Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

50هندسة الحبكة في مسرحية " إمراتان " لـ "السيد حافظ " بين الفنّية الأدبية والمخيال السايكودرامي بقلم : د. محمد زعيتري

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 50 )

هندسة الحبكة 
في مسرحية " إمراتان " لـ "السيد حافظ "
بين الفنّية الأدبية والمخيال السايكودرامي

بقلم : د. محمد زعيتري

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة

هندسة الحبكة 
في مسرحية " إمراتان " لـ "السيد حافظ "
بين الفنّية الأدبية والمخيال السايكودرامي

بقلم : د. محمد زعيتري

أستاذ المسرح والآداب العالمية

جامعة محمد بوضياف – المسيلة – الجزائر

 


 

"أعطني  مسرحا ؛ أعطيك  شعبا مثقفا "

فإذا كان المسرح يثقف الشعوب ؛ فبالضرورة أن يكون المبدع ، أو المؤلف  المسرحي أكبر ثقافة ؛ ليثقف غيره.

و من هذا المنطلق ؛ كان لأعمال "السيد حافظ" المسرحية، الجانب الأكبر من الاهتمام، و الدراسة ؛لما يقدّمه هذا المبدع من مسرحيات تعكس حقيقة ثقافته العالية ،و رصيده الأدبي الحافل ؛ فكان الإختيار جدّ صعب بين ثنايا مؤلفاته المسرحية ، إلى أن إستقر الرأي على دراسة مسرحية " امرأتان " ،و هذا راجع إلى التوليفة السحرية ، و الشيفرة الغريبة  التي بداخلها رغم بساطتها صوريا . فنجد أنفسنا نخوض غمار الثقافة و التاريخ و السياسة و الإقتصاد و علم الإجتماع  كلّها مجتمعة في قوالب الكلمات، و أنسجة العبارات في النص المسرحي .

         ترتكز مسرحية "امرأتان " للسيد حافظ على الخطاب النفسي ؛ و تسمو عن النص العادي الذي يبني حبكته بنسج روابط العقدة لغة و تركيبا ، فخصوصية هذه المسرحية انّ القارئ للنص يصبح هو  نفسه طرفا في الحبكة ، وقد ينسج اكثر من واحدة بتعاقب المحطات الحركية داخلها ؛ الأمر الذي يفتح المجال واسعا امام تأويلات لا حصر لها في ترجمة العمل نفسيا ، سواء أكان من حيث الإسقاطات أم من حيث عنصر المفاجأة ؛ نظرا لتوقع النتائج من خلال متتالية لسانية ، لكن هذه النتائج تختلف في كل مرة ؛ لأنها لا  تنتهي  ، بسبب تعدد القرّاء  المتلقين .يقول هنري جيمس : بأنّ كل مؤلف يمكن أن يبتكر قارئه بنفس الطريقة التي يبتكر بها شخصياته . و هو ما يدفعنا إلى قراءة فاعلة و مثمرة لإنجاز مساهمة متأنية جادّة و هذا ما سميته في هده الدراسة  :

          كود أو شيفرة السيد حافظ في هندسة الحبكة المسرحية .

