دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 89 )
" كابتشينو ".. والهروب بين صهلتين
بقلم: دينا نبيل عبد الرحمن
دراسة من كتاب
((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))
" الجزء الأول "
إعداد وتقديم
نـجـاة صـادق الجشـعمى
" كابتشينو ".. والهروب بين صهلتين
بقلم: دينا نبيل عبد الرحمن
" توت ".. أنت ساحر وشاعر وأنا لست من السحرة.. أرانى أحتاجك..
- أنت تقع بين الإيمان والعشق !
صهل " برق " صهلتين.. * "
بين سحر الحب الإلهي وسحر الحب الإنساني، بين الإيمان والعشق تأخذنا رواية " كابتشينو " في رحلة إلى خفايا الذات الإنسانية عندما تترنح فوق جبال الكبرياء وعند ضفاف التنازل، عندها تكون المقامرة بالحق تمجيداً لأصنام فارغة. إنه خطاب سردي واقعي ذو لمسات رومانسية صوفية رقراقة تتسم بها رواية " كابتشينو "، لتحكي معاناة إنسانية تتكرر عبر العصور ، تتمثل في وقوف الإنسان أمام قوى فساد تفوق احتماله ، فلا تكون وسيلة للنجاة سوى الهروب والتخلي عن الأماني بغية التخلص من حياة منسية في وطن مهزوم، لتبدأ بعدها رحلة الصراع مع مستقبل مجهول في الغربة. فيقع الإنسان في صراع نفسي كبير بين " صهلتين " تتكرران كـــ " لازمة " دلالية عبر الرواية: الصهلة الأولى – عشق الإنسان وحبه للمكان بما فيه من ذكريات محفورة وأحلام مستقبلية ، وبين الصهلة الثانية – إيمانه بحقه في الحياة الكريمة دون التخلي عن مبادئه وعقائده ، إلا أن واقع الوطن الأليم يفرض على الإنسان الاختيار؛ فيكون مخيراً بين التنازل أو الهروب ؛ فيفر موسى عليه السلام ببني إسرائيل من بطش فرعون وظلمه مفارقاً مصر التي تربّى فيها وحارب مع جيشها ، ويفر فتحي رضوان خليل من فرعون معاصر تاركاً وراءه مصر الأم والحبيية بحثاً عن حرية وكرامة هلامية في الخليج. إن سمة " الهروب الجماعي " التي تسيطر على أغلب شخصيات الرواية ليست إلا محاولة للبحث عن الذات في ظل اغتراب وجودي يفقد الإنسان فيه الانتماء والسكينة الروحية، فتسافر " سهر " إلى الإمارات لا من أجل الزواج فحسب ، ولكن فراراً من أُطر وحدود تحجم روحها الطليقة الصافية ، والتي لم يستطع الزمن الوقوف أمامها ، فكانت تتناسخ عبر عصور سبعة من خلال أجساد فانية - بين زمن الفرسان وزمن الهزيمة المعاصرة في طرح ملحمي شديد الاتساع زمنياً ومكانياً.
تأتي رواية " كابتشينو " بنسيج حداثي تتعاشق فيه لوحات سردية وشعرية وتشكيلية في إيقاع متلاحق ، تذوب فيه الفوارق بين الزمان والمكان مما أكسب العمل عمقاً وأبعاداً جديدة ، فيتنقّل الكاتب برشاقة بين مصر والشام ، وبين العصر الفرعوني والعصر الحديث ، ومن ثمّ تتموضع ثيمة مجابهة الإنسان لعوامل الفساد وثورته عليها عبر الأزمان والأماكن المختلفة من أجل وطن أفضل ، ثم الهروب من واقع الاستبداد المرير طلباً لحياة حقيقية بعيداً عن براثن القهر في وطن يكره التغيير. إن الطرح الجرئ لمشاكل المجتمع السياسية والاقتصادية والأخلاقية ، يمكّن القارئ من القول بأنّ رواية " كابتشينو " إفراز حقيقي لأجواء ثورات الربيع العربي ، فلقد سبق إصدار هذه الرواية روايتان بعنوان " نسكافيه " و" قهوة سادة " ، وبالرغم من اتفاقهما في أكثر من ملمح مع رواية " كابتشينو " - لاسيما في المسحة الشعرية والصوفية وتقطيع مشاهد الرواية على نحو المشاهد المسرحية - إلا أنّ رواية " كابتشينو " تتمظهر فيها ملامح " الأدب الثوري " الذي يتسم بالعقلانية والعمق في الطرح ، فهي لا تتعرض لإثارة انفعالات المتلقي من خلال دغدغة مشاعره عبر عبارات ثورية أو محض انقلابات تقوم بها الشخصيات الرئيسة لتغير مسار الحدث ، وإنما تتناول بهدوء ونضج مشاكل المجتمع العربي عامة والمصري خاصة ومواجهته بحقيقته بعيداً عن المحاباة بغية تغيير الواقع المهزوم ؛ فتتناول المشاكل السياسية التي حولت المنطقة إلى أرض نزال وصراع بين القوى السياسية والرأسمالية مما أنبت الوساطة والفهلوة والسرقة التي أسقطت الإنسان البسيط ، وجعلته فريسة للفاقة والجري وراء الرزق في زمن تبدلت فيه القيم. إن ما قام به الكاتب الكبير السيد حافظ - ذو الباع الطويل في الأدب والصحافة - أشبه بمواجهة الذات ووضع القارئ أمام نفسه في المرآة ومحاولة الإمساك بالزمن عن الجريان والتوقف للتثبت من موضع الأقدام وموقع الإنسان المصري من ماضيه وحاضره وسط الأمم ، لذا يمكن عدّ الرواية تمثيلاً لما يعرف بـــ " أدب الثورة ". ونتيجة لذلك ، تثير الرواية " رغاوي الكابتشينو" الخاوية وفقاعاته الخادعة حول شعارات مزوقة وأفكار بالية تدفع بأبنائه إلى البحث عن حقيقة وجودهم في وسط زخم من أحلام زئبقية يرسمها فراعين نصبوا أنفسهم زعماء، فيكشف الكاتب برؤية واعية عبر تأملاته في الكتب المقدسة والتاريخ والتوثيق الصحفي، داء الواقع وينفذ إلى جذور المشكلة ويطرح طرق علاجها بعيداً عن أوهام سطحية طافية في فنجان كابتشينو.
وقد استعان الكاتب في النص بالهامش المذيل لصفحات الرواية ، مما أكسب النص حميمية تخفف من وطأة الشحن النفسي الحاصل للقارئ نتيجة تلاحق الإيقاع وتأزم الأحداث ، كما يسهم الهامش أيضاً في تقديم أنموذج حي وصادق لمعاناة الإنسان - لاسيما المبدع في الوطن العربي - عبر الخواطر التي يمررها الكاتب للقارئ ، مما يدعم ثيمة النص. كما تتعرض الرواية لكثير من المشاهد الشاعرية التي تأتي لتكملة الجزء السابق - رواية " قهوة سادة " - ، إلا أن رواية " كابتشينو " يشتد فيها التلاحم بين المشاهد كما تزداد رقتها وحميميتها كمشاهد رقص " كاظم " و" سهر " فوق الجبل ، وإعلانه حبه أمامها ، كما تتكرر تلك المشاهد بين " نور " و" محب " في صراع أشد قوة بين الإيمان والكفر ، مما يمكّن الكاتب من امتلاك عنصر التشويق وانفعالات المتلقي كي يستطيع تمرير رسالته بصورة خفية .
وأخيراً ، إن رواية " كابتشينو " عمل أدبي يسعى نحو الكمال في الشكل والمضمون ، فلا يكتفي الكاتب بتضفير أكثر من جنس أدبي وفني داخل الرواية - إذ لم يضعها اعتباطياً - وإنما لخلق طريقة جديدة في قراءة نصوص مشابهة ، فيجمع القارئ الخيوط ، ويقرأ السرد إلى جانب الشعر واللوحات التشكيلية ، ليس بهدف الإمتاع الذوقي فحسب وإنما لتقريب الثيمة أكثر ما يكون ، إذ أن الكاتب تناولها بطرح جديد يعمد إلى الجدية في المعالجة ، وتلمس خفايا كثيراً ما تم التعتيم عليها حتى بلغت شأن التابو. لقد كان طرح الكاتب لثيمة " الهروب " من الواقع عند الوقوع في الصراع بين " الصهلتين " - العشق والإيمان - إظهاراً لحقيقة الأوضاع التي تزج بالإنسان إلى ترك الوطن إثر عدم التمكن من الجمع بين الاثنين .
السيرة الذاتية
دينا نبيل عبد الرحمن إبراهيم
تاريخ الميلاد: 10/8/1984
الجنسية: مصرية
العنوان البريدي: شارع إسماعيل حلمي – ميدان فيكتور عمانويل، سموحة - الإسكندرية – جمهورية مصر العربية
الهاتف النقّال: +201223458486
المؤهل الدراسي: ليسانس آداب وتربية قسم لغة إنجليزية جامعة الأسكندرية 2005
· طالبة ماجستير، شعبة الأدب الإنجليزي، كلية الآداب جامعة الإسكندرية.
· عضو بمختبر السرديات بمكتبة الأسكندرية
· نشر لي بعض الأعمال القصصية والنقدية على كتّاب الرواية والقصة المصرية والعراقية في جريدة (العراق اليوم) و(الاتحاد العراقية) ومجلة (آفاق أدبية) العراقية مجلة "رؤى ثقافية" بليبيا ومجلة (روافد) الإماراتية و(أخبار الأدب) المصرية و(الشعب الجديد) المصرية ، مجلة (الهلال)، و(مجلة إبداع) و(مجلة الرواية) و(مجلة المجلة) ومجلة (فصول) و(عالم الكتاب) الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب و(الثقافة الجديدة) الصادرة عن قصور الثقافة.
· فائزة بمسابقة " إطلالة " الأدبية للقصة القصيرة بمكتبة الأسكندرية.
· فائزة بمسابقة " دار ليليت " الأدبية للدراسات النقدية .
· حاصلة على درع المثقف للثقافة والأدب والفن 2013 من قِبل مؤسسة المثقف العربي كرمز "للمرأة الناقدة".
· فائزة بمسابقة مركز رامتان / طه حسين ، السنوية للشباب عن دورتها الرابعة عشرة لعام 2013 ، فرع الدراسات النقدية عن دراسة " ملامح الحكي الشعبي في رواية خالتي صفية والدير " للروائي الكبير بهاء طاهر.
· مشاركة في مجموعة قصصية "خمائل الواحة" الصادرة عن دار الجندي/ القدس، مع عدد من الكتاب العرب.
· صدر لي كتاب "بلورات سردية" مقالات ودراسات تطبيقية في نقد الرواية والقصة القصيرة ، عن المجلس الأعلى للثقافة، 2016.
0 التعليقات:
إرسال تعليق