Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

70 قـراءة في مسرحية ''حــرب الملوخيـة'' للسيد حافظ بقلم : عبد السلام بوسنينة

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 70 )


قـراءة في مسرحية  ''حــرب الملوخيـة''
للسيد حافظ
بقلم : عبد السلام بوسنينة

 

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة

 

قـراءة في مسرحية  ''حــرب الملوخيـة''
للسيد حافظ
بقلم : عبد السلام بوسنينة


مقدمـة:

نرى أن سمة العصر هي "اختصاص" في مجالات ثقافية مختلفة ومتعددة. وفيما يتعلق بالدراسات النقدية، نجدها تنحو منحى الاختصاص، حيث تختلف باختلاف أجناسية الإبداع والمتون، لأن طبيعة الإبداع سردا كان أم شعرا أم مسرحا، يتغير من الدارس البحث في الأدوات والمناهج الملائمة لأي نوع أدبي أو فني.

انطلاقا من هذا الرأي نود في هذا المقام تناول الظاهرة المسرحية بما يوازيها من تحليل، وما يقتضيه الاختصاص المنهجي في المسرح من ضوابط. إننا في مقاربتنا للنص المسرحي، سنحاول تطبيق المنهج الذي يحاول أن يدرس المسرحية من زاوية الكتابة الدرامية،و من زاوية الكتابة الإخراجية: إنه التحليل الدراماتورجي الذي ينظر إلى المسرحية " نظرة شمولية تسعى إلى الإحاطة بأهم العناصر السينوغرافية الموجودة في نص الحوار أو نص الإرشادات المسرحية: تحليل يركز على سائر العناصر التي من شأنها أن تتيح نقل النص من الكتابة الدرامية إلى تصور العرض بتقنياته المختلفة"([1])

سنحاول إذن التشبت قدر المستطاع بهذه الطريقة في التحليل، إيمانا منا بأن الممارسة المسرحية هي جمع بين لغتين، لغة سمعية و أخرى إشارية. بمعنى النص كمنطوق لفظي، والعرض كمنطوق إشاري حركي، و ما يضاف إلى العنصرين معا من عناصر تكون في غالب الأحيان ضرورية لبلورة العملية المسرحية في شكلها التكاملي والنهائي.

إن المسرح اليوم هو تقاطع كل مكوناته، و القراءة الأحادية لمكون دون آخر لاتجدي نفعا،ً لأن النص المسرحي لا يكتب إلا بمقصدية التفعيل على الركح. كما أن مؤلف النص المسرحي حينما يكتب لا يكون تصوره محصوراً فيما يكتب، بل يتسع هذا التصوركلما آمن بأن النص سينتقل بالفعل والقوة إلى متدخلين آخرين من قبيل السينوغرافي والمخرج و الممثل و غيرهم.

لقد وقع اختيارنا على مسرحية "حرب الملوخية" لصاحبها السيد حافظ التي سنقاربها بناء على العناصر التالية : البناء المعماري لنص المسرحية، التناص في المسرحية، الصراع الدرامي، الفضاء المسرحي، اللغة المسرحية، خصائص السينوغرافيا.

المضامين:

حرب الملوخية هي حرب على الواقع و التاريخ، و كشف لمجموعة من الحقائق التي مسها التزوير و التدليس. هذه الحرب سيختزل المؤلف أطوارها عبر عشر معارك. و كل معركة تمثل مشهدا مسرحيا، تبدأ كل معركة/جولة بدخول فتيات يحملن لوحات كتب عليها عنوان المعركة. و كأن المؤلف بهذا التمهيد يعلن بداية جولة أشبه بمواجهة على حلبة ملاكمة أو مصارعة.

المعركة الأولى تبدأ بسؤال الهوية والانتماء. فمصر التي طالما اعتبرها المصريون أماً، يراها التاريخ غير ذلك، حيث ألغى أنوثتها، ووقع عن طريق مجموعة من الحقائق على الإسم الحقيقي، وهو أن مصر تحمل دلالة الذكر بشهادة مؤرخين و مؤلفين من أمثال الجوهري  والجاحظ والهمداني. ومن بين القضايا التي كانت مصدر صراع في هذه المعركة، هوية حكام مصر، حيث أتبث التاريخ في مواجهة معارضيه أن مصر لم يحكمها إلا مصري حقيقي واحد  وهو "جمال"، الذي جاء ليحكم مصر بعد طوفان نوح، و بعد جده الأول "مصريم". أما الحكام المفترضون، فهم  إماأكراد أو إيرانيون أو أتراك.

تنتهي المعركة الأولى ليدخل المخرج معلنا عن بداية المسرحية، مباشرة مع بداية المعركة الثانية، ليتحول الديكور إلى قصر السلطان المستنصر. تبدأ المعركة بتنصيب المستنصر خلفا لأبيه الظاهر بالله، ثم يبدأ الحاضرون في استحضار مناقب الراحل الظاهر بالله، ليقول الوزير في حقه :

"الناس كلها حزينة عليه...كان مفرح الناس و حاسس بيهم..حشيش عطيهم افيون زراعة ليهم..بيوت دعارة سيبها تيلسهم خمارات للفقراء و الأغنياء..الله يرحمه كان مزاجتلي..كان يحافظ على مزاج الشعب."([2])

يعمد المؤلف في هذا المشهد إلى إبراز شخصية المستنصرو هو طفل ميال للهوو اللعب. وفي ظل حالته هذه، تتهيأ أمه سكينة لنسج بطانته. وأول الموالين أبو سعد النخاس اليهودي لتقول عنه رغم معارضة عمة المستنصر:" دا مستشار مولانا الخليفة المستنصر بالله"([3]). وبعد صراع بين سكينة أم المستنصر وعمته، تحسم سكينة الأمر لصالحها. وبعد إظلام المشهد، يتدخل المخرج محتجاً على مؤلف المسرحية :

" فين المؤلف..إزاي ولد عنده سبع سنين يحكم مصر والوصي على العرش نخاس يهودي اسمه أبو سعده وأمه زنجية دا كلام حيودينا في داهية "([4]).

وفي محاولة لمنع المسرحية، يتدخل الضابط والرقيب، لكن بعدها يتمكن المخرج من إغراء الرجلين بأكلة الملوخية، وتستمر المسرحية.

تنتهي المعركة الثانية، و تدخل البنات وهن يحملن لافتات المعركة الثالثة بعنوان "تجار مصر سرقوها". وهذه المعركة تؤسس مرحلة هامة من حياة المستنصر الذي بلغ الثلاثين من عمره. وقد وسمت بجفاف النيل وشح الأسواق من الخبز، الأمر الذي سيدفع بالأهالي إلى التظاهر والاحتجاج، بعدما أكد الخبازون اختفاء الخبز باكراً. يقول خضر :

''خلصنا الخبز، خبز مفيش.. عيش مفيش.. عجين... النهار ده العيش خلص.. بكرة.''([5])

يشتد الصراع لتتدخل الشرطة وتضرب الجماهير: لقد اختفى القمح عن الأسواق نتيجة احتكار التجار له. و لم يعد في مقدور الناس إلا انتظار ساعة ظهوره ليعلن التجار مقابلا خياليا لاقتنائه. فأحداث ووقائع السوق تحرج الحاكم المستنصر، لأن شح السوق من القمح لا يبرره جفاف النيل كما أكدت ذلك ست مصر :

''لا يا مولاي سوء التبرير هو سبب المجاعة وإذا غاب ماء النيل يبقى السبب غياب العدل في مصر.''([6])

المعركة الرابعة عبارة عن رصد لوقائع غريبة تعرفها الأسواق. فندرة اللحومو اختفاؤها يدفع بالتجار إلى تسويق بديل آخر يكمن في بيع الكلاب والقطط. و قد ابتدع هؤلاء التجار كل الأساليب المقنعة لجلب الزبائن قصد استهلاك هذه اللحوم و طهيها مخلوطة بالملوخية. لقد ضاق ذرع السكان فأقبلوا على الاستهلاك، حتى أنهم اضطروا لبيع  أبنائهم لضمان حفنة قمح ورطل من لحم الكلاب. يقول حاجب الخليفة :

''كل ما تمشي في السوق تلقى الناس ماشية تبيع أولادها وبناتها علشان القمح.''([7])

أما داخل القصر، فيستمر الخلاف حول استصدار أمر بشأن ترخيص لبيع الحشيش باعتباره وسيلة للتخدير والقضاء على الأفكار الهادفة.

يتصدر المعركة الخامسة سؤال (مين يشتري مصر؟) حيث يستمر الصراع، و الخلاف عن أسباب اختفاء الخبز. فبعد ما تمرد الناس ثانية، تتدخل الشرطة لتقمع الجماهير وتسكت أصواتهم.وبعدها يتدخل الوزير في شكل حوار مع الجماهير، مقنعا إياها بحل المشكل. ويعمد إلى ممارسة الضغط على عريف الخبازين قصد تخفيض الثمن وفتح الدكان. ورغم الخسارة وعدم إشراك تجار القمح في الحل، رضخ العريف للأمر الواقع، وفتح أبواب دكانه، لتكون أميمة الزبونة الأولى المستفيدة من حل غير عادل.

في المعركة السادسة تتواصل المظاهرات بسوق الخبازين. وفي القصر يحتد الصراع حول دواعي هذه الاحتجاجات وكيفية معالجتها. فالحاكم المستنصر لا يخرج عن منطق التجار لتبرير اختفاء الخبز، معتبرا شح النيل هو سبب شح الأسواق، و أنه مصيب في سياسته بإقراره حرية التجارة. ليؤكد نجاعة رأيه. يقول مخاطبا ست مصر: إننا في زمن جديد.. زمن حرية التجارة العالمية .([8]) ولترد عليه ست مصر قائلة :

''أننا في زمن رديء.. أن يتحكم ألف تاجر في ملايين البشر.''

وبوقاحة الحاكم غير العادل، يجهر المستنصر بكراهيته لشعب مصر، معتبرا نفسه العاقل الوحيد في تاريخ الفاطميين بين حكام مصر.

المعركة السابعة ترصد الصراع بين رموز الفساد في مصر، و بين أبي زيد القادم من تونس في مهمة تجارية. لم يكن أبو زيد يتوقع اتهامه بالتجسس رفقة صاحبه دياب. كمالم يكن يتوقع محاولات استقطابه لخدمة رموز العار في عهد الحاكم المستنصر. فرغم إلحاح سكينة أم الخليفة العاشقة المتهورة، واجهها أبو زيد بحزم الفارس الذي لا ينبطح لإغراءات النساء مهما كان مركزهن.

تقول سكينة راغبة في مودة أبي زيد : أنا أقدر اطلعك... بس على شرط.

أبو زيد :   ايش هو الشرط؟

سكينة : تتجوزني و أهرب معك.([9])

والإغراء نفسه تقدمه بائعة الهوى " أم بوسة ". لكن أبو زيد يرفض مكرها خداعها. فهو يتطلع إلى الحرية دون إساءة أو تلطيخ لشرفه وسمعته، ليواصل بعد ذلك صموده أمام أمير الحشاشين الذي رغب في استغلاله و خدمته مقابل مساعدته على الهرب.

ينتهي المشهد السابع بقبول أبي زيد حلا يقترحه عليه شهاب - مقابل حريته - وما هذا الحل غير مزاولة عمل دفن الأموات.

أبو زيد سيخوض المعركة الثامنة المليئة بالمفاجآت :

الصدمة الأولى : دفن الموتى دون اغتسال

الصدمة الثانية : الانتقال من أكل الحيوانات إلى أكل لحم الآدميين.

وأمام هول و روع ما شاهده أبو زيد، بمعية رفيقه دياب سيقبل على الفرار تاركا خلفه مأساة تعتبر استثناءً في تاريخ الشعوب.

يتوزع سوق الخبازين وقصر المستنصر فضاء المعركة التاسعة، فيعمد فرحان إلى تخفيض ثمن الخبز، الشيئ الذي أزعج باقي الخبازين، ففارت ثائرتهم، واعتبروا الأمر إخلالا بضوابط السوق وقوانينه، وأن تخفيض ثمن الخبز هو تلاعب بالأسعار. وهو في النهاية مصدر خسارة كبرى لباقي الخبازين.

وسيحظى الخلاف بين فرحان الخباز وعريف الخبازين خضر باهتمام المستنصر وحاشيته. وسيكون هذا الاحتكام إنصافاً لفرحان وللزبائن، إذ سيلجأ فرحان إلى المحافظة على الثمن المُسَعَّر من لدن عريف الخبازين، والزيادة في وزنه، الشيئ الذي سيرفع من عدد المقبلين عليه. كما سيدفع باقي الخبازين إلى الدخول في المنافسة بالزيادة في أوزان مبيعاتهم.