و قبل الخوض في محيط هذا النص ؛ أجدني في عالم من التيه ، تتقاذفني شطآنه ؛ بين النجاة أو الغوص في  أعماق الأعماق في أعمال السيد حافظ ، التي أغرقتني سيولها الجارفة ، خاصة فيما يتعلق بصناعة المسرحية بعيدا عن الأطقم الجاهزة ، و سبر أغوار الشخصيات و الأماكن ؛ و كسر نواميس الطبيعة بجمالية فنية تعتمد التكثيف العلاماتي و ثنائية المخاتلة ؛ لتحملني أعماله بداية من العنوان ، الذي يحمل في احيان كثيرة انزياحات فجائية لا تتوقف عند حدود الحرفية النصية ؛ بل تتعداه إلى مخاتلة نفسية تجعل عقارب الساعة تدور عكس المألوف، لتصنع آلة زمن جديدة تقذفنا إلى غيابات الماضي ؛ لكن بطعم المستقبل على طبق الحاضر .فالسيد حافظ ؛ هذا الرجل الذي صنع من الكلمة البسيطة شجرة  تتفرع منها الأغصان لتنمو و تكبر في  محيط الأحداث ، و تقدم ثمارا مختلفة من جذع واحد ؛ تختلف أذواقها وأطعمها باختلاف الثقافات و المعتقدات و المجتمعات ؛ و تزاوج بين الحار و البارد، و الحلو و  المر في تشكيلة تآلفية غير تضادية .فنجد أنفسنا في الأخير لا نقرأ له ؛ بل نقرأ أنفسنا ، و حياتنا داخل كلماته و في شوارع جمله ؛ و عواصم أعماله. و نفهم دقات قلب المجتمعات الموجوعة في نظرتها المتناقضة للمستقبل الغامض الحالم ، وفق بعد ثقافي و تاريخي يستشرف المستقبل في سمفونية عزفت على أوتار التاريخ ؛ تجمع توليفة راقية بين الفن و مكنون الذّات في لحظة تتراوح بين الصدمة و المفاجأة تختلف باختلاف الأعمال ؛ لتحمل في كل مرّة قوانين متفرّدة و متمرّدة .

و من هذه الزاوية ، سألج إلى أعمال السيد  حافظ من خلال مسرحية "امرأتان" باعتبارها نصا مسرحيا لا عرضا تمثيليا ، و هذا باعتبار النص موجه للقارئ لا للمشاهد؛  حيث تختلف الدراسة لأن النمط الذي جرى تأليفه من أجل المسرح ليس كذلك الذي تم انتاجه من أجل الخشبة ( على شكل عرض) على الرغم من أنهما –النمطين- وجهين لعملة واحدة .

و لما  كان لكل عمل عتبة يجب التوقف عندها فعتبة النص هي العنوان .

قراءة سيميائية في عنوان المسرحية :

"إمرأتان " جاءت لفظة واحدة عكس ما عهدناه في عناوين السيد حافظ  بصيغة المثنى و صفة التأنيث ، و هو الأمر الذي يستوقفنا تاريخيا حين نستعمل الأنثى كمحور للأحداث و هذا ما عرفناه في القرن الثامن قبل الميلاد عند الإغريق ، خاصة في كتابات "هوميروس" في ملحمتي "الإلياذة" و "الأوديسا" حيث  وظّف الأنثى بشكل كبير و أنّث الكثير من الآلهة  ، وذلك انطلاقا من فكر فلسفي أنّ الأنثى هي صانعة الأحداث  ؛ باعتبارها تمثل الرحم الحامل للأفكار ؛ فهي الخصب و التوالد ؛ وبداية الحياة (الولادة) و نهايتها (الأرض) ومن هذه الزاوية ظهرت ثقافة المؤلف السوسيوتاريخية التي جعلته يختار هذه النظرة ليطرح قضية قد تظهر في بدايتها عادية و مألوفة ، تحكي قصة أختين يتميمتين ؛  تعيشان تحت سقف منزل واحد ، و عنون المسرحية " إمرأتان" و لم يقل  : "أختان" أو شقيقتان" أو "بنتان"  ؛ في قصدية منه إلى المرحلة العمرية و إلى الجنس الأنثوي  المفضي إلى قراءات و تأويلات مختلفة ، فقصد بالمرأة مرحلة النضوج وقصد بالتأنيث الفكرة السالفة الذكر ؛ و لم يجعل الأمر يتوقف عند هذا الحد ؛ بل فتح لنا الباب واسعا بعد قراءة العمل إلى تفسير هذه اللفظة "إمرأتان" على مناح مختلفة باختلاف القراءة و ثقافة القارئ و سعة أفقه ؛ فقد نترجم هذه المفردة :

إمرأتان = جيلان

إمرأتان=زمنان (حقبتان)

إمرأتان=حضارتان

إمرأتان=  ثقافتان

إمرأة=.....الخ

و من هنا فالتأويلات لا حصر لها ؛ لكنها تفرض علينا قراءة حذرة للعمل في جزئياته ، بداية من الشخصيات وصولا إلى الأمكنة و الفضاءات المسرحية ؛ غير متناسين طرائق الربط بين كل هذه العناصر  ،وهو جوهر عملنا ألا وهو الحبكة و كيف نسجت و بأي الوسائل أحكمت خيوطها و تصاعدت درجات التعقيد فيها لتصل إلى مرحلة العقدة  و من ثمة الحل .

