وهو كما يقول عنه شادي بن الخليل "كاتب مسرحي له علامة متميزة في المسرح العربي. وهو اسم لتجربة فنية خرجت منها جسور التجديد للمسرح الطليعي العربي (100)

من الملاحظ أن السيد حافظ ركب صهوة التجريب، وامتطى فرس الاجتياز - إذا  صح القول – ليعلن تمرده وثورته على القوالب التي تجعل من المتلقى إنساناً جامداً لا يقوي على التعبير، ومن ثمة يجند كاتبنا نفسه للدفاع عن قضايا الأمة العربية، وهو كما ينظر إليه الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد يمثل ذلك "المناضل أبداً أي ذلك الإنسان الذي لا يعرف ما يسمى باستراحة المحارب لأن الاستراحة لا تعني في النهاية غير الموت والفناء وسيادة الظلم والجهل والفقر وكل معوقات الحياة، فهو يناضل حتى الموت أوما بعد الموت إن كان ذلك ممكناً عن طريق الإبداع الخالد الذي يحمل رسالة نضالية (101)

مهما يكن من أمر فإن مبدعنا اختار طريق الإبداع الجاد بدل السمسرة الثقافية التي لا تعدو أن تكون مجرد كلمة جوفاء تباع في سوق النخاسة لأنها تقدم مصلحة السوق على مصلحة الإبداع، والسيد حافظ وهب نفسه نداء للفكر الخلاق الصادق والفن المعبر الذي لا يراد له في كثر من الأحيان الرواج، لذا لم يكن المسرح بالنسبة له تلك "الصيغة الفنية على أي شكل من الأشكال ولكنه الكلمة المضمون، إنه يمتليء بمضمون ثم يصبه في قالب فني ومضامين ذات صبغة إنسانية، إنك تلمس في العمل الواحد كل ركائز التكوين الاجتماعي، الأخلاق، الدين، العلم، الحضارة، التاريخ، لتراث في إطار الفكر السياسي والاقتصادي والعسكري(102)   

هكذا إذن مضى السيد حافظ يشق طريق الإبداع بدأ باحثاً عن الكلمة المضيئة في زخم الحياة، واستنزف من دمه وأعصابه حتى يرى إنتاجه الفني الرواج والإقبال، وكم كانت خيبته كبيرة حينما قوبلت انتاجاته الأدبية بالتكرار والاستهزاء ومن ثمة اعترضتها الأشواك وحفت بها المخاطر، فلم تلق التهليل، وبالرغم من ذلك وقف مبدعاً كالنسر فوق القمة الشماء معلناً ثورته على التقاليد البالية. فكان بحق " مغامراً جريئاً يعطي كل نفسه ويبدل كل طاقاته باحثاً في هذا الواقع المتخم بالتكرار عن حياة فريدة وتنفسات جديدة لكن الواقع يرفض المغامرين في زمانهم(103)

آمن السيد حافظ بأن رسالة المسرح ينبغي أن تستثير عواطف الجمهور وعقولهم ومن ثمة تدفعهم إلى المشاركة في العرض المسرحي على اعتبار أن قواعد المسرح الارسطي ولي عهدها وانقضي لأنها لم تعد تستجيب للظروف الحياتية الراهنة، لهذا أعلن مبدعنا كفره بالتقاليد الجوفاء وثورته على قواعد المسرح الكلاسيكي وعليه أعطى البديل لتأسيس مسرح عربي مغاير.

لقد أعجب بعض النقاد بإبداعات السيد حافظ المسرحية واستبشر خيراً بقدوم هذا الفنان إلى دنيا المسرح من بينهم الدكتور "إبراهيم عابدين" الذي رأي أن مسرح السيد حافظ ربما يكون هو المسرح المتمخض عنه مسرح القرن القادم، ومسرحه جدير بالتأمل والدراسة، فهي كلها تجارب صادقة تحاول أن تلعب دوراً إيجابياً في حضارتنا اليوم ومسرحه من نوع جديد فهو يحاول أن يجد صيغة جديدة، وهو أيضاً يبحث عن أشكال متقدمة تتعدى ما عرفناه من الأشكال المسرحية من أرسطو إلى اللامعقول وبريخت (104) 

ارتاد السيد حافظ المسرح التجريبي لتكسير روتينية الجاهز واستنزاف أفاق المستقبل، من هنا أعلن تمرده على السائد من الإنتاج، وسعيه الحثيث إلى احتضان قالب مسرحي مغاير يكشف اللثام عن القضايا الراهنة ويحمل معه جذور التغيير وإنقاذ المتلقى العربي من سهده الفكري والنفسي خصوصاً وأنه يعتبر المسرح التجريبي بمثابة ضرورة لمنح الإنسان فرصة المواجهة مع الذات والواقع، ومع الذات المجتمع، ومع الذات الإنسان.. المسرح ضرورة لأنه يعين هدماً وبناء، تراثاً ومستقبلاً رؤى وفناً، وفكراً.. المسرح التجريبي ضرورة لإنقاذ المتفرج العربي المريض فكرياً ونفسياً (105)