كانت المعركة العاشرة بمثابة أم المعارك. فالتسيب الذي عرفته أسواق الخبزأدى بالأهالي والسكان إلى إعلان تذمرهم، وسخطهم على الحاكمين. وكانت النساء مصدر هذا التمرد. وهو في الأصل تمرد مزدوج: تمرد على الرجال وعلى سكوتهم. وهو أيضا تمرد على التجار ومن يحميهم من الحكام. وقد عبرت النساء عبرن عن موقفهن هذا من خلال أغانيهن:  "يغنون لما الرجالة نامت ستات مصر قامت.. ولما الرجالة سكتت ستات مصر قالت([10])"

(وتنتهي المعارك بمعاقبة التجار، و عودة الخبز إلى الأسواق)

البناء المعماري

تتضمن مسرحية حرب الملوخية عشرة مشاهد، نعرض عناوينها كما يلي:

مصر مصر أبونا

جتها نيله اللي عايزة خلف

تجار مصر سرقوها

تشتري كلب

مين يشتري مصر؟

الزمن الرديء

بني آدم يوم طالع و يوم نازل

أبو زيد حانوتي يا رجالة

المصري الجدع

تجار مصر سرقوها و خانوها ثاني و ثالث و رابع.

إن المعاينة لهذا الترتيب على مستوى مضامين كل مشهد من المشاهد، يجعلنا نقر بداية أنه ترتيب يخضع لمنطق صراع تصاعدي من مشهد لأخر، لأن هذه المعارك - حتى وإن انتهت في المشاهد التسعة لصالح الأقوياء، فإن المشهد العاشر سيكون حاسماً، إذ تنقلب الكفة لصالح المستضعفين بإحقاق الحق لأصحابه، وباللعنة على الأزمنة الرديئة التي عرفها المجتمع المصري طيلة قرون اتسمت بالظلم و التجويع.

إن أهم ما يستوقفنا و نحن نساير أحداث هذه المسرحية هو العدد عشرة. فالأمر قد يبدو منطقيا إذا اعتبرنا الحرب بدلالتها العامة عبارة عن مجموعة معارك. و كل معركة هي مرحلة من مراحل الحرب.  قد تكون قصيرة، فتقل معاركها. و قد تكون طويلة فتزداد.

إن الحرب التي صورها المؤلف كانت طويلة، انسجاما مع مرحلة تاريخية عرفت فيها مصر صراعا بين مجتمع غارق في وحل الاستعباد والمجاعة، وبين حكام استبدوا وعاثوا في البلاد فساداً طال أمده. إذن فتحديد العدد في عشرة يعود بالأساس إلى طول أمد الحرب. أما المسوغ الثاني الذي يكون قد أوحى للمؤلف باختيار هذا العدد، فهو ما كون رؤيته في معارك تعد نبيلة،و تنعت إما مبارزة وإما ملاكمة وإما مصارعة. و غالباً ما تحدد بالجولات بدل المعارك. والأمر الذي يؤكد فكرة انتقال الحقل الدلالي لكلمة جولة إلى كلمة معركة، هو ما عمد إليه المؤلف حينما أقحم على رأس كل مشهد مجموعة فتيات في زي رياضي، يحملن لافتات إيذاناً ببداية المعركة وعددها. وهذا مألوف في حلبات الرياضة النبيلة، التي غالبا ما تكون فيها الجولة العاشرة حاسمة بالضربة القاضية. وهي الضربة القاضية نفسها التي عرفتها نهاية أحداث المسرحية.

أكدنا في البداية أن أحداث المسرحية كانت محكومة بالتسلسل ومنطق الصراع التصاعدي من مشهد لآخر. والسيد حافظ لم يعتمد التقسيم الكلاسيكي لأطوار المسرحية، إذ ألغى العناوين التقليدية على غرار الفصول أو المشاهد أو اللوحات. لقد كان مباشرا في اختياره وتصنيفه لكل طور من أطوار المسرحية. فالمعارك أضحت بديلا للتصنيفات المعروفة. ولتمييز كل معركة عن الأخرى، سعى المؤلف إلى وضع عنوان مواز لكل معركة؛ بالإضافة إلى الترتيب الرقمي أو العددي لهذه المشاهد. وكانت الحدة تزداد كلما ازدادت المعارك، لأن الهاجس الذي سكن المؤلف هو إبراز تجربة الشعوب التاريخية من أجل تحقيق الانعتاق والكرامة.

التناص في المسرحية :

 لقد كان التاريخ هو الإطار العام الذي سعى من خلاله المؤلف إلى تسييج نصه المسرحي، إذ انطلق من الموثق التاريخي قصد التوظيف تارة، والنبش في حقائق أغفلها التاريخ أو تم تدليسها تارة أخرى. ولعل حضور التاريخ بصفته شخصية من شخوص المسرحية خير شاهد على إثبات الحقائق ونفي الزائف منها. ولعل موقفه من ذكورية مصر أحسن دليل على أن التاريخ لم يكن دائماً يعكس حقيقة ما وقع في الماضي. وسندرك ذلك من خلال الحوار التالي :

المعارض : اسم مصر مؤنث و مش مذكر أنا متأكد..

التاريخ : " يفتح كتابا و الجوهري في كتاب الصحاح.. مصر اسم مذكر - ودا كتاب "يفتح كتابا آخر" الجاحظ اسم مصر اسم مذكر.. ودا الهمداني "يفتح كتابا آخر" مصر اسم أعجمي.. وهي نسبة إلى مصر بن بنصر بن حام و هو مصريم...([11])

فما سبق يؤكد حرص الكاتب على توظيف التاريخ مرتين :

1. التاريخ كأحداث ووقائع، وتم إبرازها من خلال توظيف شخصية المستنصر الفاطمي الذي حكم مصر في فترة من الفترات التاريخية، وما عرفته هذه المرحلة من فساد سياسي انعكس سلباً على المجتمع المصري. ثم التاريخ كشخصية من شخوص المسرحية، يسعى للقيام بدور المراقبة الذاتية. 

2. التاريخ كشخصية. ويهدف إلى تنبيه الجمهور للتاريخ يمكن أن يتعرض للزيف حتى في وقتنا الحاضر من لدن أقلام ومؤلفين مأجورين. كما أن شخصية المستنصر التاريخية تجمع بين تجليات الماضي والحاضر في ممارسة الحكم والسلطة. فالحاكم العربي حاكم مستنسخ من الماضي، لأن أحداث اليوم لا تختلف عن أحداث الأمس. والمؤلف تأسيسا على هذه المزاوجة يحقق لنصه المسرحي ولو ذهنيا تناصا بين تجاوزات الماضي و الحاضر الراهن

الصراع الدرامي([12]):

إن الصراع الدرامي كما بينته مجموعة من الدراسات يأخد صوراً وأشكالاً مختلفة. فقد ينزع إلى الذاتي، والأمر هنا ينطوي على مجموعة من العوامل السيكولوجية المتفاعلة. وقد ينزع إلى الخارجي. ويمكن تقسيمه كما يلي :

العمودي / الميتافيزيقي الذي سجل حضوره بكثافة في المسرح اليوناني. وهذا النوع تحكمه علاقة الفرد بالسماء، كالإله أو القدر.

الأفقي وهو الذي يواجه فيه الفرد "قوانين المجموعة و الكيان الاجتماعي المفروض"([13]). و هذا النوع من الصراع هو الذي تحكم في طبيعة العلاقة في مسرحية "حرب الملوخية". فالصراع كان واضحاً بين فئتين متناقضتين([14]) : فئة الحاكم وحاشيته من وزراء وتجار محتكرين وأمراء فساد الأمة. وفئة عامة الناس التي تتطلع إلى لقمة عيش، و تبحث عن الخبز الذي اختفى من السوق. إن الصراع اجتماعي بالأساس. فكبار التجار احتكروا منتوج القمح بإخفائه، و تحكموا في أثمنته. و طبقة الحكام باركت نزواتهم التجارية بتقمص أدوارهم في تبرير أسباب ندرة القمح، و اعتبار الكارثة طبيعية مصدرها شح النيل، و جفاف الطبيعية، و أن الأمر لا يقتصر على مصر، بل إن الأزمة عالمية :

الرجــــل1 :  القمح بقى أغلى من الذهب يا مولاي الوزير،

الوزير اليازوري: مشكلة القمح مشكلة عالمية..مش مشكلة مصر لوحدها.

رجـــــل2 :  القمح اختفى يا وزير،

اليــــازوري :  لا القمح موجود،

رجـــــل3 :  أيوه بس سعره زاد ثلاثين مرة.([15])

إن الصراع كما أكدنا هو صراع اجتماعي، طرفا النزاع فيه : مجتمع يعاني الجوع، وفئة التجار والحكام التي أتقنت أسلوب المراوغة والكذب لخداع المجتمع.

الفضاء المسرحي :

نتعامل مع الفضاء المسرحي على أساس أنه يتضمن "بنيتي الزمان والمكان".([16]) ففيما يخص الزمن،فإن المرجعية التاريخية ساهمت بقدر كبير في صياغة موضوع المسرحية. بل كانت أساساً انطلق منها المؤلف لبناء أحداث النص المسرحي وبلورة أفكاره. إن المؤلف لم يكن يسعى لإخبارنا بأحداث تاريخية ما دامت الأحداث التاريخية هي من اختصاص المؤرخ. بل كانت غايته من توظيف الأحداث التاريخية - التي لازمت مرحلة حكم المستنصر الحاكم الفاطمي في مصر-، هي رصد لوقائع، وإسقاط تاريخي للفساد السياسي الذي أضحى قاعدة، وليس استثناء في حياة الشعوب العربية وحكامها. فالمؤلف وهو يستحضر مرحلة قاتمة من تاريخ الشعب المصري، إنما يسعى إلى تمرير خطابات تخص الراهن الاجتماعي و السياسي الذي تعرفه الشعوب العربية برمتها، وبخاصة ما يتعلق بحرية الشعوب وحقها في الكرامة والديمقراطية. ونلمس ذلك بوضوع في الحوار التالي :

 المستنصر  : (يدخل) كفاية بقى عراك ما شبعتوش عراك عشرين سنة.

 ست مصر :  سمعت عن المظاهرات..يا مولاي...مظاهرات في سوق الخبازين،

 المستنصر:  سمعت يا عمتي سمعت،

  سكية: و نزلت العسكر تضرب الناس علشان تفض  المظاهرات فيها ايه،

ست مصر:الناس جيعانة و تنضرب كمان يا سكينة..يا سكينة شعب مصر مش عبيد عند الناس.([17])

فبالإضافة إلى الزمن الأساسي في المسرحية، هناك أزمنة يمكن اعتبارها ثانوية. وهي أزمنة ارتبطت بأحداث النص. فمنها ما ارتبط بالليل،  ومنها ما ارتبط بالنهار. وقد عمد المؤلف إلى تحديدها ببعض الرموز الدالة.

الفضاء المكاني. وتوزع بين عام وخاص. فالعام هو مصر أو القاهرة. لقد ارتبطت الأحداث بحاكم عرفه التاريخ المصري في بلاد مصر. أما الأمكنة الخاصة، فيمكن تقسيمها إلى مكانين أساسيين كانا مجرى أحداث المسرحية : قصر المستنصر، وسوق الخبازين الذي كان في الغالب مصدر صراع واضطرابات اجتماعية. يقول المؤلف في تمهيده للمعركة الثانية :

(يتحول الديكور إلى قصر السلطان المستنصر..الديوان.)([18])

ويقول منبهاً إلى تغيير في الديكور:

 (يتغير الديكور إلى حي الخبازين..محلات متجاورة ودكان مغلق كتب عليه خان مشتاق.. دكان كتب غليه خضر عريف الخبازين.)([19])

لقد تحكم العامل السينوغرافي في الانتقال من مكان إلى آخر، بتغيير التأثيث وتوزيع الإنارة. وأهم ما يمكن ملاحظته على " المكان " هو تعدده. وهذا مؤشر على وعي المؤلف بالتنظيرات التي تجاوزت  التصور الأرسطي  الداعي إلى وحدة المكان

اللغة المسرحية:

تعتبر اللغة من بين أهم عناصر التواصل في العمل المسرحي. وهنا سنركز على لغة النص تفاديا للحديث عن لغات أخرى قد نكتشفها بعد تفعيل النص المسرحي رُكْحِياً: أي بعد انتقاله إلى العرض، لأن عناصر التعبير في العرض تختلف عنه في النص. فهناك التعبير الملفوظ لغة،و التعبير الإيمائي الذي تجسده الملامح، إضافة إلى لغة الجسد التي لا تقل أهمية عن اللغات الأخرى وهكذا.. إذن تركيزنا على النص سيجعلنا نركز على الملفوظ اللغوي الذي اعتمده المؤلف في مسرحية "حرب الملوخية".

إن لغة النص في مجملها هي العامية المصرية. و لا نقصد باللغة، ما هو مكتوب في النص، لأن المكتوب قد يقرأ في بعض الأحيان فصيحا.   وهذا ما لمسناه من خلال مجموعة من المقاطع الحوارية. ولكن الأمر قد يختلف حين ننتقل بهذا المكتوب الفصيح إلى ملفوظ عامي مصري، تحكمه مخارج الحروف والحركات الوسطية أو النهائية. وكنموذج على ذلك، نورد بعض المقاطع الواردة في النص :

المستنصر:(مقاطعا) كل الناس تمدحني وتمدح عصري اسألي كتب التاريخ

ست مصر : كتاب أجرتهم يكتبون ما تهوى و يمنعون ما يغضبك.([20])

  كان الغرض من اعتماد العامية المصرية في هذا النص،هو تقريب الشخوص إلى الجمهور المصري، إضافة إلى تحقيق تواصل واسع مع هذا الجمهور بمختلف فئاته و مستوياته. فاعتماد المؤلف العامية لا ينفي  العمق الفكري في النص، لأن التعامل مع النص من حيث اللغة يختلف من متلق إلى آخر، كل حسب العوامل الثقافية والإدراكية التي تميزه،  والتأويل الذي يمكن أن يصل إليه.

السينوغرافيا:

     بداية لا ندعي أننا سوف نحقق إلماماً كلياً بالجانب السينوغرافي في هذا العمل، رغم الدعم الذي قدمه لنا المؤلف عَبْرَ إرشاداته المسرحية.  فالإلمام بالجانب السينوغرافي يقتضيه الانتقال من النص الأدبي إلى نص يتحول عرضا. لذا نجد أنفسنا مضطرين إلى ركوب فكرة التوقع بدل اليقين. ونؤكد في سياق هذه التوطئة أننا نعرض هنا لعينات من التصور السينوغرافي، ولا ندعي أننا نتناولها في كل تجلياتها.

إن النص الذي نحن بصدده لم يكتب بمقصدية القراءة فقط، بل كُتب لِمَسْرَحَتِهِ وتفعيله إلى عرض قابل للمشاهدة. و دليلنا في ذلك هو حضور مجموعة من الإرشادات المسرحية التي تفيدنا في بلورة تصور للجانب السينوغرافي في هذا العمل. لقد وجهنا المؤلف منذ البداية ببعض مقترحاته التي من خلالها يمكننا وضع تمهيد للعرض المسرحي.

يرشدنا المؤلف قائلاً :

(تظهرعلى المسرح شاشة تلفزيونية كبيرة) (موسيقى نشرة الأخبار) (في حالة عدم وجود شاشة تظهر مُذيعة "ممثلة" في إطار خشبي).([21])

هكذا إذن نتلمس الجانب السينوغرافي منذ البداية. فالمؤلف انطلاقاً من هذا التوجيه يجعلنا نتوقع، أهم المكونات السينوغرافية التي تخص المشهد الأول، سواء تعلق الأمر بالصوت أم الموسيقى أم الإنارة التي نتوقعها دائرية وموجهة، إضافة إلى التأثيث الذي هو عبارة عن شاشة تلفزيونية كبيرة أو إطار خشبي.

إذن الصوت هو صوت امرأة يعتمد طريقة إلقاء تحددها طبيعة الإلقاء الإذاعى. والموسيقى لا تخرج عمَّا يلزم النشرات الإخبارية. أمَّا الإنارة فنتوقعها كما أسلفنا مركزة على الشاشة أو الإطار. وهي غالبا ما يتوسطا الخشبة. أما باقي المواقع على الخشبة فسيغمرها الإظلام.

ومن بين الإرشادات الأخرى التي لا تخلو من أهمية على المستوى السينوغرافي، حديث المؤلف عن تغيير في الديكور :

 (يتحول الديكور إلى قصر السلطان المستنصر.. الديوان).([22])

وهنا سنركز على كلمة ''يتحول'' التي تعني بالأساس وقوع تغير وانتقال من مشهد إلى آخر. وتُفضي كلمة ''يتحول'' أيضا إلى أمرين اثنين: الأول يكون إظلاما سبق المشهد، أوإغلاقا للستار قبل تغيير الديكور. وفي الحالتين معا تتاح الفرصة للمخرج والممثلين للتصرف في هذا الفضاء.

إن التحولات السينوغرافية في هذا العمل لم تكن معقدة، لأن المؤلف عمد في أكثر من مقام إلى بعض الاختيارات التي تسهل على المخرج ضبط كل الجوانب السينوغرافية المعتمدة. فالكورال مثلا يعتبر من المداخل المهمة لبعض المشاهد. وحضوره يقتضي الحضور السينوغرافي، لأن الاستعراض الغنائي الراقص يحتاج إلى مؤثرات جمالية إضافية كالإيقاع الموسيقي و الإنارة المناسبة.

ويمكن كذلك تقسيم الإرشادات المسرحية المرتبطة بالجانب السينوغرافية في مسرحية ''حرب الملوخية'' إلى نوعين :

1. نوع اتسع حجمه وتصدر في الغالب بداية كل مشهد أو معركة وقد سعى المؤلف من خلاله إلى تأطير المشهد على مستوى الإنارة والتأثيث، يقول :

يفتح الستار أو تضيء الأنوار و تدخل الفتيات تحملن في أيديهن لوحات كتب عليها ''المعركة العاشرة...' و لوحات كتب عليها عنوان ''تجار مصر سرقوها ثاني و ثالث  و رابع''

ديكور ساحة المدينة : ستار بيضاء في الخلفي.. ويقف التجار الثلاثة برهومة والشو وسنارة.. ويدخل منادي المزاد، ويقف عامة الناس يحملون في أيديهم صكوك تثبت ملكيتهم لبيوتهم وأراضيهم.

 2. وهناك نوع ثان من الإرشادات. ويمكن اعتباره جزئيا. وغالبا ما تخلل بعض الحوارات داخل المشهد الواحد. ومن ذلك قول المخرج :

" يالا يا ابني انت وهو" ضوء وعمال واستعراض.

 كل هذه المؤشرات الجمالية تترجم إلى حد معين ولع الكاتب بالبعد المشهدي للنص الذي كتبه. إنه يمارس عملية اختراق اللغة باللغة ليؤسس المشهد ومن ثم يقحم القارئ في عملية تلق جمالية لا فكرية محددة فقط.

خلاصــــــة :

تعتبر مسرحية "حرب الملوخية" من بين الأعمال التي تعتبر رائدة وجريئة. وهي تفصح عن الموقع الذي يحتله السيد حافظ في مجال المسرح تنظيراً وإبداعاً. ونحن بتحليلنا لبعض جوانب هذه المسرحية لا ندعي المقاربة الشاملة لها، لأن ثراء هذا النص يستدعي مزيداً من البحث والتحليل. ولقد فضلنا تفادي المجازفة بتحليل كل مكوناتها. ولكننا بالمقابل نؤكد أن قراءة نصوص السيد حافظ لابد وأن تتم في سياق مقاربة شاملة. 

إن قراءة نص واحد من جملة مجموعة من النصوص هي عملية بتر غير ممنهج للتجربة الإبداعية عند هذا الكاتب. وعذرنا في هذا أننا عملنا بالأساس على استجلاء بعض مكونات الخطاب المسرحي. ويبقى النص بحاجة إلى الكثير من الإضاءات النقدية نظرا لما يتوفر عليه من غنى  وإيحاء.  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 



 ([1])  يونس لوليدي، ''هاجس البحث عن قالب مسرحي في: المسرح و فضاءاته''، مجلة الإشارة-  المغربية السنة الاولى-1997- ص33.

 ([2]) . السيد حافظ، ''حرب الملوخية''، العربي للنشر و التوزيع، الطبعة الاولى، 1998، ص16

 ([3]) .  نفسه، 22

 ([4]) . نفسه، ص23

 ([5]) . نفسه، ص26

 ([6]) . نفسه، ص 35

 ([7]) . السيد حافظ، ''حرب الملوخية''، العربي للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى، 1998، ص 49

 ([8]) . نفسه، ص 69

 ([9]) . ا نفسه،ص 74

 ([10])    نفسه، ص 112

 ([11]) السيد حافظ، ''حرب الملوخية''، العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1998، ص13

 ([12])  تستوقفنا عتبة العنوان باعتبارها تركيبا غير منسجم و ذات حمولة تشي بدلالتين لا تجانس  بينهما: دلالة الحرب وما تستوجبه من جدية و حزم، و دلالة لا ترقى إلى هذا المعنى، و تنزل منزلة المتداول في ثقافة التغذية الشعبية عند المواطن المصري البسيط، و لعل المؤلف اعتمد ذلك لأن نزوعه إلى ما هو كوميدي جعله يعتمد هذا التركيب. لكن الصراع يبقى حاضرا في دلالة لفظة "الحرب" ذاتها لأنها تقتضي وجود طرفين متناقضين، و هذا هو أصل الصراع.

([13]) محمد عزيزة– الإسلام والمسرح– منشورات العيون ط2- 1988 صفحة 19.

([14]) ما دام الصراع يتضمن إشارات للشخوص اكتفينا باستحضارهم في جانب الصراع الدرامي.

([15]) السيد حافظ،  مرجع سابق، ص 60

 ([16]) . د مصطفى الرمضاني – بنية الخطاب المسرحي عند توفيق الحكيم من خلال شهرزاد – منشورات جريدة الشرق-وجدة ط الأولى 1995 ص :69.

 ([17]) 'حرب الملوخية'، ص 67

 ([18]) نفسه، ص 16

 ([19]) نفسه، ص 26

 ([20]) نفسه، ص 74

 ([21]) نفسه، ص 7

 ([22]) .  نفسه، ص 16

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More