Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

85البنى السردية وروافدها في الخطاب الروائي لـ;(كل من عليها خان) للسيد حافظ د. جميلة مصطفى الزقاي – الجزائر

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 85 )


البنى السردية وروافدها في الخطاب الروائي
لـ "(كل من عليها خان) للسيد حافظ
د. جميلة مصطفى الزقاي – الجزائر

 

دراسة من كتاب

((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))

" الجزء الأول "

إعداد وتقديم

نـجـاة صـادق الجشـعمى

 

 

 

 

 

كلمة عن
د. جميلة مصطفى الزقاى - الجزائر

 

الوطن مستباح.. لا نميز بين الاحتلال والاستقلال.. بين القتل والموت.. بين النواح والأفراح.. وإذا اشتهى قلبي سيرة الحب.. تذكرتك يا ولدي.. قتيلاً.. مدفوناً كلك جروح.. وكل الأعذار مفضوحة.. وكل البيوت مجروحة.. أهلكتني الأحزان والآهات والغربة والأنباء والتضليل.. والتنهيدات تخترق قلبي.. أيها الوطن المستباح ألا تعلم أن الأرواح تلتقي في الحقيقة والخيال والأحلام.. وروحك يا ولدي عطر الزهور.. والذي صبرني على البلاء.. سر القهر وسر الظلم وآية الطهر واللقاء بالأحباء..

اللهم أنزل على أحبتي الضياء والنور.

اللهم أنزل على أحبتي الفسحة والسرور.. واجعلهم آمنين مطمئنين واجعل العراق.. آمناً مطمئناً وانشر عليه رحمتك وصب عليه من بركاتك يا من بيده خزائن السموات والأرض وادحض أعداءه وكد وامكر بمن كاد ومكر له واقلب عاليها سافلها عليهم وانتقم لمن كان سبباً لإراقة دماء أبنائه واستباحة أرضه وبخس ثرواته إنك فعال لما تريد وعزيز ذو انتقام..

الحقيقة لم ألبث أن أتماسك وأمنع عبراتي المتكسرة في صدري وآهاتي المتمردة وأصوات نعي ونوحي التي أضحتني كظيمة لن أرى إلا السواد وأنهار الدماء بين مد وجزر تكاد تفنى الآمال والأشواق في قلوب ضمدها الأمل بضياء الأمن والأمان أصبحت بغداد الحضارة ومنارة العلم والتقدم فانوساً ذا فتيل مطفئ وبصيص متذبذب هنا وهناك يسودها الانقسام والانفصال والتطرف كأنها قطيع أغنام دون راعٍ.. وبينما تشع بقعة متوهجة بضياء من البحر المتوسط وتسلط نبراس يراعها بقرطاسٍ صنع في بلاد المليون شهيد.. البلد الذي عرَّفنا معنى الوطن والوطنية والجهاد والاستشهاد من أجل نَيل الحرية والاستقلال بلد المرأة المجاهدة (جميلة بوحريد) بلد البطل عبد القادر الجزائري الذي جال بالنصر ثلثي الجزائر ولقن العدو دروساً بالدفاع والصمود والاستشهاد من أجل حب الوطن.. أميرة النقد والمسرح والأدب والدراسات النقدية والتحكيم.. هي الأستاذة الدكتورة (جميلة مصطفى زقاي) من بلد المليون شهيد.. الجزائر الشقيقة المطلة على البحر المتوسط والتي تأثرت بالثقافة العربية والثقافات الغربية وبالأخص (الفرنسية) والإسبانية بحكم موقعها الجغرافي والسيطرة الاستعمارية لذلك النص الذي بين كفينا وتحت أنظارنا يجسد واقعنا المر الذي عاشه الأجداد وعشناه نحن وسيعاني منه الأبناء والأحفاد.. حلقت بسماء الإبداع وتألقت الأستاذة الدكتورة (جميلة مصطفى زقاي) في دراستها ونقدها للنص ((كل من عليها خان)) حين تناولته.. ((تبدو الأحكام والأعراف الروائية قد حكمت على الرواية أنها مجنونة ساخرة.. أو مومسات متعطراتٍ بالمسك والعود ماسكات بأيديهن صولجاناً وسيفاً يحاكمن به الوطن والتاريخ والذاكرة.. وبما أننا الآن مقبلون على جو من التناقضات والانقسامات والاختلافات السياسية والسياسات ووجهات النظر وتنوع السيطرة وأنواع لا تعد ولا تحصى من الخيانات تظهر لنا أرواحا ونفوسا وقلوبا ودماء نقية فتية تضحي وتدفع وتعطي من أجل حب الأرض، حب المولد وأرض التولد ومسقط الرأس وانبعاث الصرخة الأولى.. تكشف لنا الأستاذة الدكتورة (جميلة مصطفى زقاي) النقاب عن أنواع ثلاثة من العلاقات (العلاقة بين القلم والعلم، بين المواطن والأرض، والعلاقة بين الجد والأب والابن.. والجدة والأم والبنت.. والخصومات والانشقاقات بينهم) هذا ما تنذرنا به الأستاذة الدكتورة (جميلة مصطفى زقاي) يؤنبنا.. وياليتهم يؤنبهم ضمائرهم لوجود مثل هذه الانشقاقات والخصومات بين أبناء الوطن خاصة، وساسة الدول الشقيقة ويا حبذا لو أخذوا برهة من الزمن وفكروا بعدم تصدير خلافاتهم خارج حدودهم للحد من الخلافات دون ضجيج وعجيج واصطخاب وتعالج بالتفاهم والتحاور البناء لا بالتضارب والتنافر والخلافات بفرض الهيمنة والحصار للنيل من هذه وتلك الدولة بالخطط والاستعانة بالأعداء على الإخوان كما يقول المثل.. (أنا والغريب على ابن عمي) للأسف حقاً.. الوطنية أصبحت عملة نادرة حاليا وأن وجدت تحارب من قبل الماكرين والحاقدين والمتسوولين والمتملقين المتسلقين للاستعلاء والاستمكان من السلطة وأمامكم دليل على ما أقول.. النص الذي بين يدينا الذي وثقه لنا الأستاذ الكاتب الروائي الكبير (السيد حافظ) في (كل من عليها خان) وبدارسة وافية مجدية كتبت بمداد قلب وفي عرف معنى النضال والجهاد والحب للوطن.. الحب الحقيقي الذي دون مقابل من قلم ينبض بالعز والمجد والرقي خط الكلمات بصدق روحي وكفاءة لغوية بارعة تسابقت النقاط لتكسب الحروف نضال وتألق وأضواء متوهجة لتشع في سوح النضال حماساً وتجديداً لقوى النضال التي تشعر بالوهن في بعض الأحيان للنكسات والخسارة في الدفاع عن الأرض والقضية.. هكذا هو الكاتب والروائي في هذا النص (كل من عليها خان) وفياً منذ نعومة أنامله التي لا تعرف العجز والتقصير مرنة طيعة للقلم والورق لكي يظهر لنا الإبداع ويكون موسوعة ثقافية فلم يغفل الكتابة ولم يحدد (الزمان والمكان) وفتح صمام العشق للفنون وأجناسها ليقربنا للإحساس والأنا الشعرية ويصاحبنا بمشاعر رقيقة جياشة وجمالية لا مثيل لها.. لن تسمح بالملل والكلل للقارئ حتى بعض المحطات التي احتوت السرد التأريخي.. كرواية تأريخية هي مجموعة روايات تتولد في وطن كسيح وتاريخ مجرم.. وذات تلهث في كل الاتجاهات.. لكن المحرك الأساسي.. هو تحريك الحدث.. من قبل الراوي وخاصة أن الكاتب الكبير الوطني المحب لمصر بجنون.. في كتابه الذي تناول قضايا مصر..

