دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 94 )
قهوة سادة بين التجريب والتشتيت
بقلم رضوى جابر - الاسكندرية
دراسة من كتاب
((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))
" الجزء الأول "
إعداد وتقديم
نـجـاة صـادق الجشـعمى
قهوة سادة بين التجريب والتشتيت
بقلم رضوى جابر - الاسكندرية
كلنا نعلم ان الرواية التقليدية أو الكلاسيكية لها معايرها الخاصة بها لا يمكن الإخلال بعامود من أعمدة الرواية أو حذف أحداهم فنجد ان أعمدة الرواية معروفة للجميع (الزمان - المكان - الحدث - الحبكة - العقدة - الشخصية - الحوار- النهاية )
هذه قواعد الرواية المتعارف عليها وجدناها في الروايات التقليدية وخاصة في روايات نجيب محفوظ هي مثال الرواية التقليدية بامتياز.
أما عن الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها هي قهوة سادة رواية ذات طابع خاص اتسمت بالمظهر الجديد لشكل الرواية الجديدة لم يتخذ هذا الشكل روائيين كثر أنما تحلي به السيد حافظ وهو رائد المسرح التجريبي في مصر ، رواية قهوة سادة تميزت بكل عناصر الرواية التقليدية (من الزمن والمكان والحدث والحبكة والعقدة والحوار والشخصية والنهاية )
كما زاد فيها مظاهر أخري دخول الشعر في مواضع بعينها الإتيان ببعض الأحداث التاريخية كتصحيح وتوثيق لبعض التاريخ تنوعت في هذه الرواية أسلوب السرد فلم يقتصر علي سرد متواصل ممل تقليدي أنما قسم علي الهيئة أو الشكل الدرامي المسرحي ولما لا فالسيد حافظ هو الجدير بذلك الأمر ، حين نجد ان السيد حافظ اتبع في روايته قهوة سادة هذه التقنية الجديدة تحيلنا إلي مدخل العمل الأول بعد العنوان وهو الإهداء قال في آخر مقطع منه "هذه الرواية بحثا عن روح مصر المتخاذلة سبعة آلاف عام وبحثا عن روح مصر أخري للإنسان فيها معني وقيمة وحضارة حقيقة فعلا وقولا "
هذا هو إهداء الكاتب للقارئ وكأنه يرشده عن ما يدور داخل الرواية ولما أورد ما أورده داخل عمله من مقتبسات تاريخية وأحداث تاريخية معروفة عند اغلب المثقفين أو من عاشوا تلك الحقبة من الزمن فنجد هدف الكاتب من ما أورده هو تذكير القارئ وجعله ملم بأحداث تلك الفترة أو محاولة لتصحيح ما يمكن ان يكون خطأ عند بعض القراء من تخبط في المعلومات حينها ، السيد حافظ في كتاباته عامة لم يكن مؤرخا قط وإنما جاء مصحح ومذكر للتاريخ من الوجه الصحيح له وليس كما درسناه أو تم زجه في عقولنا بصيغة خاطئة ، ولكن بالنظر إلي ما أورده السيد حافظ في روايته وهذه التقنية الملموسة بشكل واضح يتردد في نفسنا سؤال هام ما دلالة ذكر الأحداث والمقتبسات والحقائق والأشعار الموحية أو المتصلة بالأحداث من قريب أو من بعيد فما دلالة دخول كل هذه النقاط أو الأساليب الجديدة داخل النص؟ كما نوهنا من قبل إلي الإهداء فهو مفتاح مميز في الرواية نجد ان الكاتب أراد البحث عن الحقيقة روح مصر المختفية بالتقارب بين الأحداث من خلال احدث 1967 م وأحداث العصر الفرعوني منذ سبعة آلاف سنة الربط الذي جاء في هذا العمل لم يكن محض صدفة أو استعراض من الكاتب بدون وجود دلالة واضحة - والكاتب في غنى عن استعراض لملكاته الخاصة في أسلوب السرد والتقنيات كما قولنا هو رائد التجريب - لذلك جاءت أحداث الرواية مرتبة ترتيب زمني منطقي ليحكي الكاتب قصتين سهر الروح التي يبدأ بها عمله منذ ان أصبحت طفلة ذات طابع أنثوي والحكاية الثانية هي نفر لتسير الحكايتين في مستوي سرد منظم ومنطقي ليتصاعد السرد في الحكايتين بشكل يجذب القارئ ليتخلل هذا السرد المنمق دون قطع فيه بعد المقتبسات والأحداث التاريخية والأشعار الموحية ذات الدلالة الهامة لتجد الكاتب ليس من محض الصدفة ان يضع مثل هذه الفقرات أنما ليزيد من عمق الدلالة والوضوح والتعمق في المعني ليرسم للقارئ لوحة أراد ان تكون مكتملة بنسيج واحد أحداث الرواية وخلفية لهذه الأحداث تتفاعل إيجابيا مع أحداث الرواية دون قطع في السرد وفصل عنه بل علي العكس إضافة له وكأنها خلفية أساسية متفاعلة إيجابيا مع العمل ذاته لتكمل جمال ورونق اللوحة المرسومة التي أراد السيد حافظ ان يوضحها للقارئ من هنا يمكن القول في هذه الجزئية تحديدا ان السيد حافظ بحث منذ أول العمل عن الروح ولكي نبحث عن الروح لابد ان يرسم كل ملامح العمل بشكل دقيق وسرد شيق مع دس بين سطور وصفحات العمل الحقيقة الكاملة عن الحقبة التي أراد الكاتب ان تكون هي الزمن لأحداث روايته .لذلك نجد ان تقنية السيد حافظ كانت لابد منها في عمل كهذا ولأنه لم يخل بقواعد الرواية التقليدية ولا الرواية الحديثة وإنما زادت التقنيات الكتابية التي يمكن للكاتب ان يتخذها شكلا للكتابة فيما بعد فهل يعد هذا إخلال بالرواية المتعارف عليها حين يريد الكاتب ان يرسم للقارئ اللوحة الكاملة من خلال أدواته وتجربته في (التجريب) ومن وجهه نظري أري ان السيد حافظ قام بمجازفة كبيرة حين طرح هذه التقنية علي الساحة الأدبية والإبداعية وهل سيتقبل القارئ ما يقدمه السيد حافظ من تقنية جديدة ،وهل يتقبل النقاد هذا النوع من الأسلوب الجديد وهل أيضا يحاولون تناول الأعمال من نفس المنظور القديم أري ان النقد مرن يلين مع النص ويتشكل معه وليس النص هو من يتشكل علي قوالب النقد ، لذلك فأسلوب السيد حافظ في كتاباته عامة من قهوة سادة وما بعدها وصولا إلي الروح الخامسة في (رواية حتي يطمئن قلبي ) هو أسلوب محير إلي لحظتنا هذه لذلك لا يمكن ان نناقش أعمال الأديب السيد حافظ من نفس منظور النقد المتعارف عليه ولان الأسلوب مبتكر وذات طابع سحري وجديد علي المتلقي وجب علينا ترسيخ لمعايير جديدة لنتناول بها هذه اللوحات المرسومة بشكل منمق ذات طابع عصري تقبله القارئ دون تشتيت أو ملل حين القراءة لأعماله عامة ، في كتابات السيد حافظ نجد ان الكاتب تنقل بين شخصياته بشكل بسيط مرن لم نشعر بقطع في الأحداث أو
محاولة لان تكون الشخصيتين الأساسيتين في الرواية منفصلين عن بعضهم هناك دائما شيء خفي دائما يربط بينهم ربما عادات تقاليد شكل خارجي أو ربما الروح لعب السيد حافظ في عمله علي هذه النقطة وهي الروح التي مازالت ولا تزال هي العنصر الأقوى داخل أعماله التي يسعدنا بها ، كما ذكرنا السيد حافظ ليس مؤرخا أنا مصححا للتاريخ المغلوط وهو ما صرح به في آخر أعماله ويمكن القول ان هذه المقولة قد تكون جاءت متأخرة ليكتبها الكاتب في آخر عمل صدر له منذ فترة قريبة وكان عليه ان يقول هذا منذ ان بدأ متوالية أو سلسة أعماله التي ذكر فيا ملامح التاريخ بشكل دقيق ليقول لكل من يقرأ انه مصحح لتاريخ مغلوط صُدر لكم ولم نحاول تصحيحه
لذلك لابد علي من يقرأ أعمال السيد الحافظ ان يتحلى بالحيادية والموضوعية وأيضا ان يكون صاحب وجهه نظر نقدية تبني علي دلائل من العمل وخارجه بحيث لا يصدر الأحكام بشكل انطباعي وهذا ليس تقليل من الرأي الانطباعي أو ما شابة حتي ان النقد الانطباعي أو الرأي الانطباعي نجده مهم، فالقارئ العادي له رأي انطباعي فيمكن ان يكون دراس لأي شيء ولا يفقه عن النقد شيء وانا هو متذوق للأعمال الإبداعية الجيدة وهو ما أعطي الثقة لأن يكتب السيد حافظ إبداعه بشيء من تصحيح التاريخ حتي وصل إلي (حتي يطمئن قلبي )مع وعد منه بالروح السادسة قريبا .
لذلك فالسيد حافظ أظنه في غني عن مدافع لأعماله بل من أراد التاريخ الصحيح اقرأ أرواح السيد حافظ داخل رواياته لتجد روحك وروح الوطن وروح التاريخ الضائعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق