دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 90)
قراءة نقدية في بنية النص الروائي
" رواية كابتشينو للسيد حافظ "
د. رشا غانم
دراسة من كتاب
((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))
" الجزء الأول "
إعداد وتقديم
نـجـاة صـادق الجشـعمى
كلمة عن الناقدة الدكتورة / رشا غانم
القلب لامس أطراف الورق.. فغار الغمام وحلق فوق البدر يستشفي قطرات الندى.. فرأى وجنتي البدر خلقت من ذهب.. فاصفرت الغيمة مما رأت بعينيها النرجسيتين وقرأت حروفاً من ذهب تتجدد مهما طمرها الدهر ونال منها الكيد والحسد ترتدي رداء العز رداء الشمس والشباب والنور والجمال والهوا فتنجلي وتبكي أيام الفراق السود وترق براءة الأخلاء وعهد التصابي فتهتز ويتغير مزاجها لأيام البيض وترتدي البهاء والحسن وتنشر نور الصباح وتهبنا أنفاس عبير نسيم العنبر..
الكلمة التي توثق بالورق تكون بمتناول القراء ليس هذا المهم لكن الهدف.. من هو القارئ؟ من هو المتلقي؟ هل تصل لك الصرخة التي أطلقها الحرف ونزف دماً وبيضت عينيه وأصبح الحرف كظيما..
المشروع السباعي للكاتب الروائي المسرحي (السيد حافظ) والمسرواية أو الرواية التي بين يدينا الآن.. (كابتيشنو) التي اختارتها الدكتورة (رشا غانم) الأستاذة في الجامعة الامريكية في مصر الحبيبة، مصر التاريخ الزاخر بالأدب والفنون والثقافة مصر التي عاشت السبع العجاف والشدة المستنصرية مصر المآذن والأهرامات مصر الجمال والذوق سباقة لمساعدة وحل القضايا العربية مصر المحروسة.. وطيبة مصر ما أدراك ما مصر! وهذا الجزء جزءاً من الإبداع الثري الكبير للكاتب الجوهرة (السيد حافظ) وروائع ماقدم في مشروعه السباعي بالإضافة إلى مالافات من عمره الإبداعي الغني بالإبداع الفكري والمعرفي وروائع الأحلام المؤرخة والموثقة والمعطرة برائحة البنفسج بعد أن كانت حروفا مبعثرة رسمها الكاتب المبدع بريشته الفنية وتقنيته فجمل الأوراق وزينها فقرأت أبجدية مشوقة وقصصا واقعية وأنا أرتشف المشروب الساخن المفضل في ليالي البرد التي بددت صمتي بتلك النقرات القوية.. على زجاج النافذة.. رفعت رأسي من الورق لأنظر عبر النافذة وجدت أن الشمس أوشكت أن تشرق.. فقررت أن أستريح قليلاً..
هل سأستريح؟
لا أظن بل كلي فضول لأعرف هذه الأبجدية وطعمها لأتذوقها.. هل ستكون تلك الحروف أكثر أناقة وجمالا؟ طبعاً ستكون أبجدية مثيرة عابثة شفية فاقدة السيطرة على نفسها أم البوح والعشق لسهر..
وفي نفس الوقت هذه الأبجدية طيبة عريقة تغضب تمرداً وعصياناً وترتبط وتوطد العلاقات بأواصر متينة لحب الأرض وعشق الوطن.. وتغضب الأبجدية مضمرة الحب والطاعة للقوانين والسيطرة لكن تعارض تراخي قبضة الأمن.. والإطاحة بالطمأنينة.. لم تعد الحروف متشائمة ولا حروف شغب بل حروف تنشد أن تنقشع العتمة من تلك الحروف.. (فالأبجدية الحافظية) تحدثنا أن الأيام اللعينة بحرص وتوضح لنا وقائع أشبه بكنوز فنخاف أحيانا عليها وربما نتجاهل بعضها وتشع بعضها كنبراس ينير طريق المثقفين والشباب ولا نستغرب حين نجد من يهتم بالشباب والشعر والوطن.. تناولت الدكتورة الناقدة (رشا غانم) أستاذة في الجامعة الامريكية في مصر فتستهل الحديث عن السرد المزاجي ممسكة بخيوط بنائه السردي الدرامي طبقاً لمعرفته الشعورية والثقافية التي يملكها فنلمح ذاتية الحكي تتآذر مع ما يخلقه لنفسه من سرد أكثر جرأة في أفكاره وطموحاته.. فيعري الواقع بكل تجلياته ويصوره تصويراً فنياً صادقاً استصقى فيه كل خبراته الحياتية ليجعله واقعاً نابضاً بالحياة مرتكزا على الحبكة الروائية بكل آليتها من الواقع والأحداث.. حيث يجعلنا في دهشة وإثارة مستمرة.. تبصرنا ببراعة هذا.. الكاتب اللعوب..
يقول: (نحن نتزوج كي نضاجع النساء شرعياً.. نتزوج كي ننجب أطفالاً.. عندما يكبرون يصبحون غرباء عنا.. نتزوج لنستقر ونبعد عن الشيطان.. نتزوج لنعرف سر الجنس والإنجاب.. نتزوج حتى نهرب من بيوت آهالينا.. وبعدها ننجب أطفالاً تكبر وتهرب منا..
هل هذه حقيقة أم خيال..؟؟
يقول: السيد حافظ صاحب الأبجدية والحرفية الرشيقة.. الكاتب يجب أن يتطور والمسرح غني بالإمكانيات ولكن سيظل البطل الحقيقي للرواية.. الكاتب شخصياً وهذا هو الأستاذ السيد حافظ.. بأسلوبه الساحر والساخر أحياناً.. مبهر مشوق.. خيالي واقعي.. وطني ثوري متمرد.. شيوعي يساري إسلامي متصوف.. يبغض الطائفية والانقسام يعشق الوطن حد الجنون وأحيانا البكاء..
ماذا يحدث لو احتسينا معاً كوباً ساخناً من الكابتشينو ونتحاور في شاعرية الرواية.. والقوافي التي أسدلها الكاتب لنا ليستنبط المعاني والحكم والمواعظ ما دل ويدل ويستدل به الكاتب ليستعيد الوطن وأرض الأجداد وليزرع الشكوك والظن في قلوب النساء والصمت أحياناً وسيلة لقتل المقابل وإن كان صاحب حق.. فالكاتب حقاً داهية ولعوب كما وصفته الناقدة العبقرية المبدعة بالنقد والأدب العربي (الدكتورة رشا غانم) هل تعجز الكلمات وتتعثر على شفتي أو تصرخ وتموت وتعاني من سكرات الموت أو تغلب عليها النعاس وتنام تحتضن الرواية.. لتحلم أنها البطلة والحبيبة لفتحي رضوان خليل.. أم هي شهرزاد العرافة.. تتوقف أنفاسي فاختنق من حروف الغدر التي تلفظها.. فأستيقظ وأبتسم أحس بالعطش فرأيتني أحلم بتلك الحروف الصاخبة غضباً وعشقاً لسهر..
فتقول الدكتورة والناقدة (رشا غانم) في الكاتب والشعر حاول الأستاذ السيد حافظ إيجاد عالم يعانق الحرف معانقة بديعة بالشعر فخرج في الرواية.. عالم ساحر غامض مليء بالأحاسيس والمشاعر الفياضة ليستدعي وجداننا.. الشعر وجمالياته ورؤيته.. فالشاعر (عبد العزيز المقالح) يقول: حتى غدونا أمام الناس مهزلة منا الضحايا كما منا المساكينا.. فالنص الشعري وظفه الكاتب للنص الروائي سواء كتب باللغة الفصحى أو باللهجة العامية..
تذكر وتؤكد الناقدة الدكتورة على الفن التشكيلي الذي يسير في أغوار الكاتب الدفينة ليس اعتباطاً بل لرؤية فنية وفكرية للعالم والواقع.. فمن خلال إبداع الكاتب وحصاده الفكري عبر سني عمره نسج وشكل له عالم خاص به وأبجدية متميزة.. وتعرية المستور للعالم المزيف الملئ بالشر والبؤس والشقاء.. في مجتمع يقمع المرأه ويمجد الذكورية..