الواقع أن تبنى السيد حافظ للمسرح التجريبي لم يأت عبثاً وإنما هو سليل ظروف الواقع المتأزمة، فأصالته اقتضت منه أن يعيد صياغة الجاهز بدل أن يقف عند محدوديته وهذا ما جعل الأستاذ عبد الكريم برشيد يقول عن إبداعات الكاتب إنها "تحدق في الناس والأشياء بعينين : العين الأولى غربية مفتوحة على المسرح الأوربي كتجارب جريئة وجديدة ومدهشة. هذا الازدواج في الرؤية والتعبير عنها هو ما حرر مسرحه من التبعية للمسرح التجريبي الغربي. إنه لم يسقط في اللامعقول والعبث (106)

"مسرح السيد حافظ هو المسرح الذي يهتم قبل كل شىء بإحداث ثورة في المسرح العربي وهو يهتم اهتماماً بالغاً بمعنى وجود الإنسان بل بالدور الذي يقوم به المجتمع كما أنه يعمل على إيقاظ المتفرج ليشعر بأن هناك ما هو عجيب وما هو مألوف وما هو خارق للعادة ضمن حياتنا اليومية وهذه هي وظيفة المسرح الطليعي(107)

 

 

السيد حافظ والكتابة للمسرح الطليعي:

إن المسرح عند السيد حافظ يعني الإضافة الدائمة والدائبة المتجددة، ودخوله إلى مجال الكتابة الدرامية محاولة لرفض القهر والظلم واحتجاج صارخ على عفن الأنظمة الديكتاتورية، فالكلمة الجادة عنده تمثل الطلقة النارية والصرخة المدوية من أجل الثورة، وصفوة القول إن المسرح في ظل الستينات كان غيوراً على قيم الثورة يباركها بروحه الناقدة، يتدفق في مجرى نهرها الخالد الذي يروي ظمأ كل فنان عاشق للتغيير، لكن مع مطلع السبعينات فرضت النظم الرجعية سيطرتها ورقابتها الشديدة على المسرح لأنها رأت فيه ذلك اللهب المحرق لوجودها، وعليه لجأت إلى مصادره الأعمال المسرحية الجادة. وفي هذا الإطار نجد أوزوريس – الاسم الجاد كان يوقع به السيد حافظ أولى إبداعاته – يتأسف على غياب المسرح الجاد في لجة المسرح التجاري الذي استهدف تخدير الجمهور وتدنيس فكره دون أن يحرضه على الفعل ويقر الكاتب أن السبب هنا راجع إلى أن المسرح الجاد ذهب إلى المقبرة والسبب الخط السياسي الذي يسير في معظم الدول العربية منذ عام 1971 وحتى الآن (108)

والحقيقة المرة التي نود الإشارة لها هنا أن المسرح التجريبي خاض حرباً ضروساً حتى يؤصل وجوده في تربة الثقافة العربية، إذ إنه قوبل بالرفض من طرف المتنطعين على كل جديد فبمجرد صدور أولى تجارب كاتبنا المسرحية "كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى" نجد أن بعض النقاد وقف منها عدائياً واعتذر عن مناقشتها قائلاً" لا أستطيع أن أجلس على المنصة ولا أناقش هذه المسرحية أو ما يسمى بالمسرح التجريبي، إنه تخريب في المسرح وفي عقلية الجمهور (109)

وباختصار فإن السيد حافظ في إبداعاته الموجهة إلى  الكبار اهتم بكينونة الإنسان فتعامل معه على أساس أنه يمثل ذلك "النبع الصافي من المشاعر.. والسحب السخية، وقبضة النار، والقهر والظالم والمظلوم والقاتل والمقتول والروح التي تقاتل، إنني أمجد الإنسان في مسرحياتي الذي يكافح من أجل تغيير واقعة والذي يصعد إلى مواقف دون أحلام.. فأبطالي خرجوا من الريف المصري العربي ومن الطبقات المسحوقة (110)

كان طبيعيا أن يلجأ السيد حافظ إلى مسرح الطفل بعد أن أعلن يأسه من مخاطبة الكبار، لأنه لم يجد فيهم الأذن الصاغية. من هنا التمس للشعب العربي الخلاص في أولئك الأطفال الأبرياء على اعتبار أنهم عدة الحاضر وركيزة المستقبل وكيف لا وهو يصرح قائلاً في الحقيقة أن الطفل بالنسبة لي هو المستقبل.. وأنا قد يئست من الكتابة للكبار فالكبار في الوطن العربي ينشغلون بمفهوم وتفاصيل القضايا اليومية، وفي البحث عن رغيف العيش لا يهتمون بالمسرح كوسيلة وأداة ضحك وإضحاك ومن هنا تكون البلية.. لكنني أرى في الطفل نوعاً من التحدي والاستشفاف وأحس أنني أمام قائد المستقبل وشاعر المستقبل، وسياسي المستقبل (111)

هكذا إذن تتأكد لنا أهمية هذه الإلتفاته من الكاتب باعتبارها حاجة لا غني عنها لتنشئة جيل يرتكز على مقومات سليمة في مختلف الميادين، ويمتلك أدوات المستقبلية في البناء والتشييد. لقد قفز مسرح الطفل خطوات واسعة مع السيد حافظ وجاءت إبداعاته الخاصة بالصغار لتغنى ثقافة الطفل من جهة أخرى.

إذا كان الأمر كذلك فهلم بنا نتفحص أجواء هذه المسرحيات لنقف عند أهم خصوصياتها الفكرية ودلالتها التربوية والسيكولوجية.؟

 


 



(87) حدود والممكن في المسرح الاحتفالي/دار الثقافة البيضاء/ ط 1 /1985/ص128

(89) توظيف التراث وإشكالية التأصيل في المسرح العربي/ عالم الفكر الكويت المجلد 17 / عدد 4 / ص 79 .

(91) على  الراعي "عالم المعرفة" الكويت / ص: 48

(92) مصطفى عبد الغني "المسرح المصري في السبعينات" المكتبة الثقافية ص45–46

(93) حوار أجرته مجلة  المواقف البحرينية مع السيد حافظ العدد 294/ في 25 – 4 – 1988 / ص 23

(94) مسرحية كبرياء التفاهة في بلاد اللامعني / سلسلة رؤيا للإبداع/ ط 2 / ص: 10

(95) مسرحية كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى/ سلسلة رؤيا للإبداع/ ط 2 / ص : 10 

(96) مقدمة مسرحية "حبيبتي أميرة السينما/ توزيع مركز الوطن العربي رؤيا/ ص:5

(97) السيد حافظ "بين  التجريب والتأسيس" دراسات في مسرح السيد حافظ / ج 1 ص/ ص: 76

(98) ورد هذا المقال في كتاب مسرح الطفل في الكويت دار المطبوعات الجديدة / الاسكندرية / ص 99

(99) السيد حافظ في حوار إجراء مع مجلة الرسالة الكويتية/ 1986 / ص:40 – 41

(100) السيد حافظ والبحث عن دور المسرح الطليعي العربي ورد هذا المقال في كتاب مسرح الطفل في الكويت / دار المطبوعات الجديدة الإسكندرية / ص : 60

(101) شادي بن الخليل – السيد حافظ والبحث عن دور المسرح الطليعي / المرجع السابق / ص : 64

(102) عبد الله هاشم "مسرح السيد حافظ " الطليعي مطبوعات القصة تصدرها مديرية الثقافة بالإسكندرية / ص: 4

(103) شادي بن الخليل "السيد حافظ" والبحث عن دور للمسرح الطليعي العربي" ورد هذا المقال بكتاب مسرح الطفل في الكويت / مرجع سبق ذكره ص: 61

(104) عالمية المسرح عند السيد حافظ/ م الثقافة العراق / ع 1 / سنة 13 / 1983، ص 27

(105) شفيق شوكت / العمروسي / أجرى حوار مع السيد حافظ في ملحق ثقافة وفكرة الأحد / 19 مايو / 1983 ص 9            

(106) مسرح السيد حافظ بين التجريب والتأسيس / دراسات في مسرح السيد حافظ ج 1 / ص 79 بمجلة أدب ونقد القاهرة ع 10

(107) د. شادي بن الخليل "السيد حافظ والبحث عن دور المسرح الطليعي العربي "/ مسرح الطفل في الكويت / مرجع يبق ذكره / ص : 62 – 63

(108) حوار أجرته مجلة الرسالة الكويتية مع السيد حافظ / 1986 / ص : 29 في إطار "فنان وفنانون"

(109) حوار أجراه رمضان عبد الحفيظ مع السيد حافظ تحت عنوان الكاتب المسرحي يتحدث عن تجربته الخصبة / م المواقف البحرينية / 294 – 25 – 4 / 1988 ص 24

(110) حوار مع السيد حافظ أجراه بشير هوارى ورد بجريدة صوت الشعب الأردنية خميس 10 ربيع الأول/ 1404 كانون الأول 1983

(111) السيد حافظ/ الشريط المسجل بتاريخ 6 نوفمبر 1990 المتضمن لبعض الأجوبة

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More