Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

97 التَّماهي والاستلاب بين الذات الفردية ، والذَّات الجمعية: مقاربةٌ نقدية حول رواية " كل من عليها خان " بقلم د. كاميليا عبد الفتّاح

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 97 )

 

التَّماهي والاستلاب بين الذات الفردية ، والذَّات الجمعية:
مقاربةٌ نقدية حول رواية " كل من عليها خان "
للأديب الروائيِّ الكبير السيِّد حافظ
بقلم د. كاميليا عبد الفتّاح

دراسة من كتاب

((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))

" الجزء الأول "

إعداد وتقديم

نـجـاة صـادق الجشـعمى

 

 

 

 

كلمة عن الدكتورة / كاميليا عبد الفتاح

 

الواقع والخيال يدعم بعضهما الآخر رغم اختلاف الأزمان.. شخصية سهر التي خلفت النور بعطرها واندفع الموج في عيني من عشقها سكنت صورتها بدليل من أحبها كأنما يجلس على أريكة الغيم ويغني أنغام الحلم والأماني البسيطة والهواجس تداعب وسادة فتحي الذي لايرى غيرها.. فتحي العاشق والغارق والمتقد والمرهف والمشاكس والطفل المدلل المعاند.. لا يريد سوى سهر..

آه يا سهر..

سألتك هل تحبينني يا نفحة الروح؟.. لم تجيبي..

كل من سيقابلك في هذا الصباح وينظر في عينيك سيسألك مابك؟

أعترف أنك لن تجيبي.. لن تقولي عاشقة، لن تقولي غارقة في نهر الحب.. بل ستتكبري.. وتقولي متعبة قليلاً.. دائماً نخبئ الأشياء الثمينة والحقيقة.. وقمر الحب نواريه وضوؤه في عيوننا وبريقه..

وهل للقلب مأوى غير الحنين للذكريات الجميلة؟؟

هنا الكاتب الملهم والمحب العاشق.. فضل اللعب بذكاء ولبابة مع الشخصيات والقارئ.. بثقافته الفكرية ونسجه للنص الأدبي المتكامل في جميع المحاور وبالوعي المشترك.. للمتلقي والكاتب والنص.. هذا أضاف جمالية معرفية للنص مما كسب أو بالأصح صعد بالنص من الأدبية إلى الثقافية وأيضا ربط (الإشباع المعرفي بالمتعة الجمالية) هذا ما أشار له الأستاذ (محمد عبد المطلب) في القراءة الثقافية/ 30 ط المجلس الاعلى للثقافة

أشارت الدكتورة (كاميليا عبد الفتاح)

بقلمها البارع والساطع الصادق الصدوق والعاشق للحق والحرف.. فقدمت دراسات نقدية بقلمها المتألق للنصوص الأدبية المتميزة..

الدكتورة كاميليا.. أستاذ مساعد في تخصص الأدب الحديث والنقد وقد درست في جامعة الباحة سابقاً.. مع أنها أستاذة بارعة ناضجة الحرف والرؤية عاشقة للأبجدية والغوص فيها متخصصة بالمسك لتجمل النصوص بكلامها الرقيق فتتخذ مدخلاً لتبسط الترابط العميق والوثيق بعنوان دراستها للمسرواية (حتى يطمئن قلبي).

التعالق بين (الوطن، الكتابة، العشق) للكاتب الروائي (السيد حافظ) فتقول: السرد الروائي أنماط.. السرد الذاتي نمط أو مقولات الحكي حسب ما يسميها الناقد الفرنسي (جان بويون) مما دفعها إلى لعبة الخفاء والتجلي.. ومن خلال الكثافة واندفاع الأحداث وتضافرها ساعدت على إبراز الرؤية أو الأيديولوجية التي جسدها الكاتب في السرد الذاتي.. في مشروعه السباعي ومنها هذا الجزء أو النص أو حلقة من حلقات الأحداث..

الدكتورة كاميليا عبد الفتاح.. مضت بتيقن وإبداع وبلاغة معهودة بالثقة لقلمها الناطق الذي أينما حل بمداده أطربنا بفصاحة الحرف كالنسيم العليل فنلتقط الأنفاس بعد سبات وسهر الليالي فتهدينا السبل لنقذف الهموم والأوجاع مما طال الأبجدية العربية من أمراض وإرهاصات نحتت الحروف وأصيبت بالجفاف ولين العظام.. فنفرت الأقلام الصادقة والبارقة والمضيئة بجنون الحب والعشق للوطن والحبيبة.. ومما يضمرون للأبجدية المتألقة والجميلة مشانق الإعدام وعقارب وأفاعي الغدر يكيدون المكايد بجناح المودة والدواهي.. فيغرسون سمومهم هنا وهناك.. فقط من أجل النيل بالنص أو شخصية الكاتب..

أقول لهولاء الأشباه والأقزام الأدبية.. يوم لكم ويوم عليكم.. كيف يباح لكم من النيل وقتل الهرم.. في زمن أصم وأبكم والفطحل فيه يتهم.. فالوطن والاغتراب.. الوطن مرتكز عاطفي.. والاغتراب له آثار فكرية ونفسية ومكانية عند الكاتب بشخصية (فتحي رضوان خليل) فعشق الوطن فطري وروحي لدينا.. إذا كان هذا الوطن مستلب من مرتزقة وخونة منافقين ولصوص هم الرموز وقادة الوطن وأبناءه العبيد.. فتميز الكاتب وبرزت الصفة الإنسانية للكاتب الروائي العبقري حيث ذكر الوطن في النص وقال:

عندما سأله صديقه (يسري فايد) متى تحب مصر؟ فأجابه الأستاذ السيد حافظ قائلاً:

وتسألني ياصديقي متى تحب مصر؟ سأجيبك في الحال ياصديقي.. حين توفر لي مصر الخبز والدواء ومعاشي الشهري الآن 550 جنيهاً لا تكفي للعيش يومين.. وتسألني متى تحب مصر؟ حين توفر لي الكرامة وهي تهينني كل يوم.. وتسألني متى تحب مصر حين يكون لي مسرحية واحدة كل عام وكتاب واحد كل عام وليس كل عشر سنوات.. متى تحب مصر تسألني يايسري.. حين تحبني مصر. الحب من طرف واحد مشروع فاشل.. السؤال.. متى تحبني مصر ياصديقي ؟!!!!!

وأنا في سن السبعين.. أنا لم تتم دعوتي إلى مؤتمر في المجلس الأعلى للثقافة في مصر لمدة 50 سنة.. لم تتم دعوتي إلى (مؤتمر أدباء الأقاليم في الثقافة الجماهيرية) منذ عام 1969.. ولم يكرمني المسرح التجريبي لمدة 24 سنة وأنا أول من كتب للمسرح التجريبي نصاً في عام 1968 ويشهد الفنان (فاروق حسني) والشاعر سمير عابدين على ذلك:

قل لي متى تحبني مصر يا يسري فايد؟؟؟؟؟؟

مع كل هذه الكلمات التي نقرأها في الأبجدية الحافظية لكن حب مصر متجذر في روحه وعقله.. فيقول: (أنا غريب في دبي.. وغريب في بلادي.. مثل طير السمان.. أحب مصر والعرب رغم أنهما جثه عفنة لاتقدر على الطيران والحلم.. هذا وطن البهلونات والمرتزقة وقاطعي الطريق والقراصنة.. وطن ملوث بالحرب والسلام يعرف أن الله للقرآن في تسجيل.. وطن بدوي متخلف.. قاطع طريق الحجاج.. ويبقى الوطن سر عشق الحافظ.. ولاتستثني الناقدة الدكتورة كاميليا عبد الفتاح.. الهمسات والرموز التاريخية والشخصيات البارزة للسلام والسكينة والتصوف والسطوة العسكرية والأرواح التي كان الكاتب قد استحضرها حيث اعتبرها الكاتب رموزا للعشق المطلق الذي له تماس روحي لشخصية فتحي رضوان خليل.. من هؤلاء الأرواح.. إخناتون.. أبو ذر الغفاري.. جلال الدين الرومي.. ولا تهمل الناقدة تلك الفواصل والقصص القصيرة والحكايات داخل الحكاية لذلك أكدت الناقدة الدكتورة كاميليا عبد الفتاح) أن الكاتب أسطورة من أساطير هذا العصر حيث وظف ومزج الأجناس ما بين اللغة الفصحى والعامية ولهجات الشخصيات مع احتواء أزمنة التاريخ وسرد الوقائع وربط وجمع ما بين الواقع والرومانسية الحكي بشعرية اللغة في كل صورها مع أنه اجتاز وحطم التقليدية أي السرد باستخدامه الحكي داخل الحكي واعتماده الصورة التخيلية والإيقاع بحيث نقرأ رواية أو أكثر من رواية داخل الرواية الأصلية هذا هو ما امتاز به الكاتب (الأستاذ السيد حافظ) بالرؤية الفكرية والثقافة اللغوية والخبرة لمزج الأجناس الأدبية بحلتها الراقية والخبرة الشعورية والفكرية.

لله درك ما وضحت لنا من جماليات وإبداع للحرف العربي المعتل الذي سينهض بأقلامكن وتألقكن أيتها المتألقات بسماء الإبداع النقدي والأدبي الحديث..

يقول الحافظ في أبجديته الحافظية:

من يعطيني تفاؤل سيدنا إبراهيم (عليه السلام).. ولينين وناظم حكمت وجبران خليل جبران وجيفارا.. وينقذني من حيرة المتنبي وسيدنا موسى (عليه السلام) ورامبو وصلاح عبد الصبور.. وحزن السياب وهيرمان هسه وسيدنا محمد (صل الله عليه وسلم) ونجيب سرور وعبد الرزاق عبد الواحد.. من يمنحني صليب سيدنا عيسى (عليه السلام) وسحر بوذا وعصا سليمان أو تشيكوف أهش بها من يأسي.. من يمنحني حكمة طاغور والحلاج وبن عطاء الله السكندري؟؟

من يمنحني قميص (الحسين بن علي) عليه السلام

أتوارى به عن يزيد بن معاوية؟ من.. من ؟

من يمنحك كل هذا؟؟

الظالم..

لا يهدي

لا يمنح

ثوباً زاهياً.. بل

جروحاً وأرواحاً

تغيب

فلا تعبأ كثيراً

رسائلك أضواء

 سنابل صفراء

تصافح

توقد

الشموع لتقهر الظمأ

بقطرات الندى

لتتعافى

القلوب الجريحة

وتنتشل الأمل

لتقتطف الأحلام

قبلات طردتها شفاه

العاشقين

ممن سرقوا الوطن..

(نجاة صادق الجشعمي)


التَّماهي والاستلاب بين الذات الفردية ، والذَّات الجمعية:
مقاربةٌ نقدية حول رواية " كل من عليها خان "
للأديب الروائيِّ الكبير السيِّد حافظ
بقلم د. كاميليا عبد الفتّاح

الأستاذ المُساعد في جامعة الباحة (سابقًا)

 

  هذه الروايةُ تاريخُ ذاتٍ جمعيّة – هي مصر - وتاريخُ ذاتٍ فرديةٍ افتقدتْ الثقة بكثيرٍ من المُسلَّمات والثوابت التي تكفلُ لها اليقين والسَّلام؛ حيثُ شهدتْ الانهيارات الكبرى التي مرت بها مصرُ ، والمجتمعُ العربيُّ – على جميع الأصعدة – وتوصَّلت- عبر رؤية استبطانية - إلى أنَّ الخيانة هي العامل الأساسيّ وراء هذه الانهياراتِ . هذه الدلالة تتسيَّدُ الرواية بدءً من عتبة العنوان " كل من عليها خان ، والذي كُتبَ في صورتين - تؤكدُ كل منهما أن هيئةَ الكتابة جزءٌ من الأساليب الّلغوية في تشخيص الدلالة – الهيئةُ الأولى – على الغلاف الخارجي للرواية – كُتبَ فيها الفعل " خان " بخطٍ كبيرٍ وفي مستوىً أعلى بينما كُتبت بقية الجملة أسفل منه – بخطٍ أصغر، هكذا:

كل من عليها خان

هذه الهيئةُ تتعمَّد إبراز فعل " الخيانة " منفردًا - في سطر واحدٍ -عملاقًا بارزًا – من خلال كتابته بهذا الحجم الكبير – كما توحي بدلالتين ، الأولى: وجود خائنٌ مجهول قام بخيانة كلّ من عليها ، الثانية: افتراض وجود تقديم وتأخير في الجملة ؛ ومن ثم إسناد الفاعلية إلى " كلّ " . وفي الحالين يبرزُ فعلُ الخيانةِ سيّدَ المشهد ، وبؤرةَ الرؤية .

الصورة الثانية التي كُتب فيها العنوانُ صورة تقليدية بدت فيها أركانُ الجملةِ متساويةً في الوضعية الأفقية ، ومتساوية في حجم الخط: كل من عليها خان.

وقد طرح الروائي " السيد حافظ " ستة عناوين – فضلًا عن هذا العنوان الأساسيّ – منها : كل من عليها جبان ، كل من عليها بان ، كل من عليها هان ،وكلُّ هذه العناوينُ تُمثِّلُ في بنيتها التركيبية تناصًّا مع الآية القرآنية الكريمة " كل من عليها فان " . ورغمَّ أنَّ التناص مع الآية القرآنية اعتمدَ على المخالفة الظاهرية للدلالة الأصلية فيها – وهي الفناء – إلَّا أنَّه يُضمرُ هذه الدلالة ، ويستدعيها إشاريًّا من خلال هذه البدائل التي حلَّت محلَّ الفناء ، وأعني:

الخيانة ، الجبن ، الهوان ، الكشف (أو الافتضاح) ؛ فالخائنُ ، والجبانُ والذليلُ، والمُفتضحُ كياناتٌ إنسانية فانيةٌ ، على صعيد القيمِ – والقيمة – وفي ضمائر مجتمعاتهم ؛ وهكذا يبدو التَّماسُّ الإشاريّ مع دلالة الفناء - وهي الدلالة الأصلية للآية للقرآنية – وكأنّه طرحٌ جديد لمعنى الفناء ، هو: فناءُ المُتخلِّين عن قيمهم ورسالتهم ، والتزامهم .

·        الإيقاعُ الأساسيُّ لهذه الرواية هو الخيانةُ ؛ فهي إيقاعُ الأحداث ، والإيقاعُ النفسيّ للشخصيات ، وإيقاعُ ما يلي : الأماكن ، التّوقعات والتّربّص ، المشاعر والظنون ، و- كلِّ - ما يصدرُ من شخصيات الرواية من سلوكٍ، أو قولٍ ، وكلِّ ما يتعلّقُ بها من مساراتٍ نفسية، وتوجهات فكرية .

·          الزمانُ كيانٌ أساسيٌّ في تكوين هذه الرواية ؛ فهو الهيكلُ الفِقري للرواية التي تتوغلُ في تاريخ البشرية حتّى عهد آدم – بحثًا عن أصول الخيانة الإنسانية - كما امتدت إلى زمن الأسطورة ، وزمن الممالك القديمة ، وعهود الاحتلال التي تعرضت لها مصر ؛ لتسرد فصولًا - وألوانًا ومذاقات - من الخيانة التي نالت من تكوين الذاتين: الفردية و الجمعية . وقد وجد بعضُ الباحثين - كما تشيرُ د. أمينة رشيد في كتابها حول تشظّي الزمن في الرواية الحديثة – " أنَّ الرواياتِ التي موضوعها الزمن تعطي لمعضلة الزمن حلولًا متفوقةً على الحلولِ الفلسفية ؛ إذْ يستطيعُ الروائيُّ أن يصلَ إلى أعماقِ الزمن الإنسانيّ بالقدرِ الذي لم يستطعه الفيلسوف " ومن هنا نستطيعُ تبيَّن دلالات الخيانة – ومدى عمق هذه الدلالة – من خلال تتبّع المسار الزماني للرواية ؛ بما يوصلنا إلى أن الخيانةُ تتخذُ بعدًا دلاليًّا غير تقليدي ؛ وأنها لاتتوقفُ عند المدى الضيق – المُتدَاول – بل تتخذ دلالة عميقة ، معقَّدةً ؛ هي مزيجٌ من خيانة الآخر- في كلِّ صوره - وخيانة الذات – مع اتساع مدلولِها - حيثُ الذات جزءٌ من الآخر – فَتدلُّ على الفرديِّ والجمعيِّ - والآخر بعضٌ من الذات - فيدلّ على الفردي و الجمعي . والأديبُ الروائيُّ - السيّد حافظ - لم يكتف بإخضاع التاريخ الإنساني لهذه القراءة الخاصة - المتربّصة بفعل الخيانة وشواهدها فقط – بل أخضع تاريخ الوطن - لهذه القراءة - كما أخضعَ رموز السياسة والثقافة، والفكر والإبداع ؛ وأدانهم من خلال منظوره للخيانةِ؛ ومن ثمّ توجَّه بالإدانةِ إلى الخديوي إسماعيل، وجمال عبد النَّاصر ، والسادات ، والمشير عبد الحكيم عامر ، وكثيرٍ من الكُتّاب والنقّاد الكبار والمُثقَّفين ، والتّجار، و- كثيرٍ من - المشايخ ورجال الدين ، والجيش – لأنَّه حكمَ بدلا من أن يحمي – كما اتَّهم الشعب بالخيانةِ؛ لأنّه ارتضى التّبعية بدلا من أن يحرص على أن يكونَ محكومًا ، له حقوقُه وواجباتُه.

·        وهكذا نلاحظُ التَّماهي بين كثيرٍ من أحداث الرواية مع أحداث زمن القصِّ، من ذلك: سمات القائد السياسي ، مشاهد الجوع في مصر ، شحّ النيل ، انحدار الوضعية الثقافية في مصر.. ؛ بما يشيرُ إلى توظيف الكاتب لخاصية الإسقاط الاستعاريّ في هذه الرواية .

·        فضلًا عن التَّماس بين زمن القصِّ ، وزمن أحداث الرواية ، يرتكزُ الروائيُّ السيد حافظ على بعضِ السمات الآخرى التي تعدُّ علامةً فارقة للرواية الجديدة – التي ظهرت في الستينيات من القرن العشرين – ومنها: خاصية إدماج الوصف في السّرد - وكأنه جزءٌ منه – خلق الحبكةَ على نحوٍ غير تقليدي ، هو الارتكازُ على المُستدعى من الذاكرة ، وإشعال التشابكَ بين الراهنِ المُعاصر و الماضي ، مع اشتباكِ الأزمنة في ذاكرة الكاتب / الرّاوي ، وتجنّب النمط البِلزاكيّ في السّرد . أمَّا أبرزُ سمات الرواية الجديدة التي ارتكزُ عليها ، فهي: التَّطابق بين الرواية ، والأنا الرَّاوية لها .

·        ساهمت الإشارةُ الأسطوريّةُ َ في منح هذا الطرح الروائي المزيدَ من العمق الدلالي ؛ حيثُ انتظمَ الرواية المسارُ الفكري المائز لأسطورة " إيزيس " ، وأعني فكرة التمزّق – أو الضياع – ثم الانبعاث – أو العودة – فقد صوّر السيد حافظ الذات الإنسانية كيانًا يعاني التَّمزقِ والضياعِ منذ فجر التاريخ بما يعدُّ إشارةً استعاريّةً لشخصية أوزوريس ، بينما اتَّخذُ الوطنُ الأبعادَ الرمزية لإله الشرّ " ست " ، وبدَت الحبيبة / الأنثى – بل الحبُّ عامة – رمزًا لإيزيس " التي تجمعُ أشلاءَ الذات الممزقة المُستلبة بفعل الشتات المكاني والنّفسي.

·        أمَّا الخائنون في هذا الطرح فهُم كثرُ ؛ بما يؤكدُ أنَّ فعل الخيانة – بدلالته العميقة – جزءٌ من نسغ الوجودِ الإنساني – وجزءٌ أصيلٌ من تاريخ الإنسان - وقد تبوّأُ قابيل قائمة الخائنين في زاوية رؤيوية خاصة أدرج َ بها الكاتبُ قصة " قابيل وهابيل " في الشواهد الدالة على اتِّسام الجبلّة الإنسانية بالخيانة .

·        إنَّ البنية المعمارية – الفنيَّة - أو ما يُسمّى بـ " المعمار الروائيّ " – تحملُ تصوّر الكاتب لبنية المجتمع - وبنية الوجود الإنساني - و تصوّره للزمان والمكان في التحامهما - السرمدي – باعتبارهما حاويتين لهذا الوجود . وقد اشتملتْ هذه الروايةُ على أكثر من بنية فنيةٍ – وجنسٍ أدبيٍ – في داخلها ، بما زاد تكثيف العامل الزمني ، وساهم في طرح المزيد من الأصوات الإنسانية ، وهذا بدوره أضفى المزيدَ من الأبعاد التاريخية - والإنسانية - على دلالة الخيانة . من هذه الأجناس الأدبية التي تضمنتها الرواية: جنس المسرحية ، الشعر ، الشكل السينمائي ، الروايات المتعددة على لسان الأبطال، الحكاية التراثية، القصيدة الشعرية. وقد أضفت هذه النصوصُ الأدبية المتنوعة عمقًا حكائيًا على الرواية الأساسية التي بدتْ – بدورِها - وكأنها معادلٌ روائي حديثٌ لحكايات " ألف ليلة وليلة " - أو كأنّها امتدادٌ فنّيٌّ لهذه الحكايات – لتماسِّها الفني مع الفكرة الأساسية لها، وهي فكرة ُ التوالدُ الحكائيّ الموحي بالامتداد الّلَانهائيّ للزمن، والموحي – في الوقتِ ذاته – بتشابه الطبيعة الإنسانية وتكرار مواقفها في الخير والشر- رغم اختلاف الأجيال وتواليها - وكأنّ هذه الأجيال جيلٌ واحد.

·        وقد ارتكز الروائيُّ السيد حافظ على المعادل الموضوعي في طرح رؤيته الفكرية ، بما يتّضحُ منذ بدء السَّرد من خلالِ التَّماس بين السماتِ الشخصية للرَّاوي – ملامح التكوين - والسمات الشخصية لـ " فتحي رضوان خليل " ، فقد طرح نموذج خليل صوتًا راويًا ، وكاتبًا روائًّيّا، و صحفيا – حاملًا لسمات الشعراءِ وأشواقهم ورؤاهم – وهو ما وسم الرواية بشعرية السّرد إلى حدِّ لافتٍ – كما طرحَ رواية " فتحي رضوان "معادلًا سرديًّا لروايته الأساسية " كل من عليها خان " ؛ ومن ثمّ فنحنُ نتلقّى روايتين يلتقيانِ في مسارهما الرؤيويّ ، وهذا ما نجدُهُ في قولِ فتحي رضوان: " أنا القاصُّ والرائي ، والبعيدُ والدّاني " ، وهذه هي دلالة أحدِ عناوين التي يطرحُها السيد حافظ لروايته – وهو عنوان " الرَّائي - وكأنَّ " فتحي رضوان " هو الشاهدُ على التاريخ ، والشاهدَ على الوطن ، بل يبدو في كثيرٍ من مواضع الرواية رمزًا لمصر باعتبارها وطنًا مُستلبًا من الخائنين ، وطنًا متخبّطا يجهل المستقبلَ ؛ لا يملُكه.

·        تتميزُ الروايةُ بشعرية السَّردِ الطَّاغية – على مدار صفحاتها – والتي تتضحُ من خلالِ ما يلي: الارتكاز على المجاز ، الصور الشعرية المُتدفّقة، المفردات ذات السمت القرابيني الابتهالي المُتَمَاهي مع لغة الوجد الصوفي – وإيحاءات المعابد الفرعوينة – مع تجاوز منطق التوالي الزمني ، وتجاوز النّمو الخطِّيَّ للزمنِ و منطق الزمن السردي. ونُلاحظُ أنَّ هذه الشعرية الحُلمية َتستبطنُ نسغَ الجملة في موضعين – أو حالين – هما: مناجاة الوطن ، ومناجاة الحبيبة ، بما يطرحُ فرضية نقدية هي التماهي بين الأنثى – المعشوقة – والوطن ، في هذه الرؤية ، أو بين مصر ، وسهر ، وكذلك بين مصر ، ووجد .

·        جدلية المدن والنساء:

الوطنُ أرضُ الخرائب – وكذلك الواقع الإنساني عامة – في رواية السيد حافظ ، لكنه يستثني من منظومة القبح: المدنَ ، والنساء ، فكلٌّ منهما كيانٌ مفعمٌ بالجمال والشاعرية ، وكلاهما منبثق الحياة والحنانَ وسعادة الروح . وحين يمعنُ المُتلقّي في هذين الكيانين يتضحُ له مدى التَّماهي بينهما – في الرؤية الفكرية للكاتب – إلى الحدّ الذي تبدو فيه المدنُ نساءً مفعمةً بالجمالِ والفتنةِ والغواية ، كما تبدو النساءُ مدُنًا مفعمةً بالحيويةِ والصخب والحياةِ . المدنُ والنساءُ – في هذه الرؤية – هما مشاعلُ الرغبة، واستعارُ الغرائز ، وفتنةُ الحياة ؛ ومن هنا أفترضُ أنَّ شعرية السَّردِ – في هذه الرواية – تنبجسُ في المواضع التي تتسيّدُ فيها المدنُ والنساء. كما أن المدن والنساءَ هما وقودُ الصراع البشريّ – في الأرض – ومن ثمّ فهما المستثير لفعل الخيانة ؛ فالصراعُ البشري – منذ خلق الإنسان – صراعٌ حول النساء ، وحول المال والسلطة والجاه – وكلّ ذلك مزدهرٌ في المدن – وهكذا تبدو المدنُ والنساءُ كياناتٍ إشكالية ؛ مثيرةً للأضداد ؛ يبدوان كما تبدو الحياةُ الإنسانية في تناقضاتها .

·         وبعد، فإنَّ هذه المقاربة النقدية محاولةٌ للاقتراب من عوالم هذه الرواية، واستغوار زوايا الطرح النقديّ التي تُعدُ الناقد بدراساتٍ تحليلية ثريّةً على صعيد الرؤى ، وجماليات التشكيل اللغوي والأسلوبي . والبنية الفنية ، وتقنيات السرد ، وكيفية التشكيل الزمنيّ ، وغير ذلك من زوايا المعالجة النقدية لعوالم السّرد .




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More