مصر العظيمة ومصر العبيطة ..

أكدت الأستاذة والدكتورة والناقدة الصدوق الصادقة (جميلة مصطفى زقاي) أن الكاتب الكبير أدرك استخدام الشعر والمسرح مع السرد بذكاء وحبكة ذكية إذ قال: أن السرد دون شعر.. كالحكي الشفاهي ما قام به (السيد حافظ) ربط السرد بالرواية هي سرد والسرد يعني تأريخ والتاريخ حكاية والزمن الإنسان واللغة الحية التي تمتلك الدهشة الشاعرية.. فإذا أردت أن تكتب سردأً.. اكتب شعراً.. فالرواية عند الكاتب هنا سرد لصيق بالتأريخ ولغة ذات دهشة وعذوبة جمالية في المرادفات اللغوية الثمينة في المعنى والمغزى بحيث يكون الناقد أو الناقدة في حيرة وامتحان ومخاض صعب إذا ما وضع نص من نصوص الكاتب المتألق بالإبداع المتجدد الراقي (السيد حافظ) حيث أن كل نص من نصوصه يحمل منعطفا وجمالية لغوية تختلف عن ماسبق من نصوص.. مثلاً تقرأ نصاً له يحمل أشعارا موزونة بالحب والعاطفة المستنيرة بتدفق الشوق من الأعماق الروحية والعشق الذي لا منتهى له ينبوعأ للعطاء والنماء.. ونصا آخر يتمرد على الأحزان والآهات والآلام.. ونص آخر يزرع وينمي فينا الأخلاق والمبادئ هذا الذي اتهم مرة أنه يساري ومرة إسلامي متصوف ومرة حاقد وغير محب لمصر والمصرين وهذا ما صنعه الكاتب.. عندما شارك القارئ في (اختيار العنوان) أضاف للقارئ مسؤولية المشاركة في النص من الصفحة الأولى حتى آخر الرواية.. والكاتب يعتبر الأجناس كالأضلاع للرواية فإذا ما فقد أحد الأضلاع تصبح الرواية مجرد حكاية باهتة بلا روح ولا جسد أي بدون إعداد بنائي فتي لعدة الرواية.. قد نسميها (الشعرواية أو المسرواية) لامتزاج الأجناس فيها من شعر ومسرح وباقي الفنون الآخرى ومما قدمه من نحت الأبجدية واختزال ومصانعة الفنون.. لإحداث الدهشة في أعماله المذهلة ذعن لها السمع.. لدهشة التذوق والإحساس بالصياغة والإبداع في النحت والنقش وتزويق الشخصيات ورسمها ونحت معالم الجمال لإظهار جمالها وربطها بالسرد والقصص الواقعية.. والتخيل لرياضة الفكر والعقل البشري وتعزيز وتعميق المبادئ والأخلاق والحب الحقيقي.. وحب الوطن والولاء له قضيته البتة.. هذا ما أكدته (الأستاذة الدكتورة جميلة مصطفى زقاي) في مشاركة الأستاذ الكاتب الروائي الكبير (السيد حافظ) من أول أبجدية الرواية إلى آخر حروفها ومكاشفة القارئ ومشاركته بهذا أصبح مشاركاً في نسيج خيوطها وبطلا من أبطالها وشخصياتها لتوضيح وتصحيح الحقائق التاريخية ووضعها بين دفتي الواقع المهمش.. كما قالت: الأستاذة الدكتورة جميلة مصطفى زقاي..

السيد حافظ : (نبش في السطور المفقودة عمداً حتى بدأ.. مؤرخاً وأركيولوجيا لا يضيع أدنى وثيقة أو منحوتة.. إلا أن يصل للحقيقة ويصحح ما ران عليه غبار الكذب والتضليل..) فهم الكاتب هنا مصر ما جرى لأم الدنيا.. فتبين وظهر لنا فسيفساء الحياة.. وما معاناته وحرمانه وهواجسه والضياع والمآسي التي عانى منها ما هي إلا قطعة من تلك الفسيفساء المنقوشة بالإدمان الإبداعي، فإصابة الكاتب (بالإدمان الإبداعي.. والتضيق والتهميش والتضليل..) لم يعرف التوقف بل زاده إصراراً وإبداعاً ونجاحاً ومواصلةً لكتابة درر مضيئة في سماء الأبجدية الحافظية.. والإفصاح عن البوح بحضن الحبيب مصر الأب وليس الأم كما كنا نعتقد سابقاً (صححه لنا الكاتب الأستاذ السيد حافظ في الأبجدية الحافظية وقال: مصر اسم مذكر وهو (مصريم بن بنصر بن حام بن نوح عليه السلام) وأن معظم من أتى وسكن مصر حصل على الجنسية المصرية ببساطة وعاش وعمل وأصبح من أبناء مصر.. ) هكذا الكاتب يوضح لنا دائماً المعلومات بأسلوب إبداعي سلس ليولد إبداعه ليضع لنا لبنة جديدة على من سبق لهم أن أسسوا البنى الأساسية للمسرواية (توفيق الحكيم والأستاذ يوسف إدريس) فيكون الأستاذ (السيد حافظ) أضاف وأسس ليعلو البنيان وتنمو الأبجدية بحروف معطرة وبخبرة وتقنية حافظية بحتة ليشكل البنية الأساس للسرد والحكاية والمسرح وتلاصق أجناسها وانصهارها معاً في بوتقة الكاتب اللغوية الجميلة الرصينة القادرة على الاحتواء.. للمتلقي وللأقلام الصادقة والمتمردة والثائرة لكافة الثقافات .. لم يغض النظر من النصوص القرآنية لدعم الأحداث أصلاً.. (كل من عليها خان) على وتيرة ما جاء بسورة (الرحمن) فاجتاز الكاتب (خط بارليف) للرواية لينتقل بخطى متناسقة أنيقة وذات رشاقة متراقصة على أوتار قيثارة شهريار لشهرزاد الحبيبة.. وعزف مقامات اللامي والبياتي وأحياناً العزف على الآلات الموسيقية المعاصرة والحديثة لخدمة كل الأجناس الأدبية لتشكيل المسرواية المعاصرة المتجددة فيدخل في دهاليز الماضي ويحفزها لإحياء الحاضر ورونقه.. وتبقى سهر سر الحكاية لفتحي رضوان خليل .الشاب المصري الأسمر..

الكاتب يؤكد على الشخصية (سهر) بطلته ويظهرها بصورة (أنها ضحية وليس الجانية) وكلنا يعرف أنها خائنة لأنها تقيم علاقة مع رجال كثر.. وهذا ما نسميه (الخيانة الزوجية) التي يعاقب عليها الشرع والقانون.. لكن بنظر الكاتب هنا.. أنها سيدة النساء..امرأة استثنائية لا مثيل لها ولن يكون لها مثيل أبدا

هل العشق عند الكاتب (منزه)..؟ هل الخيانة (منزهة)..؟ هل الإقصاء والانتقام.. منزهان..؟

ماذا؟ وماذا؟ نفسر آهاتنا وأحزاننا أمام مجمل الخيانات التي توالت سهامها لتخترق جسد الأمة العربية وتثقب الأرواح وجرحت القلوب.. فهل ننسى جروحك يا عراق الأحزان؟

كلا لن انسى طعنات الغزاة ولعنات الامهات الثكإلى.. !!!!!!!

يا ترى كيف ستلعنك (تهاني) عندما تستدل على براهين خياناتك يا (فتحي رضوان خليل) لطالما غرقت عيونها وهي تسألك.. كم تحب مصر..؟ وغرغرة الوداع تخنقها.. تخفي أحاسيسها بمعرفتها بخيانة مصر لها..

آه.. آه.. ياعراق بكم خانوك وباعوك.. وكم الثمن للخيانة؟؟؟

(فكل من عليها خان)

يالك من طلسم أفتن وأغنى وأقنى وأجمل وأبدع الأبجدية بطلتها بحروفها الصريحة الصادقة المحبة والعاشقة للوطن الرافضة للخيانة بكل الأوجه

الحب.. أحلى وطن للإنسان وليس المكان.. الحب يبدأ بالنساء وينتهي بحب الألوان..

النساء نور.. جمال.. حنان.. ودفء وحنان.. غيرة وإثارة.. (الكاتب هنا ركز على جمال النساء الذي يستميل به الرجال سواء بالإثارة الجنسية أو العطر والجمال.. فنجح السيد حافظ.. في حبك العلاقات بين الشخصيات مما زاد من جمالية أيقونات الرواية.. فأبدعت الأستاذة الدكتورة (جميلة مصطفى زقاي) بجمال لغتها في النقد الأدبي ولغتها الحية الشعرية للنص فكان إبداعاً آخر موازياً لإبداع الكاتب والروائي حين يلتقي النص بناقدة مبدعة يحدث شهادة ميلاد حية لتاريخ الأدب العربي والأستاذة الدكتورة جميلة مصطفى زقاي.. إحدى الناقدات المبرزات على مستوى النقد المسرحي والأدبي.. فلذا يمكن أن نقول: أنها اكتسحت الكثير من قريناتها في أدوات وخبرات المسرح بكل عناصره فنجحت في التعرف بسهولة وبقوة إبداعية في تحليل وتفسير النص الأدبي.. (كل من عليها خان).. إلى لوحة رائعة الجمال نقداً وذوقاً فنياً أدبياً

الحب عادة وعبادة.. وأنت يا سيدة الحزن البنفسجي.. عشقي الشجي وتاريخ جنوني.. الحب لا يعرف السلطة ولا الأخلاق ولا الحلال من الحرام.. الحب أحمق فاجر وأحياناً نور يشرق على الأشرار فيحولهم إلى أخيار.. الحب جبار لا يعرف له عنوان ولا مكان ولا زمان..

بينما أنت حبي الأبدي والحقيقي يا وطني.. المستباح..


البنى السردية وروافدها في الخطاب الروائي
لـ "(كل من عليها خان) للسيد حافظ
د. جميلة مصطفى الزقاي – الجزائر

كتابة كلها جدة وأصالة لا عهد للقارئ العربي بها؛ إذ قوض الكاتب الثالوث المحرم-الدين والسياسة والجنس- ليصير ثلاثيا مستأنسا طبيعيا يتماهى بجسم الرواية "كل من عليها خان". فبنى وأسس لا بناء روائيا يحوي نصوصا متداخلة لم يستأذن في عقد القران بين الأجناس والنصوصية.. إذ الرواية روايات تتولد من وطن كسيح وتاريخ مجرم وذات تلهث في كل الاتجاهات لكن المحرض الأساس في تحريك الحدث الروائي الجديد هو "مصر" العظيمة ومصر العبيطة"..

الصفحة الواحدة تشي بأكثر من نص، والصفحة الواحدة قد تنشطر من جوانيتها على الدراما والتأريخ و.. والنفس اللوامة بأسلوب شعري آسر.. يجد القارئ به التريض والراحة والسفر على أجنحة القوافي والأوزان المطردة التي تحوي شجنا وعشقا.. فيأسر الكاتب الرائي القارئ بسحر ترويض الحرف بعبث ومشاكشة وجرأة لا نظير لها.. مع أن التقديم كان بارداً فاتراً نوعا ما، لكن سرعان ما اتقد وشحن أفق انتظار القارئ الذي يبدأ غريبا عن النص فيتملكه بسلسلته الدوالية التي على الرغم من تفكك بناها السردية تشكل شبكة غريبة حلقاتها تبعث الحيرة والدهشة، وأحيانا يفقد القارئ الخيط السردي فيضطر لإعادة كرة القراءة.. لكنه لا يضجر من إعادة القراءة لانها تهدهده بخطابات مختلفة على غرار المسرحية والسيناريو بل حتى الفسح الغنائية لسيدة الطرب العربي أم كلثوم والفنان المتفرد محمد عبد الوهاب وغيرهما..

 حتى لكأن الرواية تبدو مجنونة سافرة بثوب مومسات متعطرات بالمسك والعود ماسكات بأيديهن صولجانا وسيفا تحاكمن به الوطن والتاريخ والذاكرة العربية الإسلامية. هذا الوطن الذي غاب عنه إنصاف المبدعين الذين لا همّ لهم غير السعي لقلب موازين الفساد السياسي الضارب بجذوره عبر تاريخ الأمم، لتتبوأ أوطانهم المرتبة النبية التي تليق بها. فكيف يقابل تفاني المبدع من أجل وطنه بالجحود والنكران؟؟ !!!!

  بعد بداية فعل الكتابة مباشرة يصير قارئها عبدا لها مسلوب الإرادة أمام كم هائل من المعلومات التي تتعدد قنوات تبليغها بتشكيلة تعبيرية تتدفق شعرية إيقاعية ترقص على أنغامها دلالات عميقة حارقة ذات أبعاد تجل عن الرصد مرفوقة بأمثال شعبية حارقة. ومن الحشد الموضوعاتي الذي طُرق بهذا العمل الفقر والهجرة السرية ومعاناة المصريين بدول الخليج والتركيبة الاجتماعية والدينية الهجنة بمصر، والايديولوجيات السياسية المريضة وناهيك عن الحشاشين وغيرها من المواضيع..   

  ومن الدلالات والمدلولات الإيحائية إلى العدد الذي كان له نصيبه ب"كل من عليها خان" ويتعلق الأمر بالعدد "سبعة" الذي استغل حقيقة ومجازا وحقيقة وخيالا، فأسهم في جمع شمل حقائق وأحداث ألّفت بين ما هو ديني وما هو دنيوي. فالسبعة التي تصدرت المقام تيمنا وبركة بالكلم المبين كذا لتماهي المقدس بالمدنس من خلال سبع سنوات عجاف عايشها النبي يوسف عليه السلام والتي عكست سبعا أخر عايشتها مصر في عهد المستنصر؛ فنم عنها فظائع يعاف اليراع وصفها ومسحها وذكرها..

  حقائق عف المؤرخون عن ذكرها أو مروا عليها مرور التقصير ومحاولة النسيان فعرجوا عليها في سطر، بينما أبى المبدع الكبير السيد حافظ الذي لم يتورع بكل موضوعية عن ذكر الحقائق التاريخية الدامية المتعفنة القذرة التي تخص هذا المنبت الذي كرس له قسطا وفيرا من كتاباته علاوة على روحه وأناه؛ هو الذي ذاق مرارة الغربة عن مصر فأرادها ويريدها أن تعاف أثوابها البالية لتنطلق بنفس جديد ومتجدد. وكأنه من خلال إماطته الغطاء عن تاريخ عاهر يفصح أن لا جرم متعمد لهذه الأرض التي لم تختر ماضيها مثلما لا يختار الإنسان والديه وهما اللذان يربيانه على الفطرة فيسلمانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يهودانه..

 "السبعة" اعتلت كذلك العناوين التي ألفها القارئ عنوانا واحدا كما تعود التهميش والغياب في السيرورة الحكائية السردية لكن "كل من عليها خان"جعلته شريكا فعليا منذ الاستهلال حين عرض عليه الكاتب انتقاء عنوان من سبعة عناوين فكان استهلالا بنضح جدة ويعلن عن أسلوب لا عهد للرواية بين الأمس واليوم يه. ولئن قُتل المؤلف عند رولان بارت وقد منح الحظوة للقارئ على حساب المؤلف في كتابه لذة النص وغيره ، فإن المبدع الكبير السيد حافظ قد أعلن الوفاق والمشاركة إلى حد المخادنة مع القارئ الذي يلتمس منه بطريقة لبقة ومؤثرة أن يختار عنوانا من بين سبعة عناوين كلها وظيفية وتعبيرية لكن الأولوية ل("كل من عليها خان") هذا العنوان الشرعي الذي اكتسب أحقيته وقد تردد هو وأقرانه لكنه برز أكثر من غيرها لموافقته للمضامين المشفرة .

  تجدر الإشارة إلى أن الرقم"سبعة" صاحب المسرحيات القصيرة جدا، ولازم الحكايات عن تاريخ الاسكندرية، علاوة على سبع جيران وغيرها.. هو العدد الفردي الذي كان سليل المرجعية الدينية والتراث الحكائي الشفهي العربي. فاتخذه الكاتب شِفرة أسعفته بمساره في ثنايا ("كل من عليها خان) "متسلحا بحبه المستميت لمصر.

 عشق الكاتب لمصر من عشقه حتى الثمالة لشخوص عمله الذين قد يفضلهم على نفسه، فتلفيه يطلق لهم العنان والحرية في التصرف والتفكير، وتراه يسايرهم ويزج بهم في المطبات بحسب أمزجتهم وإيديولوجيتهم ونزواتهم فمنهم النساء اللواتي حملهن فعل السرد بجدارة من بداية العمل إلى نهايته؛ فمن العفيفة التقية "وجد" إلى الجارية المطيعة الطاهرة التقية النقية الوفية ّ"جميلة" إلى السيدة ذات الجمال الأخاذ والفحولة الرجولية "فجر".. إلى الخائنة العاشقة اللئيمة "سهر" إلى الراوية الذكية "شهرزاد" والكاذبة الفاشية للأسرار المألبة على الظلم والجبروت.. ولئن سخر كاتب ياسين الجوقة النسائية بجثته المطوقة فإن السيد حافظ منحهن سلطة السرد والحكي وقلب موازين الحكم ومقاليد الحكومة من الأسوإ إلى الأحسن ومن الضياع والتوهان إلى التغيير والثبات..

 وإذا تعلق الشأن بمرتبة الرجال في السلطة الحكائية فقد وظف شخصيات تباينت سلوكا وفعالا وخلالا ؛ فمن نيروزي الذي يمثل الآخر في مصر حبا فيها ونقلا لفكر طائفي أرسى مقاليده بالخلد المصري، إلى فتح الله شهبندر التجار الذي كان الزوج المحب والمصدق لتراهات الشعوذة والحامل لفكر أهواء الاستغلال والاستدمار فكانت نهايته شبيهة بنهاية الطغاة والجبابرة ماضيا وحاضرا وعربيا وغربيا. نهايته المفجعة تضارع نهاية رب العمل على يد عمال المناجم الفرنسيين الذين عرضهم إميل زولا بروايته"جيرمنال" التي توجها بانتصارهم وانتقامهم من صاحب المصنع الإقطاعي بإخصائه والظفر بعضوه التناسلي، وهم يهللون بانتصارهم على الظلم والجبروت الذي أذاقهم إياه بالمناجم مضرجا بالفحم الذي أتى على صحتهم وكينونتهم.

 السيد حافظ يحيلك على كوكبة من الروائيين الذين قد يتقاطع معهم تناصيا لكنه قوض بناءهم الروائي الكلاسيكي التقليدي فأقام لنفسه بناء حافظيا بامتياز لكنه ليس اعتباطيا بل مؤسسا. ولئن كانت فاطمة قالير الكاتبة الفرنسية الجزائرية قد تبنت الرواية والقصة أولا ثم المسرحية ثانيا فتلفي النسيج السردي بمسرحياتها يطغى على الأفعال والحوارات الدرامية التي يثقلها الوصف الدقيق للشخصيات التي تبنيها على تؤدة وحيطة وحذر، فإن السيد حافظ رائد التجريب بالمسرح العربي لا يثقل كاهله بناء بتمرده على الأعراف الروائية التي سنها رعيل من الروائيين قبله. لذلك تجد تلك المسرحيات القصيرة التي تخللت "(كل من عليها خان") في منتهى التكثيف الدرامي الذي يحرض الذاكرة الصورية للقارئ فتنقله مباشرة إلى الخشبة ليعود به ثانية إلى الرواية ضمن توأمة مسرروائية متتالية لا تنتهي إلا بنهاية العمل..

 بقي السيد حافظ وفيا لخلفيته وحمولته الإبداعية ولثقافته الموسوعية؛ حيث لم يغفل كتابة السيناريو وفق مشاهد تحتفي بتحديد الزمان والمكان لتعرض حيثيات المشهد وحواره بعد ذلك، فازدانت وتيرة السرد بهذه التقنية الخفية "كتابة السيناريو"التي بدت طيعة مرنة بين أنامل لا تعرف عجزا أو تقصيرا. كما كان لسيد الفنون والأجناس وأقربهم إلى الإحساس والأنا المنفعلة الحالمة "الشعر" الذي فتح صدره ليستوعب البناء الروائي المتمرد عند السيد حافظ على باقي الأجناس، فيصاحبها بأريحية جمالية لا تسمح بتسلل الكلل أو الملل إلى المتلقي، عدا بعض المحطات القليلة التي رُجح فيها السرد التاريخي على لسان نيروزي مفضيا بها لوجد وهما خليلان عاشقان، فبدا هذا السرد مقحما نوعا ماوقد نغّص لحظات الصفو التي من الأرجح أن تجمع بين الحبيبين المتلهفين للقرب والوصال..؟ !!

  يرى راي RayA . أن السردية هي الخاصية المجردة للجنس السردي، ويقترح إمكانية قلبها من أجل كشف السردية في أي جنس لينعت هذا الجنس بالتالي أنه جنس سردي، ويخلص إلى كون كل من التاريخ والشعر سرديين شريطة أن يتوفر فيهما ذكاء سردي intelligence narrative بحسب بول ريكورPaul Ricoeur والذي ينعته فاي j .P .Fay بالبرهان السردي.

  يعتري مصطلح "السردي" الالتباس بخاصة إذا ما أريد استعماله في مجال محدد هو السرديات أو علم السرديات narratologie، وبالرغم من ارتباط السردي بجنس الرواية، إلاّ أن هذا لا يمنع حضوره في أجناس أخرى، وهذا ما يكسبه التباسه وتميزه ويسمح بالحديث عن الأجناس غير السردية.

يتطلب إدراك السردي في الأجناس غير السردية ذكاء بغية كشفه، ولتحديد هذا المصطلح" سردي" ينبغي العودة إلى ما ينسب إليه من اشتقاقات لغوية مثل السردnarration والسردية narrativité .

وردفا على ما سبق؛ يربط السيد حافظ فيما بين السرد والرواية فيقول:" هي سرد والسرد يعني التاريخ والحكاية والزمن الإنساني واللغة الحية التى تملك الدهشة الشاعرية وإذا أردت أن تكتب سردا أُكتب شعرا.. وإذا نقُص ضلع من هذه القواعد لن تكون رواية بل حكاية ضعيفة.. قد تكون الحكاية الشفاهية والحكي الشفهي للرواية أكثر قوة وإبداعا من الحكاء الورقي..لذلك الرواية الورقية تحتاج للتحفز والدهشة المستمرة دائما لتكون قادرة على المواجهة والصمود.

فالرواية عنده سرد لصيق بالتاريخ والحكاية والزمن الذي يعايشه الإنسان واللغة التي لها القدرة على إحداث الدهشة الشاعرية، حيث يتوئم فيما بين السرد والشعر معتبرا العناصر الفنية والأجناسية السابقة من ضلع الرواية وبدونها تفقد بنيانها وتصير مجرد حكاية باهتة بلا روح ولا جسد، كما رجح كفة الحكي الشفهي الذي يؤديه الراوي على كفة الرواية المكتوبة بدون عدتها الفنية البنائية، ويرى أن الرواية الورقية تبقى في مسيس الحاجة إلى التحفز والصمود إذا أرادت أن تبقى وتصمد أمام قريناتها. وفي ربطه بين الرواية والشعر يقر بطريقة غير مباشرة إلى ما يسمى ب"الشعرواية" وفي الحقيقة يحتاج الناقد في موضعته وموقعته لهذه الرواية إلى أكثر من مصطلح وإلى ما يفوق النحت قدرة على اختزال كم الفنون المصانعة في إحداث الدهشة التي أشار إليها الكاتب ولذلك يسعني أن أضيف مصطلح ا"لدرمرواية" .

  يحدث أن يلتقي المتن بالهامش في المتن ليصير جزءا من السرد وهنا يتماوج المتخيل الروائي في حضور وغياب مع الواقع اليومي ومع السيرة الذاتية للمؤلف، وهذا ما يضارع في المسرح مبدأ التغريب بكسر الجدار الرابع، لكن الجدار هنا جدار روائي يتهادى ويُقوَّض كما لو أنه يذكر القارئ –رفقا به- أنه بين دفتي متخيل، له أن يشارك بنسج خيوطه، وبالفعل أتاح له الكاتب هذه الفرصة التي لم يكن يحلم بها مع كاتب آخر ليصير شخصية من شخوص العمل؛ حين شارك في مقاضاة المؤلف على نبشه بالسطور المفقودة عمدا من تاريخ مصر، حتى بدا مؤرخا وأركيولوجيا لا يضيع أدنى وثيقة أو منحوتة ليصل إلى الحقيقة التاريخية مهما كان نوعها أو درجة أهميتها !!! همّ الكاتب من همّ مصر وحياته قطعة من فسيفساء المعاناة والحرمان والتهميش والضياع..تلكم المآسي التي يعايشها المبدع بإدمان إبداعي لا يعرف التوقف ولعل ذلك التضييق يضاعف من إصراره على مواصلة مشواره في البوح والإفصاح دون تشكي أو إذلال.

 الحكاية في "كل من عليها خان" حكايات؛ أو هي الحكاية بحضن أختها، ومن أحداث ووقائع هذه تتولد الآخرى فتنمو وتزكو متحدية المسرح في المسرح لبرنادللو، فتشكل بنى حكائية سردية تتوالد من بعضها لتخلق وتحافظ على وتيرة العمل الروائي وإيقاعه المتوثب الذي يشدك إليه بعطر حروفه وتراكيبه الناجمة عن خبرة طويلة بتقنيات الكتابة ومقاليدها وسننها التي تتغير من جنس إلى آخر.

 والحكاية لابد أن تكون رصينة جميلة قادرة على احتواء الأحداث، وفي ذلك شاكل المؤلف كوكبة من الروائيين الذين رسموا حكاياتهم بذكاء إذ وبالعودة إلى الريبرتوار الروائي العربي لا غرو سنجد هؤلاء قد جادوا بنصوص قوية البناء محكمة السرد وقد شحنوها بالمواقف الفكرية والسياسية والاجتماعية بذكاء، لكنه خالفهم جميعا بتفاوت في المضامين وفي البناء الروائي الذي خط لنفسه فيه نهجا سرديا لا يلتقي فيه بهم إلا نسبيا.

 تعرّف جماعة "أنتروفيون ،’entre vernes Groupe d "مصطلح narrativité على أنه عبارة عن مظهر تتابع الحالات والتحوّلات المسجل في الخطاب، والذي يضمن إنتاج المعنى.

  ويؤيد "كورتيس Courtes" هذا المنحى ليرى الحكي وثيق الصلة بالحكائية narrativité والفاصل بينهما يكمن في كون الحكي ينتقل من حالة إلى أخرى، الأمر الذي من شأنه أن يحدث تحوّلا من وضعية أو حالة إلى وضعيات أخرى بصفة متتابعة.

 كان حمل الحكاية في "كل من عليها خان" قادرا على الامتزاج بالخطاب القرآني في تناص ديني لجأ إليه الروائي ليدعم الحدث ويخدم الحبكة، بله عن استعانته به ليكون حجاجا وآية يشهرها ليثبت منطقية أحداثه. والتناص الديني بمرجعيته الثقافية ومخزونه الغني الثر، فكان لفظيا كما كان معنويا. من اللفظي وظف قصة قابيل وهابيل وآدم وحواء وقصة يوسف عليه السلام. أما المعنوي فيتمثل في توظيفه لآيات من عروس القرآن "الرحمن".

 يسع القول في الأخير إن البناء الروائي ل"كل من عليها خان يتطلب قراءة واعية لان الانتقال من السرد الروائي إلى الحكاية الأصلية والارتكاز على التاريخ مخضبا بالسياسة الماضية التي تحيلك على واقعها الآني ثم الرجوع إلى الهوامش الإحصائية لرتب مصر دوليا..والرجوع في الأخير إلى الحكاية قد يعيق متابعة القارئ العادي لوتيرة الأحداث لكن ما يشفع لذلك هو تلك الجولة المحفوفة بحمولة ثقافية تاريخية وسياسية دسمة ينتشي بها القارئ مرهفا إحساسه للأسلوب الشعري للكاتب وصدقه الحكائي ونقده الذاتي اللاذع.. وبدا الكاتب حريصا بهندسته للبناء الروائي على أن يحافظ على قارئه الذي دلّله وأمتعه وقزّزه وروح عنه.. وفي ذلك كله فلح في فتح باب السر للرواية التي فض بكرتها لتعيش حياتها بحرية، وقد أخرجها من سطوة الأقدمين ويسر على الكتاب ولوج دهاليزها، لكن ذلك لا يعني أنهم سيفلحون في محاكاة أسلوبه علما أن"الأسلوب هو الرجل نفسه " –بحسب لوفون- فيبقى بناؤه الروائي سهلا ممتنعا وهو عبارة عن فسيفساء حلزونية تشد القارئ من عرقوبه ليواصل قراءة المؤلف بلا هوادة.


 المرأة في رواية " كل من عليها خان"

مخادنة سهر وشهرزاد

تتربع "سهر" بعرش حكاية الروح الرابعة وهي زوجة منقذ وعشيقة فتحي الصحفي المصري؛ سر خطير لا تعرف به غير سهر وصديقتها شهرزاد القناة الأصلية للبناء الروائي التي يعول عليها في تحمل السرد الحكائي ذي الحلقات المتكاتلة فيما بينها. شهرزاد هذا الاسم الذي يوحي على الفور بالذكاء والدهاء والحيلة والقدرة على الفتك والنيل من متلقيها، كما أنها الأنثى التي تلت ثلة من النساء قبلها لتوقف سلطة الرجل وتتمكن من دحض جبروته وكسر شوكة تعنته، هي التي أوقفت جرم شهريار وجسدت رغبتها في البقاء، مصدر فتنة واستجابة وسعة صدر وصبر وأناة وتحكم.. فانصاع الرجل لحلاوة لسانها وصنعتها الحكائية التي لم تنل من شهريار فحسب بل سيطرت على أعداد من المتلقين لا تحصى ولا تعد.. شهرزاد "كل من عليها خان" تضارعها حنكة في كسب الزوج وخدمته..وهي زوجة حامد الصقر كما كانت لسهر صديقة وأمّا وخالة تحفظ سرها وتنصحها محاولة تفهمها، وهي العجوز(كما أشارت تهاني لزوجها فتحي) والحكيمة التي استطاعت تشريح نفسية فتحي من خلال مقالاته عن سهر. ومن ناحية أخرى فهي الرائية التي استشرفت ما سيحدث لها عن طريق عطرها فحدثت النبوءة. كما تمتلك شهرزاد مفاتيح الروح والقلب، بل أكثر من ذلك فهي عمدة دبي المتحكمة بنبض شوارعها وأزقتها وأحاسيسها وانفعالاتها" إن شهرزاد هي التى تعرف مفاتيح الروح والقلب.. وحين سكتت شهرزاد سكتت شوارع دبي..وحين تحزن شهرزاد تحزن دبي..المدن نساء والنساء مدن.. وتعود شهرزاد إلى دور الأم النصوح التي تخاف على سعادة بنتها من بلاعة العشق المجنون وتشور عليها بترك حب فتحي وتعويضه بالإدمان على العمل ليل نهار لتتخلص من قوى الهوى القاتل بخاصة وهي خيانة زوجية.

أما سهر فهي المقصودة أكثر من شهرزاد في هذا العمل، إذ تتحول من المذنبة إلى الضحية وتجعل الآخر يتعاطف معها، مع أن علاقتها بالصحفي المصري خيانة زوجية لا تقر بها ولا تقبلها أية ديانة سماوية أو عرف من الأعراف.. هي الفاتنة التي سلبت عقول آلاف الرجال قبل منقذ زوجها. وتبدو ظاهريا "أبرأ من براءة الملائكة والندى والأطفال"لكنها تقتل بفتنتها يوميا عشرات الرجال والشباب.. هكذا يصور السيد حافظ صورة المرأة فيعتبرها وطنا ومدينة ومسكنا ومرفأ، لكن عشرات النساء تسللن من ثقب روحه فلم يعد يتذكرنهن" وقد كانت مدن النساء تحاصره "وتحاصرني مدن نساء متآكلة الأحلام والرغبة والجنون.."

 لكن الوطن على الرغم من خيانته له لا يزال يعشقه؛ فهو العشق المنزه عن النسيان والإقصاء والانتقام فيستنكر التوبة والعدول عن عشقه" كيف أتوب عن عشق وطن زنت به كل الحضارات واحتُل 7 آلاف عاما.."عقد الكاتب مقابلة بين عشقين سكناه فيرجح في كل مرة كفة الوطن.. ونسيت أسماء نساء كثيرات مررن من ثقب الروح والقلب المجروح والعشق المفضوح..ولم أنس أن هذا البلد ذو الجورب المثقوب العطن أهانني طوال العمر.. وفي موضع آخر يجيب فتحي عن سؤال زوجته تهاني -هذه الغائبة الحاضرة بقوة التي تحس وتداري إحساسها نظرا لحبها المستميت لزوجها- إن كان لا يزال يحب مصر فيجيبها وقد غالبتها العبرات قدري أن أحب تلك الخائنة..

وانفجرت الدموع من عينه وهو يمضغ الطعام ببطء شديد..

  يحدث أن ييأس الكاتب من حب الوطن فيستبدله بحب النساء الذي يسهل عليه الظفر به لانه ملك راحتيه وعنفوانه وعطره، بينما الوطن بأياد أخرى تدنس أكثر مما تنظف وتطهر ولذلك يستسلم لسلطة الحب حيث الدفء والحنان "بينما الأوطان بمثابة أكفان "أنت وطني يا سهر وانا وطنك فهذه ليست أوطان بل أكفان ونخدع أنفسنا ونكذب..الحب أحلى وطن للانسان وليس المكان. الحب يبدأ بالنساء..وينتهى بحب الألوان."

وجد وفجر

وجد المرأة الأسطورية جمالا ورقة وعنادا وإصرارا يفوق التصور، وهي الروح الرابعة لسهر أي أنها نجمت عن سهر.. "كان ياما كان روحك الرابعة في جسد بنت تسمى وجد.." وهي بنت جارية تركية ببيت أحد الأثرياء الذي أعتقها وزوّجها من حلاق مصري إسمه عمار ظفر بها على إثر حلقه لياقوتي التاجر الثري بمهارة واحترافية فحرر جارية وزوجه إياها.

بزغ نجم وجد ووجهها يشع نورا، كما ينبعث من جسمها عطر له دخان خفي يثير الرجال ويضرم غيرة النساء فهي أعجوبة أقرتها القابلة يوم ميلادها "وجد.. كانت أعجوبة زمنها، فعطر جسدها دخان خفي يلهب جسد الرجال، ويشعل غيرة النساء..ففي لحظة ولادتها قالت القابلة (الداية) عندما رأت النور الذى يشع من وجهها ورائحة جسدها المعطرة وجمالها: البنت دي غريبة فيها سر, وريحة جسمها مسك.." لطالما يلجأ الكاتب إلى هذه التفاصيل الحجاجية التي تسهم في بناء الشخصية من جهة وتبرر مواقفها فيما بعد، إضافة إلى تهييء القارئ لقبول تصرفاتها وأفعالها حفاظا على التكنيك الروائي. ولذا نجدها فيما بعد يطلق عليها اسم "مسك" عوضا عن "وجد" ويفيد الكاتب على لسان شهرزاد باعتبارها قناة سردية أنها خُطبت منذ سن السابعة وكأن عطرها كان يلفح من يمر بجوارها، لكن أباها كان يرفض.

  ركز الكاتب على بعض جوانب المرأتين سهر ووجد ولم يجعل الثانية روحا للأولى هباء لكنه يركز على جمالهما الأخاذ وعلى استمالتهما للرجال بعطرهما وكلاهما تثيران غيرة النساء. ويل ذلك على أن السيد حافظ يعتني عناية خاصة بحبك العلاقات فيما بين الشخصيات حتى تبدو وكأنها نسيج حدثي محبوك بعناية. ص47

المدينة بـ " كل من عليها خان "

أ- الاسكندرية

قلت: سيدتي هو سر العاشقين.. قالت: أما زلت تترك للنساء عطرا.. وفكرا.. وجرحا قلت : كيف لعصفور قلق مثلى يجرح النور فالنساء نور..؟؟ ضحكت وأوقفت سياراتها وقالت إنزل.. لا أريد أن أضعف..قلت أنا الضعيف والعشق ضيف. قالت أرجوك إنزل حتى لا يشُدَّني الحنين..نزلت وسرت على الخليج..وجع الفضيلة جميل..

د. جميلة مصطفى الزقاي – الجزائر


السيرة الذاتية
الأستاذة الدكتورة / جميلة مصطفى الزقاي

الوظيفة: أستاذة جامعية باحثة في النقد المسرحي والسينمائي والأدبي والترجمة.

الدرجة العلمية: أستاذة دكتورة في النقد المسرحي.

·        رئيس المجلس العلمي لمعهد اللغة والأدب العربي بجامعة تيبازة بالجزائر.

·        المشاركة في الكثير من المهرجانات والملتقيات العلمية والأيام الدراسية الوطنية والدولية.

·        عضو في أكثر من مخبر ومشاريع بحث.

·        عضو منظم للكثير من الندوات والأيام الدراسية والمؤتمرات والملتقيات الوطنية والدولية.

·        عضو ورئيس باللجان العلمية للكثير من الملتقيات العلمية والندوات الدولية.

·        عضو بلجان التحكيم بمهرجانات وطنية ودولية.

·        رئيس لأكثر من لجنة من لجان التحكيم بمهرجانات جزائرية.

·        عضو بلجان مسابقات التاليف الوطنية والدولية.

·        عضو في اللجنة العليا لـ "عام المرأة في المسرح العربي" بالهيئة العربية للمسرح بالشارقة نوفمبر 2011 إلى غاية 2013.

·        من خبراء المسرح المدرسي وعضو بلجنة متابعة مشروع تنمية وتطوير المسرح المدرسي الذي تتبناه الهيئة العربية للمسرح برعاية سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي 2014إلى غاية اليوم.

·        لها الكثير من الأبحاث والدراسات النقدية والعلمية المنشورة بالعديد من المجلات الوطنية والدولية المحكمة وغير المحكمة.

·        لها ثلة من الكتب المنشورة في النقد المسرحي والسينمائي والترجمة..


 



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More