الشخصيات :

المسرحية عبارة عن فصل واحد يحمل لوحات محدودة صورة و غير منتهية فلسفة ، حيكت أحداثها بشخصيات بسيطة و قليلة العدد ،  إنحصرت أساسا في "سنية" ، "هدى" ، "عم سليمان" ، "الخال" (الحاضر /الغائب) ، "مصطفى" ، إضافة إلى بعض الشخصيات المشار اليها من دون حركية فنية أوتطورية ( مثل شخصية "شريفة ابو العلا المنزلاوي" ، "ابن عم سليمان" ، "رئيسة تحرير الجريدة" ، "صديقة سنية").

و بقراءة الشخصيات نجد إرتباطا وثيقا بينها يظهر في تراتبية العمل، من خلال العلاقات فيما بينها ؛ لتحرك الأحداث بشكل منطقي يفرض ذاته على القارئ دون النزوع إلى المغالطة الفكرية . ف "سنية " الأخت الكبرى ل "هدى" تحمل رؤيا متشائمة لكل ما يحدث إنطلاقا من  تراكمات حياتية مرّت بها ؛ إنعكست مباشرة على تصرفاتها و أفكارها التي تحاول ان تبثها في روح "هدى" ؛ هذه الاخيرة التي ترفض الإنصياع وتحاول الإستقلال بفكرها و نظرتها للحياة ، برغم انتمائهما لنفس البيت و نفس التربية الإجتماعية ؛ إلاّ أنّها تحاول التصدي للواقع بفكر متفتح لتغيّر مسار حياتها و لا تكون نسخة عن أختها ، تسعى إلى الاندماج في المجتمع من خلال عالم الشغل و الحلم ببيت وزوج ،حتى و إن تجسد في شخصية "مصطفى" المتزوج أساسا ، لكنها تقنع نفسها بأنّ الحب سينتصر على كل العراقيل ،و لو اضطرت أن تكون زوجة ثانية .

إضافة إلى شخصية "عم سليمان" التي تمثل حارس العمارة و البقال و خدمته لهاتين الأختين بخلاف سكان العمارة الآخرين .

أمّا شخصية "الخال" التي لا تظهر في العمل فهي شخصية أوجدها الكاتب لبناء حبكته المسرحية بتطورها داخل العمل المسرحي في تكاملية مع الشخصيات الرئيسة لتصبح المحور المحرك للعمل و تنبثق منها كل ردود الأفعال فيما بعد .

و هنا نجد أنفسنا أمام نوع  مختلف من الحبكات المسرحية التي تعتمد المخيال النفسي الذي تلقيه في أعماق القارئ لينمو مع سيرورة الأحداث ؛ فيصبح القارئ بذلك شريكا في العمل لا يترصد فجواته بل يسعى للتفسير و التأويل في كل محطة ملتمسا الحلول و التبريرات .

و من هنا كان بناء الحبكة فلسفيا ؛حيث يتصيّد كل قارئ البداية و النهاية حسب مستوى تفسيره للمعاني  المدفونة داخل النص ؛ فلا نستطيع أن نشير إلى نقطة بداية توافقية ؛ بل يمكن لكل واحد منا أن يؤسس لبداية الحبكة من محطة أو نقطة مختلفة عن الآخرين ؛ لأنها لا تظهر جلية منذ البداية ،و قد نعتقد أنّ مسار النص سيطرح قضية إجتماعية بين أختين تتصارعان الفكر حول مفهوم الحياة أو الزواج أو الصداقات و علاقات العمل في ثنائية إجتماعية ثقافية ؛ إلاّ أنّ الكاتب يتركنا في هذه الضفة، لينسج حبكة جديدة في الضفة الأخرى ؛ تأتي فجأة حين وصول التليغراف الذي يخبر بتاريخ وصول "الخال" وعودته من أمريكا و ما يمثله هذا الخال بالنسبة ل "سنية "و "هدى" و المجتمع المحيط بهما ، و من هنا نجد حضورا قويا لثنائية المخاتلة ؛ حيث ننتقل من أزمة إلى أزمة أخرى تبعث فينا حب التطلع ، و روح الفضول لنعرف النهاية . لكن  المؤلف يتدرج بنا من جديد إلى مراحل متقدمة من نسج خيوط الحبكة بطريقة تجعلنا  لا نلاحظ التأزّم ؛ بل تتواتر الأحداث في رتابة عادية لا  ننتبه فيها إلى ذلك الحوار النفسي  ،و الأبعاد الماورائية للشخصيات ، لحين الوصول إلي نهايتها بدون حلّ ،و كأنّه سرد لوقائع عادية . فحين تتجه "الأختان" إلى المطار لانتظار "الخال"  الذّي  لا و لن يأتي  ؛ لم يكن الأمر غريبا ،أو يبعث على الحيرة ؛ بل يتجاوزه المؤلف مباشرة إلى حدث جديد ، و هو حضور "العم سليمان" لاصطحاب الأختين إلى حفل زفاف إبنه ،و كأنّ شيئا لم يكن .

و هنا وجب على القارئ المحترف أن يطرح التساؤل :

ما جدوى هذا النص المسرحي ؟ و أين تكمن مواطن التميّز فيه ؟

و للإجابة عن هذه الإشكالية ، وجب علينا قراءة العمل من زاوية تأويلية أخرى، تعتمد على استقراء الأبعاد النفسية للقارئ ، و استخراج مكنوناته الثقافية و الدينية و التاريخية و السيميائية أحيانا .فنعود إلى العمل من  أوّله ، بداية من الشخصيات و تفسير كل واحدة على حدى ؛ ثم الأماكن و دلالاتها .

الشخصيات

سنية : و تمثل جيل النكسة العربية ؛ و التي حدثت في مصر سنة 1967 . و هي تفسّر النفسية المحبطة لهذا الشعب بعد الخسارة الجسيمة التي تكبدها ، و التي جعلته يجتر مآسيه ،و يصبغ لونا من الكآبة و السوداوية على الحاضر ،و المستقبل، في لوحات سيميائية تتنوع فيها القراءات حيث أنّ "سنية" (جيل النكسة ) لم تفرح بعريسها الذي هو أساسا "النصرالغائب" و رسم المؤلف هنا لوحة رائعة جدا للتعبير عن هذا الموقف حين يجري الحوار على لسان "هدى" التي تعيد سرد تفاصيل يوم الخطبة ؛ فتقول لاختها : أذكر يوم انتظارك لخطيبك ، بعد أن لبستي الفستان الأزرق ، وزينتي شعرك بالوردة البيضاء ، يومها أذكر أنّ حذاءك ذو الكعب العالي الذي انكسر ، و تشاءمتي  ، وحينها وفعلا لم يحضر الخاطب ( عريس المستقبل)

فكل العلامات الواردة في هذا الحوار؛ لها ترجمة علاماتية نفسية ،و تاريخية ، غير تلك التي تظهر بها   حرفيا ؛ فالمؤلف قصد ب "سنية " جيل "عبد الناصر"  الطامح للنّصرالعربي على الصهاينة  ؛ و فرض القومية العربية . و الفستان الأزرق هوهو تلك الحلة المبهجة التي تلبسها العروس في حفلها لأنّه  لون الأمل والحب ؛ لون البحر الهادئ و السماءالصافية  ، لون البهجة  . و الحذاء ذو الكعب العالي يرمز إلى عامة الشعب المشرئب الأعناق ؛ يتطلع أخبار الحرب ؛ أمّا انكسار الكعب  ؛ فيرمز إلى السقوط و ضياع الأخبار السارّة ، و التعثّر في تحقيق الهدف ، و الخطيب (العريس)الذي لم يحضر هو ذلك النصر الذي غاب في 1967زمن النكسة .

هدى : و تمثل الجيل الجديد في ذلك الوقت ؛ و هو الجيل الحالم و المتطلع إلى الخروج من الأزمة ،و التشبث بروح الإنتصار رغم معرفته بصعوبة المشوار ؛و الوظيفة التي تتمسك بها ترمز إلى سيرورة الحياة  ، و الوقوف من جديد والحركة الدؤوب بعد النكسة لبناء الذّات مرّة أخرى ، و رفع المعنويات لخوض غمار الحياة مرة ثانية  تجسيدا لمبدأ " خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب "و يظهر ذلك جليا  من حوارها مع سنية حين تقول " ياه حاملة كل ده في قلبك و عاملة إنك فرحانه"

مصطفى (المتزوج) : ويمثل طبقة الشعب الحيادي المنشغل بالتزاماته ، و لكنه إنتهازي ، و متصيد للفرص و يبحث عن الإستفادة من الريع دون أن يحرك ساكنا ؛ و ما تقربه من "هدى"  بعد سماع خبر عودة خالها ؛ إلاّ ترجمة لهذه النفعية و الانتهازية .

اما "الخال" (الحاضر /الغائب) و الذي جعله المؤلف يغادر إلى أمريكا ، و يكوّن ثروة ، و يقرر العودة على غفلة ؛ هو في الحقيقة رمز  لحلم النصر الذي راود المصريين ،و العالم العربي كلّه ؛ لكنه تضخم في أذهانهم فقط  ، و رسموا  له أبهى اللّوحات ،و رفعوه عاليا في الشعارات و الهتافات ؛ لكنه لم يحضر ، فغاب و خذل الأمّة العربية ، و ما توظيف الكاتب لأمريكا ؛ إلاّ لتوضيح من سرق حلم النصر من العرب ، و هي في الواقع أمريكا نفسها ، الّتي ساعدت الكيان الإسرائيلي على الإنتصار

لكن للأسف الشديد ، كثير منّا من كان يهرع لها يطلب تدخلّها ،لإيجاد حلول عادلة ، ظنا منه أنّها تمثل الشرعية الدولية و تحمل لواء العدالة و الديمقراطية ، و هو ما يفسر سفر "الخال " إليها – أمريكا-  و بحثه عن الحلم المنشود – الذي لن يتحقق -.

عم سليمان : هو الإبن البار بوطنه -رغم النكسات - ، و يمثل الأمل الراسخ ؛ و الإيمان العميق بالنصر عاجلا أم آجلا ، و بأنّ الحلم قد يشيخ لكنه لا يموت ،و ذلك لما أشار المؤلف إلى عمره و قال : " انا شيخ في السبعينات " و هي مزواجة بين سنه و الحقبة التي كان فيها النصر فعلا حليف مصر ، و العالم العربي في فترة السبعينيات ؛ و وظّف حفل زفاف إبنه ،و قد يقصد به ابن مصر في ذلك الوقت "الرئيس السادات" اي احتفال الجيل الجديد بمصر العروسة المبتهجة بنصرها بعد حرب العبور في سنة  1973 .

بقية الشخصيات : و هي الشخصيات التي كانت تهاتف "سنية " و "هدى" ؛ للسؤال عن صحة خبر عودة "الخال" ؛ و هي شخصيات ترمز إلى صدى الشارع ، و التساؤلات و القلق الذي كان يخيم على الجيلين ،و يسود الجو العام للمجتمع حول  مستقبل "مصر" بعد النكسة ، و هل ستكون هناك حرب جالبة للنصر  أم لا ، و دعّم المؤلف ذلك بإذاعة خبر عودة "الخال" في الصحافة ، و هي إشارة منه إلى ما كان يكتب في الصحف من تحليلات و استشرافات لنصر قادم حسب الأخبار الواردة من مركز القرار.

 

الاماكن او الفضاءات :

   نكاد لا نجد في النص إلاّ مكانين ، أحدهما رئيس و الآخر ثانوي ، ينتميان لنفس الحقل ؛ ألا و هو المكان المغلق  ،أو الفضاء المغلق ؛ و تمثل أساسا في :

البيت : و هو فضاء مكاني مغلق ؛ دارت فيه أغلب الأحداث ، و قد وصفته "هدى" ب "السجن" رغم أنّها تخرج منه و تعود إليه طواعية دون إكراه ؛ لكن المؤلف جعلها تصفه بالسجن إشارة منه إلى ذلك الحصار ،و الإنغلاق الذي دخل فيه المجتمع المصري بعد النكسة ، و  أصبح يعيش حالة المسجون لأنّه مكبّل تجاه تحقيق حلمه (النصر) ،و يائس من رتابة الحياة و تجرع مرارة الانهزام كل يوم ؛ حاله حال مسلوب الحرية الذي يعيش السآمة و الملل ؛ فلا تجديد في برنامجه اليومي طيلة مدة مكوثه بالسجن .

و بهذا ف "هدى" حين تصفه بالسجن تشير إلى الحالة النفسية العامة للشعب في  تلك الحقبة ؛ و لكن "سنية " المتشائمة تخرج عن إطار شخصيتها المرسومة لها ،و ترفض هذه الفكرة و تقول ل "هدى" : أترين هذا البيت سجنا ؟ هذه الفيلا الواسعة – اشارة إلى شساعة  مساحة مصر- غيرنا  يحلم بها أو  بأقلّ منها " ، و تقصد تلك الدول التي ضاعت أراضيها تحت طائلة الإستعمار ، و قسمت أقاليمها بين الدول الغاصبة . وهو خروج مقصود عن نمطية الشخصية ليشير المؤلف أنّه حتى جيل النكسة مازال متشبثا بجذور الحلم ،و أنّ له بصيص من الأمل ؛ رغم يأسه ،و جذوة الأمل هذه ، قد تشعل نار النصر مرة  أخرى.

المطار : و هو أيضا مكان مغلق ،و يقصد به الكاتب تلك المحطات التي كان عامة الشعب ينتظر فيها عودة الجنود ، رافعين رايات النصر ،أو حتى بعض ممن يحملون الأخبار السارّة من جبهات القتال ، و لكن هذه الأخبار لم تصل وحين وصلت كانت مخيبة للآمال .

و بعد كل هذه الرؤى و التحليلات ، نجد أنّ تحديد معالم الحبكة فنيا في هذا النص –رغم بساطته- أمرٌ من الصعوبة بمكان  ؛ إذ ليس باستطاعتنا  أن نضع أيدينا على بنائية تقليدية للحبكة ، تنطلق من نقطة بداية واضحة ؛ فقد نجد بعض  العناصر البنائية موجودة في حين تغيب أخرى بقصدية الثورة على التقليد ، و فتح مساحة للتجريب دون المساس بروح النص ، و مع هذا التجديد وجب الإشارة ألى محافظة المؤلف على بعض العناصر التقليدية منها :

- التقديمة الدرامية  : حيث قدّم فيها  معلومات عن مكان وزمان الحدث ، وعلاقة الشخصيات ببعضها البعض ، والخلفية الإجتماعية؛  لكنّه أغفل نقطة الإنطلاق ، وجعلها هلامية الصورة ؛ حيث لا نستطيع تحديد اللّحظة التي تبدأ الأحداث فيها با لتصادم ؛ لأنّ الصراع الفكري في هذا النص كان منذ البداية للأفكار المختلفة بين الأختين "سنية "و "هدى" .

كما أنه تجاوز السلم المعهود في ظبط سلسلة متتابعة من الأحداث ، تقود إلى جملة من الأزمات تتمركز في ذروة التأزم ،أو ما يعرف بالحدث الصاعد . كما يتجاوز مرحلة  التنبؤ أو التلميح حتى لا  يهيئ الذهن لما يمكن أن يقع في المستقبل ؛ ليبقى باب التوقعات مفتوحا لكن قد يكسره في أي لحظة عكس أفق التوقع .

إضافة إلى أن نص المسرحية، لا يحمل نقطة تعقيد حقيقية بما يعرقل سير الأحداث ؛ بل نجد أنّ الأحداث تسير في رتابة تحاكي الواقع ، و كأنّه سرد ليوميات عادية ،و ما قد نعده نقطة تعقيد جاء في هذا النص بطريقة عارضة و كأنّه غير مقصود لذاته "فخبر عودة الخال" جاء على لسان "هدى" بطريقة لا تحمل الأهمية الواضحة ؛ نعم ، قد يكون خبرا مميزا تنعكس وفقه كل مجريات العمل المسرحي ؛ لكنّه لم يطغ على  رتابة الأحداث الحياتية الأخرى.

أمّا  عنصر التشويق - و الذي هو  إثارة اهتمام المشاهد عن طريق إحساس داخلي من القلق الممزوج بالمتعة مما  يخلق ترقبا لفترة محددة يعقبها إشباع وراحة من التوتر-  فلم يكن بالقوة التي قد نجده بها في أعمال أخرى، فانتظار "الخال" كان بعاطفة باردة ،خاصة من طرف "سنية " و حتى "هدى" كان حماسها متوسطا ، رغم تعبيرها الدّال على أهمية الأمر لكنه ليس مقصود لذاته ؛ بل لما يقدمه لها من خدمات كالزواج من "مصطفى" ، أو مغادرة البيت -(السجن ) كما تصفه - و الإنتقال للعيش في ضفة أخرى، و هو الأمر الذي خفّف كثيرا من حدة  الأزمة ؛ فبهت ذلك التوتر الذي تسببه  القوى المعارضة ،مما يؤدى إلى ترقب في تحول الحدث الدرامي .

وبهذا فالمؤلف خفف من الذروة و جعل الأمر – الذهاب إلى المطار و استقبال الخال – خطوة عادية كما يفعل أي واحد منا لاستقبال مسافر عائد؛ و هو ما جعل بحثنا عن الحل لا يرتبط بتأزم حقيقي ، و لكنه ينحصر في نوع من الفضول للوصول إلى النهاية ،و كأننا نستمع إلى قصة وقعت في الشارع و ننتظر نهايتها .

وخلاصة القول ؛ أنّ السيد حافظ في نصه المسرحي هذا، ثار بشكل واضح عن القالب المعتاد في كتابة المسرح ؛ لكنّه لم يمس ركائزه العامة ؛ بل اعتمد في بناء حبكته على تقنيات جديدة لا تقيد القارئ ؛ بل تجعله شريكا في العمل يحرك أجزاءه كيفما شاء ، وفق منهجية نفسية يتشاركها كل البشر؛ فيكون العمل عبارة عن درس أخلاقي و اجتماعي حينا ،و وثيقة تاريخية حينا آخر ، و قد يسمو إلى مصاف المعالجة السيكودرامية لمجتمعات بأكملها نتلمس داخلها الصراع الفكري و الحضاري ؛ و صراع الأجيال و تحجّر الفكر في زمن من الأزمنة للخروج من عقدة الهزيمة .


 

 

بطاقة تعريفية

 

محمد زعيتري ؛ جزائري من مواليد ولاية الجلفة في 8 أبريل 1975، مارس التّعليم الإبتدائي و الثانوي ،ويمارس الآن التّعليم الجّامعي بعد أن نال عدّة شهادات في حقول الإعلام و الصحافة ، و الأدب العربي ، والأدب العالمي والمسرح و  السايكودراما ، عمل كذلك في الإعلام المكتوب ،كما عمل رئيساً لمكتب الاتّصال والعلاقات العامة في المركز الثّقافيّ الإسلامي،كتب القصّة القصيرة والمسرح والسيناريو،وأخرج بعضاً من المسرحيّات والأعمال التّسجيليّة التّاريخيّة والوطنيّة،عضو في كثير من مخابر و وحدات البحث العلمي و المشاريع الأدبيّة والسّينمائيّة والمسرحيّة،كما شارك في الكثير من ورش العمل والمهرجانات والمؤتمرات الوطنية و الدولية .

 

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More