دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 96 )
" كل من عليها فان"
البنية والدلالة وجماليات التشكيل
دكتورة: فايزة محمد سعد
دراسة من كتاب
((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))
" الجزء الأول "
إعداد وتقديم
نـجـاة صـادق الجشـعمى
كلمة عن الدكتورة / فايزة محمد سعد
لقد تمردت وأعترف حين قررت أن أجمع أبجديات الأقلام الثائرة والناقدة للواقع الفاسد في الوطن العربي.. والنقد الأدبي للنصوص التي برقت امامهن في الظلام حيث أطفأت الجمالية والتقنية النور صور واضحة وأخرى باهتة للأدباء والكتاب العرب سواء كان من نتكلم عنهم احتضوا بالشهرة أو من تملقوا للنظام الفاسد القائم الذي سمح لهم الفساد أن يشتري ضمائرهم الأدبية وأبجدياتهم اللغوية.. تحت ستار النقد الأدبي والتحفظ على بعض سلبيات الأعمال الفنية والأدبية وتنوع أجناسها.. فانطلقت المقالات والنصوص والقصص والمسرحيات والأشعار والكتب الأدبية الآخرى والسير الذاتية للأدباء بمهاجمة البعض ومساندة البعض الآخر.. هنا قررت بعد قراءتي الدراسات للناقدات البارعات وثاقبات البصيرة والمتمكنات بالثقافة اللغوية الخلاقة الجميلة.. فبرزت في رأسي وأنا أتصفح وأقرأ وأتابع بشغف وشبق هذه الكتابات للأديبات اللاهثات لتجديد الإبداع والجمال اللغوي.. فلم أفكر بالشهرة أو التملق وإنما لأستغيث وأطلب منهن التواجد المستمر لإثبات الذات العربية بالإبداع والتجديد للفكر واللغة والأدب الحديث المبني على أسس معرفية وثقافة لغوية تخدم الواقع وتعالج الأحداث والحوادث والمشاكل بكافة الجوانب الحياتية.. فأحسست أني في خطر كبير وتوقعت الأكثر أن يتم اغتيالي في أي لحظة أسهو أو أخطأ أمام هذه الكوكبة من المبدعات والمتألقات ودكاترة الدكاترة صاحبة القلم الشجي الصادق السلس والواضح الذي لا يعرف المجاملة والرياء.. القلم الذي خط وكتب ووضح وتحدث بصدق ووعي وكشف نقاط القوة الجمالية في الإبداع وأشاد بها.. ونقاد الغموض والإخفاق لكن بطريقة بناءة ليست هجومية فسطعت كلماتها برأسي صورة التلميذة والأستاذة.. فأصبحت في حالة انبهار تام بسبب ما قرأت من خطاباتها هنا في ( كل من عليها خان) حيث تطرقت وتفضلت مشكورة الدكتورة (فايزة محمد سعد) بتوضيحها أولاً.. كيفية السرد والحكي عند الكاتب وربط الأحداث ونسج الشخصيات والربط بين الزمان والمكان حيث تتماشى الأحداث وسرد الوقائع للأحداث بنفس الزمان والأماكن.. فمثلا ما يجري في بيت فتحي خليل رضوان.. وبيت سهر.. وشهرزاد.. والصحيفة.. والاستفزاز والإثارة فمن الضروري أن نتراجع وننحني لقلمك يادكاترة الدكاترة (الدكتورة فايزة محمد سعد) لما صال وجال وتألق في النهوض بالنقد الأدبي البناء ورفضه للخضوع الذي طالما طال أغلب الأقلام التي لم يسلم البعض من الأذى واللا مبالاة من النصوص الجميلة الراقية إبداعاً ولغةً وجمالية السرد والربط بين الأجناس الأدبية..
أكدت الدكتورة والناقدة (فايزة محمد سعد).. على الشخصيات عند الكاتب وتشابك الأحداث لكن ذكاءه وحبكته وعمله في الإذاعة والتلفاز وكتابته المسلسلات والمسرحيات والقصص القصيرة أظهرت حلة الإبداع وجلت الجمالية لأعماله فكثيراً ماكان يربط السرد بالقصص التاريخية وما حدث لمصر في عهد المستنصر بالله.. والشدة الفاطمية وما أصاب الناس والعامة من مجاعة واستبداد وعنف وقتل وكبت الحريات.. وتطرقت الدكتورة إلى خطوط الربط والنجاة لدى الكاتب (السيد حافظ) بين شهرزاد شهريار.. وشهرزاد سهر.. كاتمة الأسرار لسهر وتعلق شهريار بشهرزاد بعد أن أخذت تسرد له القصص والحكايات في ألف ليلة وليلة مما كان لها طوق نجاة من سيف السياف وتعلق بها شهريار الذي لن يسلم الجميع من الأذى واستمرت شهرزاد معه.. ونجت..
هنا رأيت أن أتدخل بدافع الحرص على جمالية وتألق الدراسات فجمعتها في هذا الكتيب البسيط حتى يكون كنز الكنوز النقدية للأدب والنصوص الأدبية العربية المتميزة بلمحات وملامح جمالية عربية وإنسانية المنطق.. لكن لا أخفيكم حرصي مقترن بالخوف محاولة التخفيف من وقع آرائكم لأنني لست من باب التخصص بالنقد لكن حباً وتعلقاً بالأدب والكتابة التي تداعب قلبي ومشاعري فحين أقرأ نصأ جميلاً تتدفق ينابيع دموعي وتختد أخاديد في وجهي دون أن أشعر بحرارتها وملوحتها.. علماً أن اختصاصي بعيد البعد عن الأدب والنقد.. إنني اختصاص تاريخ.. لكن أتذوق الكتابة وأكتب الشعر.. فأرجو أن تخلو أفكارنا من الخلافات الفكرية مثل الصراعات الفكرية والأدبية بل تتسم بالإحساس والجودة والجمال وإخلاء الأرض للافكار الخصبة ومراعاة مصالح الفكر والواقع لتحقيق الحياة والكريمة والتقدم والتطور في تداخل الأجناس الأدبية وربط الماضي بالحاضر ليشع المستقبل الأدبي والنقدي ويكون الهدف تحقيق النجاح واحتواء المتلقي وتشجيع الكاتب الروائي المتميز..
هنا سأتوقف قليلاً لأتابع تأثير كلماتك يا صاحبة القلم المتألق والواعظ والمنفذ لما يمليه ضميرك.. قرأت هنا في ما وثقت الدكتورة والناقدة (فايزة محمد سعد) حول الفواصل التي استخدمها الأستاذ الكاتب حيث كرر فاصل ونواصل.. سنعود للرواية فلا تبتعد.. فمثل هذه الفواصل أضافت روحا وجمالية أخرى حيث رفدنا ببعض المعلومات القيمة قد تكون اجتماعية وعلاقة جيران.. ربما حالات تسعفنا لإيجاد الحلول وأحياناً أخبار اقتصادية وسياسية ولم يبتعد الكاتب عن النصوص الدينية حيث استشهد ببعضها كالحوت والثعبان والديك والجن والكلاب.. وإلى آخره.
انطلقت الدكتورة والناقدة (فايزة محمد سعد) إلى الكلام والتأكيد على الدروز وكيف تنتقل الروح من الأب للابن واذا كانت الروح شريرة تمثلت بأمره وبقى الرجل هكذا.. استخدم الكاتب بذكاء تناسخ الأرواح في مشروعه السباعي ابتداءً من الروح الأولى لسهر إلى الروح الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة.. سهر الحب والعشق.. والجمال والعطر.. الإثارة والشبق.. الخيانة والسذاجة.. الحلال والحرام.. فتحي خليل وسيل الرجال والعشاق لسهر..
هنا وقفت أصابتني الدهشة على منصة الاعتراف.. نتنابذ ونهدد ونجاهر بالظلم والظن لمن أحلهن الله لنا ونرميهن بالريب والشكوك ونحن نعلم أنهن محصنات لا مسافحات.. هل أواصل الكلام أم أصمت..؟ هل أتخذ مكاني كامرأه وزوجة وأُم وأخت وإنسانة.. أم تطلب مني الإذعان والسكوت لملذات وشهوات الخيال والتقمص وتطلق علي رصاصات الغدر لتصيب قلبي وتهرع لعرين سهر وما أدراك ما سهر وبينما أنا أغيب عن الوعي.. يتراءى لي ذلك المفرش وقد لطخ بدماء الخيانة ويفر فتحي خليل رضوان من أمام أعين القراء والمعجبين إلى حضن الخيانة غير مبال بتهاني وما يحدث لها..
هل الزواج لدى فتحي خليل رضوان مهمة قابلة لتنفيذ الإعدام مع سبق الإصرار؟؟
أم حب سهر مهمة قابلة للتنفيذ بعد إزاحة الأثر؟؟
هل سيحقق مع فتحي خليل رضوان.. بجريمة الفاعل والمدبر للإزاحة..؟؟ الزوجة وإحلال العشيقة العاهرة التي شبقت الرجال بعشقها وخياناتها الكثيرة..
يا ليت يسمع صوت ضمير العتاب بداخله.. علما أنه يساعد بتوزيع مبالغ مالية بسيطة لبعض الأصدقاء إلا أنه لم يسأل الأرواح التي حلت برواياته لزهق من أسالت دماء القلوب.. فكل بطل من أبطالك أصبح مخلصاً وصاحب فكر مدمر.. لكن تذكر نظرات تهاني في دقائق التوديع الأخير لك.. كيف عكست أحاسيس عتاب ولوم وتأنيب..
قد يعود الكاتب كما تعود التنقل ما بين الإسكندية والقاهرة .. لكن كيف يعود بصورة دون صوت؟
بجهاز تسجيل مخابراتي؟
فسيسافر اليوم أو غداً أو قبل الغد.. إلى مكان ما ربما متفق عليه مسبقاً.. ربما كلف غيره للتنفيذ.. ليعود بالأسره الصغيرة التي تحسسه بالذنب.. ربما يعيد نجاة إلى القاهرة بعد تصفية متوقعة منذ أول اللحظات.. بالمراوغة والدهاء والمناورة..
لكن الكاتب واللبيب أحيانا يخدعه ذكاؤه.. كل ما تكسر وتحطم وغادر.. فالهمس والأعذار لا تشفع ولا تذر.. سنتابع الأحداث من بعد على شواطئ الابتعاد والندم همت بركوب قافلة الرحيل لتأخذها لمطار الوطن وتنهال عليها رصاصات الملثم بالثقافة والسمو والرفعة وصفرة الغدر لغربة امرأه وثقت بطائر الحب وأعطت وعداً ورسمت لوحة جميلة رائعة يسودها الوئام ولم تعرف الخصام..
أرسلت بصري إلى الشاطئ الآخر فشعرت بالأسف لأن بدت الأرض شبه بور خالية من موجات الإنسانية والتسامح المنشود رغم أن الناقدة الدكتورة أظهرت جوانب جمالية ولفتات تسامحية وأحاسيس متناثرة هنا وهناك.. كم أشفق على تلك النساء من الذين يتاجرون بالكلام بدكاكين الحب والغرام.. تتسارع دقات قلبي حين قرأت ما خط ونحت قلمك الشهي الشظي البهي الزهي الخطير أحيانا عندما يخاطب الجد والمجابهة والفصح فيكون منافساً خطيراً لابن رضوان.. فهو هنا يلاحق النساء ويطارد الحب مستهتراً مرة وصاحب صميم ومصمم على قراره يتصرف بما يقتمص من الشخصيات التي تهزه ويتأثر بها فينتحر بقصة حب.. فيتسرع بالقرار وداعاً للتسامح ويتهم بالتخاذل ويفرط بها.. ينفض كل شئ لكن الغضب لن يفارق القلوب..
هل تشعر الحبيبة بالإهانة بفداحة الاتهام المعلن عليها علما أنها بمفردها عزلاء دون أسلحة دفاعية ولا عونية (أي عون لها)
أستاذتي (الدكتورة والناقدة فايزة محمد سعد) سأصوغ كلمات قلمك المشرقة سواراً لمعصمي خشية أن أنسى نفسي عندما أتأملها.. سأصوغها كشذرات عقيق عتيقة وأنا أحتمي من أعين القراء وسؤالهم لي.. أنت الشجرة المورقة لنا باركك الله فيك فاخضري بأوراق الأدب والنقد الأدبي تألقي راسخة في أرض الأدب الخصب.. أأكون قد أحيت حرف قلمك المتألق ونص كاتبنا المبدع (السيد حافظ) في (كل من عليها خان)
فلابد من الإشادة هنا بالعثور على الإبداع المتخفي والتواصل مع التغير والتجانس في فنون الأدب للمسرواية.. نتواصل معا للإبداع جميعاً فحين نبلغ ذلك الجسر للتواصل ما بين ماضٍ مضمحل وحاضر مشرق لمستقبل متألق يتلألأ بالنور الساطع للأبجديات التي أبت التهاوي والسقوط فانطلقت بنرجسية الإبداع المذهل للمتلقي المتشوق بشغف لقراءة نصوص جميلة وأنيقة محاكة برونق وذكاء خارق يحكي بهمس الروح.. بزرع روعة المشاعر والأحاسيس اللاهثة لمصداقية القلوب الصافية.
ويبقى الأمل يراودنا بالإبداع والتجديد الذي طالما ابتسمنا لعبيره بارتياح واستقرار النبض في فضاء العشق وثمة همس يجري بنا فنغادر السقم بسلام من عمليات الغدر والخيانة للأوطان والأحزان للقلوب الطيبة الصافية بعد اجتياز الرحلات المدمرة للقيم الإنسانية فنجلس بعد فوات الآوان عند سماعنا صفرات الإنذار ونواقيس الحذر دون ربط أحزمة الأمان أو دون استخدام كمامات التنفس والوقاية من الهواء الملوث بالخبث والافتراء والتملق.. الآن أخي القارئ وأختي القارئة هل توافقني الرأي أستاذتي الدكتورة (فايزة محمد سعد) في تحضير مشروب المودة والمحبة للأدباء والنقاد من كلا الجنسين لتألق أقلامهم في سماء الإبداع بالأدب والنقد الأدبي.. فلنحضر الشيكولاتة مع كل نص جميل ونهديه للكاتب والروائي المبدع (السيد حافظ) ومن حذا حذوه.. فأستميحك عذراً إن تجاوزت بالكتابة حد الهلوسة الأدبية.. ليس تجاوزاً نقدياً ولا انتقاداً بل شغفاً بكلمات كتبت فنظرتها بقراءة دقت جدران قلبي بطرقها الإبداعي الجميل ولدورك الكبير في ذلك بأمانة أدبية ونقدية حملتيها على عاتقك فأبصم بصمة إعجاب لك في مجال الإبداع والتفاعل الآني مع الأحداث التي تجري ووصفك الجريء بالتعامل مع النص حسب رأيك الخاص في بعض المجالات التي تنخر الواقع إلى حد الرداءة مع العلم لا يعرفها إلا من عاشها بواقع مرير فكتبوا وأبدعوا في الفن والأدب.. فانعكست على نصوصهم الصوفية والفكاهة والمسرح والحكايات..
إلى أن نلتقي بنصوص راقية بالإبداع والتألق..
" كل من عليها فان"
البنية والدلالة وجماليات التشكيل
دكتورة: فايزة محمد سعد
" كل من عليها خان " هى أحدث الإبداعات الروائية للسيد حافظ الكاتب الروائي والمسرحي الذي قدم للمكتبة العربية ما يقارب الستين عملا إبداعيا متنوعا بين الرواية والمسرح والكتابة للطفل والمسلسلات الإذاعية والتليفزيونية.
وتعدّ هذه الرواية منعطفاً مهماً في مسيرة الكاتب الإبداعية فمن خلالها يواصل الكاتب نهجه فى تحديث بنيه السرد فى الرواية العربية موظفاً تراسل الفنون وتقاطعاتها مع الدراسات الإنسانية ليقدم للملتقى رؤية بينية تجمع بين السرد والشعر والدراما والتاريخ وعلم النفس.. فهي تعبير عما يمكن أن نطلق عليه سمة العصر حيث تذوب الحدود الفاصلة بين الفنون بعضها بعضاً، وبين الفنون والعلوم الإنسانية . فإذا كنا نعيش عصر "المعلوماتية" وتبادل الأفكار والتجارب الإنسانية فإن " كل من عليها فان" ترسخ قيمة تفاعل العمل الإبداعي مع معطيات الحياة ، وتعبر عن موقفه منها ؛ وهو ما يعبر عنه الكاتب تصريحاً في تقديمه الرواية إذ يقول:
" الرواية فى رأى العبد الفقير لله السيد حافظ هي سرد والسرد يعنى التاريخ والحكاية والزمن الإنسانى واللغة الحية التي تملك الدهشة الشاعرية وإذا أردت أن تكتب سردا اكتب شعرا . وإذا نقص ضلع من هذه القواعد لن تكون رواية بل حكاية ضعيفة " الرواية
يتسق عنوان الرواية سيميائيا مع الدلالة الكلية لبنية النص السردى إذ تتنوع أساليب الخيانة وأشكالها بدءًا من مستوى خيانة الذات الفردية لمبادئها وقيمها ومنطلقاتها الفكرية ، مروراً بخيانة الإنسان للآخر مثلاً في الخيانات الزوجية، والخيانات فى مجال العمل..وصولاً إلى الخيانة المجتمعية حيث تعلو مصلحة الفرد على مصلحة الوطن ، ومن ثم تنمو الديكتاتورية على أنقاض الشعوب المطحونة بالفقر والجهل والمرض، تلك الشعوب التى تمارس الخيانة أيضاً من خلال الصمت والخوف والسلبية.
وإذا كان العنوان " كل من عليها فان" هو العنوان الرسمي أو العنوان الأول المقترح فإن الروائي الذي يأبى إلا أن يكسر النمط ويخرج على المألوف فى محاولة لتجديد الخطاب الروائي يضع أمام المتلقي ستة اختيارات أخرى ويترك له حرية اختيار العنوان المناسب ؛ إذ يجعل المتلقي شريكاً وعنصراً فاعلاً في إبداع الدلالة فى النص السردي من خلال هذه المشاكسة الفنية غير المألوفة فى تاريخ الرواية العربية ؛ إذ يتوجه إلى القارئ متودداً إليه بخطاب مباشر من صديق لصديقه حيث يسر كل منهما للآخر ويبوح له بما فى نفسه: " صديقي القارئ يمكنك أن تختار عنواناً من السبعة وتبدأ في قراءة الرواية بالعنوان الذي اخترته أنت..دعك من اختيارى فأنت الآن شريكى."
ومن ثم فهي دعوة محفزة للقراءة ؛ إذ إن القارئ لن يستطيع اختيار العنوان إلا بعد الانتهاء من القراءة ليختار العنوان المناسب للنص الروائي.
أما العناوين المقترحة فهي على الترتيب: فنجان شاى العصر/ الراثى والبنفسج/ العصفور والبنفسج/ كل من عليها جبان/ كل من عليها هان/ كل من عليها بان.
وتتسق العناوين الثلاثة الأخيرة دلالياً مع العنوان الأول " كل من عليها خان" فى نقد لاذع لموقف الفرد والمجتمع إزاء اللحظة التاريخية وتفاعله السلبي معها.
أما " فنجان شاى العصر" فهو يميل دلالياً إلى بداية الزمن السردى فى الحكاية المركزية فى الرواية التى تتشعب فيها الحكايات وتتقاطع زمانياً ومكانياً ؛ إذ تبدأ شهرزاد حكاية "وجد وفجرو ثورة النساء" ، لتقص على سهر الشخصية المحورية الرئيسة فى النص السردى حكاية روحها الرابعة " وجد" وهما تحتسيان الشاى معا فى نادى الجولف بدبى بعد العصر. ومن ثم فإن فنجان شاى العصر يحيل دلالياً إلى بداية زمن القص للقصة المتولدة داخل الحكاية الإطار
" حكاية سهر".
أما العنوان الثاني " الراثى والبنفسج" فإنه يرد فى الرواية عنواناً للفصل الثانى من الرواية - إن جازلنا تقسيمها إلى فصول - وتحت هذا العنوان يستدعى قول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أنه سيحارب إسرائيل ومن وراء إسرائيل و يعلق الكاتب بأنه فشل فى أن يحارب الفقر وإسرائيل. وتتبادل فى النص السردى القصة التاريخية لبناء مدينة الإسكندرية من خلال فتحي رضوان خليل – ابن الإسكندرية ومنها ينطلق إلى رسم بدايات العلاقة بين فتحي وسهر التي يكنى عنها بالبنفسج . فالرائى هو فتحى رضوان الذي يقدم الكاتب من منظوره السردي تاريخ المدينة وما يموج به المجتمع الثقافي صراعات .
وأما " العصفور والبنفسج" فإنه يحيل دلالياً إلى تلك الأسطورة التى تحكى أن سهر أنثى أسطورية تفصد مسامها عطراً بدلاً من العرق ،فتجذب روح كل من يقترب منها ،وقد عشقها القمر منذ بداية الحكاية فى " قهوة سادة" وعشقها العصفور المسحور بعطرها وأنوثتها ، " وهذا ليس عصفورا بل قلب عاشق هائم بعشقك ياسهر ، المريد يسير والمراد يطير " قهوة سادة ص 239 وقد اعتادت سهر أن تحتضنه عند نومها.. وكانت هذه الرائحة مصدر جذب للطيور لتبنى أعشاشها فوق سطح الدار حيث كانت تختبئ وجد الروح الرابعة لسهر.. ومن ثم فإن العنوان على هذا النحو " العصفور والبنفسج" يحيل دلالياً إلى هذه الأسطورة التي تشكل محوراً مهماً وركيزة رئيسة بين ركائز الحكاية السردية
تتكون الرواية بنائياً من اثنى عشر فصلاً لا تحمل عناوين ولا أرقام ولكن يفصل الكاتب بينهما بصفحة بيضاء تحمل جملة واحدة: " فاصل ثم نواصل الرواية" ثم يشير للمتلقي إلى انتهاء الفاصل بصفحة بيضاء تتوسطها عبارة " عدنا للرواية ،اقرأ " ويشكل هذا التقسيم بنية منهجية يلزمها الروائي فى معمار النص السردي ولا يخرج عنها إلا فى مواضع محدودة؛ إذ يستأنف النص السردي بعد الفاصل الثاني والفاصل الرابع، والفاصل السادس، دون أية إشارة نصية إلى انتهاء الفاصل هذا من الناحية التقنية فى هيكلة الفواصل بين المشاهد الحكائية فى النص السردى، أما على مستوى البينة اللغوية فقد التزم الروائى عبارة " فاصل ونواصل مع الرواية لا تذهب بعيداً " فى صياغة الإشارة اللغوية لبداية الفاصل فى الفواصل جميعاً ماعدا الفاصل قبل الأخير، إذ استبدل بها عبارة " فاصل ونواصل لا تذهبوا بعيداً " وفى الفاصل الأخير إذ استبدل بها عبارة " فاصل ونواصل مع الرواية لا تذهب بعيداً " وهى جميعاً تؤدى الوظيفة اللغوية والسياقية نفسها ؛ فهى تنبه المتلقى إلى نهاية جزء من بنية السرد.
أما تقنيات الإشارة النصية للعودة متن السرد بعد الفاصل فقد تنوعت بين " عدنا للرواية، أقرأ " فى نهاية الفواصل الثمانية الأولى من النص السردي، و" عدنا من الفاصل أقرأ الرواية " بعد الفاصل التاسع و "عودة من الفاصل، تتابع الرواية " بعد الفاصل العاشر، و" عدنا إلى الرواية " بعد الفاصل الحادي عشر. وهى جميعاً على ما بينها من اختلافات طفيفة على مستوى البنية اللغوية تؤدى الوظيفة اللغوية والسياقية نفسها في الإشارة إلى انتهاء الفاصل واستئناف النص السردي.
وغير خفى تأثر الكاتب بتقنيات الكتابة " التليفزيونية أو الإذاعية " إذ قام بكتابة ستة مسلسلات تليفزيونية ، وستة مسلسلات إذاعية، وإذا كان المسلسل التلفزيوني أو الإذاعي يستغل هذه الفواصل في فقرات دعائية فإن الكاتب يقدم للمتلقي من خلال هذه الفواصل جرعات مكثفة من الإبداعات الفنية والقراءات الثقافية مما يجعلنا أمام عمل إبداعي يمثل نسيجاً منفرداً في الإبحار بالمتلقي عبر مسارات مختلفة متباينة سواء فى متن النص السردى أو فيما يقدمه من خلال هذه الفواصل.
يقدم الكاتب سبع مسرحيات تنتمي جميعاً إلى المسرح التجريبي الذى يجمع بين المونودراما ومسرح العبث يطلق عليها " مسرحية قصيرة جداً " وهى جميعاً دون عنوان وتستحق التوقف عندها طويلاً للدراسة والتحليل على مستوى الرسالة والتشكيل الفني إذ تشكل مثيرا لذائقة المتلقى أو الناقد المهتم بالنص المسرحي وتطوره.
ولا يفوت الكاتب أن يقدم من خلال هذه الفواصل قصة قصيرة جداً ، ليشبع ذائقة المتلقي الذي يتابع ما يمكن أن يطلق عليه " صيحات الكتابة القصصية " ، وما تموج به الساحة الأدبية من نماذج واتجاهات أدبية. هذا إلى جانب مقاطع من أغنيات زمن الفن الجميل لأم كلثوم وعبد الوهاب وكاظم الساهر، ولا يعدم المتلقي فى هذه الفواصل طوافاً فى الصحف المصرية وبعض أخبارها المتعلقة بالشأن الاجتماعي أو الشأن الثقافي أو الشأن الديني..
فهذه الفواصل تمثل نصوصا موازية ، و سباحة عقلية، ومتعة جمالية متعددة المشارب والاتجاهات يخاطب الكاتب من خلالها ذائقة المتلقي ، وينعش وعيه الثقافي ، ليضعه دائماً فى حالة جدلية بين الواقع والخيال أو بين ما هو عقلي وما هو جمالي.
وبينما يمثل محتوى الفواصل قطوفاً متناثرة على هذا النحو فإن الكاتب الحكاء المولع بلعبة السرد يضمن الفاصل حكاية جانبية من مذكرات فتحى رضوان عن جيرانه.وهى مجموعة من الحكايات لا يجمع بينها سوى المكان – بيت الحاج رضوان - وقد اختار الكاتب لها أغنية فيروز "نحن والقمر جيران" مضيفا إليها العنوان الشارح(جيران فتحى رضوان) وهى عبارة عن ثمانى حكايات تمثل كل منها حكاية أسرة من سكان بيت الحاج رضوان فى محرم بك بالإسكندرية ، وقد رتبها الكاتب بدءًا من الدور الأول – الحكاية الأولى – وصولاً إلى الحكاية الثامنة. وهى حكايات تتسم بالاستقصاء بالغ الدقة لشخصياتها وأبنائهم وأزواجهم.. لتشكل فى نهايتها قصة حي محرم بك وسكانه الذين يمثلون الطبقة الدنيا من المجتمع بمشكلاتهم التى يمكن تلخيصها جميعاً فى الفقر والجهل.
فإذا كان المتن الحكانى يقدم الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط بجمالها وروعتها وسحرها من خلال الرؤية السردية لشخصية فتحى رضوان خليل ، فإن مذكرات فتحى عن حى محرم بك تقدم الوجه الآخر لهذه الساحرة.
المتن الحكائى:
تشكل حكاية سهر وشهرزاد الحكاية الإطار التى تتولد عنها سائر الحكايات فى النص السردى.. وهى استمرار لحكاية سهر وشهرزاد التى بدأها الكاتب منذ رواية " قهوة سادة " والتى ينهض المتن الحكانى فيها على فكرة انتقال الروح الطيبة عبر سبعة أرواح تتبعها الكاتب فى رواياته السابقة ، حيث أخبرت شهرزاد سهر بأنها الروح السابعة ومن ثم بدأت منذ الرواية الأولى فى حكاية الأرواح الستة سابقة الوجود على روح سهر ، فأخذتنا معها إلى الروح الأولى " نفر" وحكايتها مع إخناتون ، والروح الثانية " نور" وحكايتها مع محب فى عصر نبى الله موسى ، والروح الثالثة "شمس " وحكايتها فى عصر الحاكم بأمر الله .وفى " كل من عليها خان " ينهض المتن الحكانى على حكاية " وجد " الروح الرابعة لسهروقصتها مع النيروزى فى زمن المستنصر بالله.
ينهض السرد على خطين حكائيين متوازين: حكاية سهر الشخصية الرئيسة وعلاقتها بزوجها من ناحية ، وعلاقتها بالصحفي فتحى رضوان من ناحية أخرى ، وحكاية وجد والنيروزى الفارسى الذى أحبته وجد وتزوجته فى عصر المستنصر بالله.
ومن خلال هذين الخطين الرئيسيين تتشعب الحكايات وتتوالد عن خط الحكى الرئيس وتتعدد الخطوط الدرامية من العلاقات المتشابكة فى اللحظة الراهنة أو الزمن الحال (سهر/ فتحى) أو فى الزمن الماضى (وجد/ البيروزى).
فمن خلال الحكاية الأم ينبثق عن المتن الحكائى علاقات إنسانية متشابكة (سهر/ زوجها) (سهر/ فتحى) (فتحى/ زوجته) (شهرزاد/ زوجها) (علاقات العمل بالصحيفة))..
ومن خلال هذا المتن الحكانى ينتقل الكاتب بين مدينتى الإسكندرية ودبى ، ولكل منهما عالم خاص له تاريخه وإبهاره ومكانته فى نفوس الشخصيات ؛ فالإسكندرية المدينة العريقة الساحرة الباهرة، بوتقة الحضارات والثقافات الإنسانية ، ودبى مدينة السحر والجمال، مدينة رأس المال، وكعبة المستثمرين من كل مكان..
ومن خلال الخط الموازى فى المتن الحكانى يعرض الكاتب الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصر فى عهد المستنصر بالله فيما أطلق عليه سنوات الشدة المستنصرية حيث جف النيل وعمت المجاعة ربوع مصر إلى الحد الذي أقدم فيه الأب على بيع ابنه ولجأ الناس العامة منهم والساسة إلى أكل الحيوانات الضالة من قطط وكلاب وفئران بل..
ومن ثنايا هذا المتن الحكانى تنبثق حكايات متعددة يدور بعضها داخل قصر الحكم حيث الصراع بين أم المستنصر وعمته، ودهاء بدر الجمإلى ومحاولاته الحثيثة للإمساك بزمام الحكم، ويدور بعضها بين العامة فى الحانات والأسواق والمخابز حيث تتجلى الأزمة فى أبشع صورها. هذا إلى جانب الخيط الدرامى المتمثل فى علاقة شهبندر التجار بزوجه " فجر" وعلاقة كل منها بوجد وأسرتها.
ومن خلال هذين الخطين المتوازيين يقيم الكاتب جدلاً بين الواقع والتاريخ حيث تتكرر جملة " لا أحد يحاسب أحداً فى مصر الآن" فيتشكل المتن الحكانى." كل من عليها خان" من خلال هذا الجدل الذى يقيم عليه الحجج والأدلة والبراهين على تشابه المواقف وردود الأفعال مما يدعو القارىء إلى الاستنتاج ما أشبه الليلة بالبارحة.
المبنى الحكانى
يقدم الكاتب المبنى الحكانى من خلال مستويات متعددة من السرد، تتعلق بالمنظور السردى الذى يتسم بالتركيب والتعقيد. إذ تتعدد الرؤى والمنظورات السردية من مقطع سردى لآخر.
فعلى مستوى الحكاية الإطار أو الحكاية الأم يحاول الكاتب الإيهام بواقعية الأحداث فيدع الشخصيات المشاركة فى صنع الحدث تقدمه من خلال منظورها الخاص ؛ فتقوم سهر بحكاية بعض أطراف الحكاية، وتقوم شهرزاد بالتعليق عليها ، بينما يقوم فتحى رضوان بدور مزدوج باعتباره سارداً أو راوياً إذ يقدم أيضاً بعض أطراف الحكاية مع سهر، ومن خلال رؤية كل منهم يجمع المتلقى شذرات القصص إلى جوار بعضها ليكون صورة ذهنية واضحة عن هذه العلاقة وأبعادها وتفاصيلها. ومن ناحية أخرى يرتدى الكاتب قناع شخصية فتحى وهو يقدم مقاطع سردية تحمل وجهة نظره الخاصة، وتحليله للأحداث وتعليقه عليها ، فثمة مقاربة بين فتحى الصحفى والكاتب المبدع تتمثل فى وجهة النظر السياسة ، والعشق الذى يصل حد الوله بمدينة الإسكندرية، ومن خلال شخصية فتحى يجد الكاتب متنفسا للوفاء بعشقه للمسرح والكتابة الدرامية ÷ فيقدم من خلاله رواية " مذكرات مواطن يضاجع الوطن والتاريخ " بأسلوب درامى يعتمد على تقنيات الكتابة المسرحية .
أما الحكاية الموازية التى تقدمها شهرزاد، فإن رؤية شهرزاد السردية تتوارى لتتيح للشخصيات التاريخية تقديم الأحداث من منظورها الخاص سواء بالسرد أو الحوار، فما أن تبدأ شهرزاد الحكاية انتقالاً من اللحظة الراهنة حيث تجلس مع سهر تتبادلان الحديث ، ينتقل المنظور السردى إلى شخصيات عهد المستنصر بالله ليجد المتلقى نفسه أمام بنية سردة ودرامية يتناوب السرد فيها مع الحوار لتقديم الأحداث والتعليق عليها من خلال شخصياتها التى استدعاها الكاتب من أعماق التاريخ.
فتبدأ شهرزاد بتحديد زمن الحكاية " العام الأول، العام الثانى.. " وتقص ما دار فى اجتماع التجار متبوعا ببردية ة تنتمي إلى يوسف القائم على خزائن مصر حيث يقدم النص السردى جديلة من الشدة المستنصرية فى عهد المستنصر بالله والسنين السبع العجاف زمن سيدنا يوسف فى مصر، وشئنان بين التعامل مع الأزمة فى العصرين.
المونتاج
يوظف الكاتب المونتاج المكانى لتقديم الأحداث المتوازية فيقدم مقطعًا من المتن الحكائى فى منزل شهرزاد، ثم ينتقل منه إلى حدث آخر متزامن معه فى منزل فتحى الصحفى وهكذا ينتقل الكاتب مع قارئه عبر أماكن مختلفة تتزامن فيها الأحداث وهو نهج تقنى يسيرعليه الكاتب فى تقديم المتن الحكائى المتشعب القصص والحكايات.
وكما يوظف المونتاج المكانى للتعبيرعن تزامن الأحداث، يوظف أيضا المونتاج الزمانى فى الانتقال من عصر إلى عصر عبر انتقال الرؤية السردية من اللحظة الراهنة إلى الزمن الماضى سواء أكان هذ الانتقال فى الماضى البعيد حيث حكاية قابيل وهابيل، وحكاية وجد والنيروزى/ أو فى الماضى البعيد حيث يغوص فى ذاكرة الشخصيات من خلال الاسترجاع الزمنى لتسرد بعضًا من ذكرياتها . فيعرض ذكريات فتحى ومدينة الإسكندرية ، وذكريات سهر وعشاقها فى الشام وذكريات شهرزاد فى الشام..
وفى هذه الانتقالات جميعاً يلزم الكاتب أسلوب كتابة " السيناريو" أو " اسكريبت" العمل الذي يقدم للمخرج تصورا عن حركة الشخصيات وزمان ومكان نوع الحدث؛ فينص قبل بداية الحكاية على زمان الحدث ومكان وقوعه مستخدماً تقنيات كتابة السيناريونحو:
الزمان/ ليلاً
المكان/ بيت شهرزاد فى دبى ـ الرواية ص
أو يبدأ بالمكان ويثنى بالزمان
المكان/ منزل فتحى
الزمان/ ليلاً ـ الرواية ص
السرد والحوار
يتناوب السرد والحوار فى تقديم المن الحقانى فى " كل من عليها خان " بشكل لافت يمكننا معه أن نصنفها بأنها عمل سردى درامى.
فالكاتب يميل بالمقاطع الحوارية مقدماً المتن الحكانى من خلال الأسلوب المسرحى فى الخطابات المتوازية مع النص الإطار، أو المنبثقة عنه، فالحوار يمثل البنية الرئيسة فى حكاية وجد والنيروزى والشدة المستنصرية ؛ إذ يقدم الكاتب ملامح الأزمة وتداعياتها من خلال الحوار بين الشخصيات ، بينما بعد إلى أسلوب السرد حين يكون بصدد تقديم شخصية من الشخصيات الفاعلة فى صنع الحدث، فيقدم الشخصية وتاريخها من منظور شهرزاد - الحكاية الافتراضية فى النص السردى - مثل تقديمها شخصية الشيخ حسن الصباح والتعريف به وتاريخه على سبيل المثال. فما أن يقدم الكاتب الأرضية التاريخية للشخصيات الفاعلة فى الحدث حتى ينتقل المتطور السردى لهم ليصبح منظور السارد المشارك.
وتتميز لغة السرد فى " كل من عليها خان " بشاعرية فائقة تصل فى بعض المواضيع السردية إلى مستوى الشعر المنثور فى إيقاع الألفاظ وتتابعها من خلال معجم لغوى باذخ الثراء ، يضع الناقد فى حيرة حين يختار أحدها للتعليق عليه وهى جميعاً مقطوعات لغوية تشكل لوحة جمالية مدهشة: "وأعرف أن الحب بنى، وصبى، وبهى، وغبى، ودنى، وعتى، وشقى، وصوفى وفجائى، وصدفاوى، وقدرى، وجنونى ، ومزاجى ، ونزوى ،وليس فى كل الأوقات نبقى وليس دائماً بمثإلى.. " ص الرواية هذا الاسترسال اللغوى والتتابع فى الوصف مع مراعاة الجناس من خلال ياء النسب يشكل إيقاعا موسيقيا متوازنا غير مختل ويحمل نفسا شعريا متصلا غير منقطع يحيل دلاليا إلى ثقافة المبدع وثراء معجمه اللغوى .
ويقول فى موضع آخر بلسان العاشق: "أنا ضوء القمر يسود الفراغ المظلم فى حضارة تموت.. وتحاصرنى مدن نساء متآكلة الأحلام والرغبة والجنون.. أنهض من نومى كل صباح مع قهوتى..أكتشف إنى لم المس جسد نساء عبقريات منذ وقت ليس ببعيد.. الحب يسكن فى دير قلبى وحيدا..وأننى جزء من نور الحب المقدس.. والحب ليس بدعة ولا اختراع..الحب سنة الأنبياء . وإننى عنيد وأعشق حتى الفناء ، وإذا ما حدثتك عنى فأقول إنى نمت سنين عددا ، فغاب الحب عنك وعنى وعن الوطن " الرواية ص
وعن وصف الليل يقول: " الليل يحتضن القرية.. الليل أب قاس وشاعر وفاجر وماجن وحنون ومزاجى وصاحب هوى.. الليل ستار ويغمض عينيه بدهء وشموخ.. ولليل بهاء..أحيانا سكران وأحيانا تعبان . الليل صديق الإنسان والأحلام.. " الرواية ص
فجماليات اللغة السردية تصل أعلى مستوياتها من خلال شخصية فتحى التى تمثل المعادل الموضوعى لشخصية الكاتب ؛ فمن خلالها يتجلى المعجم الشعري فى لغة السرد ، ومن خلالها تبرز ثقافة الكاتب الموسوعية ؛ إذ لا يكتفى الكاتب بهذه التشكيلات الجمالية فى ثنايا السرد ولكنه بمنطق المشاكس لقارئه يضمن العمل الأدبى كثيراً من المقاطع الشعرية المتنوعة ؛ فيقدم من خلال التضمين مقاطع شعرية لشعراء من مصر والشام سواء فى الفواصل أو من خلال المتن الحكائى ، وهى جميعا تتنوع تنوعا يلبى ذائقة المتلقى وثقافته ؛وبصدد تحفيز ذهن المتلقي وتفجير طاقاته الانفعالية بحثاً عن التكامل بين المعرفى والجمإلى فى العمل الإبداعي يوظف الكاتب ثقافته الموسوعية فى خطابه السردى مما يجعل القراءة إبحاراً حقيقياً فى التجربة الإنسانية. فمن خلال التناص المتعدد المستويات بين التصريح من خلال التضمين أو التلميح ، بأخذ الكاتب قارئه فى هذه المتعة العقلية الوجدانية مبحراً فى الذاكرة الإنسانية . فنجد التناص الشعرى صريحا من خلال تضمين مقطع من القصيدة الشعرية منسوبا لقائله مثل استدعائه جزءا من قصيدة لعمر الخيام أو مقطعا من قصيدة لإلينا مدن أو ريتا عودة.. هذا إلى جانب التناص الخفى أو التناص غير الصريح حيث يصف مدينة دبى مثل القاهرة بالكافرة استدعاء وصف أحمد عبد المعطى حجازى مدينة القاهرة فى قصيدته الطريق إلى السيدة فى ديوانه مدينة بلا قلب حيث يقول:
يا قاهرة
أيا قبابا متخمات قاعدة
يامئذنات خاوية
ياكافرة
وكما يعنى الكاتب بالنص الشعرى تصريحا او تلميحا يعنى أيضا بالقصيدة المغناة سواء أكانت من الفصحى مثل قصيدة إبراهيم ناجى الأطلال التى غنتها أم كلثوم ليشبع ، أو من شعر العامية مثل " قل لى عنل لك إيه قلبى " التى غناها عبد الوهاب .. وهى جميعا تسعى لأن تشبع حاجة المتلقى الجمالية التى تبحث فى العمل الإبداعي عما هو جمإلى ربما قبل البحث عما هو أيديولوجى أو ثقافى.
كما يحفل النص السردى بمواضع التناص مع النص القرآنى وذلك بدءاً من العنوان " كل من عليها خان" الذى يتناص مع الآية القرآنية " كل من عليها فان " فيجعل الخيانة مرادفاً للفناء؛ فالخائن كائن ميت لا روح له ولا وجود ، وإن الوجود الحقيقى هو للقيمة السلبية للخيانة، فالوجود للوطنية والوفاء وإخلاص العمل.
ويأتى التناص مع النص القرآنى تلميحاً وتصريحاً وسيلة حجاجية تدعم وجهة نظر الكاتب وشخصياته فى مواقف السرد المختلفة . ويشف النص السردى عن عمق ثقافة مبدعه وتنوعها فى مواضع كثيرة يحفل بها النص السردى الذى يعرج على التاريخ الإنسانى فى ملامحه المتشابهة يستخرج منه العبر والعظات ليتسطيع رسم ملامح طريق تتجنب عثرات الماضى وهى تسير فى طريق المستقبل: " أريدك ان تحاكى حوت يونس فى جودة الالتقام ، وثعبان موسى فى سرعة الالتهام ، ولا تكن ديك الجن ، ولا من كلاب الجن ، ولا ذبائح الجن ، ولا جند الجن ، ولا إبليس الأبالسة.. الدنيا خمر الشيطان ،فمن شرب منها ولم يفق من سكرتها إلا وهو فى معسكر الموتى خاسراً نادماً. قد يكون الرجل عالما وليس بعابد.. وعابدا وليس بعالم.. وعالما عابدا وليس بعاقل.."
الشخصيات:
تحفل رواية كل من عليها خان بعالم من الشخصيات المتفاوتة فى مستواها الاجتماعى والثقافى فى العصور الزمنية المختلفة التى يعرضها الكاتب من خلال خيوط السرد المتشابكة . ويمكن أن توصف معظم الشخصيات الرئيسة بأنها الشخصية النمطية او الشخصية الأنموذج التى تمثل قطاعا كبيرا من الناس فى المجتمع . وكما تتعدد أنماط الشخصيات السردية فى الرواية من حيث دلالتها على المستويات الاجتماعية والثقافية فى المجتمع ، فإنها تتقاوت أيضا فى نسبية اقترابها من عالم الواقع أو عالم الخيال .
تعد شخصية شهرزاد إحدى الشخصيات الرئيسة التى تمتلك مفاتيح السرد فهى القناع الرئيس الذى يرتديه الكاتب ليقدم عالمه السردى، الواقعى منه والتخييلى. وثمة مقاربة ممكنة بين شخصية شهرزاد فى " كل من عليها خان" والروايات السابقة عليها ، وشخصية شهرزاد فى ألف ليلة وليلة ؛ فكلتاهما تتمتعان بقدرة فائقة على الحكى والسرد لتقديم عوالم من حكايات من عصور وأزمنة مختلفة لا يربطها جميعا غير أنها تعبر عن تجربة إنسانية يتصارع فيها الخير والشر . فقد استطاعت شهرزاد أن تلهب خيال " شهريار" وتستأثر باهتمامه ومتابعته لها وهى تنقله من حكاية غلى حكاية ، ومن عصر غلى عصر لتستثمر الوقت لصالحها ؛ فمع تتابع الحكايات وتوإلى الليإلى اعتاد شهريار على وجودها فى حياته ، ونشأت بينهما الألفة التى كانت طوق النجاة لها مسيف مسرور السياف .
أما شهرزاد فى " كل من عليها خان" فإنها تلعب الدور نفسه مع "سهر" مع اختلاف الدوافع والأسباب ؛ فالعلاقة بين سهر وشهرزاد علاقة صداقة تجعل شهرزاد كاتمة أسرار سهر . وشهرزاد " كل من عليها خان " تمتلك قدرات خارقة، فهى ليست مجرد الأنثى الذكية الحصيفة ولكنها تستطيع أن تقرأ الغيب فى خطوط فنجان أو تأويل أحلام ، أو الوقوف على الجوهر المكنون خلف الظاهر .ومن ثم فإنها تلتقى مع شهرزاد الأسطورة التاريخية فيما تتمتع به كل منهما من ذكاء الأنثى وحنكتها ومهارتها فى التأثير على الآخر وكسب ثقته ليسلم مصدقا ما تقصه من حكايات ومغامرات ، ويمكننا أن نعتبر كلا مهما ذاكرة التاريخ أو كاتمة أسراره من وجهة نظر مبدع الشخصية .
وقد جعل الكاتب شهرزاد الحكاءة موسوعة ثقافية تحفظ فى ذاكرتها التجربة الإنسانية فى مناحيها السياسية والاجتماعية منذ بدء الخليقة حتى لحظة إبداع العمل السردى ، وحتى تستطيع هذه الشخصية التجول بالقارئ عبر العصور المختلفة بدءا من العصر الفرعونى وصولا إلى التاريخ المعاصر أسس الكاتب مشروعه السردى على أسطورة فى معتقد طائفة الدروز ببلاد الشام تؤمن بان " الإنسان تنتقل روحه غلى غيره ، وهذا ما يدعى بالتقمص.. هناك شعوب يؤمنون بها بشكل كلى.. ونحن نؤمن بالتقمص فى الحياة السابقة حتى المتقمص.. ليتعرف على أقربائه السابقين . فقد يبكون عمر الطفل 5 سنوات يتعرف على ابنه الكبير من الحياة.. ويقال إن المتقمص لا يغير جنسه فالرجل يبقى رجلا وكذلك المرأة تبقى امراة ، وإذا كان الرجل سيئا تنتقل روحه إلى امرأة وتظل امراة عقابا له.. " رواية قهوة سادة ص 205
ومن خلال هذه الفكرة نسج الكاتب شخصيتى شهرزاد وسهر ؛ فشهرزاد هى من تمتلك أسرار هذه الروح وتاريخها ، وسهر هى الروح السابعة التى تشكل حكايات روحها السابقة المتن السردى الموازى لحكايات سهر وعشاقها . ومن ثم يمكن اعتبار سهر / الحاضر ، و سهر / الماضى هما محورا القص الرئيسان اللذان ترتكز إليهما بنية السرد والتماسك النصى فى روايات السيد حافظ التى تناولت سهر وأرواحها بدءا من قهوة سادة وصولا إلى كل من عليها خان
فمن خلال تتبع سهر / الماضى عرض الكاتب من منظوره الأيديولجى رؤيته للواقع السياسى وأثره على المتغيرات الاجتماعية فى مصر عبر تاريخها الطويل . فى " كل من عليها خان " يتناول الكاتب مصر الفاطمية فى عصر الخليفة المستنصر على التوازى مع ما تموج به الحياة الثقافية فى العصر الحاصر من خلال سهر / الحاضر ليقول بأن المشكلات واحدة فى العالم العربى كله وعلى مدى التاريخ الطويل ؛ هى مشكلات السلطة والديكتاتورية وسلبية المواطن المطحون من أجل رغيف الخبز ، وعدم قدرته على المواجهة أو حتى الرفض.
د. فايزة سعد
السيرة الذاتية
الدكتورة / فايزة محمد سعد
· أستاذ النقد الأدبى والأدب المقارن المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس.
· تخرجت بقسم اللغة العربية بكلية الألسن عام 1982
· حصلت على الماجستير فى النقد الأدبى والأدب المقارن عام 1986 بأطروحة عنوانه " رواية الأجيال فى ثلاثية نجيب محفوظ وفورسايت ساجا لجون جولزورذى .
· حصلت على الدكتوراه عام 1996 بأطروحة عنوانها " تيار الوعى فى روايات الطييب صالح ووفرجينيا ووليم فوكنر: دراسة مقارنة".. لها كثير من الدراسات النقدية حول الدب العربى قديمه وحديثه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق