دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 8)
التـــــــراث والمســــــــرح
مسرحية "حلاوة زمان"
السيد حافظ " نموذجا "
بقلم : فاطمة زكاوي
دراسة من كتاب
إشكالية الحداثة والرؤي النقدية فى المسرح التجريبى
الســيد حــافظ
)نموذجاً(
التـــــــراث والمســــــــرح
مسرحية "حلاوة زمان"
السيد حافظ " نموذجا "
بقلم : فاطمة زكاوي
مدخل:
علاقة المسرح بالتراث
إذا أردنا أن نقدم نظرة عن معنى كلمة مسرح بمقوماته الرئيسية "الحركة والكلمة والوسيقى" فإننا نستطيع أن نقول بأنه تشكيل للمشاعر والأحاسيس الإنسانية و صورة من صور التعبير عنها ، مستعينا في ذلك بوسائل ومؤثرات أخرى كالديكور والملابس والإضاءة والمكياج..
ولكن على الرغم من التعاريف العديدة والجاهزة في بعض الكتابات والمؤلفات حول هذا الفن ، فإننا لا نستطيع أن نجد تعريفا دقيقا يمكن قبوله والأخذ به حول المسرح . فمثلا نجد أن معظم المعاجم الأوروبية سواء منها الأنجليزية أو الفرنسية تقر بأن المسرح فن متعدد الأشكال واسع التجليات ، إلا أنه لا يكتمل إلا بتقديمه للجمهور الذي يشاهده.
وكلمة مسرح تعنى الرؤية في اللغة الأنجليزية ، أي أن هذا الفن يدخل ضمن الفنون البصرية التي لا تكتمل إلا بالمشاهدة أما فى اللغة العربية ، فنجد أن الكلمة كانت تعني قديما الفضاء أو المكان المتسع ، مما يفسر اختلاف مفهومها حسب العصور العربية ، على اعتبار أن العرب لم يعرفوا فن المسرح (بالمعنى الواسع للكلمة) إلا بإرتباطهم بالغرب نتيجة تلاقح الثقافات. الشئ الذي دفعهم إلى الإحتفاظ بتسميته الغربية "تياترو" حسب ما ورد في كتاب "رفاعة الطهاطاوى"([1]).
وعلى العموم فإذا أتفقنا على تعريف ما ، فإننا نستطيع أن تمثل التعريف الذي قدمه الدكتور أحمد أبو زيد حول المسرح فى قوله([2]): "إن كل إنسان يستطيع أن يكون لنفسه تصوره الذهني الخاص به عن فن المسرح، وذلك في ضوء تجربته واهتماماته الشخصية . ما دامت هي التى يقدمها المتخصص".
إن الذى يستطيع منا اليوم أن يلتفت الى الوراء ، وأن يتتبع مختلف المراحل المسرحية، فإنه حتما سيدرك بأن اليونان هم أسبق الناس إلى معرفة المسرح حيث كانت المسرحية تؤدى شعرا أمام الجمهور في مسارح "أثينا" وازدهرت على أيدي رجال كبار أمثال : سوفوكلس ، يوربوديس وايسخيلوس.
أما عن المسرح فى الأدب العربى ، فيكاد يجمع معظم المفكرين والأدباء ، على أن ظهور المسرح بعامة في العالم العربي ، كان في أوائل القرن 19. أو قبله بقليل بمجيء الحملة الفرنسية الى مصر. وأن العرب لم يعرفوا المسرح ولا الأدب التمثيلي ، مما يقطع بأن المحدثين منهم أخذوا هذا الفن الأدبي عن الغرب ، ونقلوه إلى الثقافة العربية وقدموه إلى فئة خاصة من المجتمع هي "فئة الأٍياد ، وأصحاب الإدراك" كما يقول "مارون النقاش" الذي نشر أول نص مسرحي سنة 1848 عن مسرحية موليير (لابخيل) ، حيث يؤكد بأن المسرح العربي نشأ نخبويا([3]) ، وما زال كذلك ، أما الفن التلقائي البدائي أو الأشكال الما قبل مسرحية ، من نوع (خيال الظل ، الأراجوز ، الحلقة ، البساط) فهو لا يفكر في نقد الحياة، وإنما يهدف الى مجرد التسلية.
وإذا كان "مارون النقاش" قد وضع البذرة الأولى للمسرح العربي ، واستنبتها بشكلها الذي بهره في الغرب ، فإنه قد فتح في الوقت نفسه عهد التبعية للمسرح الأوروبي ، التي ظلت لسنين طويلة مهيمنة على عقول الكتاب والمفكرين الى أن اكتملت معالم اليقظة العربية التى أتسمت بالنزوع الى التحر من الهيمنة الأوروبية بشتى مظاهرها ، ومن بينها الهيمنة الثقافية ، عند ذاك دعا الأدباء إلى التجديد في فنون الأدب العربي التقليدية بما فيها المسرح ، فقد كان لابد من ظهور محاولات الإستقلال والخروج عن المسرح الوروبي ، وإيجاد مسرح جديد يؤدي مهماته المطلوبة منه ، وقد تبلورت أولى هذه المحاولات بدعوة "يوسف إدريس" إلى العودة الى مسرح (السامر) واستنباط التراث ، فيما اتجه "توفيق الحكيم"برغم تجربته الذهنية وعالم المجردات والأفكار الفلسفية إلى تراثه الشرقي الثقافي في محاولات لجس النبض عن طريق التجريب بأشكال تراثية مصرية متعددة ، وغيرهم كثير.
وإذا كانت علاقة المسرح بالتراث هي موضوع هذا البحث فإنه لابد من الوقوف على تعريف و لو وجيز لمفهوم التراث.
مفهوم التراث:
اختلفت التعاريف حول "التراث" ومفهومه باختلاف الإنتماءات السياسية والفكرية ، وتباينت بذلك آراء الأدباء والمفكرين قبل وبعدتوظيفه ، وفي هذا السياق نعرض لبعض المقالات التي تطرقت لهذا المفهوم ، وتعريفه.
يقول الدكتور حسن حنفي : حول تعريف التراث:
نرى بأن التراث هو كل ما وصل إلينا من الماضي ، داخل الحضارة السائدة قضية موروث ، وفي نفس الآن ، قية معطى حاضر على عدة من المستويات([4])
وذكر الدكتور "عبد الله العروي" فى مقال له بعنوان قضية التراث والإنبعاث الحضاري ، تعريفا لمفهوم التراث يقول فيه: يستعمل القرويين كلمة Tradition فى علم الاجتماع وعلم الكلام ، وتعني في المجال الأول كل ماهو موروث في مجتمع معين من الأجيال الغابرة العادات ، الأخلاق ، الآداب ، تعابير التنظيمات ، وهذا هو بالضبط ما تؤكده كلمة التراث شريطة ألا نحدده فيما هو مكتوب أو مروي([5]).
وكلمة تراث كما تمثلها الدكتور " السيد حافظ":
ليست هي التاريخ ولا الأساطير فقط ولا الحكايات القديمة ، إن ما حدث بالأمس هو تراث وما يحدث اليوم غدا يصبح تراثا ، أي أن كل ما مضى في يوم جديد أصبح تراثا ، فالإنسان يقاس عمره بالأيام ويصبح ما فيه أمس تراث ، فالتراث (عنده) هو الأب والأم والدار والعرض والأرض.." ([6])
من مجمل التعريفات نستنتج بأن يمثل تراكما ثقافيا من عادات وتقاليد ، وقيم وأخلاق ومثل يكتسبها الفرد ويستند إليها في مختلف إبداعاته واكتشافاته وإنجازاته الجديدة. مما يجعل مسألة التراث مسؤولية ملقاة على عاتقنا ، يجب الحفاظ عليها والرجوع إليها وإحياؤها لاستخلاص العبر منها ، وإلى هذا أشار الدكتور عبد السلام بنعبد العالي في مقال له بمجلة الرافد يقول:
لا يتلخص التراث فيما يسمى ثقافة عالمية، ولا تؤول مسألته إلى مجرد مسألة منهجية ترتد إلى مجرد صعوبات منهجية تتمثل في كيفية استعادة الماضي ، ودراسة التاريخ ، وتأويل النصوص وتحقيقها ، إن الأمر يتعلق بصفة أقوى من ذلك ، بثوابتنا الفلسفية ، بمفهومنا عن اللغة وعن التاريخ ، وعن الهوية ، بل وعن الكائن ذاته ، فإما إذن تعد الهوية معطى أولا ويقذف بالآخر في خارج مطلق ويكون التاريخ إحياء لنفس خالدة ، وتقوية للوهم بالخلود ، أو تكون الهوية أمرا يغرى ويكتسح ، وحينئذ يكون البحث في التراث إصغاء لأصواته المتعددة ، أما أن يكون التاريخ تكرار لا يمل للصورة التى استطاعت أن تسود والتي يقدم بها التراث ذاته ويؤرخ لها ويعيها ، أو يكون تملكا لفراغاته وحفريات لصمته التفاتا للمنسي منه([7])
والتراث كما يفترضه الدكتورط محمدم الكغاط" وجد منذ أن أخرج آدم (عليه السلام) من الجنة إلى الأرض ، وما وقع له مع حواء والشيطان ، وما عاشه قبل ذلك وبعده ، كل ذلك كان يشكل بداية التراث الإنسانى.([8])
والذين يعادون التراث، ويثورون عليه لا يمكنهم أن يجهلوا حضوره في سلوك الإنسان ووجوده في المشاعر والاحاسيس ، لأن البناء الفكري والسلوكي للإنسان يتركب من الماضي والحاضر ، والحاضر ماض غدا وأشياء الماضي عبارة عن تراث ، ومأثر تقع عليها العين ، وتتأثر بها الأحاسيس، وتتشكل في الأعماق لتبدوفي نشاط الإنسان وإبداعه في الحاضر من أجل خلق ماض جديد.
أما عن نظرة الإنسان العربي إلى التراث فقد تمثلت في ثلاث مواقف:
1- الموقف الرافض: وهو الجاهل به أو ممن استلبته الثقافة الغربية وحضارتها وعلومها وتقنياتها وأموالها ، أو ممن تكونت لديه قناعة بأن تحكم التراث وهيمته، هو السبب في التأخر والتخلف من الثقافة العربية.
2- الموقف المناصر: الذي يعتز بالتراث ويؤمن بضرورة التمسك به والإقتصار عليه وحده ، فهو الماضي والحاضر والمستقبل ، فلا حاجة لنا بما عند الغرب.
3- الموقف التوفيقي: الذي يجمع بين ما في الماضي وتراثه من مفيدصالح ، وبين ما عند الآخر من علوم وفنون مفيدة صالحة، تدفع بنا إلى الأمام.
بحيث نحافظ على هويتنا، ونواكب التطور الإنساني في الطريق الصحيح([9]). ويعد التراث على العموم مصدرا من مصادر الإلهام ومجالا من مجالات الإبداع الفني ن وهو الأرض الصلبة التى يقف عليها الأديب ليصنع أدبه.
ولقد أنتشرت ظاهرة توظيف التراث في أدبنا الحديث على نحو لم يعرفه أدبنا القديم ، وذلك لإيمان المفكرين والأدباء بأن التوظيف هو السبيل لإبداع نص مسرحي جديد تتوفر فيه صفة الحداثة ، وهذا لا يعني عزلة أدبائينا عن الترايات العالمية التي تخصب فكرهم ووجدانهم وفنهم ولكنه يعني أن يكون الأدب معبرا عن طبيعة المجتمع العربى محافظا فى تجديده على الأصالة والخصوصية ، بحيث لا يحدث فصلا قطعيا بين التراث والمعاصرة.
فإذا كان الشعراء العرب قد عادوا إلى التراث وحاكوه في مدرسة الإحياء التى يترأسها البارودي ثم بعد ذلك في المدرسة الإتباعية (الكلاسيكية) والمدرسة الإبداعية (الرومانسية) التى تمثلت في تيارات : المهجر وأبولو والديوان ثم التجديد فى الشعر الحر كله.
فإن المسرح العربى المعاصر لم يشعر بهذه الصحوة إلا بعد مئة عام من العمل المسرحي ، لكن قبل الخوض فى العلاقة التى تجمع بين المسرح والتراث ، لابد من التطرق أولا الى مفهوم التاريخ وإلى تحديد العلاقة التى تجمع بينه وبين المسرح. فلربما اتطعنا أن نتمثل كيف جاءت فكرة توظيف التراث في المسرح العربي الحديث والمعاصر؟.
- التاريخ وعلاقته بالمسرح:
إذا اعتبرنا أن التاريخ هو مجموع الأحداث التي وقعت في الماضي، أو تركيبة معتمدة على وثائق وشواد عديدة ، حيث يصبح التاريخ مجموعة من المقولات حول الماضي مكتوبة في كتاب من صنع المؤرخ. فإنه حري بنا أن نستنتج العلاقة التي تجمع بينه وبين المسرح. فكلاهما يعنى بالموقف أوالحالة التى يتقرر فيها مصير فرد أو جماعة ، ويبرر الصراع بين طرفين وتكون هناك شخصية تحمل قيما ودلالات ويكون هناك حدث أو أحداث يمكن استثمارها فى عمل إبداعي لكن هذا لا يعنى أن العلاقة بينهما علاقة اعتباطية، فكما يقول "ارسطو" أن ثمة فرقا بين التاريخ والمسرح ، فالأول يروي الأحداث ويسردها كما وقعت فعلا ، والثاني يروي الأحداث التي يمكن أن تقع ، وإن كنت لا أميل كثيرا الى تصنيف أنواع املسرحيات حسب موضوعاتها ، فإن المسرحية التاريخية أو الدراما التاريخية هي معالجة أو إعادة صياغة إحدى الحقب التاريخية أو تناول حياة إحدى الشخصيات التاريخية، أو انتقاء حال أو موقف أو حدث تاريخي تصلح لمعالجتها في شكل مسرحي يضع فيه الكاتب المسرحي رؤياه الخاصة بما يتناسب وروح العصر من خلال الإقادة من الميراث الفكري الموجود فى المادة التاريخية بحيث يبقى التاريخ واحد من أهم المصادر الغنية للكتابة الرامية ، وحيث يرتبط الماضي بالحاضر في صياغة فنية جديدة قوامها عناصر المسرح ولغته وتقاليده([10]).
وما نهتم به في هذه الدراسة هو أهمية الإفادة من المادة التاريخية وما فيها من صور مختلفة ومواقف إنسانية يمكن توظيفها واسقاطها على الواقع المعاصر. د ون تحوير للحقائق التاريخية أو تزييف لشخصياتها. فالتاريخ وعاء لصيانة الموروث وصندوق لحماية الكنوز من التلف والضياع ، ولا يستطيع الكاتب المسرحي صياغة عمل مسرحي فيه الحياة والحيوية والتأثير من غير أن يعمل على إضاءة الوقائع التاريخية فى رؤيا فنية متماهسكة من خلال الفحص الدقيق للمادة التاريخية ومصادرها وفق الإعتبارات السائدة في العصر. ذلك أن المادة التاريخية تتيح للكاتب والفنان مساحة حقيقية من حرية التعبير قد لا يجدها فى أحداث الموقع المعاصر. وإن كانت بعض الأحداث المعاصرة تضاهي في أهميتها محتوى الأحداث التاريخية.
ولكن السؤال المطروح هو إلى أي مدى يمكن القول أننا حققنا الهدف المنشود من معالجتنا للمادة التاريخية؟
الدلائل تشيرالى نجاح بعض المحاولات في مصر وسوريا والمغرب وتونس والأردن ، في الخروج بصياغات درامية تتناسب إلى حد كبير مع العصر والمجتمع ، غير أن تعامل المسرحيين العرب مع التاريخ والتراث والأسطورة ، مازال يعاني من قضايا وإشكالات عديدة ، نذكر من بينها:
· تناول المادة التاريخية وتوظيفها في إيديولوجيات الخطاب السياسي الموجه لخدمة أفكار محددة ، قبل الإهتمام بجوهر العلاقة بين الميراث الفكري الموجود في الوقائع التاريخية ، وبين تناقضات الحاضر.
· جمود بعض الأعمال التى تتعامل مع المادة التاريخية ، بحيث لم تستطع أن تجعل منها شيئا حيويا متدفقا ، كما أنها لم تنجح في بلورة الشخصيات التاريخية بما يتواءم مع عقلانية التفكير المعاصر.
نخلص من هذا كله إلى أنه لا يكفي التعامل مع المادة التاريخية ، بل يجب علينا تحقيق الأصالة ، من خلال المعالجة أي يجب علينا التعامل مع المادة التاريخية كموقف ، وأن نحتويها ونطوعها بدلا من أن تحتوينا. كما يجب أن ننظر الى الماضي دون أن يغيب الحاضر. وتبقى مسألة نظرة كتاب المسرح إلى التاريخ وطريقة استخدام التاريخ في المسرح العربي ، وهي مسالة يرجعها الدكتور السيد حافظ([11]) إلى مرحلة بعد أحداث هزيمة 1967. التي كانت بمثابة هزيمة عسكرية واجتماعية وفكرية ، وصدمة حقيقية جعلت السؤال الحاضري الكبير يطرح على الشكل التالي: لماذا هزمنا؟ وكيف ؟ وما هو الحل؟.
فيما ذهب الدكتور على الراعي إلى أن استخدام التاريخ العربي في المسرح استمر عبر مراحل مختلفة ، منها مرحلة الإفادة من التاريخ المتخيل بهدف إمتاع الجمهور ، ومرحلة استخدام التاريخ كمحفز سياسي لإذكاء الشعور القومي ، ومرحلة العودة الى التاريخ لجلو أحداث الماضي، ومرحلة مسألة التاريخ ومحاكمة شخصياته ، ومرحلة رفض التاريخ كليه.
ويرجع المسرحي عز الدين بونيت اضطراب العلاقة ما بين المادة التاريخية ورجال المسرح إلى عدة أسباب أهمها:
أن المؤرخين العرب القدامى والمستشرقين الذين تناولوا التاريخ بالرصد والمتابعة لم يكونوا أمناء في كتاباتهم لأسباب سياسية ودينية ورقابية أو لأغراض خفية تهدف الى النيل من العرب وتاريخهم وتراثهم ، ومن هنا انعدمت الثقة بين المعاصرين من جهة والقدامى والاجانب من جهة أخرى، فصار المؤلفون والمخرجون العرب اليوم مؤرخين بدورهم عوض محترفين للمهنة بالمعنى الدقيق.([12])
لكن إذا كان المسرح باعتباره فنا أنسانيا خلاقا قد ساهم إلى جانب الفنان المسرحي (بما يملك من رموز ودلالات) فى تحقيق الحالة الإبداعية من خلال المادة التاريخية . فإن استلهام المسرح للتراث وتوظيفه له قد سما به الى مداه. فما هى علاقة المسرح بالتراث؟ وما الجديد الذى أضافه؟
- علاقة المسرح بالتراث وتوظيفه؟
إن استلهام التراث العربي في المسرح هو صيانة للتقاليد الثقافية وحضورها الفعال في تحقيق الوظيفة الإجتماعية وفي تثمير الحوار الثقافي مع تراث الإنسانية استنادا الى وعي الذات ووعى الآخر.
ولعل عوامل عديدة. فنية وثقافية وسياسية ، قد أسهمت في عودة رجل لامسرح العربي إلى تراثه. والعامل الفني يأتي في مقدمة هذه العوامل. وذلك لإحساس رجل المسرح العربي بأن التراث ينبوع دائم التفجير بأنصح القيم وبأنه غني بالمفاهيم والأشكال المسرحية التي تمنح مسرحه طاقات تعبيرية قصوى ، وقد أدرك المسرح العربى بأن توظيف التراث يربط الماضي بالحاضر ويحقق التواصل بين القديم والحديث. لما للتراث من تأثير قوي في وجدان الناس وحين يستخدم المسرحي العربي هذا المضمون التراثي أو ذاك ، فإنه يكون قد أضفى على تجربته نوعا من الأصالة الفنية ، وذلك بإكسابها البعد التاريخي والحضاري. ويتجلى العامل الثقافى ، فى الكشف عن الظواهر المسرحية عند العرب وقد تكبد بعض الباحثين العرب هذا الجهد من أجل استلهام هذه الأشكال والتقنيات العربية، لا سيما وأن المسرح الغربي نفسه قد خرج من علبته الإيطالية إلى الشوارع والمقاهي والساحات.
فيما يتمثل العامل السياسي في الرغبة في التحرر من التبعية ، وإثبات الهوية القومية ، بعدما مزقها المستعمر.
غير أنه لا ينبغي التعامل مع التراث على أنه إرث مقدس لا يمكن أن ينتهك أو تمس حرمته . لأنه إذا أردنا أن نخطو خطوة تطور فعلنيا أن ننظر إلى التراث بعيون حديثة ، وبروح جديدة تساهم في فهمه وسبر أغواره ، للاستفادة منه واستخلاص عبره.
وحتى يتم الإتصال بين المسرح العربي وجمهوره ، فإن هناك ضرورة للإستمرار في أستلهام التراث العربي. وما يحفل به من روافد وافرة برؤى معاصرة ليكون عاملا هاما فى بلورة الشخصية المتميزة للمسرح العربي الحديث. وإذا أردنا تحقيب تاريخ المسرح العربي الحديث فيإننا نستطيع أن نرده الى ثلاث مراحل متداخلة فيما بينها :
1- مرحلة البحث عن مضمون تراثي للمسرح.
2- مرحلة البحث عن شكل عربي للمسرح.
3- مرحلة التنظير لمسرح عربي جديد.
فالمرحلة الاولى بدأت مع نشوء المسرح الحديث في منتصف القرن التاسع عشر. وأستهدفت البحث عن مضمون تراثي للمسرح يستفيد من : التاريخ والتراث الشعبي ، والأدبي والديني ، والأسوري ، وتتمثل في المسرحيات التي استمدت مضامينها من التراث التاريخي القديم ، والوسيط والحديث.
فمن التاريخ القديم نجد مثلا مسرحية (السماء أو اخناتون ونفرتيتى) "لعلي أحمد باكثير "وهي مسرحية شعرية ، وكذلك وضع "شوقي" مسرحية (مصرع كليوباترا) شعرا ايضا.
ومن التراث العربي استمد "محمد تيمور" مسرحية (صقر قريش) ، و"إبراهيم رمزي " مسرحية (الحاكم بأمر الله) ، و "عز الدين المدني" مسرحية (ديوان الزنج) وغيرهم.
فيما استمد "الفريد فرج" من التاريخ العربى الحديث مسرحية (سليمان الحلبي) و "الطيب الصديقي" مسرحية (معركة الملوك الثلاثة).
وكذلك استمد "توفيق الحكيم" من التراث الشعبى مسرحية (شهر زاد) من ألف ليلة وليلة ، و "سعد الله ونوس" أستمد مسرحية (الملك هو الملك).
وقد تعامل المسرحيين العرب مع التراث التاريخي وفق مستويات متعددة وكان لهم عذرهم في اللجوء الى تقنية استخدام التراث وجعل خشية المسرح منبرا لإلقاء الدرسو الوطنية والتاريخية.
وتأتى المرحلة الثانية وهى البحث عن شكل عربي للمسرح ، أي البحث عن الجدور والظواهر المسرحية عند العرب ، وقد بدأت في مطلع الستينات من هذا القرن حيث عمل الكثير من لاباحثين على استخلاص هاته الأشكال المسرحية من التراث العربي أمثال (محمد منذور ، حسن لمنيعي ، على الراعي ، على عقلة عرسان وسليمان قطاية..إلخ) . فاستخرجوا مظاهر تتمثل فى : طقوس العبادة الإسراء والمعراج ، عيد المولد النبوي ، الحكواتي ، خيال الظل ، الحلقة ، البساط.... إلخ.
أما مرحلة التنظير الفكري والفني للمسرح العربي الجديد المقترح فقد تمثلت في الدعوة الى (السامر) الشعبي الذي أقترحه" يوسف إدريس" في مصر. وفي بيانات "لسعدالله ونوس" في سورية ، وكذلك بيانات " المسرح الإحتفالي " في المغرب وفي دعوة "توفيق الحكيم " الى (قالبنا) المسرحي ، وفي بيانات الفرق الطليعية الجديدة "جماعة السرادق" المصرية ، وغيرهم.
وعلى العموم ، فالإنسان حيوان له تراث ، كما يقول الدكتور محمد الكغاط، لذلك فهو ناطق ومفكر واجتماعي وممثل ، ولكي يمثل لابد أن يكون له تراث مهما كان هذا التراث.
الفصل الأول
خصائص الكتابة التراثية
نماذج لرواد المسرحيين
إن الحديث عن خصائص الكتابة المسرحية التراثية يفترض مسبقا الحديث عن أسباب لجوء المبدعين الدرامين إلى هذا النوع من الكتابة ، وما الذي هدفوا إليه من ورائها؟
ففى الستينات من القرن الماضي كانت الأمة العربية تعاني من القهر والذل والغربة التي غلفها به المستعمر، خاصة بعد هزيمة 1967 التي كانت بمثابة صدقة أفقدت الكيان العربي هويته وجعلته يتخبط في متاهات غامضة، ويقاسي من انفصام في شخصيته، وبذلك شعر الكاتب العربي بالاغتراض الشديد عن الفن وعن الواقع، وعن أدوته وعن جمهوره. فكانت الحالة النفسية والإبداعية لدى المبدع والكاتب العربي في حالته تخبط وبحث عن مخرج ليقدم نفسه([13]).
من هنا كان اللجوء إلى التراث بغية البحث عن البطولات الشعبية الكامنة فيه لبرولتها في قالب مسرحي ، من أجل شحذ همم الأمة بإعتباره من أبرز أشكال التعبير الإبداعية ملاصقة لهموم الأمة لذلك فقد التقط المسرح هذه البطولات وجسدها أمامها معبرا بذلك عن مدى الاحتياج الى تلك البطولات لتحقيق طموحات شعب وواقع محاصرين.
ومن ثم كانت الكتابة التراثية كمنطلق أساسي لاسترجاع ما سلب منا ولإثبات الهوية القومية عن طريق انشاء مسرح عربي أصيل ذو جذور عربية أصيلة، فظهرت مسرحيات قومية نابعة من أصول تراثية. لأن القومية والتراث كل لا يتجزأ بمعنى أن النهوض القومي لابد له من اساس ينطلق منه ، ومن قوة يدفع بها ، ومن جذر يمسكون به في الأرض، وهذا الحافز وهذه المظلة وهذا الجذر هو التراث. ([14])
- المرحلة الأولى:
مرحلة البحث في المواد الخام العربية، أي الرجوع الى مصادر الإنشاء المسرحي، والتي يمكن أن تتجلي في التاريخ والأسطورة والحكايات والأمثال والأعاني والملاحم والأدب العربي والتصوف الإسلامي والقرآن الكريم.
- المرحلة الثانية:
تتمثل فى البحث عن شكل مسرحي عربي ، وذلك من خلال مساءلة الحقل العربي واستنطاق صامتة.
- المرحلة الثالثة:
وهي البحث عن نظرية مسرحية ، نظرية فكرية وجمالية على ضوئها نؤسس الكتابة ، ونوجد للصناعة المسرحية ، مناهجها في الخلق والإبداع([15])
هذه المراحل الثلاث هي التى بلورت خصائص الكتابة المسرحية التراثية الهادفة إلى إثبات الذات عبر مواصفات فعل مسرحي له خصوصية العربية وإدراك أصالته التي كانت غائبة عن ساحة المسرح العربي.
من أجل هذا كله ، ومن أجل تأصيل المسرح العربي ، ظهرت مبادرات بعض المبدعين الدراميين الذين كانت تحذوهم الرغبة الملحة في خلق مغايرة وإبداع أشكال جديدة تمتد جذورها في التراث العربي ، إيمانا منهم بأن الإنفصال عن الجذور التاريخية يشكل خلالا في سبيل تحقيق الحداثة لأن الحداثة لا تتحقق إلا في أرتباطها بالتراث.
أن ملاحقة هذه الأصالة هي التي قادتهم الى التفاعل مع التراث لصياغته والبحث عن أشكال فرجوية تناسبه ، الشيء الذي جعلهم يلجئون الى تركيبة جديدة للنص ، تدفع الفعل المسرحي العربي إلى مستوى مفتوح قصد خلق خطاب مسرحي متنور. وفي محاولة للانفلات من سيطرة الغرب والانسلاخ عنه([16]).
فكانت أولى المحاولات هى تلك التى تجسدت سنة 1850 في مسرحية أبو الحسن المغفل " لمارون النقاش" والتي كانت أول تجربة عربية حاولت الانسلاخ عن الإبداع الغربي شكلا ومضمونا مستمدة أصولها من التراث العربي الأصيل ، والمسرحية مأخوذة من إحدى حكايات "ألف ليلة وليلة" وهي حكاية ترويها شهرزاد وتطلق عليها قصة " النائم واليقظان" حيث كان لها صدى كبيرا في تاريخ المسرح العربي.
بعد ذلك توالت الكتابات والإبداعات المسرحية التراثية ، إذ تعتبر تجربة أبو خليل القباني من أهم التجارب التي أستطاع من خلالها التخلي عن المسرح الغربي معتمدا على التراث العربي، والقصص الشعبية، معالجا بذلك قضايا عربية معاصرة له. وذلك عن طريق المزج بين الأصالة والمعاصرة مستلهما التاريخ العربي والشخصيات البطولية التي كانت لها مكانتها في التاريخ والسير الشعبية: مثل عنترة وسيف ذي يزن ، واللقاء المأنوس في حرب البسوس، وامرؤ القيس، وغيرها من الأعمال الإبداعية الأصيلة.
لقد عمل "أبو خليل القباني" على إغناء عمله المسرحي من خلال تشبثه بالتراث الفني ، وما يحتويه من ظواهر مسرحية كانت لها فعاليتها في الماضي ، فحاول تطويرها ، وجعلها تساير واقع الأمة العربية ، وهكذا استلهم ثلاث مسرحيات من ألف ليلة وليلة وهى:
· هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب.
· هارون الرشيد مع أنس الجليس.
· الأمير محمود بخل شاه العجم([17])
غير أن أعماله صودرت في دمشق ، نظرا لما لاقته من معارضة من طرف السلطة العثمانية ، التي أغلقت مسرحة سنة 1884 ، وبذلك رجل القباني الى مصر ليتابع إبداعاته التي لقيت إقبالا من طرف الجمهور.
وعلى العموم فقد كانت محاولة " القباني" شكلا من أشكال التمرد على النص المسرحي الغربي وتجسيدا دقيقا لما كان يعانيه الإنسان العربي من إحساس بالتبعية والعجز ، لذلك فكل المحاولات التي أتت من بعده كانت تصب في الاتجاه نفسه ، حيث عقد المبدعون العزم على التخلص من هذه العقدة والعمل على تحقيق وإبداع نص مسرحي عربي أصيل ، ومن بين هؤلاء المبدعين نجد: توفيق الحكيم ، نعمان عاشور ، الفريد فرج ، يوسف إدريس ، قاسم محمد ، عادل كاظم ، سعد الله ونوس ، عز الدين المدني ، الطيب الصديقي ، روجيه عساف ، السيد حافظ ، أحمد الطيب العلج ، عبد الكريم برشيد.. وغيرهم كثير. بحيث مهما تنوعت الأساليب التي لجأ اليها هؤلاء الدراميين العرب ، فإن هدفهم كان واحدا ، وهو تحقيق الأصالة ، ولذلك لجأوا الى التراث للبحث عن أشكال وصيغ مسرحية من أجل إعادة بنائها من جديد.
وقد كانت أولى دعوات التنظير تلك التي دعا إليها "يوسف إدريس" سنة 1963 من خلال مسرحية الفرافير التي أستوحت بعض الظواهر المسرحية السائدة في حياتنا الاجتماعية كالسامر والأراجوز وخيال الظل وبعض الطقوس مثل حفلات التنكر. وهو بذلك يدعو إلى خلق مسرح عربي قلبا وقالبا بدلا من صب المضمون العربي في أنية غربية ([18]) وبهذا توالت الدعوات التنظيرية في شكل بيانات كبيانات الاحتفالية بالمغرب الذين رفضوا المسرح التقليدي ، ودعوا إلى العودة إلى المسارح الدائرية ، وبيانات "سعد الله ونوس" الذي دعا إلى خلق مسرح شعبي أكثر عفوية وتلقائية ووعيا. كما نجد كذلك دعوة "توفيق الحكيم" مثل :قالب مسرحي جديد ، والعودة الى مرحلة ما قبل السامر.
وكذلك هناك بيانات الفرق الجديدة مثل : فرقة المسرح الجديد التونسية وفرقة مسرح البحر الجزائرية والفوانيس الأردنية والسرادق المصرية.
كل هذه الم حاولات التي قام بها هؤلاء المبدعين الدراميين من خلال دعواتهم التنظيرية . كانت تأكيدا للهوية العربية واظهار للقدرات العربية الخفية ، فكان أن تم الرجوع إلى المنابع والجذور من أجل إعادة قراءة التراث وفهمه فهما واعيا بغية تحديثه.
في هذا السياق سنورد بعض النماذج لرواد عرب اسهمت أعمالهم لإبداعية التى استلمهموها من التراث في تجذير المسرح العربي ، وتثبيت الهوية القومية .
وهكذا سنعرض لكل من :
توفيق الحكيم من (مصر)
سعد الله ونوس من (سوريا)
أحمد الطيب لعلج من (المغرب)
عز الدين المدني من (تونس)
النموذج الأول: توفيق الحكيم من (مصر)
إن الحكيم وهو يحاول أن يؤسس كتابة جديدة من أجل تأصيل المسرح العربي لم يقطع كل الحبال مع الثقافة الغربية فقد ظل متشبثا بالتراث الإغريقي ، ساعيا إلى إيجاد نقطة واحدة تلتقي عندها الثقافتان الشرقية والغربية من أجل تحقيق نوع من التعادل بين المسرح العربي والمسرح العالمي ، ولهذا فإنه يسرى أن أهم ما يجب الإلتفات إليه فى هذا الشكل هو أن يكون صالحا لأن تصب فيه كل المسرحيات محلية وعالمية ، قديمة ومعاصرة يقول : فنحن إذن ببعثنا الحاكي والمقلد والمداح وجمعهم معا ، سنرى أن في استطاعتهم أن يحملوا آثار الأعلام من ايسخيلوس وشكسبير وموليير إلى إبسن وتشيخوف حتى بيرانديللو ودورنيمات. كما أن في إمكانهم أن يحققوا الأمل الذي طالما تمناه الجميع في كل مكان وهو شعبية الثقافة العليا([19]).
وتوفيق الحكيم بالرغم من كونه من أولائك الذين نظروا لأعمالهم المسرحية ، فى منتصفالستينات ، حيث دعا في كتابه "قالبنا المسرحي " سنة 1967 إلى خلق مسرح عربي جديد قلبا وقالبا، يعتمد على تراثنا الشعبي من روايات الأغاني ، وقصص الجاحظ ومقامات الهمداني والحريي، ويستخدم الحكواتية واملقلدين والمداحين . إلا أنه لم يقتنع بهذا الشكل المسرحي وظل وفيا لثقافته الإغريقية ، مؤمنا بما يسميه بالتعادلية.
غير أن توفيق الحكيم استطاع أن يعتمد على مصدرين هامين من تراثنا فيهما الكثير من الجوانب التي تحتاج إلى مبدعين مسرحيين كبار يغذونها بقدر ما يأخذون منها. هذان الجانبان هما القرآن الكريم والموروث الشعبي وأهمه ألفه ليله وليلة ويتجلى ذلك واضحاً فى مسرحية "على بابا" التي ألفها في بداية كتاباته المسرحية التراثية سنة 1925 ، وكذلك في مسرحية "شهر زاد" الصادرة سنة 1934. هذا فيما يخص توظيفه لبعض قصص ألف ليلة وليلة . أما ما استوحاه من القرآن الكريم ، فهناك العديد من المسرحيات أهمها مسرحية "أهل الكهف" التي صدرت سنة 1933 ، وهي واحدة من الأعمال الدارمية التي شقت طريق التزحزح من سطوة الماضي "تراثا وتاريخا" وقد تأثر توفيق الحكيم كثيرا بالتراث الإغريقي كما يظهر ذلك من خلال مسرحياته : بجماليون ، براكسا ، الملك أوديب.. الخ.
ليظل توفيق الحكيم أول كاتب قلب نظرية الأخذ من التراث من جانبها الواحد لتحويلها إلى حالة التفاعل تخضع للأخذ والعطاء جميعا.
فقد أخذ تراثنا العربي بقدر ما أعطى هومن ذاته وابداعه لهذا التراث([20])
النموذج الثانى: سعد الله ونوس من (سوريا)
يعد "سعد الله ونوس" من أبرز المسرحيين الذين نظروا لمسرح عربي أصيل، حيث حاول ضرب كل ما له علاقة ببنية المسرح الغربي، واعتبر التراث منبعاً للإبداع العربي الأصيل واسلوبا من أساليب الوعي القومي وخلق الشخصية القومية المستقبلية ولعل العمل الذي دون بصمة "سعد الله " في عالم المسرح هو مسرحيته الجميلة "مغامرة رأس المملوك جابر" التي تعد من المسرحيات التي أصلت المسرح العربي من حيث التوجه واملعالجة وفنية تركيب الأحداث فهي جزء من التاريخ ، وجزء من حكاية شعبية انتزعها "سعد الله من بنائها الأسطوري ، وأعاد إعمارها بصياغة فنية جديدة تعتمد الساحات الشعبية والمقاهى مسرحيا لسرد أحداثها.
لقد حاول "سعد الله" من خلال ت وظيفه لشخصية الحكواني الشعبية الذي يزور المقاهي ، ويقرأ على البسطاء الحكايات والسير ، وينقل المشاهد من مسيرتها اليومية إلى عمق التاريخ ، أن يتعامل مع التراث ، ويخلق نصا تراثياُ يزاوج بين الأصالة والمعاصرة ، وذلك ببعث الحياة فى بعض القضايا التراثية التي تحمل نكهة بيئته ، وجانبا من هموم شعبه بأسلوب أسر ومنطق مقبولز
وقد ألح "سعد الله ونوس" فى معظم مسرحياته : "الملك هو الملك" ، "أبي الحسن المغفل " التي صدرت سنة 1988 وغيرهما ، على كسر الجدار الرابع ليكون الحدث المسرحي أكثر قربا من الناس ، مما يدل على محاولته لإلغاء المسرح الرسمي ، وتنظيره لشكل مسرحي جديد ، يساير الواقع الأليم الذي نعيشه. ويجسد الصراع السياسي الخطير الذي سيسحق الكيان العربي. لذلك فقد حول الحكاية في مسرحية "أبي الحسن المغفلط إلى دراما سياسية تعج بالحركة وتنبض بالقوة وجعل اللغة المنسوبة "للرشيد" أفضل ما يكون في ت وظيف الحدث التراثي في مسرحية معاصرة.
من هنا يعد "سعد الله ونوس" من المجددين الأكثر جنوحا نحو تحقيق الأصالة ونحو خلق مسرحعربي متجدر.
وقد جعل من مسرحياته السياسية وسيلة لتعرية الواقع المرفوض وكشفا لما تخفيه خباياه مستلمهما بذلك مواقف البطولة وروح القومية التي تكمن في التاريخ والتراث.
"فالاتجاه إلى استلهام التاريخ ليس هروبا ولا تملصا كما يقول نعمان عاشور وإنما هو محاولة لاستكشاف الأضواء الفكرية والمعنوية التي تحرك تطورنا ، وهي لا يمكن العثور عليها من فراغ بل يجب التنقيب عنها في التراث الثقافي([21])
هكذا يمكننا القول بأن "سعد الله ونوس" استطاع أن يثبت بأن الكتابة المسرحية التراثية ، قادرة على أن تؤسس لمسرح عربي أصيل شكلا ومضمونا ، ينطلق من عمق التراث ليتجلى في واقعنا ، وقد حاول من خلال بياناته التنظيرية تأكيد الهوية العربية ، عن طريق إعادة النظر في الإبداع المسرحي اعتمادا على قراءة التراث وفهمه.
النموذج الثالث : أحمد الطيب لعلج من (المغرب)
إن تجربة " أحمد الطيب لعلج" في محاولته إحياء التراث العربي فريدة من نوعها ، وتختلف نوعا ما عن التجارب السابقة ، وذلك لأنه وظف التراث الشعبي المغربي في كل نصوصه المسرحية التي كتبها أو اقتبسها ، لذلك فهو يمثل ظاهرة المسرح الشعبي المغربي ، أولا لأنه استطاع بحسه الشعبي أن يكتسب خبرة كبيرة في الكشف عن أسرار المأثور الشعبي في كتاباته ، وثانيا لأنه خبر بهذا الحس الشعبي العناصر التي صاغ بها سخريته ونقده للخلل الذي يعرقل السير العادي والسليم للمجتمع([22]).
لقد أستطاع "أحمد الطيب لعلج" أن يقدم للمسرح المغربي عصارة التلاقح ، وخلاصة التفاعل بين المرجعيات الشعبية وفن المسرح وتمكن من إزالة الحواجز التي كانت قائمة بين الكتابة المسرحية والتراث المغربي ، وأن يمزج بين ماهو تراثي وماهو مقتبس وواقعي بغية تأصيل الأمثال والطرائف لتسهيل مسرحية التراث وجعل الأحداث تقوم على صراع المواقف والطباع والمتناقضات ، وهذه إحدى ركائز الكتابة المسرحية عند "الطيب لعلج" التي كانت مشروطة بشرطين إثنين هما:
- تأصيل لغة الإقتباس وفق العقلية المغربية.
- تأصيل المسرح بواسطة مسرحية التراث.
هذان الشرطان جعلا اللغة المسرحية مكونا فاعلا في الإنتاج المسرحي لدى "لعلج" الذي أقتنع بأن الكتابة المسرحية يجب أن تكون منطلقة من قاسم مشترك بين جميع الناس وهو التراث الذي يجمع بينهم في زمن الفرجة([23]).
وقد تمكن "أحمد الطيب لعلج" من خلال مسرحياته التي كتبها "عمايل جحا" ، "الحكيم قنقون" ، "الحمار الشاهد" ، أرض الذئاب" ، و" المعلم عزوز" ... وغيرها ، من إعطاء وجودا متميزا للمسرحية المغربية التراثية(الشعبية) ، ومن تحقيق مسرح شعبي يخاطب المتلقي المغربي بتراثه . وهو بهذا يقر بأن المسرح ذاكرة تختزن المرئي والمسموع والمقروء ، بدءا من فن الملحون ونوادر جحا وألف ليلة وليلة والأحاجي موصولا إلى موليير وشكسبير ولابيس وبيكيت وجيل رومان وماريفو ويو مارشي ، وغوغول وبرخيت([24]).
إن لجوء "أحمد الطيب لعلج" إلى التراث العربي وبخاصة التراث الشعبي إنما كان من أجل إذكاء القومية العربية وغثبات هويتها المفقودة وكذلك من أجل مقاسمة الأمة همومها بلغة تفهمها وتعيها . لن الخطاب الشعبي يكون أكثر واقعية وأكثر تواصلا.
بهذه اللغة هدف "أحمد الطيب لعلج" للوصول إلى أذهان الناس ، بكتابة الماسي الضاحكة المعتمدة على البساطة وعلى السهولة واليسر.
وبذلك استطاع أن يخلق مسرحا عربيا أصيلا قلبا وقالبا ، شكلا ومضمونا ، ينطلق من الذات ويعود إلى الذات.
النموذج الرابع: عز الدين المدني من (تونس)
يعتبر "عز الدين المدني " أحد الرواد الجادين في مجال خلق وإبداع ظاهرة مسرحية عربية، لها مقوماتها الذاتية والنوعية والنابعة من طبيعة الحضارة العربية تحديدا.
لذلك كانت تجربته صادقة من أجل تجذير المسرح العربي وتأصيله والابتعاد عن تقنية المسرح الغربي ، عن طريق استلهام التراث وقراءة مضامينه، بوعي ودقة ودراية قبل البدء في الإبداع . لأنه لا يري في الأصالة أنها مجرد إقحام شخصيات تراثية على العمل المسرحي كالمداح، والأراجوز، أو في تقديس التراث كيفما كان نوعه ، وإنما يجب اعتباره هذا الأخير كمجموعة من القيم والأفكار والأشكال مازالت في حاجة أكيدة الى التقصي([25])
وأغلب مسرحيات "المدني " إن لم أقل كلها مستوحاة من التراث موغلة في التاريخ كما يتضح ذلك في مسرحيته "مولاي السلطان الحفصي" حيث توغل بنا أكثر لنعيش الفترة الزمنية المحددة التى عاشها السلطان الحسن الحفصي في القرن السادس عشر. وهو ضمن هذا الإستيحاء يركز الضوء على ما يمكن إعتباره صالحا للصياغة الدرامية ، قادرا على تحمل الهموم المعاصرة ، وما يمكن اعتباره ذاهبا في طيات الماضي لا يمتلك مشروعية الحياة من جديد. وقد حقق " المدنى" هذه الصياغة الجريئة وتحمل مسؤولية التغيير والتبديل في كل حدث تراثي يحوله إلى دراما ، وهو بهذا يبلور قدرته على رؤية طبيعة التكوين العربي وإيجاد ما يلائمه من مسارات الإبداع ، حتى لا يكون المسرح العربي عربي الحوار غربي الجوهر.
وفي هذا السياق يوجه "المدني" نقدا لاذعا للدراميين العرب المعاصرين ويقول:"كان عليهم الا يتبنوا من الفن المسرحي الغربي إلا النوع فقط وأن يتركوا جانب الفنيات والأشكال والاتجاهات التى رافقت النزاع"([26])
إن " المدنى" من خلال قوله هذا واع بغنى التراث العربي وبخصوبته، لذلك فهو يدعو إلى التعمق في الفكر العربي، والتشبع به والوقوف على خصائصه.
إنها دعوة صريحة ومباشرة من أجل إبداع نص عربي أصيل نابع من الأصوال التراثية ، لكن بطريقة جديدة تلائم حاضرنا العربي وتتماشى مع واقعنا الأليم.
ففي مسرحيته "الغفران " نجده يعيد صياغة شخصية أبي العلاء المعري صياغة جديدة تساير الواقع الحديث وترسخ الماضي القديم فأبو العلاء في مسرحية "المدنى" مبصر مفتح العينين ، وقد بدا قويا مناضلا لا يهاب السلطة ، بينما شخصيته في التاريخ مخالفة تماما لما جاء به "المدنى" فهو عجوز ضرير متشائم.
فالمهم عند "المدنى" هو أن يخدم النص التراث ، الواقع الحالي وأن يستنهذ الروح القومية من أجل بناء مستقبل عربي جديد.
وهكذا ينهي المدني مسرحية الغفران بقوله : لا وجود للغفران ، أحلام مجرد مزعجة . الدنيا جناية ، أعطوني عينين من نور ، كسروا السجون مهما كانت السجون لأن العدم زنزانة ، حطموا السجون ، أريد أن أبني أبراجا تبلغ السماء ، أريد أن أبنى أنسانا جديدا ، إنسانا قديرا ، إنسانا جبارا ، هلموا معى ، هلموا نبني ([27]).
هذه المسرحية إلى جانب المسرحيات الأخرى: " الحلاج" سنة 1973 ومسرحية "ثورة الزنج" 1972 وكذلك "ثورة صاحب الحمار" وغيرها تشكل لبنة مضيئة في جسر المسرح العربي الذي احتفظ بخصوصيته دون أن يتخلى عن شموليته الإنسانية.
هكذا فقد جاء "عز الدين المدني" ليقدم جديدا منفردا مثقلا بالخصوصية وليشكل إضافة نوعية الى المسرح العربي من خلال أعماله الابداعية ومن خلال كتابته المسرحية التراثية الهادفة الى تحقيق اصالة النص العربى.
على العموم ، فقد كانت هذه بعض النماذج من قائمة المبدعين الدراميين والكتاب المسرحيين الذين لم يكونوا أقلحماسا وفهما لهذه الدعوة ، وقد حاولوا التخلص تماما من عقدة التبعية الغربية وأـلحوا على الإضافة من خلال التأصيل لمسرح عربي ذو خصوصية عربية متميزة ، وذلك بالبحث عن مضمون تراثي للمسرح يستفيد من التاريخ والتراث الشعبي والأدبي والأسطوري.
وقد كان هدفهم واحدا ، ألا وهو إثبات هويتهم وأصالتهم والرد على أولئك الذين ينكرون معرفة العرب بالمسرح.
لذلك فقد كانت قضية تأصيل المسرح العربي هي الشغل الشاغل والأكثر إلحاحا لدى المعنيين بتنمية الثقافة العربية وتطورها.
والحق أن دعوات التأصيل ، ليست مجرد بعث شكل أو أشكال مسرحية تراثية، أو استلهام التراث العربي في المسرح ، بل هي صيانة التقاليد الثقافية، وحضورها الفعال في تحقيق الوظيفة الاجتماعية وفي تثمير الحوار الثقافي مع تراث الانسانية استنادا الى وعي الذات ووعى الاخر.
أن الذى توصلنا إليه من خلال عضر هذه النماذج هو مدى أهمية التراث لأنه يشكل إحدى مقومات الأمة الأساسية لذلك اضطر المسرحيون الى العودة إليهم وذلك للكشف عن روح الأصالة في أمتنا من أجل متابعة مسار التقدم الذي تحتمه حركة التاريخ الدائبة([28])
"خلاصة"
من منطلق دراستنا لهذه النماذج ، استطعنا أن نستخلص بعضا من خصائص الكتابة المسرحية التراثية والتي يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1- ضرورة خلق نص مسرحي عربي قادر على أن يتفاعل مع الواقع العربي الحديث.
2- البحث عن قالب أو شكل مسرحي عربي يهتم بقضية التأصيل ، ويؤكد استعادة التراث وتوظيفه في تركيب مسرحي جديد.
3- اثبات الهوية القومية للمسرح العربي ، من أجل الردعلى أولائك الذين ينكرون معرفة العرب للمسرح.
4- استنهاض مواقف البطولة من التراث العربي القديم بغية إيقاض الوعي القومي ، وخلق الشخصية العربية المستقبلية.
5- بث روح المقاومة والنضال في وجه موجه اليأس والإحباط ، وذلك بالبحث في الجذور القومية والشعبية والتراثية.
6- المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة.
7- الانسلاخ من النص المسرحي الغربي وإيداع نص مسرحي عربي ينبع من الأصول التراثية.
8- تثمير الحوار الثقافي مع تراث الإنسانية العربي وتطويره لاختراق هيمنة مركزية الغرب الثقافية.
بالرغم من تنوع هذه الخصائص وتعددها إلا أننا نستطيع أن نجملها في خاصية أساسية واحدة هى:
قضية تأصيل المسرح العربي والتي تعنى من حيث الأساس البحث في هوية المسرح العربي توكيدا لأصالة الثقافة العربية.
على أن الأصالة تفيد تمثل روح العصر لاشتمالها على عناصر الديمومة والاستمرار في التقاليد الثقافية الباقية.
إن قضية تأصيل المسرح العربي كما قلنا ليست بحثا عن مؤيدات مسرحية في التراث العربي وحده فحسب بل تتعداها الى صورة حاضر المسرح العربي ومستقبله ، لأن ه وية المسرح تكمن في أصالته.
لذا ينذر أن نجد كاتبا خلاقا لم يركز على التراث كعطاء يتجمع في التاريخ ليستلهم منه قليلا أو كثيرا في إبداعه المسرحي.
وما دام الإبداع المسرحي يتحرك أو لا في بيئة معينة تمده بعوامل التكامل ، يأتي الماضي بكل ما فيه ليشكل تربة تنمو فيها بذوره بينما تشكل البيئة المعاصرة مناخه وجوه الطبيعي والملائم.
ونخلص في الأخير إلى أن الاتصال الحميم بين المسرح والتراث كان أحد أهم قضايا المسرح منذ نشأته الأولى ، كما أن الكتابة المسرحية التراثية شكلت منطلقا أساسيا من أجل خلق مسرح عربي جديد شكلا ومضمونا.
لذلك فقدجاءت كل المحاولات بما فيها تجارب املبدعين الدراميين الذين عرضنا لكتاباتهم المسرحية التراثية. جاءت لتصيب في قالب واحد ولتعبر عن غرض واحد ولتحقق هدف واحد إلا وهو خلق خطاب مسرحي متنور يجنح نحو الأصالة ويتفاعل مع التراث لصياغته واعادة بلورته في أشكال فرجوية تناسبه وتناسب الواقع العربي الحديث.
وإذا كان هذا " الفصل النظري " قد استطاع أن يكشف لنا عن بعض خصائص الكتابة المسرحية التراثية وأن يعطينا نظرة عنها من خلال تجارب بعض المبدعين الدراميين الذين حاولوا بطريقة أو بأخرى إثبات ذاتهم عبر مواصفات فعل مسرحي له خصوصيته العربية.
فإننا سنحاول في الفصل الثاني الذي خصصناه للدراسة والتحليل ، أن نغوص في أعماق هذه الخصائص وأن نقترب أكثر فأكثر من أهدافها وذلك من خلال تحليل مسرحية تراثية تاريخية هي: حلاوة زمان أو عاشق القاهرة ، الحاكم بأمر الله للكاتب المصري القدير " الدكتور السيد حافظ" الذي يعد واحدا من أبرز المعاصريين الذين عشقوا التراث العريب وولعوا بتاريخنا القديم ، وأغنوا المساحة الثقافية العربية بإبداعاتهم المتميزة ، ف بالاضافة الى المسرحية التى أشرنا إليها هناك العديد من المسرحيات التراثية مثل: "حكاية الفلاح عبد المطيع ، "ملك الزبالة" ، قراقوش والأراجوز" ، عبد الله النديم" وغيرها، والتي استطاع من خلالها ن هذا الكاتب الأصيل أن يعود بنا إلى الماضي السحقيق ليكشف لنا عن الأسس التي رسخت لواقعنا المعاصر ن كما استطاع من خلال كتاباته المسرحية أن يزاوج بين الصالة والمعاصرة في قالب مسرحي حديث.
الفصل الثانى
تحليل مسرحية "حلاوة زمان" للسيد حافظ"
الاطار التراثي للمسرحية
ابراز الشكل التراثي للمسرحية
تعد مسرحية حلاوة زمان أو عاشق القاهرة. الحاكم بأمر الله من الروائع الفنية التى غاصت في أعماق التراث العربي القديم ، وحاولت سبر أغواره وكشف أسراره ، حيث رست على فترة زمنية زاخرة ظلمها التاريخ ظلما بينا ، هذه الفترة التاريخية هي فترة الحكماء الفاطميين الذين حاول الكاتب القدير السيد حافظ أن يكتب عنهم خاصة شخصية الحاكم بأمر الله حيث أمضى ثلاثون عاما وهو يبحث عن تاريخ هذا الرجل العظيم:"ثلاثون عاما يا سيدي الحاكم بأمر الله وأنا أبحث عن تاريخك بأن أكتب عنك وأن أرش عطرك عبر الأوراق والأحبار..." ([29])
الاطار التراثي للمسرحية:
إذا ما حاولنا أن نحددالإطار التراثي لمسرحية حلاوة زمان أو عاشق القاهرة " الحاكم بأمر الله" فيجدر بنا أو لا العودة إلى فترة من فترات التاريخ العربي القديم التى شهدت ازدهارا ورقيا أن ذاك ، هذه الفترة التى أمتدت ما بين سنتي (358 – 567هـ). والتي حكمتها الدولة الفاطمية. بعدما أنفذ الخليفة الفاطمي " المعز لدين الله" – قائده "جوهر الصقلي" سنة 358 هـ بغية فتح مصري ، فكان له ما أراد ، وسرعان ما صارت مصر ذرة في تاج الفاطميين ، وانتقل اليها كرسي الخلافة الفاطمية وعلا قدرها فلقد كان الفتح الفاطمي الذي تمخضت عنه المدين العظيمة القاهرة بمثابة تغيير في المذهب وفي نظم الحكم والثقافة. حيث أقام الفاطميون في مصر حكومة منظمة قائمة على أساس متين ، فبمجرد أن فتحوها جمعلوها قاعدة لملكهم ، وأنشأوا فيها عاصمة عند ملتقي النيل الدلتا سموها القاهرة المعزية ، بنوا فيها قصورهم ودواوينهم والجامع الأزهر الذي يقوم بنشر الدعوة الى مذهبهم.([30]).
ويعتبر الخليفة "المعز لدين الله" الفاطمي الرابع من كبار رجال عصره ولا نغلوا إذا قلنا أن نفوذ الدولة الفاطمية قد بلغ اقصى م داه في عهده ، وأن الفاطميين لم يستطيعوا أن يحتفظوا بذلك التراث المجيد الذي تركه لهم هذا الخليفة([31])
وإذا كان المعز لدين الله قد وضع نواة الحضارة الفاطمية في مصر ، فقد تعهد العزيز بالله غرس أبيه حتى نما وترعرع ونضج وأتى بالثمار المرجوة. ويجمع المؤرخون على مدح "العزيز بالله" في اخلاقه وعقله وسياسته وتسامحه. فقد أصبحت الد ولة الفاطمية في عهده أمبراطورية وذات هيبة واحترام من جميع الدول في الشرق وأوروبا.
ولما توفى "العزيز بالله" بويع بالخلافة أبنه المنصور الذي لقب بالحاكم بأمر الله ، الذي ولد سنة 375 ه. وأقيم العبد الخصي برجوان وصيا عليه امتثالا لرغبة أبيه. غير أن برجوان لم يستطع أن يخضع لسلطانه قائد الجيش "أبن عمار المغربي" الذي كان الخليفة الحاكم قد منحه رتبه الواسطة ولقبه بأمين الدولة . فكان إن قامت فتنه ، أنهت بهزيمة "أبن عمار" إلا أن الخليفة عفا عنه ، ليتم تدبير أمر الخلاص منه فيما بعد ، فأغتيل وأصبح "لبرجوان" مطلق السلطان فركبه الغرور والزهو ، وترك مقاليد الأمور تفلت من يده , وأنغمس في الملذات يتمتع بثروته الطائلة ، مهملا تثقيف الحاكم القاصر ، فكان أن أمر الحاكم بأمر الله بقتله ، لجأ الى الشعب ليشد أزره في هذه السن اليانعة.
وقد سعى "الحاكم بأمر الله" الى تطبيق تعالمي الإسلام تطبيقا متشددا فحاول منع شرب الخمر وفرض قيودا على النساء ، ومن عبيع العبيد وحرم الربا والرشوة ، وفصل بين الحمامات ، ونشر العدل والمساواة...
فمن البين ان كثيرا من النظم التى سنها الحاكم ، واستشهد الناس في ذمها قد رمى بها الى كبح جماح الفساد الذي ترتدي فيه شعبه.
وقد ضرب لهم مثالا رائعا بسلوكه السوي واحتقاره لكل مظاهر الفخامة والآبهة ، فقد كان الحاكم يركب حمارا بشاشية مكشوفة من غير عمامة وقد أصاب الناس منه شر شديد ، الى أن فقد في أحدى الليالي ، فقيل أن رجلا أغتاله غيرة لله وللإسلام ، ويقال أنه احتجب وسيعود لنشر الايمان بعد الغيبة . وقد أختلف كثيرا حول اختفاءه المفاجئ.
هذا هو إذن السياق التاريخي للمسرحية ، والذي حاول الكاتب "السيد حافظ" أن يقربنا إليه من خلال التطرق الى الجانب الإيجابي في شخصية " الحاكم بأمر الله " الذي تناساه المؤرخون أوتعمدوا نسيانه وتغافله.
تحديد البعد التراثي للمسرحية:
تتضمن مسرحية "حلاوة زمان" العديد من الأبعاد التراثية التي حاول السيد حافظ صياغتها من خلال مادته التاريخية التي تحقق له أهدافه الفكرية والفنية ، الهدف الفكري السياسي ، وهو البحث عن الحاكم بأمر الله العادل. والهدف الفني ، تقديم المتعة ونفض غبار الظلم عن الرجل ن وتقديم شكل مسرحي حداتي يتناول الرجل وتاريخه بشكل يليق. قسم "السيد حافظ" مسرحيته "حلاوة زمان" إلى فصلين متمازيين ووضع عناونا جامعا بينهما ، حيث خلال الفصلين من أية عناوين.
قراءة فى عنوان المسرحية:
بما أن العنوان هو مفتاح المسرحية ، فلابد إذن من التطرق إليه ودراسته حتى يكون مدخلا عاما للإطلال على فصول المسرحية.
جاء عنوان المسرحية طويلا ينقسم الى قسمين: حلاوة زمان وعاشق القاهرة الحاكم بأمر الله.
· "حلاوة زمان" : جاءت كلتا اللفظتين توحيان بشيئ من الحسرة والتأسي على هذه الحلاوة المفقودة التى مضت في زمن من أزمان السلام والطمأنينة. فحلاوة زمان جاءت لتعمق الجراح ، ولتعلن بقسوة وب دون رحمة عن فراغ اللحظة الراهنة من هذه الحلاوة.
· عاشق القاهرة – الحاكم بأمر الله : هذا الشق من العنوان يتكون من المضاف والمضاف إليه فعشق القاهرة ينسب إلى الحاكم بأمر الله ، د ون سواه ، فهو الوحيد الذى عشق القاهرة ، كما لم يعشقها أحد على مر التاريخ كما يقول "السيد حافظ" والحاكم الوحيد في تاريخ مصر منذ سبعة آلاف عام ، الذي كان يسير في شوارع القاهرة دون حراس لأنه حضر بناءها ، فعشقها حتى النخاع.
وحلاوة زمان كانت من اقتراح مخرج المسرحية عبد الرحمن الشافعي([32])
أما عاشق القاهرة الحاكم بأمر الله فهو العنوان الأصلي الذي وضعه الكاتب السيد حافظ والحقية أن العنوان بشقيه يمثل تكاملا ما بين العام والخاص والجزء والكل ، وحلاوة زمان تدل على حقبة زمنية عامة.أما عشق القاهرة فجاءت مخصصة لهذه الحقبة الزمنية ومكانها.
البناء الدرامي للمسرحية:
إن مسرحية "حلاوة زمان " السيد حافظ باعتمادها على السياق التاريخي وغوصها في أعماق التراث العربي القديم ، قد تجاوزت مرحلة البحث عن الهوية القومية العربية ودخلت مرحلة ما بعد مإثبات هذه الهوية ، وما بعد هذا الانتماء والتجدر.
إن "السيد حافظ" عندما كتب هذا العمل التراثي الدرامي ، كان يهدف إلى إيقاظ الوعي لدى المتلقي بعدما أثبت تجرده وتأصله ، إيقاظ يرقى به الى مستوى التفاعل مع الأحداث والأوضاع المحزنة في وطننا العربي الذيعانى ولازال يعاني من الويلات والحروب والتطاحن.
فكانت "حلاوة زمان " بمثابة صرخة في عالم الواقع ، وحقيقة تاريخية تنطق بالصدق الفني . فجاءت كل جملة فيها تنبض بروح التاريخ العربي وتهتف بتراث أمة زاخرة. لذلك فقد تبلور موقف الكاتب جليا من خلال عبارات وكلمات المسرحية ، حيث استهل مسرحيته بإفتتاحية حاول من خلالها أن يكسر الراوي ، بذكر مجموعة من المؤرخين الذين يتناقشون حول تسمية القاهرة، وحول معالم حضارتها والملوك الفاطميين الذين حكموها في تلك الفترة من التاريخ لينتقل بنا بعد ذلك وعبر تقنية الصراع إلى حبكة المسرحية لنشاهد في الفصل الأول صراعا بين مسئولي الدولة حول السلطة ومن يتولى الوصاية على عرش الحام القاصر الذي تولى الملك وعمره أحدى عشرة سنة.
ويأتي هذا الصراع ليعمق مرارتنا ويترجم حقيقة مسئولينا الذين لا يتفقون على رأي ولا يرسون على قرار.
وبين بداية الفصل ونهايته ، تتوالى الاحداث والقضايا الكثيرة التى عرفتها المسرحية ، فتتصاعد الدراما ليحتدم الصراع بين الحاكم والتجار ، وقواد الجيش ، خاصة بعد نزول الحاكم إلى شارع القاهرة ، وإقامة ديوان المظالم في حي شعبي (امبابة) واتخاذ صحبة من عامة الشعب (فتحى الكبابجي وقسام التراب) ، ليقع اكبر الضرر على أصحاب المصالح الاقتصادية والعسكرية ، فيرسمون خطتهم للتخلص من الحاكم بأمر الله واصلاحاته.
وبذلك نخلص إلى أن كل من حاول ان ينشد العدل والمساواة على مر التاريخ سواء في الماضي أوالحاضر ، فسيكون مصيره حتما الضياع والمعاناة.
وقد حاول " السيد حافظ" أن يختم الفصل الأول بأنتصار جزئي لبطل المسرحية حيث استطاع ان يحقق جزءا من اصلاحاته من خلال عزمه وإصراره على الحافظ على شعبه ومدينته الجميلة بالرغم من محاولة تثنيه عن ذلك.
والحقيقة أن ما يلزمنا في هذا العصر شخص يتحدى الجماعة ، ويضحى من أجل وطنه وأمته ، لا من أجل ذاته.
ويتركز الصراع في الفصل الثاني بين "الحاكم بأمر الله وأخته "ست الملك" كرمز للعقل المبدر والرأس المفكر الذيكان يستند إليه الحاكم من أجل تدبير شؤون الأمة ، إلا أنها تتحول فى هذا الفصل ، لنجدها تقف فى الطرف النقيض منه ، لتتحالف ضده مع أصحاب المصالح الاقتصادية والعسكرية ، حيث ضاقت ذرعاً بإصلاحاته التى ستؤدي بهم الى الهاوية، وهنا نصل إلى نتيجة نفسية خطيرة ، وهي أن الرجل حين يستفرد بالحكم تستهلكة أداءة السلطة فيؤدي حتى أقرب الناس إليه ، كما أشار المؤلف في هذا الفصل الى صراع الإنسان مع الغريزة ، تجسد في صراع الحاكم بأمر الله مع عزيزة (التى دسها التجار لقتله) وأختها سنية ، حيث إستسلم الحاكم لسطلان الغواية ولشيطان الأنوثة والجمال. وقد استطاع المؤلف من خلال مسرحيته أن يربط بين الوباء والفساد اللذين تولدا عن فساد الساسة ومسئولي الدولة واستسلامهم الغواية وتقاعسهم عن مراعاة شؤون شعبهم. وقد جاء هذا الربط كنتيجة حتمية لمقولة (فساد الأمة في فساد أهل رأيها).
وبالرغم من تعدد الصراعات داخل المسرحية إلا أن الصراع الغالب من البداية وحتى النهاية هو صراع الحاكم وحاشيته الفاسدة حيث لا يحتدم هذا الصراع ليصل بنا إلى ذروة الحدث ، وإنما يسير على وتيرة متوازية لنقف في الأخير على نهاية مفتوحة على كل الاحتمالات:
· احتمال عودة الحاكم لينقد البشرية من الوباء الذي سيفتك بها.
· احتمال قتل الحاكم وموت العدل والخير بموته.
على العموم فقد جاء مسرحية "حلاوة زمان " في أبسط تجلياتها لتظهر لنا علاقة الحاكم بالمحكوم من خلال شخصية الحاكم بأمر الله وعلاقته بالشعب المقهور والحاشية الفاسدة.
وتعد المسرحية نموذجا لتكامل العناصر والوحدات الدرامية وتجسيدا لحبكة مسرحية متجانسة الاحداث والوقائع ، إنها تجربة جادة ومعالجة فريدة من نوعها تختلف شكلا ومضمونا عما كتبه العديد من الكتاب والمؤلفين حول هذه الفترة التاريخية . لقد استطاع السيد حافظ أن ينقلنا عبر تجربته الى عالم خال من الشوائب ، عالم العدل والمساواة ، وأن يرسم لنا صورة من المثالية ونكران الذات في شخص الحاكم بأمر الله.
دلالة توظيف الشخصيات التاريخية:
قبل الخوض في الحديث عن دلالة توظيف الشخصيات التاريخية ، لابد أولا وقبل كل شيء إعطاء تحديد لمفهوم الشخصية.
يعتبر مصلطح الشخصية المسرحية من بين المصطلحات المسرحية الرئيسية ضمن المصلطحات المسرحية العامة . ويمكن أن تلحق به صفات ونعوت مميزة كأن نقول الشخصية الرئيسية والشخصية الثانوية والشخصية المساعدة والشخصية الفكهة.كما يقول د. أحمد بلخيري([33]).
لذلك فمن البديهي أن تكون الشخصية هي نقطة انطلاق اي نص تأليفي وأن تكون محور هذا النص وحجر الزاوية في بناء الصورة الكلية ، فهي التي تحدد اتجاه سير الأحداث وهي التى تحدد التحام الارادات المتضاربة فتضع حدا للصراع ، وبالتالي للمشكلة التي اصطرعت حولها إرادات الشخصيات في المسرحية([34])
والشخصية من أهم العناصر الدرامية التى أنكب الدارسون والناقد معلى دراستها واكتشاف دلالاتها وحقيتقها كشخصية واقعية أو غير واقعية ، خاصة إذا كانت لهذه الشخصيات ميزات وصفات معروفة لدى العموم.
الكشخصيات التاريخية مثلا ، لذلك وجب الحرص على درجة الامانة والصدق أثناء التعامل معها ومعالجتها دراميا.
وحين العودة الى مسرحيتنا "حلاوة زمان" للكشف عن الشخصيات الى تناولتها نجد أن المؤلف السيد حافظ قد ركز على العديد من الشخصيات التاريخية الحقيقية هدفه في ذلك الرجوع الى الماضي والاقتداء به ، واستعادة ما كان موجودا فيه من قيم ومبادئ ، وأخلاق وبطولات ، بغية ايقاظ روح الأمة واستنهاض وعي شبابها وتنبيهه لما يحاك ضده من مؤامرات داخلية وخارجية.
ويمكن أن ن جمل شخصيات المسرحية على اختلاف ورودها كما حددها الدكتور " محمد عبازة" ([35]) فيما يلي:
الشخصيات التاريخية: وهى شخصيات حقيقية ، فاعلة في التاريخ كالحاكم بأمر الله الفاطمي ، وشت الملك (أخت الحاكم) وجوهر الصقلي وبرجوان وابن خلدون ، وابن بطوطة وابن دواس والمقريزي وأبن الهيثم والمعز لدين الله الفاطمي والعزيز بالله.. والعديد من الشخصيات التاريخية التى ألح المؤلف على توظيفها سواء أكانت فاعلة في الاحداث أو كشاهد على التاريخ ، المهم أن تؤثر دراميا في المتلقي بدورها الفعال في هذا التاريخ.
الشخصيات الشبه تاريخية: وهي شخصيات تقرب الى الشخصيات التاريخية الحقيقية وتنتمي اليهم سواء على المستوى العائلي ، أو المستوى السلطوي كشخصية أريسطانيوس في المسرحية.
الشخصيات الخيالية: شخصيات مبهمة يستطيع أي كاتب أن يستعملها في عمله الدرامي مع تغيير اسمائها من عمل إلى أخر . وتكون هذه الشخصيات مهينة على المسرحية إلا أنها لا تستطيع أن تؤثر في الأحداث إلى درجة احتدام الصراع وتعميق الموقف الدرامي . وهي في مسرحيتنا تتجسد في شخصيات (فتحي الكبابجي ، قسام التراب ، سلمى وعمران ، فاتوش ، عزيزة ، سنية ، أم سلمى.. إلخ).
غير أن دلالة توظيف الشخصية التاريخية تجثم بكل ثقلها من خلال شخصية الحاكم بأمر الله، السلطان المتواضع السوي الذي ينشد العدل والمساواة بين الناس، ويحرص على نظافة مدينته ونقائها ويستخلص حق المظلوم من الظالم. هذه القيم والمبادئ وإن كانت من بديهيات العمل السلطوي، ومن واجبات الحاكم اتجاه محكومه. إلا أنها استطاع أن تبهرنا، وتدغدغ مشاعرنا، وأن تزرع في قلوبنا مشارع الحرمان والاغتراب عن يئتنا ، لأننا نفقتد هذه القيم، فأين نحن وأين العدل والمساواة في مجتمعنا.
لذلك حاول السيد حافظ من خلال استحضاره لهذه الشخصية التاريخية المثالية ، أن يملأ ذاك الخواء والفراغ وأن يضيق تلك الفجوة العميقة التي تفصل بين الشعب وحاكمه . فى أروع معالجة درامية لجزء من تراثنا وتاريخنا المفقود.
إبراز الشكل التراثي للمسرحية من خلال دراسة:
- الحوار.
- الإرشادات المسرحية
1- الحوار: Dialouge
الحوار كما يعرفه "د. ابراهيم حمادة " : هو الكلام الذي يتم بين شخصيتين أو أكثر ، وبالتجوز يمكن أن يطلق على كلام شخص واحد ، والحوار المسرحي يتميز بقيم خاصة منها:
1- يدفع إلى تطوير الحدث الدرامى ، وتجليته ، ومن ثم تنتقي وظيفته كعامل زخرفي خاص.
2- يعبر عما ي ميز الشخصية من الناحية الجسمية والنفسية والاجتماعية والبيولوجية.
3- يولد في المشاهد الإحساس بأنه مشابه للواقع مع أنه ليس نسخة فوتوغرافية للواقع المعيش.
4- يوحي بأنه نتيجة أخذ ورد بين الشخصيتين المتحاورتين وليس مجرد ملاحظات لغوية تنطق بالتبادل ([36]).
على أساس هذا التعريف يمكن أن نقول بأن الحوار هو مجمل العبارات والألفاظ التي تنطق بيه الشخصية المسرحية ، حيث تكشف لنا هذه الألفاظ عن معالم ومواصفات كل شخصية على حدى ، كما تظهر لنا إحساساتها وإنفعالاتها اتجاه الأحداث الدرامية و دورها الفعال في الدفع بالصراع ليصل الى ذروته.
وإذا ما حاولنا رصد أنماط الحوار في مسرحية "حلاوة زمان" فإننا نستطيع أن نقول بأن المؤلف قد مزج اللغة العربية باللهجة العامية المصرية ، وأن يستحدث بذلك شكلا جديدا من أشكال التعامل مع اللغة ما بين الفصحى وما بين العامية. فعندما تتحدث الشخصية عما بداخلها تتحدث بالفصحى وعندما تتحدث عن مصر تنطق بالعامية.
لقد حاول "السيد حافظ" أن يجعل شخصياته تبدو مقنعة في خطاباتها ومؤثرة بعبارتها في متلقيها ، لأنه زواج ما بين العامية والفصحي في تجربة جديدة بالغة الدلالة ، فجعل شخصياته تعيش هموم شعبها وتكابد مأسيه ومعاناته ، من خلال التواصل معها بلهجتها العامية ، وثقافتها الشعبية البسيطة.
كما تمكن في نفس الوقت من أن يعبر عن موضوعه التاريخي بلغة عربية فصيحة ، تبلورت في حوارت المؤرخين في بداية المسرحية مثلا:
مؤرخ 1: هي قاهرة المعزز
مؤرخ2: أو القاهرة المعزية نسبة الى مؤسسها الخليفة المعز لدين الله الفاطمي([37]).
وكذلك في نهايتها:
الحاكم : ماذا سيكتب التاريخ عني ، ما سيكتب المؤرخون عني تكملوا...؟
شهبندر التجار: تقدموا أيها المؤرخون قولوا له ماذا ستكتبون عنه تكلم يا أبن إياس.([38])
ابن إياس: كان الحاكم من الطرف المضحكة في تاريخ مصر.
وبالإضافة الى الأسلوب الحواري التقريري ، وظف المؤلف أسلوبا شارعيا ينفد إلى أعماق الأحاسيس الإنسانية ، تجسد في حوار الحاكم بأمر الله مع "نية" أخت "عزيزة" ، مثل ما نجد في الصفحات 90 و 91 و 92 :
الحاكم: لماذا أتعذب كلما نظرت إلى عينيك الشقية.
سنية: جسمي كله يبيتنفض أنت مين؟
الحاكم: أنت ريح تعصف بقلبي.
سنية: بتشدني كده ليه من جوايا ؟
الحاكم: يا ن دية العينين أنا لا أحتمل هذا الدفء([39])
وقد عرفت المسرحية امتزاجا في الأساليب افيحائية والرمزية التي جعلت من أحداث الماضي ، واقعا حاضرا معيشا ، حيث صاغها المؤلف في حوارات بسيطة ملونة بمواقف فكاهية ساخرة كما يظهر في الصفحات 83 – 84. من خلال حوار "فاتوش" و "فتحي"
فاتوش: اصطدت ثلاثين فار وعشرين كلب
فتحي: ولد يا فتوش
فاتوش : أيوه
فتحي: مش عيب عليك لما تبقى زي البغل كده وشغال صياد كلاب وفئران... ([40])
كما جاء الحوار متضمنا للغة "الميت" الذي يسكن كل شيئ بحيث أن لغة ثانية تنتصب فوق اللغة الأولى ، مما يدل على أن المؤلف يريد أن يوصل إلينا حقيقة أخرى غير التي وردت في المسرحية.
على العموم فقد جاء حوار المسرحية مطبوعا بطابع العصر ومعبرا عما وصلت إليه الأمم العربية من تخاذل وضعف وانهزام.
لذلك كان الحورا مترابطا قويا ، ومنسجما مع أدوار الشخصيات سواء التاريخية أو غير التاريخية ، حيث يبرز قوة المؤلف "السيد حافظ" على التعامل مع مختلف الشخصيات بدلالاتها وأبعادها الضاربة في أعماق التاريخ.
الإرشادات المسرحية:
إن الإرشادات المسرحية : هي التوجيهات التي يسوقها المؤلف في نص مسرحيته خلال الحوار لكي يوجه القارئ أو المخرج أو الممثل إلى وجوب تنفيذ حركة ما أو انفعال أو صمت أو تصوير أو تعليق ما أو وصف شيئ معين أو نحو ذلك ، وقد يذكر في توجيهاته أشياء ينبغي تواجدها على خشبة التمثيل أو خارجها كانت من نوع معين أو ستارة ذات لون خاص أو فتحات محددة في المنظر أو إضاءة ملونة أو ممثلة صاحبة مواصفات جسمية خاصة ، على رأي الدكتور إبراهيم حماده([41]).
وإذا كان الحوار يشكل النص الرئيسي لمسرحية ما ، والنواة الأصلية لحدث أو صراع ما . فإن افرشادات المسرحية تشكل النص الثانوي كما يقول roman Ingreedon لهذه المسرحية ، بحيث تختفي عندما تعرض المسرحية، فهي لا تظهر إلا أثناء قراءتها حيث تمارس وظيفة العرض.
إن الإرشادات المسرحية وجدت لكي توجه القارئ والمتلقي ، ولكي تساعد وتعين المخرج والممثل أثناء أدائهم لأدوارهم.([42])
فمن الغريب جدا أ، يأتي المؤلف ويضع شخصية على المسرح قائلا إنها تمثل الخير أو الشر بدون أن يعطينا أية مواصفات أو إشارات تبرز جانب الخير أو الشر عندها ، لذلك فقد جاءت افرشادات المسرحية لتقدم لنا معلومات عن هذه الشخصيات المراد تشخيصها وعن حركاتها ونبراتها وملابسها ، وكذلك عن الديكور والإكسسوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية ، ولتسهل علينا فهم الفضاء الذي تملأ هذه الشخصيات بأحداثها وصراعاتها.
لذلك فأهم ما يكون هذه الإرشادات في مختلف المسرحيات يتمثل في العناصر التالية:
القضاء الدرامي: الديكور / الإكسسوار / الملابس / الموسيقي / الأصوات الاصطناعية / الإضاءة.
وقد استخدمت مسرحية "حلاوة زمان" العديد من هذه الإرشادات سنحاول صياغتها لاحقا.
الفضاء الدرامي: l.espace dramatique
يحدد Patrice Pavis الفضاء الدرامي بقوله: هو الفضاء الذي يتحدث عنه النصز فضاء مجرد على القارئ أوالمساهد أن يصنعه بواسطة الخيال([43])
فهو إذن فضاء غير مرئي ، ولا يمكننا التعاطي معه بنوع من الإطلاق لأنه خاص بتخيلات الجمهور ، بالرغم من ان الفضاء الدرامي يحدد لنا معطيات أولية كصور مادية لانطلاق الخيال([44])
فالفضاء الدرامي فضاء محسوس أكثر منه ملموس لأننا نستخلصه من خلال توجهات المؤلف وإرشاداته التي يقدمها إلينا. لذلك يستطع أي من المتلقين أن يعيش الفضاء الدرامي الخاص به الذي يكونه حسب شعوره وقدرته على استيعاب وفهم هذه التوجيهات.
والفضاء الدرامي واحد من بين العديد من الفضاءات التي تستعمل كمساحة للإدراك من بينها: الفضاء الركحي ، الفضاء السينوغرافي ، فضاء اللعب والفضاء النصي .. إلخ.
إذا عدنا إلى مسرحيتنا "حلاوة زمان" نبحث فيها عن الفضاءات التي تحركت فيها الشخصيات المسرحية ، فإننا سنجدها في الغالب تتأرجح ما بين فضائين دراميين : فضاء مغلق (القصر) وفضاء مفتوح (حي أمبابة).
وقد جاء هذين الفضائين ليوازيان الفترة التاريخية التى تتناولها المسرحية، فالفضاء المغلق وهو قصر الخلافة الفاطمية وبالرغم من كونه موضع إقامة الشخصية المحورية (الحاكم بأمر الله وأخته ست الملك) إلا أنه لم يكن مرزحاً للأحداث التي شهدتها المسرحية. مما يفسر عدم انسجام شخصية الحاكم المتواضعة مع هذا المحيط المغلق الذي تحاك فيه العديد من المؤامرات ضده ، لذلك قرر منذ بداية المسرحية ، وبإيعاز من أخته أن ينزل إلى فضاء مفتوح يلائم روحه التواقة الى الأمن والسلام والدفء والطمأنينة. لذلك أتخذ من الحارة الشعبية (وخاصة دكان فتحي الشواء بحي أمبابة) مكانا ليقيم فيه ديوانا للمظالم " أنا عايزك معايا ومع فتحي نفتح في هذا الدكان ديوان للمظالم" ص 27.
ولقد حاول "السيد حافظ" أن يصوغ بالإضافة الى هذا الفضاء المفتوح بعض الفضاءات الأكثر انفتاحا وهدوءا ، كسور القلعة وجبل المقطم الذي كان بمثابة الملاذ الأخير "للحاكم" من أجل الإختلاء بنفسه ، والتعبد وإفراغ همومه ومعاناته "جبل المقطم يجلس الحاكم في خلوه"([45]) ص 78.
كذلك نجد بعض الإشارات الى الفضاء الزماني "النهار وقد خرجت الناس إلى شوارع القاهرة. ص 67. ([46]) وكذلك نجد في الصفحة 61 إشارة إلى الزمان شوارع القاهرة عند دكان الشواء الأزرق ليلا.. (ضوء الفجر)
إن المؤلف حين وظف هذين الفضائين ، كان يهدف إلى جعل شخصياته تحس بنوع من التكامل والتواصل في علاقاتها . فبالرغم من أن الفضاء المغلق هو أكثر حميمية وأ:ثر دفئا من الفضاء المفتوح إلا أن السيد حافظ استطاع وبطريقة فنية أن يجسده كحبل يلتف حول رقبة "الحاكم" ليضيق الخناق عليه ، وفي المقابل جعل من الفضاء المفتوح مجالا رحبا ينبعث منه الدفء وسنتشر فيه السلام والطمأنينة.
الديكور : Décor
إن كلمة ديكور هي كلمة فرنسية المصدر ، لاتينية الصل Decor والمقصود بالديكور المسرحي هو القطع المصنوعة من أصل الخشب والقماش أو نحوهما ، والمقامة في الغالب فوق المسرح لكي تعطي شكلا لمنظر واقعي أو خيالي أو هما معا ، على أن ترتبط إيحاءات هذا المنظر بمدلاولات المسرحية المعروضة. ولهذا فإن الديكور المسرحي ليس فنا منفردا بذاته ، ولكنه فن يتعايش مسرحيا مع الفنون الأخرى كالموسيقى والتصوير والإضاءة والتمثيل لخدمة النص المسرحي ، والمساعدة في تأدية مضامينه([47])
والديكور بهذا المعنى هو أكثر الارشادات المسرحية ديناميكية فهو دائم التغير بحيث ينتقل من لوحة الى أخرى ومن شكل الى أخر عبر تغير الاحداث وانتقال الشخصيات.
فالديكور هو القراءة السميولوجية لأحداث المسرحية لأنه يستطيع أن يكشف لنا ما حاولت أن تخفيه الشخصية في حواراتها.
وإذا أردنا أن نبحث عن الديكور في مسرحيتنا "حلاوة زمان" فسنلاحظ أن "السيد حافظ" قد وضع ديكورا يوحي بديناميكة الزمن وحركيته ، بحسب المتغيرات المكانية التي تسيار الأحداث الدرامية في المسرحية ، حيث نجد الديكور غير ثابت في مكان معين. كما يتبين في الصفحة 18 من المسرحية يتغير الديكور إلى حي أمبابة ، دكان كتب عليه محل الشواء... مصباح كبير أمام الدكان. " وكذلك في الصفحة 49 " يتغير الديكور إلى قصر الحاكم."([48]) وكذلك الأمر في العديد من الصفحات بحيث أن الديكور دائم التغير من قصر الحاكم إلى الحارة الشعيبة. وما يفسر لنا هذه الحركية هو أن المؤلف أراد أن يظهر لنا بساطة شخصية الحاكم وتواضعه مع الناس بحيث ترك القصر بفخامته وضخامته ، وتواجد مع أناس بسطاء وفقراء . لذلك فقد أختار المؤلف ديكورا متواضعا من الحارة الشعبية غير أنه ضمنه العديد من الإيحاءات والرموز الضاربة في عمق المدلولات المسرحية ، وهو في عمومه يلائم الفترة التاريخية التى تعالجها المسرحية.
الملابس: Costumes
إن الأزياء المسرحية هى كل ما يرتدي الممثل من أجل المشاركة فى العرض المسرحي ، لأن تشخيص دور معين يتطلب لباس معين من أجل إخفاء الذات الأصلية للممثل ، لذلك وجب ارتداء أنواع محددة من الازياء طبقا للعصر والظروف الاجتماعية والجغرافية للشخصية المراد تشخيصها ، ذلك أن الزي المسرحي يعطي معلومات عن الشخصية تتعلق بالعمر ، الجنس ، المهنة والانتماء الاجتماعي ، كما يرى Patrice Pavis ([49])
وإذا عدنا الى مسرحيتنا نبحث فيها عن الإرشادات المسرحية الخاصة بالأزياء والملابس ، وجدنا أن المؤلف قدأشار منذ بداية المسرحية إلى زي يلائم الموضوع التاريخي المعالج.
"في مكان مرتفع على المسرح وأمامه مجموعة من العمائم" وكذلك "يرتدي العمامة ويصبح المعز لدين الله الفاطمي" ص 10. ([50])
كما أننا نعثر على إشارة إلى ملابس الحاكم في أكثر من صفحة من المسرحية" يدخل الحاكم بفوطة على راسه وملابس متواضعة على جسده وهو رجل في الثلاثين "ص 49 ([51]).
على العموم فقد كانت الأزياء في مسرحية "حلاوة زمان " تهدف الى إبراز السلوك السوي لشخصية الحاكم بأمر الله الذي احتقر كل مظاهر الفخامة والأناقة من خلال ارتدائه لملابس متواضعة ووضعه فوطة فوق رأسه وليس عمامة.
الإضاءة: Eclairagee :
المقصود إنارة خشبة المسرح لتمكين المشاهد من رؤية العرض المسرحي في وضوح. والإضاءة بالإضافة إلى دورها في التمكين من الرؤية فإن لها العديد من الوظائف الدرامية كما يقول "باتريس بافيس": فهي تضيء حدثا وتعلق عليه وتعزل ممثلا أو عنصرا من عناصر الركح ، وتخلق جوا وتعطي للعرض إيقاعا ، وتوضح تطور الحجج والمشاعر ..إلخ. ([52])
وإذا كانت الإضاءة تلعب دورا في توكيد وجود الشخصية على المسرح وعكس حالتها النفسية من خلال طرح كمية من الضوء المركز عليها . فإن الإظلام أو غياب الإضاءة هو ايضا يلعب دورا في الحصول على تأثير درامي أو إتاحة الفرصة الزمنية القصيرة لتغيير المناظر.
وإذا رجعنا إلى مسرحينا "حلاوة زمان" وبحثنا عن الإرشادات المسرحية الخاصة بالإضاءة ، فإننا سنجد أن المؤلف قد ركز عليها بشكل كبير ، بحيث نجد أن العديد من البقع الضوئية المصاحبة للأحداث ذات دلالات ايهامية ، هدفها تحقيق المشاركة في الفعل الدرامي حيث تقوم بتضييق مساحة الخشبة للتركيز على شخصيات معينة" .. المؤرخين يمسكون أقلام كبيرة في ايديهم وبقعة ضوء كبيرة عليهم" ص6.
وكذلك تقوم بعكس الحالة النفسية للشخصيات" حيث يضاء المسرح ليظهر الحاكم وسنية وبقعة ضوء عليهما وهما يتجادلان " ص 90. كما ساهمت في تغيير الحدث( بعد الظلام الشديد على المسرح يظهر شهبندر التجار وابن د واس وابن حسيب في بقعة ضوء وهم يتأمرون على قتل الحاكم) ص 180.
وقد لعبت الإضاءة في هذه المسرحية دورا كبيرا في التعبير عما يفتعل في دواخل الشخصيات ، وكذلك في تغيير أوضاعها.
الموسيقى : Musique
هى العزف والغناء الذي يصاحب العرض المسرحي . وهي إما تعكس حالة نفسية و موقفا معينا وإما تسعي الى الربط بين مشاهد ومناظر المسرحية ، ويمكننا تقسيمها الى نوعين:
- موسيقى موضوعة داخل الحدث الدرامي المتخيل ، وتعد جزءا منه ، حيث إن إحدى الشخصيات مثلا تغني أو تعزف على آله.
- موسيقى موضوعة خارجة الحدث الدرامي المتخيل ، ولا تعد جزءا منه، حيث توجد مثلا في بداية أو نهاية فصل أو مشهد.([53])
وإذا بحثنا في مسرحيتنا "حلاوة زمان" عن المقاطع الموسيقية التى صاحبت المتخيل المسرحي ، فإننا سنجد أن المؤلف قد وظف النوعين الذين أشرنا إليهما معا ، حيث ن جد موسيقى داخل الحدث الدرامي وتجسدها (عزيزة كراقصة ومغنية) "دقي يا بنت المزيكة" ص 61.
وموسيقى خارج الحدث الدرامي المتخيل وتمثلها اللوحات الاستعراضية التي كان يقدمها الممثلون تعبيرا عن فرحهم " الناس ترص فرح وهرج و دق بلدي" ص24.
الإكسسوار Accessoiers
تستعمل كلمة إكسسوار الفرنسية بين العاملين في الحقل المسرحي لتدل على الشىء المتواجد فوق الخشبة المسرحية ، فيما عدا المناظر المسرحية وأجهزة الإضاءة والملابس . بينما يطقل عليها فى اللغة العربية أسم لو أحق . وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- ملحقات ديوية.
- ملحقات للتزيين.
- ملحقات المنظر أشياء ، ثابتة فوق المسرح([54]).
ويمكن القول بأن الإكسسوارات أو الملحقات لا تكتسب فعاليتها وق درتها على الإيحاء إلا في علاقتها بالشخصيات الدرامية التي تتناولها وتتداولها بحسب الدور المنوط بها.
والاكسسوارات فى عمومها تعد من مكملات الديكور فهي ج زء من مكوناته وقطع من تزييناته.
وإذا بحثنا في مسرحيتنا "حلاوة زمان" عن الإكسسوارات التي وظفها المؤلف فإننا سنجد أن أهم إكسسوارات في بلورة الأحداث هو التاج الذي وضعه برجوان على رأس الحاكم وهو صغير ، ليتحول بعد ذلك الى الحاكم بأمر الله الذي حول مجرى الأحداث في المسرحية ص 12. والحقيقة أن المسرحية لم تخل من هذه الإكسسوارات ، بل على العكس ففي كل مرة يتغير فيها الديكور نعثر على ملحقات تابعة ومكملة لهذا الديكور.
وفي كل مرة يتغير الحدث تتغير دلالة الإكسسوار : فالأقلام الكبيرة التى كان المؤرخون يمسكون بها فى بداية المسرحية لكي يخطوا الفترة الزاخرة للفاطميين. تتحول في نهاية المسرحية إلى خناجر تطعن الحاكم في الصميم وتحرق وتدمر زمنه الذي ظنه بأنه من أصلح الازمان في التاريخ. ص 99. ([55])
وكذلك نجد الحقيقة التي كانت "ست الملك" أخت الحاكم تجمع فيها ملابسها. وهذا دليل على توتر العلاقة بينها وبين أخيها ، فعندما كانت الذراع الايمن له في معظم محنه، تأتي الآن لتحزم أمتعتها وترحل ص106. ([56])
الأصوات الاصطناعية : Bruitage
هى أصوات إلكترونية تنجز في الكواليس ، ويتم ايصالها الى الجمهور عبر مكبرات الصوت ، وتقلد الأصوات الطبيعية أو غير الطبيعية من أجل خلق جو من الواقعية وإضفاء لمسات حقيقية على العرض لامسرحي المتخيل ، وكذلك لتقوية صوت الالات الموسيقية وصوت الشخصيات الذى يصوره المغنون والممثلون.
وإذا عدنا إلى مسرحيتنا "حلاوة زمان" نبحث فهيا عن الأصوات الإصطناعية التي استخدها المؤلف ، وجدنا أنه قد وظف بعض هذه الأصوات في العالب للدلالة على الزمن " صياح الديك ، صوت الكلاب" فى المشهد الأخير من الفصل الأول ، وصوت "صياح الديك" يدل فى الغالب على إشراق الصباح الباكر ، فيما يدل صوت الكلاب على أواخر الليل.
وكذلك نجد أصوات لآلات موسيقية " صوت موسيقى وغناء ينزل من بيت عزيزة" ص 70 مما يدل على السهر.([57])
والأصوات الإصطناعية في معظم المسرحيات يتم توظيفها من أجل إضفاء صبغة الواقعية على الاحداث.
وخلاصة القول أن الإرشادات المسرحية قد ساهمت بشكل كبير "من خلال تكامل عناصرها" فى تقريب المتلقى من الجو العام للمسرحية ، وكذلك في تيسير فهمه للتقلبات النفسية لمعنظم الشخصيات.
ملحق خاص بالدراسة:
بتوظيف التراث في المسرح العربي
يتضمن حوارا مع :الكاتب المصري القدير الدكتور" السيد حافظ".
بتاريخ : 28/11/2002
الموضوع:
طلب رأي الأستاذ "السيد حافظ"
حول توظيف "التراث" في "المسرح" العربي
السؤال 1: ماهى نظرة كتاب المسرح الى "التراث" وكيف جاءت فكرة استلهامه؟
د. السيد حافظ: نظرة كتاب المسرح الى التراث جاءت في رأيي بعد احداث هزيمة 1967 ، لأن نكسة 1967 حزيران كانت بمثابة هزيمة عسكرية وهزيمة اجتماعية ، فكرية ، فكانت دعاوي المثقفين في التيار الاشتراكي والتيار القومي العربي ، وتيار الفن للفن وتيار الفن للشعب ، كل هذه التيارات صدمت في 67 أثناء الهزيمة ، ووجد الكاتب نفسه أمام سؤال ملح وسؤال خطير ، لماذا هزمنا؟ وكيف؟ وماهو الحل؟.
لقد شعر الكاتب العربي بالاعتراف الشديد وغربة شديدة عن الواقع ، عن الفن وعن أدواته وعن جمهوره ، وحدثت هزيمة فكرية كان لها رد فعل نفسي شديد القوة على المبدع ، وعلى المتلقي . فالمتلقي أصبح لا يثق فيما يقوله المبدع أو فيما يكتبه الكاتب ، والمبدع أصبح في حالة عدم ثقة فيما يكتبه ، لقد مجدنا الثورة القومية ، والتيار العربي والتيار الاشتراكي ومجدنا كل التيارات الاعية إلى الالتزام بالفن والجماهير . ومجدنا القوة العربية ، وفوجئنا خلال ست ساعات فى عام 67 أن الجيش العربى أنهزم في ثلاث د ول ، وأن اسرائيل اقتحمت وهزمت مصر والاردن وسوريا ، واكتشفنا ان ما كنا نسميهم "بالشرذمة" من اليهود ، وبأننا سنقضي عليهم خلال ساعات قد تحولوا الى كيان ثقافي وسياسية وعسكرية من هنا كانت الحالة النفسية والإبداعية لدى المبدع والكاتب العربي في حالة التخبط والبحث عن مخرج ليقدم نفسه ، والحقيقة تقال أن " الطيب الصديقي" كان أول من فتح الباب.
"الطيب الصديقي " فى المغرب قدم عرضا في المقامات ، وبالتالي فهو عندما قدم عملا في التراث العربي ، كان يقدم إيجابات عن الاسئلة ، كان يجيب عن اسئلة داخل المبدع العربي والكاتب المسرحي العربي ، هل التراث العربي هو الحل في الخروج من المأزق الفكري والسياسي ، والفني للوصول الى الجماهير ، فوجد صدى عظيما ، فالناس كانت تبحث عن هويتها ، فوجدت الهوية في التراث ، بدأها "الطيب " ثم بدأها عز الدين المدني في تونس بتقديم بعض أعماله ، هنا تفتقت ذهنية المبعين والحقيقة التي تقال أن ألفريد فرج ، حاول في الستينات أن يتفاعل مع التراث في حالة مشاكسة ، لكنها كانت مشاكسة لطيفة ، بخلاف محاولات سابقة قام بها عمالقة الكتابة وهواة المسرح امثال أحمد شوقي في محاولة ، وأحمد شوقي ، و"على أحمد بكثير" في مسرحهم وأبو نضارة ، هؤلاء حاولوا أن يقدموا مسرحا يستلهم ويقدم التراث ، أي عليه أن يترجم الحدث كما هو دون إسقاط و دون أي محاولة لأن يدخل عليه نظرة سياسية ، لكن محاولة الطيب الصديقي تحسب له لأنه كان أكثر شراسة في التعامل مع التراث وأكثر جرأة ، فحاول أن يجيب على اسئلة تطرح عن التراث ، وأن يطرح هموم ومشاكل العصر في ذاك الوقت. ثم بدأ عبد الكريم برشيد في بعض محاولاته واعتقد ايضا أن المبدع الجميل سعد الله ونوس. بدأ يير في الدرب ، ثم محفوظ عبد الحرمن ثم يسري الجندي ثم أبو العلاء السلاموني ، والحقيقة أني تأخرت قليلا في الدخول الى التراث ، حيث أني كنت مشغولا بالبحث عن حداثة الزمن ، كنت أشعر في هزيمة 67 أنهزيمتنا مع ال زمن لأننا كنا نقف على عتبات الزمن مخمورين ، سكاري ، نتغنى بالقصيدة العمودية واملجد القديم ، وننظر الى الاهرامات العظيمة ، وحضارة بابل واشور وسبأ وننسى أن العالم يجري ، وأن هناك معطيات أخرى وأن الآخر الأجنبي يتعامل مع الحضارة بشكل مستفز ، فكنت مستفزا استفزازا شديدا أحاول أن ألتقي بالمشاهد في رؤى كثيرة ، فقدمت أكثرم ن خمسين تجربة في المسرح التجريبي ، بحثا عن هوية وشكل جديد للمتلقي العربي مع جماعات مسرحية ، مع هواة ، مع أطفال ، فكنت في حالة بحث مستمر ودءوب ، ثم فجأة وجدتني في حالة استرخاء في عام 1980. في هاته السنة بدأت أتعامل مع التراث ، وكتبت أول عمل لي يتناول التراث ، وهوحكاية الفلاح عبد المطيع ، فدخلت إلى عالم التراث بكل أدوات المعاصرة ، أي أنني محمل بهموم عصري وهموم زمني السياسية والقومية والعلاقة بين الحاكم والمحكوم داخلا المسرح ، فالتراث بشكل سياسي مستفز ، أدعو الى التحريض ، وأدعو المتلقي الى تحريض شديد وإلى وعي استياقظ وعيه ، وكان هدفي هو ايقاظ روح الأمة ، ولم يكن هدفي أن أقدم عملا يترجم هذا الزمن الذي كان جميلا أو رديئا أو ضعيفا ، لا كان الهدف هو استفزاز المتلقي وإعادة الوعي إليه مرة أخرى بشكل سياسي وشاعري غير مباشر فيه الفن أكثرمن الفكر ، وهنا أعتقد أني كنت متميزا بعض الشيئ بجوار زملائي بأن الفن عندي أكثر من الفكر ، فقليل من الفكر ، وكثير من الفن يستطيع أن يصنع وجبة فكرية جميلة.
نستطيع أن نقول بأنك استطعت الجمع بين التراث والتحديث في المسرح التجريبي.
في تلك المرحلة أعتقد أنني دخلت من هذا الباب.
السؤال الثانى: هل يمكن القول بأن توظيف التراث في المسرح يملأ الفراغ الذي يعاني منه المسرح العربي؟
الدكتور السيد حافظ: بالتأكيد نعم ، الفراغ الذي يعاني منه المسرح العربي هو فراغ صنعته السلطة الأبوية الإعلامية (سلطة الإعلام الحكومي) التى تحاول دائما أن تغيب الوعي عن المشاهد أوالجمهور أو المتلقي العربي فمن هنا عندما تكتب شيئا يمس السلطة من قريب أو بعيد فأنت مكتوب على عملك الإبداعي بالذبح والاختفاء والإطواء ، وأن توضع في قائمة المغضوب عليهم ولا الضالين. أمين. ومن هنا لجأ الكاتب العربي إلى التراث ، وأنا مع مقولة أن التاريخ يكرر نفسه ، ولكن بأسماء اخرى ، هناك من يقول: لا ليس التاريخ يكرر نفسه ، ولا تنزل البحر مرتين ولكن أنا أقول في وطننا العربي نحن لا نقرأ التاريخ ، وكما يقول موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في عام 67: إنى أخاف من العرب ، لو بداوا قراءة التاريخ ، لأنهم يكررون نفس أخطائهم" فأخطاء حرب 56 هي أخطاء 67 واخطاء 73 . نفس الأخطاء ولو نظرت لأخطاء 56 تجد نفس أخطاء 48 ، ولو وصلت الى أخطاء سنة 67 تجد أخطاء سنة 1882. وهكذا نحن نكرر نفس الخطأ ، لأننا لا نقرأ التاريخ سواء كانوا سياسيين أو كنا مثقفين ، أو كانوا العامة. فالجهالة هي سيدة الزمان في العقل العربي ، والجهالة سيدة المكان ، والجهالة تفتح أفاقا جديدة وتزرع أرضا جديدة ، وتوظيف التراث في المسرح ، يمكن أن يملأ الفراغ ، ولكن كيف؟ . أن يعامل الكاتب هذا التراث بإنتفاء واختيار وارتقاء. الانتفاء ينتقي الموضوع ، والارتقاء يرتقي بوعي الجمهور والحدث والفن الى مستوى حداثي ، والانتقاء أن يحاول أن ينتقي من التراث الأشياء التى تحتك وتصطدم بالواقع وتكون صورة فوتوغرافية من القديم ، القديم هو الحديث ، أي أن يصبح ملوك الطوائف هم ملوك الان ، ما حدث في سقوط الأندلس هو ما حدث الآن في 2002 من حكام عرب. عندما نتناول ملوك الطوائف نستطيع أن نلتقي بما يحثد الان من ملوك العرب في 2002 وحكام العرب. إذن الكاتب يستطيع من خلال التراث أن يقدم وجبة مسرحية تملأ الفراغ ، أن يملأ هذا التراث سياسيا فنيا ، وأن يكون الفن على مستوى عال ، وأن يرتقي بالجمهور. وأنا أقول أن المسرح الكوميدي التجاري الذي ظهر بعد سياسة الانفتاح التى قامت في مصر في عام 1970 واستمرت حتى الان بشكل أو بآخر. ثلاثون عاما من المسرح الكوميدي التجاري بدأ من مدرسة المشاغبين وإلى الآن أنتهى تدمر المسرح الكوميدي والتجاري وانهار انهيارا شديدا ، والسؤال الآن : لماذا يهرب الجمهور؟ لماذا يهرب الجمهور؟ . اقول ببساطة شيدة بأن هناك فراغ فكري في هذا المسرح ، فراغ سياسي في هذا السمرح ، حتى وأن قدمت بعض الكلمات السياسية أو البالونات السياسية ، إلا أنها تقدم ، ولا تغني ولا تسمن من جوع ، فبالتالي اللجوء الى التراث سوف يدفع بملأ الفراغ وبشكل جاد وحاد ومضيء.
السؤال الثالث: كيف تتمثل طبيعة تعاملكم مع التراث الأدبي القديم بإعتباره مثالا أعلى لإبدا عنص جديد تتوفر فيه صفة الحداثة؟.
د. السيد حافظ: أستطيع أن أقول أن التراث الأدبي القديم ليس مثلا أعلى لإبداع نص جديد ، التراث العربي القديم هو رائد يعني أنا كتبت مثلا كتبت عن عاليه والأمير العاشق الآمر بأحكام الله، وكتبت عنها أستاذنا الكبير على أحمد باكثير من خلال الكتابات المختلفة وهو ارئد من الرواد الذين نتعلم منهم ، لكن العصر الذي أكتب فيه والزمن الذي أكتب فيه ، والقهر الذي نعيشه ، والرؤى السياسية التي نعيشها ، استاذنا " أحمد باكثير " التزم بالتاريخ والتراث وبالواقئع ، أنا التزمت الى حد كبير ، ولكنني أسقطت الصراع الطبقي بين الفقراء والاغنياء وبين الحكام والمحكومين ، بين هذا الحب البدوي العذري ، وبين هذا الخليفة الذى لا يقهر ، إذن التراث القديم هو ليس مثلا أعلى. هو رائد ، يعنى أقول بصراحة إن طه حسين هو رائد من رواد التنويل والرواية والمقالة ، لكنها ليست "مثالا" لأن نكتب مثله. إننا نستطيع أن نقول أن أي كاتب جيد من شباب هذه الايام يكون أفضل من "طه حسين" ، لأنه معبأ بأحداث وثقافة عصرية . وأقول كاتب جيد بشرط أن يكون جيدا معبأ بهذا الزمن ، وبثقافة هذا الزمن وبفكر أخر وثقافة أخرى بفعل الاحداث . وممتلئ ومفعم بأشياء أخرى جديدة شاعر معاصر جيد وأركز على كلمة جيد هذا الشاعر أفضل منأحمد شوقي الذى بنى مرصد الشعر العمودي. لماذا؟ لأن الزمن يتطور ، الرواد لهم الانحناء ، ولكنهم ليسوا تماثيل للإبداع نحتذى بهم ، ونصلي لهم. لا . نحن نتمرد عليهم ونتفوق عليهم ونجد. وأكيد أن الذي سيأتي من بعدي يجب أن يتميز ، وأن يتطور . المهم أن يكون مسلحالإ بالابداع الحقيقي ، بثقافة حقيقية برؤية حقيقية .ممتلك أدوات . ممتلك رؤية ، ولكن ليس من أجل أنا جديد ، أرفض هذا العالم القديم ، وأنا لا أملك لغة ، لا أملك رؤية ، لا أملك سلاحا ولا أملك فكرا ، فلست بحاجة لجديد ، فيصبح هذا الجديد هو ن وع من فقاقيع ، أو مثل أن يتجشأ صوت أمامك يصدر من فمه رائحة كريهة. أنا لا أقبل التجشأت الفنية ، ولا أقبل الزكام الفكري ، ولا أقبل الرياح التى يخرجها البعض من بطونهم بأسم الإبداع ، ولا أقبل هذا وأقسوا على الجديد دون أن أمتلك أدواتي ، عندما قررت أن أكتب مسرحا تجريبيا. قرأت أكثر من مائة وثمانين عملا بين المسرح العربي ، وأكثر من ثلاثمائة عمل عالمي. حتى استطيع أن اتسلح الان عندما أفاجئ ببعض الذين يكتبون مسرحا أو يكتبون سيناريو أسأل لمن قراـ ؟ ماذا قرأت ؟ أكتشف أنه لم يقرأ إلا كتابا أو كتابين أو ثلاثة. فجأة ، لكنا نحن هنا في زمن الموهبة والخبرة والثقافة والتجربة والادوات والوسيط ، كل هذا يركز ، يتشكل فى رؤيى الفنان ، وخاصة الكاتب لأن الكاتب بالضرورة لابد وأن يكون متمردا ، ليس فقط على النموذج القديم ولكن ان يكون متمردا حتى على إبداعه ، ففى كل عمل يتجاوز نفسه ، ويتجاوز إبداعه ، ويحاول أن يتخطاه . يجب أن يحمل في كل عمل هوية جديدة، ومساحة جديدة وخبرة جديدة. أي أن تصبح لديه مساحة من الحلم المتجدد ، لأنه عندما تقف الأحلام يموت الإبداع ، يظل ساكنا ، وفي سكون الإبداع الموت. هنا نحن أمام قضية خطيرة ، لماذا لم تمثل مسرحيات "أحمد شوقي" بعد أن مات" أحمد شوقي" قدمت فى عهده لأن أحمد شوقي كتب كل المسرحيات الشعرية التى نعتبرها رائدة من أجل حب برئ نقي للفنانة العظيمة فاطمة رشدي . فكانت رسالة حب مسرحية كتبها لنجمة وانتهت المسرحيات بموت " فاطمة رشدي " و "احمد شوقيى" ولم تقم ، ولكنها اصبحت رائدة هذه المسرحيات ، وأنا أحترمها ، ولكن عندما كتب صلاح عبد الصبور منذ ثلاثين عاما مسرحياته ، كان يخاطب الناس ، فعاشت هذه المسرحيات إلى الان ، عاش "صلاح عبد الصبور" لأنه كتبها ليس من أجل أحد بل من أجل الدراما ، من أجل البحث عن الدراما ، من أجل البحث عن فن جميل ، وصلاح لجأ الى المسرح بعد نكسة 1967 ويجب أن نميز أدب ما قبل 67 وما بعد 67.
التراث في رأيي ليس ه و التاريخ ، ولا الاساطير فقط ، ولا الحكايات القديمة إن ما حدث بالأمس هو تراث ، وهنا أختلفت مع الكثيرين ، لأن في رأيي ما حدث بالأمس تراث ، وما يحدث اليوم يصبح غدا تراث ، يجب أن يكون فهمنا لتراث أوسع من المصطلح الضيق لمفهوم التراث.
السؤال الرابع: إلى أي مدى يمكن القول بأنك استطعت تحقيق الهدف المنشود فى معالجتك للمادة التاريخية من خلال مسرحية حلاوة الزمان.
د.السيد حافظ:"حلاوة الزمان" كانت مرحلة خطيرة جدا ، حيث أني كانت أحاول أن اتملس مع شخصية "الحاكم بأمر الله" وأمضيت ثلاثين عاما أبحث عن تاريخ الرجل منذ أ، كنت فى المرحلة الإعدادية ولفت انتباهي استاذ مادة التاريخ عندما قال أتى ألى "مصر" رجل يحكمها كان مجنونا ، يأمر بخلع القباقيب من الأرجل ويمنع أكل الملوخية و.و.و. وجاء من المغرب ، فبالتالي أثار انبتاهي أن رجلا يجعل العامة من الشعب تعمل بالليل، وتنام بالنهار ، فبدأت أبحث عن الرجل ، والحقيقة أن بعض الذين يكتبون التاريخ في لاصحافة هم جهلة بالتاريخ أصلا. فيخلطون ما بين قراقوش الذيكان مساعدا أو معاونا "لصلاح الدين الأيوبى" وبين "الحاكم بأمر الله" فأختلط الحابل بالنابل، والعامة فى تاريخ"مصر" لا يميزون بحكم جهل الذين يكتبون في الصحافة.
ثم وجدت أن الفاطميين في تاريخ مصر ظلموا ظلما بينا فلا أحد يكتب عن الفاطميين بشكل معتدل إلا قلة قليلة ، والحقيقة أحب أن أشيد ببعض أساتذة الجامعة الذين كتبوا عن تاريخ الفاطميين ، كتبوا كتابات انصفوا فيها الحاكم بأمر الله ومن هنا بدأت أبحث عن الذين أنصفوا الرجل فوجدت مادة تاريخية عظيمة ، وهى تحقق معى هدفي الفكري ولاسياسي ، لأن العدل لا يتجزأ وأن الحاكم اذا كان عادلا فيصبح مستر حاكم بأمر الله" الذي تمتد مملكته من "الصومال" بأفريقيا حتى "اليمن" ويصل في الشمال إلى حدود "أسبانيا" وهذا الرجل العبقري الذي كانت مصر فى تاريخه أو الأمة الإسلامية فى تاريخه من أعظم وأقوى الامم وتولى الحكم وفى عمره أربعة عشر عاما . هذا الرجل كان بمثابة اللغز الجميل . الهدف السياسي مع الهدف الفني . الهدف السياسي البحث عن "الحاكم العادل" والهدف الفني أن أقدم المتعة ، وأن انفض غبار الظلم عن هذا الرجل ، وأن أقدم شكلا مسرحيا حداثيا يتنالون لارجل وتاريخه بشكل يليق ، وكنت في مشكلة ، فالرجل لغز ديني وسياسي ، وفكري ، وخفت أن أدخل في شراك ، أو في مصيدة التناقضات ، فالأخوة المسلمون من "الدروز" يعتبرون الحاكم بأمر الله مثل "النبي عيسى عليه السلام" نبى أرتفع الى السماء وسيعود ويؤمنون "بكتاب الحكمة" وأنا احترم كتاب الحكمة احتراما شديدا وأحترم تاريخ هذا الرجل الذي كاد أن يكون نبيا في وجهة نظري . واستخدمت أشكال الفرجة المختلفة ، وأعتقد أني من المؤلفين القلائل الذين كتبوا عن "الحاكم بأمر الله و "الأمر بأحكام الله" و" المنتصر بالله " من الفاطميين وكنت على استعداد أن أكتب مسرحية عن "ست الملك" فأنا مهتم بالفترة الفاطمية لأن الفاطميين حكموا الأمة العربية و "مصر" أكثر من قرنين من الزمن ، فكنت مشغولا ومشغوفا بما يرفض أوما تعتم عليه الثقافة الرسمية والحكومية، أن أضيئ وأن أنفض الغبار عنه ، وأن أقدمه الى الناس ، هل وصل الى الناس ، أم لم يصل ، لا أعرف ، لكنى أديت رسالتي . طبعت الكتاب ونصي الكتاب ، وطبعت مرتين فى القاهرة ، وحققت نجاحا طيبا على المستوى الفكري والثقافي ، واستطيع أن أقول بأن "الحاكم بأمر الله " حققت خطوة هامة في مراحل محاولتي التعامل التراث العربي ، وهناك مستويات متعددة فى العمل ، فى "الحاكم بأمر الله" حاولت من خلالها رصد عدة مستويات سياسية ومستويات فنية ، على مستوى التكنيك ، على مستوى الممثين ، هناك الشخصيات فى صعود وهبوط ومراحل تطور الشخصية والاحداث الكثيرة جدا التى حاولتأن أقدمها خلال عرض ثلاث ساعات ، أعتمدت على الحدث بشكل سريع وشكل كبير ، أعتمدتعلى لغة كل شخصية بما تنطقه واستخدمت الفصحى والعامية في تجربة جديدة . عندما تتحدث الشخصية عما بداخلها تتحدث بالفصحى ، وعندما تتحدث عن "مصر" تتحدث بالعامية، حاولت أن أكسر الراوي بالمؤرخين، شخصيات المؤرخين، شخصيات المؤرخين ، ثم أخرجها للمسرح عبد الرحمن الشافعي وأحمد إسماعيل عبد الباقي.
السؤال الخامس: لماذا سميت المسرحية بحلاوة زمان هل هو تمسك الأستاذ "السيد حافظ بالتراث؟
د. السيد حافظ: فى الواقع أنا سميت المسرحية لأول مرة بأسم "عاشق القاهرة" " الحاكم بأمر الله " لأنه لم يعشق القاهرة أحد على مر التاريخ مثلما عشقها الحاكم بأمر الله حيث كان الناس ينامون وهو يسير على حماره في شوارع القاهرة ليلا دون حراس ، الحاكم الوحيد في تاريخ مصر منذ سبعة الاف عام الذي كان يسير في شوارع مصر العاصمة أيا كانت العاصمة سواء كانت "طيبة" عاصمة مصر أو أيعاصمةكانت لمصر ، لكن القاهرة عندما بناها جوهر الصقلي والعزيز لدين الله ، والحاكم حضر بناء القاهرة وهوطفل فعشقها ، فكان يسير ليلا ويتجول في لاشارع بمفرده فكان أن سميت المسرحية "عاشقة القاهرة" لكن أسم "حلاوة زمان" اقترحه المخرج عبد الرحن الشافعى فكتبت الأسمين معا.
السؤال السادس: هل يعد التراث أو استلهام التراث العربي في المسرح دعوة من دعوات التأصيل؟
د. السيد حافظ: طبعا ، طبعا هو دعوى من دعوات التأصيل لأن استلهام التراث مهم جدا. لقد نجح كتاب الغرب منهم تروستي في روسيا وكتاب مثل شكسبير أستطاع أن يوظف الحكايات الإرلندية ، والحكايات الشعبية الصينية وغيرها ، وبريخت استطاع أن يوظف التراث . كل كتاب العالم الكبار استطاعوا أن يوظفوا التراث ، وكتابنا الرواد قدموا التراث ، كل اجتهد كل يجتهد ، لأن الشعوب اذا لم تتمسك بتراثها مثل الرجل الذي لا يتمسك بأرضه ، بداره ، باسمه ، بأبيه ، بأمه ، التراث هو الأب والأم والدار والعرض والأرض و.و.و.و الانسان لا يولد بلا أحداث ، فترات البشرية ملك للبشرية ، وتراث كل منطقة جغرافية ملك لأهاليها ، لا نستطيعأن نتملص ، أن نتحرر من تراثنا ، والاصالة ليست معنى الرجوع الى الماضي فقط فأمس تراث ، وهناك مقولة جميلة: أن الأمس الذى مضى لن يعود إلا فى الآخرة ، يوم الحساب ، فبالتالي التراث لن يعود إلا فى ذاكرة المبدعين ويقمونه للناس بشكل جديد ، فتضاء أفكارهم ، وتضاء أعمالهم ، فنحن نحاول أن نأصل ما لدينا وكفانا أننا أغتربنا عن واقعنا ، وكفانا أن الرواد عندما تعاملوا مع التراث ، تعاملوا معه من باب التقليد الغير ، فكتبوا مسرحيات تراثية تقليدا "لشكسبير" وتقليدا " لبرنارد شو" ولم يقدموا اجتهادات خاصة بهم بهويتهم ، باجتهاداتهم ، بإمكانياتهم ، فنحن الان ونحن نتجه الى العولمة والعالم الجديد ، علينا أن نفكر بطريقة مختلفة طريقة تدعو الى أن يكون التراث كائنا حيا متجددا بحيث عندما نراه ونستمتع به. لقد نجح شكسبير بأن يقدم مسرحيات منذ مائتي عام تقدم الى الان للتراث الانجليزي ولكنها حية تنبض أو من التراث الانسانى، كان يختار قصة من افريقيا أو من هنا أو من الصين ، أو. أو. أو ويستطيع ان يقدم عملا متميزا ، نحن فى الحقيقة نقدم أحيانا أو في كثيرمن الاحيان اعمالا تراثية ، لا تمت للتراث إلا من حيث الأسماء واللغة ، ولكنها تولد ميتة ، أعمالا تولد ميته ، ليس لها شهادة ميلاد ، وليس لها نبض حي.
خــاتـمـة :
ختاما سأعرض لبعض الملاحظات التي استقيتها من خلال دراستي لموضوع"المسرح والتراث" مدركة قصوري عن ايفاء جوانب هذا الموضوع حقه من الدراسة والتحليل.
لذلك سأكتفي ببعض النقاط التي ارتظمت عليها دراستي هاته:
أولا: تحدثت في مدخل هذا البحث عن أهمية العلاقة التي تجمع بين المسرح والتراث كثنائية حتمية تربط بين الماضي والحاضر ، فالتراث كماض ، يضغط بكل ما يحمله من مخزون وموروثن ثقافي على الحاضر الذي يشكل وعاءا لبلورة وإحياء هذه الموروثات في شكل مسرحي يخترق الجسم الاجتماعي ليبعث فيه الدفء ويقوي فيه الوعي.
ثانيا: تطرقت في الفصل الأول الى الاسباب التى لجأ على أثرها المؤلفون الدراميون الى استلهام التراث وتوظيفه في اعمالهم المسرحية حيث عرضت لبعض الرواد المسرحيين الذين تعاملوا مع التراث ، لأستخلص من اعمالهم أن اللجوء الى التراث كان نتيجة إحساسهم بهيمنة الغرب على إبداعاتهم وثقافتهم ، خاصة بعد هزيمة 1967 التى كرست شعورهم بالضعف والاغتراب عن بيئتهم ، حيث توالت الأسئلة في أذهانهم كطبول تقرع بدون توقفك لماذا أنهزمنا ؟ لماذا تفوق الغرب علينا؟ فقد كانت صدمة النكسة بمثابة صفعة استفاقت على إثرها ذهنيتهم فأ،طلقوا تحذوهم الرغبة فى التحدى. تحدى الآخر بكل إبداعاته ، وهيمنته الثقافية ، وتجاوزره الى إثبات الذات العربية من خلال خلق إبداع عربي أصيل ، ينبع من الجذور العربية ، فكان أن خاضوا نضالا مريرا لإجلاء خيبة الأمل التى أكتسحت الشعوب العربية ، فاستلهموا بذلك البطولات التاريخية من أجل إذكاء الروح النضالية والقومية في النفوس ومن أجل إيقاظ الوعي ، واستنهاض الهمم للدفاع عن هويتنا وعروبتنا.
ثالثا: حاولت في الفصل الثاني أن أقترب من هذه الأسباب وأن أحيط ببعض هذه الأهداف ن من خلال دراستي لتجربة فنية خرج منها جسور التجديد الإبداعي ، تجربة لكاتب جرئ ، لبس هموم الحياة العربية ، وانغمس فى تعاستها واندحارها وذلك من خلال معاصرته للنكسة وتجرعه لمرارتها . إنه الكاتب الخلاق المبع الفذ "الدكتور السيد حافظ" الذي استفد كل طاقته بحثا عن الجديد وتنقيبا عن الافضل ، ليقدمه لشعبه الذي أعتصرته الحسرة ، واضاعته المرارة.
لذلك فقد جاءت مسرحيته "حلاوة زمان" وغيرها من المسرحيات التراثية . بدءا من حكاية الفلاح عبد المطيع" وحتى أخر أعماله معبرة عن روح الأمة ووحدتها وعدالتها ، وداعية الى الثورة من أجل رفع الظلم والاضطهاد والمعانة عن كاهلها.
لذلك فالقارئ لكتابات"السيد حافظ" يلاحظ بأنها تجارب فياضة نابعة من إحساسه الدفين بالواجب ، واجب حماية عروبتنا وعقيدتنا ومقدساتنا ، لذلك فقد ألزم نفسه بالنضال من أجل إخراج الأمة العربية من الجهل والتخلف الفكري والأمية الثقافية فجاءت كتاباته كشرارة نار تحرق كل من سولت له نفسه أن يتلاعب بالقيم والمبادئ ، أو أن يجعل منها أداة لخدمة مصالحه النفعية.
وأخيرا أقول بأن نيتي من هذا البحث كانت هي إلقاء الضوء على بعض جوانب العلاقة التي تجمع بين المسرح والتراث ، وتحديد الاهداف والخصائص التي قامت من أجلها هذه العلاقة .
ولا أدعي أنني استطعت الإلمام بهذه الجوانب في دراستي المتواضعة ، غير أنني حاولت قدر الإمكان أن أحيط ببعض النقاط الرئيسية التى أرتكز عليها هذا الموضوع . والمطلع على بحثي سيعذر قصوري نظرا لطراوة عودنا فى هذا المجال.
ولا يسعني إلا أن أردد قول الشاعر المعري:
لكل شئ إذا ما تم نقصان
- قائمة المصادر والمراجع-
الكتب:
1- أكويني (سالم) : المتخل المسرحي مقاربات في العرض المسرحي ، دار النشر المغربية الطبعة الأولى 1999.
2- بونيت(عز الدين) : الشخصية فى المسرح المغربي (بنيات وتجليات) منشورات جامعة ابن الازهر (اكادير) سلسلة 2/1992.
3- برشيد(عبد الكريم) : حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي. دار الثقافة الطبعة الاولى 1985.
4- بخليرى(أحمد) : دراسات فى المسرح. الطبعة الاولى سنة 2001.
5- البرادعي (خالد محي الدين) : خصوصية المسرح العري. منشورات اتحاد كتاب العرب الطبعة الاولى 1968.
6- لوليدي(يونس): الميثولوجيا الإغريقية في لامسرح العري المعاصر. مطبعة انفوبرانت الطبعة الاولى 1998
7- حمادة (ابراهيم) :معجم المصطلحات الدراسية والمسرحية. دار المعارف 1119 (ب.ط).
8- حسن(حنفي) : التراث والتجديد. دار التنوير الطبعة الاولى 1981.
9- حضر (أ؛مد عطا الله): الحياة الفكرية في مصر في العصر الفاطمي. دار الفكر الطبعة الاولى 1989.
10- الطهطاوي(رفاعة): تلخيص الإبريز. دار التقدم/ مصر 1905 (ب.ط)
11- لعلج:أحمد الطيب): الأرض ، الذئأب ، الجمل المسروق. دار المناهل 1994 (ب.ط)
12- المنيعي (حسن): هنا المسرح العريب هنا بعض تجلياته. منشورات السفير الطبعة الاولى 1990.
13- المنيعي (حسن): المسرح المغربي من التأسيس الى صناعة الفرجة . دار الامان الطبعة الثانية 2002.
المراجع المترجمة:
- Patrice Pavis: Dictionnaire du Theatre.
- Anne Ubers Feld: L'ecole du spectatcur.
المجلدات والدوريات:
1- مجلة إبداع: العدد التاسع السنة الاولى 1974.
2- مجلة المسرح: العدد العاشر سنة 1964
3- مجلة الفكرك العدد الرابع 1987
4- مجلة الرافد: العدد 43 سنة 2001.
5- مجلة الفكر المعاصر: العدد 12 سنة 1981.
6- مجلة الرافد: العدد 47 سنة 2001.
7- مجلة الثقافة العربية: العدد 509 سنة 1998
8- مجلة قضايا في الوحدة العربية وقضايا المجتمع العدد 12 سنة 1980
9- مجلة إبداع (الأدب والفن) العدد التاسع السنة II 1948
الحوارات:
حوار مع الكاتب السيد حافظ بتاريخ 28-11-2002.
البحوث: بحث الدكتور محمد عبازة : مقاربات للمسرح التراثي.
([3]) محمد مسكين: المسرح العربي الحديث بين ضياع الهوية وغياب الرؤية التاريخية مجلة الوحدة العدد 94/95 يوليو 1992 ص 11
([9]) عز الدين بونين . الشخصية فى المسرح المغربي ، بنيات وتجليات ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير 1992 ص 159.
([12]) محمود إسماعيل بدر . أستلهام التاريخ في المسرح مجلة الرافد العدد 43 سنة 2001 الأردن. الصفحات 21 – 23 – 24 .
([14]) نقلا عن صفوان صدقي القومية والتراث ص 9 . ذعلاء الدين بونيت الشخصية في المسرح المغربي بنيات وتجليات . منشورات كلية الاداب والعلوم الانسانية . أكادير 1992 ص 160
([15]) عبد الكريم برشيد – حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي ، دار الثقافة ، الطبعة الاولى سنة 1985 الدار البيضاء ص 47.
([16]) حسن المنيعى: المسرح المغربي (من التأسيس الى الفرجة) دار الأمان الطبعة الثانية يناير سنة 2002 – الرابط ص 44.
([17]) عطية أحمد محمد: نحو تأصيل المسرح العربي ، كتاب قضايا الوحيدة العربية وقضايا المجتمع ، أزمة المسرح العربي عدد 12 سنة 1980 بيروت ص 6.
([19]) عبد الكريم برشيد – حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي ص 27 نقلا عن توفيق الحكيم: قالبنا المسرحي ، القاهرة 1964.
([20]) خالد محيي الدين البرادعي : خصوصية المسرح العربي . منشورات اتحاد الكتاب العرب الطبعة الاولى 1986 ص 310.
([21]) د. حسن المنيعي : هنا المسرح العربي ، هنا بعض تجلياته ، منشورات السفير ، الطبعة الاولى سنة 1990 ص 29.
([22]) أحمدالطيب لعلج: الأرض ، الذئاب ، الجمل المسروق ، منشورات وزارة الشؤون الثقافية ، دار المناهل 1994 بدون طبعة ص3.
([25]) حسن المنيعي: هنا المسرح العربي ، هنا بعض تجلياته ، منشورات السفير، الطبعة الاولى سنة 1990 ص 29.
([26]) عطية أحمد محمد: نحو تأصيل المسرح العربي ، كتاب قضايا الوحيدة العربية وقضايا المجتمع ، أزمة المسرح العربي عدد 12 بيروت سنة1980 ص20.
([28]) رمضاني مصطفى ، توظيف التراث واشكالية التأصيل في المسرح العربي ، مجلة عالم الفكر العدد 4 سنة 1987 ص 32 ، نقلا عن عباس الجيراري من وعي التراث ص 4.
([30]) د.حنفى احمد عطا الله : الحياة القديمة فى مصر في العصر الفاطمى ، دار الفكر العربى الطبعة الاولى سنة 1983 ص 46.
([34]) الدكتور أمين العيطوني مجلة المسرح ، لاشخصية بين الرواية والمسرحية العدد العاشر السنة الاولى اكتوبر 1964 ص 67.
([36]) الدكتور ابراهيم حمادة. معجم المصطلحات الدراسية والمسرحية دار المعارف / القاهرة 1119 ص 102. بدون طبعة
([41]) الدكتور ابراهيم حماده. معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية دار المعارف 1119 بدون طبعة / القاهرة ص 47.
([42]) Roman Ingredon نقلا عن الدكتور يونس الوليدي الميثولوجيا الاغريقية فى المسرح العريب المعاصر الطبعة الاولى 1998 أنفو برانت / فاس ص 194.
([49]) Patrice Pavis ، نقلا عن الدكتور يونس الوليدي : الميثولوجيا الإغريقية في المسرح العربي المعاصر ص 230.
6
8
0 التعليقات:
إرسال تعليق