ولن تنسى الناقدة الدكتورة.. الهوامش في الرواية فتقول:
إن الكاتب يمتلك ثقافة فكرية ففي تلك الهوامش يتعانق الهامش مع النص.. أو يعيد في المتن ما قاله في الهامش فكان النص ثرياً لغوياً واقعياً.. عرض صور واقعية حية نابضة تشفي الغليل.. نطق الحجر واستعاد السليب مازال رنين الحرف يفقدني الأمل ويتزايد إصراري بالصبر
هل سيتبدل حالي..؟؟
أم أقبل بالذل والعتاب وهو يرتوي من صرخات عذابي.. هل زالت نخوة الجاني.. تضرعت له بكل الحروف لعله يرجع.. لكن تضرعي زاده عبودية وإصراراً.. لجأت لخريطة العراق.. قبلتها.. وهمست للبصرة.. بأعلى صوتي.. الرحمة.. الرحمة.. لن أقبل الذل ولم أقبِّل الأقدام.. لجنة رسمت لي زيفاً.. فسلبت أموالي.. وأدمعي من عيني حفرت أنهاراً.. فاضت وطوقتني.. بالسيل..
فهل لي من قارب ذي شراع.. لأعلن استسلامي..؟
قراءة نقدية في بنية النص الروائي
" رواية كابتشينو للسيد حافظ "
د. رشا غانم
الجامعة الأمريكية-مصر
في سرد مزاجي يستهل الكاتب عتبة العُنوان لروايته كابتشينو ،هذا المشروب المزاجي أيضا ، وإذا كان من أهم سمات النص الروائي لا يكتب إلا بعد تأمل عميق فإننا حين نقف عند البنية السردية للرواية نجد المؤلف ممسكًا بخيوط بنائه السردي الدرامي طبقًا لمعرفته الشعورية ، والثقافية التي يملكها فنلمح ذاتية في الحكي تتآذر مع ما يخلقه لنفسه من سرد أكثر جرأة ،في أفكاره، وطموحاته،فيعري الواقع بكل تجلياته ،ويصوره تصويرا فنيا صادقا استقصى فيه كل خبراته الحياتية،ليجعله واقعا نابضا بالحياة،مرتكزا على الحبكة الروائية بكل آليتها من الوقائع والأحداث، والمصادفات،حيث يجعلنا في حالة دهشة ،وإثارة مستمرة تبصرنا ببراعة هذا الكاتب اللعوب.
تنهض البنية الروائية في "كابتشينو" على حكاية إطارية هي حكاية الراوي التي تتداخل مع حكايات أخرى نجدها تلتقي بالبنية الحكائية لألف ليلة وليلة بوصفها تتشابك مغ غيرها من الحكايات داخل هذا الإطار ،كما أن بها تيمة دلالية منها (سكتت شهرزاد عن الكلام المباح) ولكنها ليست حكايات منفصلة مثلها فمن جهة أخرى تتجاوز هذا الإطار الموروث مندمجة بطريقة حكائية مشدودة كلها إلى الحكاية الرئيسية ،مثلها مثل وحدات الأرابيسك ،لا قيمة لأي واحدة منها بمعزل عن الآخرى.
تعد هذه الرواية بتقنياتها السردية رواية حداثية تستنكه الأبعاد الغائرة للراوي وما يحيط به من شخوص وأماكن وأزمنة ، ،تتلاقى فيها الحكايات والحوارات التي يفيض بها وعي الراوي.
ويأتي البناء السردي لشخصيات الرواية حيث تحتل شخصيات النساء حيزا كبيرا في السرد ،فنجد شخصية "شهرزاد"وتمثل دور راوي رئيس في الرواية نجدها تبرز المرأة بكل أصنافها فهي امرأة محنكة خبيرة بكل أساليب الحياة ،دوما يأتي إليها الناس للتزود بالمعرفة،فالنساء يعرفن منها ، كيف يعاملن الرجال؟ والرجال يأتون إليها لمثل هذا السبب وأكثر فالأول، حينما أتى إليها مكرم أبو الشوارب يستفسر كيف يقضي ليلة مع زوجته فأعطته الحل في ثلاث خطوات سردها الكاتب بطريقة مشوقة تنبئ عن براعته وتمرسه في الفن الحكائي، والثاني قد يتجاوز سبب المجيء إليها،عندما حاول المختار(أبو وردة زوجة كاظم) أن يحظى بوقت جميل مع امرأة يجدها بكل تفاصيلها تختلف عن كل نساء القرية ، ولكنها بخبرتها في معاملة الرجال لمحت شرارة الشهوة في عينه فردَّته خائبا .
وشخصية سهر البنت الحالمة الوادعة في دنيا الحب هذا العالم البرّاق الملىء بقصص الأعاجيب لكل بنت ،وقد أثارت شهيتها للحب قصة نور ومحب التي تحكيها لها خالتها شهرزاد ،ولكنها في نفس الوقت أكثر تمردا لواقعها الذي تعيش فيه هي تريد أن تطير مع عصفورها هي تعرف أن النساء نغمات وليست لحما وعظاما"، فهي ليست كالدجاجة التي تنتظر الديك "كاظم إذا تزوجها ستصبح دجاحة في عشة تنتظر الديك كل مساء" .
أما عالم الشعر الذي زجَّ به الكاتب في الرواية فهو عالم ساحر غامض ملئ بالأحاسيس والمشاعر الفياضة؛ ليستدعي وجداننا الشعر وجمالياته ورؤيته للواقع ،فالشاعر عبد العزيز المقالح يقول:حتى غدونا أمام الناس مهزلة منا الضحايا كما منا المساكينا"
نجد فتحي رضوان خليل وهو راوي رئيس في كابتشينو يقول في نفس الصفحة في معانقة بديعة يتعانق فيها النص الشعري بالنص الروائي "رفضت مع الوطن العربي أمضغ لحم الهزيمة المُرة والانتصار المزيف ،أتشدق بالكلمات بين فخدّي الصحف الخاوية". ،فهنا النص الشعري معنيا بتوظيف النص السردي،حيث تتواتر نصوص لشعراء كثيرين ،قدامى ومعاصرين،سواء من الشعر المكتوب بالفصحى أو المكتوب بالعامية ،فكل هذه النصوص واستدعائها مرهون بوظيفتها السردية.
يقف الكاتب عند الفن التشكيلي يسبر أغواره الدفينة وليس اعتباطيا أن يعرض للوحات تشكيلية كثيرة ، فقد عبَّر عن رؤية فنية ،ورؤية فكرية للعالم والواقع بشكل عام، خلال سنوات من إبداعاته وحصاده الفكري، التي شكّلت له عالما خاصا يختلف عن عوالم الآخرين كما حلل لوحات تشكيلية لسلمان المالك يظهر فيها "أن رأس المرأة في لوحاته قد اختفت ملامحها ،وصار الجسد أقوى تأثيرا وتواجدا كأن الرجل العربي لا يهتم بها عقلا،وهو تعبير عن الحالة الذكورية التي تتعامل مع المرأة العربية".
فكأن تحليل مثل تلك اللوحات يوجهنا إلى سلبيات المجتمع الذي يقمع المرأة ويسيطر عليه الثقافة الذكورية ،فالكاتب يعري المستور ويكشفه مبينا طبيعة بعض المجتمعات العربية في تعاملها مع المرأة ويعرضه بأسلوب شيق جميل .
تمثل رواية كابتشينو محاولة يسرح بها الكاتب في عالمه الخاص؛ ليحل فيه كل المشكلات التي ضاق بها واقعه مرتديا بعض الوقت ثوب الصوفية ليبعد عن هذا العالم المزيف الملئ بالشر والبؤس والشقاء إلى عالم أكثر روحانية وجمال وصفاء ،وكأنه يشحذ طاقاته الإبداعية ليعود بها مرة أخرى يثري النص السردي ببصمته المتفردة في الفن الروائي.
يبحث الكاتب في سرده الروائي عن اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة "في ظني أني أبحث عن مدينة فاضلة "لأنه" المواطن العربي المقهور ، أو السندباد الذي كسر مراكبه ابتلاء وراء ابتلاء ، ليعرض لنا الواقع المصري والعربي بكل تناقضاته واستلابه للحريات وإهداره للمواهب ، فكان الهروب حلا ليبعد عن الواقع ومآسيه. مؤكدا أننا نحتاج إلى ضمير وطني لحماية هجرة المبدعين العرب ويترك لنا الدعوة مفتوحة لعلها قد تتحقق في يوم ما.
ينبئ هامش الرواية عن تمتع الكاتب بثقافة جمة فأحيانا يتعانق الهامش مع النص ويختلط به،أو يعيد في المتن ما قاله في الهامش، أو ليس له أية علاقة به ولكنه عرض لنماذج وأحداث وتجارب حياتية كثيرة، مما زاد النص الروائي ثراء لغويا تتعانق معه أحداث كثيرة تعري الواقع في صورة حية نابضة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق