Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

السبت، 18 سبتمبر 2021

33 أعمال السيد حافظ المسرحية من الفهم والتفسير إلى صناعة الوعي مسرحية " مطلوب حيا أو ميتا " أنموذجاً بقلم الدكتور: مفتاح خلوف

 

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(33)

 

أعمال السيد حافظ المسرحية
من الفهم والتفسير إلى صناعة الوعي
مسرحية " مطلوب حيا أو ميتا " أنموذجاً
بقلم الدكتور: مفتاح خلوف

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة

 

أعمال السيد حافظ المسرحية
من الفهم والتفسير إلى صناعة الوعي
مسرحية " مطلوب حيا أو ميتا " أنموذجاً
بقلم الدكتور: مفتاح خلوف

أستاذ الدراما والنقد المسرحي

كلية الآداب واللغات قسم اللغة والأدب العربي

جامعة محمد بوضياف المسيلة الجزائر


ملخص المداخلة :

يعتبر الأدب بمختلف أجناسه المرجعية المعرفية، التي تمكننا من إدراك العالم الواقعي وتحولاته- طبعا- ضمن تصور فني مدرك من قبل المبدع، الذي يتقلد دور المؤرخ والشاهد والراصد للحركة التاريخية والاجتماعية، فيتولى بذلك الشهادة على ذاته ومجتمعه الذي يحيا فيه. 

انطلاقا من هذا فإن هذا البحث يلخص العلاقة بين البنى اللغوية التخييلية للأعمال المسرحية للكاتب العبقري السيد حافظ، والبيئة التكوينية الواقعية التي تخلقت ضمنها هذه الأخيرة، استنادا إلى مدونته الموسومة : "مطلوب حيا أو ميتا". وتطبيقا لآراء لوسيان غولدمان

ومن زوايا البنيوية التكوينية ، وإجراءات البحث في بنية الفهم وربطها بالبنية الكل التي هي النص ولا غيره، مرورا بآلية التفسير وربط علاقاته بالبنى الكبرى الخارج نصية : الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية. وصولا إلى محطة صناعة الوعي وبنائه في ذات المتلقي من خلال صناعة بؤرة انصهار بين الذات المبدعة والذات المتلقية.

مدخل :

إن الكتابة المسرحية تعد أهم الأشكال التعبيرية، التصاقا بالمجتمع، فهما صنوان لا يفترقان، إذ لطالما عكست المسرحية العربية عموما ومسرحيات السيد حافظ صورة المجتمع وركزت على تتبع هموم الإنسان العربي وما يعتمل داخله من أسئلة وانشغالات، وما يراوده من آمال وأحلام، وما يطيح به من نزوات يأس، ولاسيما مظاهر الحياة السياسية الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية وإشكالاتها، و حاولت استبطان نفسيته وكيفية تعايشه مع واقعه الطافح بالقضايا المعقدة. ذلك أن الفعل الإنساني لا يمكن أن يكون بمعزل عن حركية الواقع، وفعالية التاريخ في الوجود الإنساني، وهنا يأتي دور المسرحية لتصوغ هذه العلائق جماليا، ذلك أن النصوص المسرحية إن هي إلا عوالم تخييلية تضع العالم الواقعي الحقيقي موضع تساؤل وبحث وفق رؤية جدلية، يحفل بها النص المسرحي الذي نهل من الواقع لا لمحاكاته حرفيا ولكن ليقدم له تأويلا خاصا يتطلع المبدع من خلاله إلى رؤية المستقبل من صميم تجربة الكتابة التي تسعى دائما إلى مجابهة الآتي الذي ما يزال مجهولا لحظة الإبداع.

من هذا المنطلق، فإن المسرحي العبقري السيد حافظ لم يعد يكتب ليرصد مشاعر أو يقرر حقائق أو يساند فكرة أو يعارض أخرى فحسب، بل إنه أضحى يكتب من منطقة الشك والتساؤل والبحث عن الحقيقة المغمورة بالالتباس والتعدد.

حيث يحتفي هذا الأخير بتشكيل واقع جديد وقيم تتلاءم ورؤيته الفكرية، التي لا تستكين إلى معطى ثابت أو مطلق وان استندت إلى مرجعية واقعية تاريخية، ذلك أن صناعته التخييلية تمنح لكلماته وقعا، وهو يصوغ رؤاه ضمن رحلة استكشاف لذاته ومحيطه. في إطار رؤية علائقية بين الذات والعالم، والفن والواقع، والمأمول والحقيقة السائدة،

فلا يمكن لكاتبنا السيد حافظ أن ينفصل عن عالم منح المعنى الإبداعي لوجوده، كما لا يمكن أن يتحيد عن مجتمع يحيا في كنفه ويعايش مجمل قضاياه ومشاكله الاجتماعية، وتبعا لذلك فانه يعبر عن وعي مجتمعه ويجسد رؤاه الكائنة في سياق زماني ومكاني محددين، ثم تتجلى وظيفته الخلقية التجديدية إبداعيا، في تقديم رؤية شمولية لما سيكون عليه الواقع ضمن الإطار الجمعي. وان كان من الصعب الفصل بين الذات الفردية وبين الحقيقة الاجتماعية، ذلك أن الكاتب المسرحي لا يطيل الوقوف على ضفاف الواقع الاجتماعي، إلا من منظور عالمه الداخلي، ولاسيما إذا شهد هذا المسرحي واقعا مأزوما سيحاول حتما كشف أسراره وإعلان رؤيته وإدانته لواقعه القمعي الذي يقيد أحلامه ويتحكم في تعامله مع الحياة، فتكون المسرحية فعلا مجالا للبوح عن الذات وتجسيدا لجوهر الحياة الاجتماعية.

أولا: مرحلة الفهم:

الفهم (La compréhension) وهي مرحلة تأويلية تعد الخطوة الأولى في استنطاق الأعمال الأدبية، وتحليل النصوص الروائية. وتقتضي هذه الأخيرة التركيز على دراسة البنية الداخلية للنص وصولا إلى بنيته الدالة، أي البنية الشكلية وما تعبر عنه من بنى مضمونية عميقة، دون الرجوع إلى أي معطيات خارجة عن السياق الداخلي للنص، فهي أي "مرحلة الفهم البحث في بنية النص الداخلية ومكوناتها الجمالية والفكرية دون الاستعانة بوسائط خارجية، وتفترض الأخذ بحرفية النص، ومقاربته من الداخل، بهدف الكشف عن بنيته الدالة"([1]).

هذا ما يؤكد أن غولدمان اعتمد إجراء "الفهم" كآلية فعالة تستنطق البنى النصية الدالة ولا تتجاوزها، مستهدفة بلوغ رؤية شمولية تتحقق عبر العالم النصي من خلال تمظهرات مكوناته كاللغة والأحداث والإيديولوجيات والعلاقات بين الشخوص ، دون أن ننسى البنية الزمانية والمكانية، والبحث في ذواتها ونفسياتها  وما يترتب عن ذلك من علاقات متشابكة وبنى فكرية مجسدة في النص، لكن دون وضع هذا الأخير "النص" في أي مقاربة خارجية سواء تمثلت في استنطاق البيئة المحيطة بالنص أو البحث عن مقصدية الكاتب أي النص دون زيادة أو نقصان ويتمثل في مجموع العلاقات المشكلة لصورته الإجمالية "فالفهم مسألة تتعلق بالتماسك الباطن للنص وهو يفترض أن نتناول النص حرفيا، كل النص، ولا شيء سوى النص"([2]) فعمل الباحث في هذه المرحلة يقتصر على فهم وتأويل البنية النصية، بالغوص في البناء الشكلي والتخييلي الذي تم إبداعه من قبل الكاتب بغرض استخلاص البنية الدالة الشاملة.

خلال المرحلة الأولى أي مرحلة الفهم أسعى إلى محاورة النص وكشف نمطه البنائي، والعناصر المشكلة له والعلاقات القائمة بينهما. آخذا بعين الاعتبار النص، كل النص ولا شيء خارج عنه، إذ أسقط من اهتمامي السيرة الذاتية للمؤلف، وربّما في المقام ذاته كل دراساته وأرائه النقدية إن وجدت. إذن الرؤية الفكرية المجسّدة في العمل الأدبي المسرحي للمبدع، هي ليست من صنيعه، بل هو مجرّد عامل " لإبراز هذه الرؤية وبلورتها في أفضل صورة ممكنة ومتكاملة لها".([3]) لأنها بنية اجتماعية لا فردية وهذا لا ينفي دور المؤلف المجسد في الصياغة الجمالية للعمل المسرحي  بأي شكل من الأشكال.

كما أن النص في هذه المرحلة يُنظر إليه بوصفه وحده متكاملة الأجزاء، فلا يمكن تلمس المعنى العميق والشامل للعمل المسرحي، بدراسة عناصره البنائية منفصلة، بل وصلها ومحاولة إدراك تعالقها ومدى تفاعلها فيما بينها لاستخلاص البنية الدالة الشمولية الموحدة للعمل الفني.

 

1. الموت:

مثلت قيمة الموت محور الدلالة في "مطلوب حيا أو ميتا " فمنها الانطلاق وإليها المنتهى، حيث استهل المسرحي نصّه الدرامي  بقوله:" جئت لأنذركم، إنه عصر الموت للروح"([4])

فالنص يمثل رحلة انتظار المبطل لحقيقة وحيدة وحتمية هي الموت، لينتهي وكابوس الموت يسيطر على مخيلته حتى يكاد يودي به إلى الجنون إذ يختلط عليه الواقع بشبع الموت الذي أحال هذا الأخير إلى واقع مأزوم مما جعل البطل يعيش حالة انشطار بين واقعين مختلفين، واقع كائن هو الموت وواقع مرغوب هو الحياة.

والكاتب لم يتحدث عن الموت بوصفه طقساً طبيعياً ينهي دورة الحياة بصورة بديهية فطرية بل تحدث عن الموت الذي ينفي الحياة ليشغل مساحة الوجود، فتتحول هذه الأخيرة (الحياة) إلى أمر استثنائي وعارض، ويغدو الموت الحقيقة المؤلمة التي تتحكم في مسار النص الدرامي  وتهيمن على فضائه  بشخوصه وأزمنته وأمكنته.

لقد سيطر هاجس الموت على تفكير الكاتب وأثث عالمه الدرامي وأضحى الوجهة الوحيدة والأكيدة في ذاكرته ووجدانه، واستبدّ بشعوره وتعدّاه ليخيّم بظلاله على فضاءاته الجغرافية، الشارع، المدينة، القصر.

الموت إن سيطر على واقع البطل المسرحي وحاضره فهو الكابوس الوحيد الذي يلون أحلامه، فذلك الإصرار من قبله على الحياة والكبت المؤلم لفجائية الموت يستدعي حضور هذا الأخير في كامل الحوادث ,

والحقيقة أن هذه الأحلام هي تجسيد لواقع مرفوض من قبل الكاتب الذي أصر دائما على مجابهة الموت فحتى في هذا الحلم يقف على قدميه، ويضحك بصوت عالٍ فكأنه في منطقة وسط بين الوعي والجنون.

هكذا تتحول حياة البطل " أبو ذر" إلى حياة الموت "فقبل الموت هناك انتظار الموت الذي هو أصعب من الموت الفعلي آلاف المرات. ([5]) فالموت يحتل مساحة الحاضر والمستقبل، ويشكل الإطار النفسي القاتم الذي يحيا ضمنه البطل أبو ذر، والحقيقة الوحيدة التي لازمته، "غريبا في أرض الله الواسعة، غريبا بين خلق الله الجائعة ، هل تموت غريبا ولم تحسم القضايا، بين أغنياء البلاد والفقراء العرايا " . ([6]) فالشخصية الدرامية الفاعلة، التي تتحرك دائما بين محوري الحياة والموت، في عالم لا يقين ولا مطلق فيه إلا الموت . ويتحول الموت إلى مشهد متكامل  في حياة  " البطل أبو ذر "ويستحضره  في حوار ، يتساءل  فيه عن الطرق المحتملة  لموته، "حتى ينفحم حزنا أو صمتا، ويموت بلا ثورة".([7])والحقيقة أن هذا الحوار ساهم في تحديد نفسية (البطل – الراوي) كذات ساردة، متعديا إلى كشف الحالة النفسية المضطربة للذات الجمعية في ثنايا الأزمنة التي لم تستثني أحدا والقرينة الدالة على ذلك حذف النون في الكلمات: "نحْذر – نحن – نيام – نرى – نقوم – نستيقظ- نعلن – نغسل – ننزلق" أي الحديث بضمير الجماعة "نحن"، والكاتب في هذا المقام يبتعد عن تفسير الحالة النفسية لبطله تفسيرا مباشراً، تقريرياً بل يكسبها قسطا من الحركة وإن كانت داخلية غير ظاهرة.

وبعد استعانة الكاتب بآلية الحوار للتدليل على الاحتمالات التي رسمها الفاتك لموت أبي ذر، ها هو يفعّل آلية الوصف مقرونة بالحوار الداخلي ليبين لنا فداحة الموت بتفاصيله الدقيقة وأشكاله المختلفة بألق لغوي ومقدرة على التعامل مع الألفاظ، وبتعبير بعيد عن التسطيح يتنفس في أجواء جنائزية حزينة وهو يصارع الموت في لحظاته الأخيرة فيتذكر حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم : " لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة تشهده عصبة من المؤمنين".([8])

قد استخدم الكاتب حدث الموت ليكشف عن تجلّيات ذاته عبر الذوات الأخرى ولاسيما " زوجة أبي ذر"، حيث تختار الذات المتألمة (البطل) المحبطة، استحضار وتخيل حالة "زوجة أبي ذر " بوصفها الحب النقي من أجل تثبيت هذا الحب في دواخل الذات التي يداهمها الموت، ليقاوم بذلك عوامل النهاية والموت.

مي بتكأميمن هنا فالموت وإن كان نهاية معينة، فهو حياة في محيط وقوعه، لأنه يحدث وقعاً مختلفا لدى الأحياء" فالموت درامي في جوهره، إنما الذي ينفّذ تلك الدرامية، ويمنحها جمالية مميزة هي قدرة الآخرين، الأحياء، على تشغيل رمزية الموت، وشحنه بمعاني حياتهم، "هم" وجعله مرتكزًا في "بلاغتهم" وقدرتهم على الإقناع ".([9]) فموت الفرد غياب له فحسب، غير أنه حضور فريد للتخييل الخاص بالآخرين، حيث تتم إعادة إنتاج الفناء الجسدي في صور فنية ودراما الألفاظ التي تبعث الحياة في الموت، هي حياة رمزية.

فالموت في الكابوس الذي يعيشه السلطان فاتك بن أبي ثعلبة ومن بعده السلطان أبو المجون المجنح يحيل على الموت في الواقع، لأن الحدود بينهما تكاد تختفي فواقع الموت كابوس، وكابوس الموت واقع بالنسبة لكليهما كون هذه الكوابيس تحدث لديهما نوعا من التوازن  واللاتوازن النفسي  النّابعين من فداحة واقع الموت ومأساويته الذي يأبيان أن يقبلاه في حالة التفكير الواعي فتعمل آليته أثناء الحلم لتنتج انسجاما وتوافقا في نفسيتيهما  ولئن سيطر الموت على أحلامهما، فهو يتمثل أيضا في حالات يقظتهما ووعيهما ويسيطر على وجودهما النفسي، ويحتل مساحة تفكيرهما.

هل كل هذه الكوابيس ورؤى الموت في اليقظة مجرّد هلوسات؟ هل أصبح من المؤكد أن سيناريوهات الموت التي ما يفك يرسمها السلطان وابنه وفرقة شهود الزور وخبير الاختلاق على الناس.

نخلص أن الموت في مسرحية  "مطلوب حيا أو ميتا " مثَّل الموضوع المركزي وطغى على بنيتها الدرامية، وتجلَّى ذلك في حوارات أبي ذر وزوجته والسلطان فاتك وابنه من بعده ، حيث مثل الموت واقعهم وسيطر على تفكيرهم ورَاودهم في أحلامهم فكان بذلك المتحكم الوحيد في منطقتي الوعي واللاوعي عندهم والفعل الأكثر ورودًا في النص الدرامي حيث شكل هويّته بامتياز، وبوصفه دلالة مركزية فقد اقترنت به عدة دلالات ثانوية كالخوف، والعلاقة بين الموت والخوف مسألة بديهية، ففكرة الموت تبعث في المرء إحساسًا بالرّهبة لأنها تترجم النهاية، أو الحد الفاصل بين الوجود والعدم، والمقصود بالعدم في هذا المقام، نهاية الحياة. ناهيك عن موت محتوم وبأبشع الوسائل والطّرق كالموت في الصحراء، فلا شك أن ترقبه سيجعل الإنسان يعيش حالة اضطراب وخوف دائم، ليس له حدود.

ويغدو الخوف مقترنا بالموت فضاءً  يزاحمُ فضاءات الحياة، ولا نقصد الفضاء بالمعنى المكاني، بل بالمعنى النفسي الذي يحيل على خصوصية الوعي والإحساس بحجم المأساة، فكل الفضاءات الانتقالية المادية ارتبطت بقيمة رمزية هي الموت .

لم يستحوذ الخوف على أنا أبي ذر فحسب، بل طبع العلاقة بين الأنا والآخر مما يوحي باشتغال التخييل الذاتي ضمن الواقع، "فالأنا الساردة صوت مهيمن فردي، ولكنها تعبّر عن المجموع في إطار وجهة نطر خاصة، وهي في تعبيرها عن هذا المجموع من خلال تشكيل الشخصيات، لا تشكل شخصيات فقط، وإنما تشكل أنماطا، يمكن أن تكون كاشفةَ عن كثيرين ينظرون داخل هذا النمط ".([10]) فخلق هذا النمط  الشك واللاَّيقين بين الشخوص .

يمكننا أن نخلص أن الخوف من الموت حالة ثابتة، لاسيما إذا تعلّق الأمر بموت مجهول الملامح والموقع والزّمن، فإنه سيتحول إلى حالة شعورية مستبدّة، تعتري البطل كما في الأثر الروائي، فتقيّد حريته وتتحكم بسلوكاته، وتسلب قدرته على مجابهة الأمور بحكمة، وتمنعه من التعامل مع الآخرين تعاملاً اجتماعياً مقبولاً، فالخوف إذن حالة نفسية غير سوية بالنّظر إلى نتائجه السلبية وتجلياته الخطيرة التي تكبُت وتقمع الوجود الفعلي للإنسان، وتثبّط حركته المنافية للسكون والموت، فيستحيل الخوف من الموت، موتا مضاعفا.

يتجاوز الموت كونه فكرة تجريدية واقعية تهيمن على وعي البطل وفعله لتضم العديد من الموضوعات التي تدور في فلكها كموت القيم، موت المدينة، موت العدل واغتيال الحقيقة.

 

2 - حصار العقل والفكر والثقافة :

يعد مفهوم الثقافة من أوسع المفاهيم بالنظر إلى اتساع دائرة المنتمين إليه فـ " الثقافة بوصفها عالما من الرموز يشمل الفن والعلم والدّين ".([11]) تحيلنا على تعدد الأصناف فيها من أهل العلم والمعرفة والأدب. والفن والدين، وإذا سلّمنا بأن كل إنسان يمتلك قدراً من المعرفة في أحد هذه المجالات، جاز لنا القول أن "كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدوا وظيفة المثقفين في المجتمع "،([12]) أي إن لكل إنسان رؤية خاصة للعالم ونمطًا من التعامل الأخلاقي والاجتماعي وتجسيدًا للإنتاج الفكري إذن فكل الناس مثقفون ولكن مع اختلاف مستويات ثقافتهم، فالمثقف هو المفكر والأديب والعالم والكاتب والفنان والمبدع ورجل الدين والطبيب والمهندس والمدير والطيار ورجل القانون ورجل الأعمال والطالب والأستاذ والإعلامي، فكل هؤلاء هم صناع أفكار وأطراف فاعلة لهم القدرة على التأثير في الواقع أو تغييره، فالعبرة تكمن إذن في وظيفة المثقف والتي تتبدى في ذلك الحس النقدي الذي يمتلكه إذ يسعى دائما إلى أن يقف موقفا إيجابيا من قضايا المجتمع ومستجدات الواقع ويجتهد في تغيير وعي الأفراد وكذلك الفئات الاجتماعية، وبالتالي تشكيل رؤية شمولية جديدة للعالم والحياة. وهذا الدور لا يتأتى لكل الأفراد بل الفئة خاصة هي فئة المثقفين الحقيقيين الذين يمثلون الفاعل الاجتماعي الجمعي بوصفهم قوة محركة تلتزم بخدمة المجتمع وترسيخ القيم الإنسانية النبيلة فيه وتجذير الانتماء والهوية والدفاع عن الكيان الحضاري كونهم يمثلون بؤرة هذا الكيان لأن "المثقف فرد منح قدرة على تمثيل رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو رأي وتجسيدها والنطق بها أمام جمهور معين ومن أجله".([13]) يعمل بوصفه جزءا في إطار نخبة مثقفة، تهدف إلى بناء المجتمع من خلال إنتاج الأفكار والمفاهيم الإيجابية التي تحقق الوجود الفعلي للأفراد والمجتمع. هذه الاستقلالية للمثقفين ودورهم الطليعي في الدفاع عن "الحقيقة والعدالة والدفاع المستميت ضد الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والتعصب الديني أو العرقي واعتداء الأقوياء على الضعفاء ".([14]) يجعلهم يشكلون ضمير الأمم والمجتمعات، والأمر ذاته يجعلهم المستهدف الأول من قبل القوى المعارضة بتعددها، أفراد، مؤسسات حركات تطرفية، سلطة الدولة أو سلطة المجتمع، أو سلطة الأيديولوجيا وهذا ما يتجلى في "مطلوب حيا أو ميتا "، حيث رصد فيها الكاتب السيد حافظ التموقع المركزي للمثقف في قلب الصراع الدرامي والأزمة الخانقة والموت المعلن في الفضاء الدرامي، حيث إنه لم يقف موقفا حياديا، مما يحدث بل حاول البحث في أسباب الأزمة ودوافعها، وحاول استنطاق التاريخ ومساءلته، والتنقيب في الذاكرة لمعرفة خفايا الماضي وإدراك الخلفيات الحقيقية للتسلط والاستبداد بالرأي. في مجتمع فكت كل روابطه، وغيبت كل قيمه الإيجابية، ولم يبق فيه إلا الشك والخوف والحزن والموت والفجيعة تصنع يومياته ، واقع درامي شعاراه الإقصاء أو التعصب، الأحادية أو التطرق، وغرضه الأوحد الفوز بالسلطة السياسية والحكم ، مما أوجد تصادما بين الحقول الثقافية والسياسية والدينية كمجالات للفعل الاجتماعي، من هذا المنطلق حاول المسرحي من خلال بطله " أبو ذر " المثقف أن يقدم صورة للمثقف الحيوي الفاعل الذي لم تقعده المضايقات عن أداء دوره في تبيين الحقيقة، رغم التباسها، ولم تسكت تهديدات صوته رغم بشاعتها وعدم إنسانيتها، ولم يطل الموت وجوده كما كان يروم، لأن وجوده هو الإبداع والتفكير والقول، وكذلك الفعل، لأن كل هذه الملكات نابعة ولاشك من رؤى تهدف إلى بناء الوعي الفردي وتحقيق نسيج اجتماعي متماسك. وتطوير البناء الحضاري وخلق مساحة من الاختلاف والإئتلاف بين الأفراد والفئات الاجتماعية وحتى بين الطبقات السياسية المتعارضة وفق رؤية شمولية للكون والعالم.

       هذا المقطع يبين اختلاف الرؤى والأهداف بين طبقة المثقفين والمبدعين وبين طبقة السياسيين، فالفريق الأول أهدافه إنسانية خالدة، أما الفريق الثاني فأهدافه شخصية آنية أو قل زائلة، الأمر الذي تؤكده الذاكرة ويدعمه تاريخ مختلف الحضارات والآداب فالخلود كتابة أما السياسة فلعبة خطيرة قد تؤدي إلى الانتصار المرحلي أو النسيان الكلي.

يؤكّد المسرحي من خلال مسرحية " مطلوب حيا أو ميتا "  أن الخطاب  يتميّز بالمغالاة والتَّطرّف في الحكم المسبق على أبي ذر وأتباعه وتجريمهم وتوعّدهم بالذّبح تنفيذا لإرَادة وأمر السلطان. وهذا الخطاب يستند إلى إيديولوجية تؤمن بالأفكار المطلقة التي تجعل من الفرد في المجتمع متلقيا أعمى للأوامر وهنا يكمن "المشكل في الإيديولوجية أنها تتحول إلى أداة عمياء لا ترى إلا نفسها "،([15])

     قد عمد السيد حافظ إلى فنية درامية بأن جنِّد  نخبة من الشخصيات في المدونة محل الدراسة يباركون صنائع السلطان ويدعون باسمه في التجمعات ويهتفون بشعاراته في المنابر بوصفهم يمثلون سلطة غير مباشرة لكن تأثيرها يبدو أعظم من أنواع السلط الأخرى.

قد تجلى هذا الأمر في الصحفيين والمحررين ورئيس التحرير أيضاً فبدلا من كونهم أنموذجاً للمثقفين الإيجابيين، والمناضلين السّاعين دومًا إلى كشف الحقيقة وإماطة اللثام عن كل الممارسات السلبية والقمعية على تعدّدها وأثرها الوخيم على المجتمع، ومحاولة تغيير الرّاهن، راحوا يحولون إلى أبواق للحاكم.

وتكمن الغاية الجوهرية وراء هذا التوظيف للإعلام والصحافة واتهام أبي ذر  بالجنون وتشويه صورته لدى العامة  في تحويله إلى مجرّد شيء يقبع داخل فضاء مغلق حيث لم تكتف بنفي وجوده الجسدي بل تعدّت إلى نفي وجوده العقلي الذي يساوي تفرّد هويته الشخصية عن بقية الذوات، مما يؤكد أن " علاقة المثقّف بالدّولة اتّخذت طابعًا قمعيًا "،([16])  إذ يتأكد ذلك في قول السيد حافظ على ألسنة رئيس التحرير والمحررين :

" رئيس التحرير: اكتب مقالا لاذعا يا لذوعي

محرر 1: أمر سيدي الرئيس

محرر2: لقد كتبت مقالا أقول إنها اليد الخفية التي تعبث بأمن البلاد جعلت من سيرة أبي ذر القناع الذي تضلل به  الجماهير ولكن هيهات هيهات

محرر 3: أنا يا سيدي قلت إن هذا الإرهابي الذي يسمي نفسه أبا ذر الغفاري يحاول خداعنا ونحن شعب لا يخدع  "([17]) .

تسعى السلطة عموماً إلى الهيمنة على المثقف، والحدِّ من دوره في توجيه وعي الجماهير والمجتمعات بشكل يُناقض كيانها ومشروعها. كما يناقض وعي الجماعات  لذلك كان عرضة للتهميش من قبل السلطة والاغتيال من قبل المتطرفين والسلطة.

 

3 - موت الفضاء المكاني والزماني وانعدامه:

          يموج العالم الدرامي بحركة الشخوص وتفاعلها، مما يؤدي إلى سيرورة الأحداث، وهذا لا يتأتى إلا ضمن فضاءٍ مكاني بوصفه الملاذ المرجعي الذي يحقّقُ الإيهام بالواقع، كما أنه يتلوّن ويتشكل بصور متعددة بما يلائم الفكرة في النص. وإذا سلَّمنا أن جدلية الموت والحياة كانت الطَّاغية على عوالم السَّرد وبنائه في" مطلوب حيا أو ميتا"، فإن المكان هنا لا يبقى مجرّد أبعادٍ هندسية جامدة، بل يحمل قيمة الموت كقيمة مهيمنة على مواقف الشخوص من محيطهم  "وبذلك يكون المكان الجغرافي متَّصلا بالواقع الخارجي للنص انطلاقاً من إشارته إلى الظُّروف السُّوسيوتاريخية، والقيم الثقافية لبيئة النص. أما الشكل الثاني فهو فضاء للتخيل قد يجمع متناقضات غير موجودة بالضّرورة في الواقع ".([18]) كالفضاء المجسَّد في الحلم كونه فضاءاً يتّسم بغرابة تكوينه.

          وإن تضمّنت المسرحية  "مطلوب حيا أو ميتا " نقمة على الزّمن الحاضر لأنه زمن الموت، الذي يُلقي بظلاله القاتمة على كل الموجودات فيكون الارتداد إلى الذاكرة لإحياء الزّمن الماضي ضمن المعيش الرّاهن، لبث بعض الحياة فيه، فإن المسرحية تبني فضاءها الدرامي ضمن الفضاء الجغرافي:السوق الصحراء القصر الكوخ على ضوء التّشظيَّات والتداخلات الجغرافية المحليّة التي تنفتح على فضاء الزمن وارتداده، بوصفه بحثًا عن ذات  خارج حدود يرسمها الموت والضَّياع.لأنه وإن يتسع فضاء المنفى بدلالته الجغرافية، فإنه يضيق كفضاءٍ دلالي، حتى يعادل الموت، لأنّه يطرح سؤال الانتماء وسؤال الهوية المرتبط بالذات.

إن المتأمل لهذه المسرحية، يدرك أن المسرحي لم يطرح سؤال العدم والموت كتيمة سلبية ثابتة، تفرض هيمنتها على الخطاب الدرامي انطلاقا من رؤية أحادية فرضها واقع الشخوص، بل غذاه بسؤال أكثر إيجابية، هو سؤال الوجود والحياة، وكيف يتحقق في ظل ذلك الواقع الاستثنائي الذي شهدته دولة " فردوس الشورى "، مما يقودنا حتما إلى القول باشتغال الوظيفة الفنية، التي قصد بها المسرحي تقريب الواقع وتشخيصه بصورة جمالية، بعيداً عن الالتقاط الحرفي لتفاصيله، مما يوضح خصوصية رؤية المسرحي الموجّهة نحو مساءلة الذات والمجتمع واستنطاق التاريخ، ضمن الصراع السياسي والديني، الذي شكّل تربة خصبة لها مما جعل المتن الدرامي مسرحاً للصراع والمواجهة، بين ثنائيتي الموت والحياة بما يبيّن نسبية الحقيقة بعيدا عن ثبات الفكرة وأحاديتها، وهذا ما يؤكّد تفاعل المسرحي مع ذاته ومجتمعه وعصره، بوصفه مبدعًا ومناضلاً لترسيخ قيم أو البحث عن أخرى، غيّبها تداعي المجتمع وسقوطه في وحل الصراع السياسي السلطوي.

 

4 -  الحياة:

في مقام آخر تبدو نزعة الكاتب المتحدّية للنهايات المؤلمة محدّداً هويته انطلاقاً من هويّة وطنه الذي لم يقهر في وطن متماه  "في دولة ليس لها موقع جغرافي على خريطة العالم لأنها دولة تقع على حدود اللازمان واللامكان "،([19]) فالمسرحي في هذا الخطاب يدرك كنه ذاته، وحقيقة انتمائه، فالذات هنا تعادل الوطن صموداً وتحدّياً، والوطن ينعكس على الذات وجوداً وأملاً وحياةً.

وإذا سلّمنا أن البطل الدرامي يتماهى مع الكاتب، فلا ريب في أن "للمكان أثراً في التعبير عن هوية الكاتب الروائي والشخوص. فالحياة الإنسانية خلاصة الظروف والبيئة المحيطة والتاريخ، والعادات والتقاليد والأعراف. ونتيجة ذلك نجد الكثير من الكتاب يحاولون من خلال المكان التعبير عن تمسّكهم بهويتهم "،([20]).

وأخيرا إذا اعتبرنا أن جدلية الموت والحياة هي الطاغية في تشكيل مضمون النص المسرحي، فإن هذه الأخيرة هي دال لنسق لغوي، فهل يمكننا فهم مضمون النص الأدبي أو بنيته الدالة بمعزل عن البنى الفكرية الموجودة خارجه والتي ساهمت في إنتاجه؟ بالطبع لا، لأن هذه البنى الخارجية تشكّل البيئة التكوينية للعمل الأدبي، ولا يمكننا إدراك وظيفة هذا الأخير إلا ضمن شرطه الاجتماعي والتاريخي والاقتصادي والثقافي وهذا ما يطلق عليه مرحلة التفسير التي نحن بصدد رصد تجليّاتها عبر المدونة المدروس "مطلوب حيا أو ميتا ".

 

ثانيا: مرحلة االتفسير:

          بعد الفراغ من المرحلة الأولى والتي تمثّلت في تتبّع البنية الدالة الشمولية للنص المسرحي من خلال آلية الفهم، وذلك بمحاورة النص داخليا، وتتبُّع بناه الذهنية والشّكلية فحسب، تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة التفسير، لتضع هذه البنية في إطارها التكويني وسياقها السوسيوتاريخي، فالتّفسير يقوم على "إدخال بنية دلالية في بنية أخرى أوسع منها تكون فيها الأولى جزءاً من مقوماتها "،([21]) وهي البنية الاجتماعية.

يعتبر التفسير (L’explication) المرحلة الآلية المكملة لعمل مقولة الفهم ضمن التصور البنيوي التكويني، وحتى تسعى هذه المرحلة إلى إحداث تناظر بين البنية النصية الدالة المستخلصة سابقا، ووضعها في سياق بنية أوسع هي البنية خارج نصية الاجتماعية، فإنها تقوم بتشريح ومساءلة البيئة التي تكون فيها النص الإبداعي "فهدف التفسير هو السعي لإدماج البنية الدلالية للنص باعتبارها عنصرا تكوينيا ووظيفيا ضمن بنية أشمل وأوسع هي البنية المجتمعية أو الطبقية"([22])، أي محاولة إيجاد نوع من التماثل والتفاعل بين بنية نصية دلالية صغرى مع بنية أشمل هي البنية الاجتماعية لطبقة معينة ورؤيتها للعالم ضمن تصور المبدع الذي ينتمي إلى تلك الطبقة أو يعبر عنها فحسب، فإذا كان "الفهم عملا متصلا بالنص، فإن التفسير هو وضع هذا الأخير في علاقة مع واقع خارج عنه"([23]) هو الواقع الاجتماعي.

لا يمكن فصل مقولتي الفهم والتفسير واشتغال إحداهما دون الأخرى ضمن المنهج البنيوي التكويني، فالصلة بينهما وثيقة. فإذا كان الفهم هو دراسة البنية الدلالية للعمل الأدبي فإن التفسير هو رؤية ذات طابع شمولي أوسع للبنية الأولى، تسعى إلى إيجاد روابط بين النص وطبيعة الرؤية الاجتماعية التي تعكس إيديولوجية ذات وجود واقعي، إذ يستهدف "بعد التفسير وضع النص ضمن بنية أوسع هي التي تفسر طبيعة الرؤية الاجتماعية التي يتضمنها العمل الإبداعي، ويتم التعرف على هذه البنية الفكرية الأوسع بما يوجد بينها وبين بنية النص من تناظر ولابد أن تكون هذه البنية الفكرية واحدة من البنى التي تعبر عن إيديولوجية ما موجودة في الواقع"([24]) الاجتماعي بالمقابل.

يمكن أن نستخلص أن الفهم هو تفسير ذهني لجوهر البنية الداخلية الجزئية للعمل الإبداعي، يتكامل مع التفسير وهو فهم يسعى إلى تسليط الضوء على تلك البنية النصية الجزئية ضمن بنية كلية شاملة هي البنية الاجتماعية الفكرية. باعتبار العلاقة التفاعلية بين طرفي المقولة: النص وبيئة تكوينه.

فيستوجب في هذه المرحلة استحضار العوامل الخارجية لإضاءة البنية الداخلية للنص، والمقصود هنا ليس البنى وإنما عملية تشكّل البنى ضمن أطرها ومرجعياتها التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، مما ينفي عن البنية الدالة الداخلية سمة السكون والثبات ويؤكد حركيتها وتفاعلها ضمن بنية أوسع هي البنية السوسيولوجية، مما يؤكد أن "العمل الأدبي والفكري والفني ما هو إلا شكل من أشكال الحياة الاجتماعية ولا نستطيع فهمه والتّعمق فيه إلا إذا وضعناه في إطاره الشّامل الاجتماعي والتاريخي "،([25]) وهو ما يقابل تأويل النص ضمن السيرورة الاجتماعية التاريخية. وهل يمكن بأي حال من الأحوال بعد ذلك عزل البنية النّصية عن المرجعية السوسيوتاريخية من منظور البنيوية التكوينية؟ كلاّ فذلك يعتبر نوعاً من الانتهاك لذات النص ووجوده الخارجي، انطلاقاً من التعالق القائم بين النص وبيئته الخارجية، وبتر النص عن سياقه شبيه بالإجهاز على وجوده المعنوي المتمثل في ذاكرته.

هذا يعني تلك العلاقة الوثيقة بين الأدب والمجتمع، فالأدب ليس مجرّد انعكاس حتمي لصورة المجمّع بل هو رؤية جدلية نقدية، تحاول أن تبني المستقبل من خلال تتبع حيثيات الماضي والحاضر، وفق رؤية شمولية، تتعدّى مقولة الشكل، بوصفها تتبّعا للأجزاء الداخلية مفصولة عن الكل، في حين تسعى الثانية إلى جعل الأدب يتمثل في تجربة اجتماعية وتاريخية تتجلى بالفعل الاجتماعي والصراع الطبقي، لأن الأدب ليس تراكما كمّيا للكلمات والجمل أو نسقا شكليا خاويا من المعنى، فالشكل دون دلالة أو رؤية كلية ينتظم وفقها، لا ينتج أدباً، في حين أن تآلف النص كبنية لغوية متعالقة مع البنية الخارجية هو ما يجعل من النص أدباً وهو ما يشكل وجوده.

وحتى لا يبقى هذا الكلام مجرّد تنظير نسعى إلى تتبع هذا التعالق بين النص المدروس "مطلوب حيا أو ميتا " وبين بنيته الاجتماعية، خصوصاً وأن النص استوحى أحداثه من تجربة استثنائية شهدتها المجتمعات العربية وإذا كان النص ينبض بلحظات ومشاهد من السيرة الذاتية للكاتب، فقد استخدم هذا الأخير استراتيجية كتابة تقنعنا بأن ما يشغله ليس هو التاريخ لمحطة من حياته، بل إنجاز عمل مسرحي تخييلي يجسّد الواقع إلى حدّ بعيد، يقصد من خلاله مساءلة الواقع والتنقيب في صفحات التاريخ والنّبش في ثنايا الذاكرة، لكشف ما خفي واستتر، فالموت والقتل والدم والتّطرف لم تولد من فراغ، بل هي امتداد لممارسات سياسية، اجتماعية اقتصادية، ثقافية، فهذه الأخيرة شكّلت تربة خصبة لميلاد الأزمة في الوطن العربي.

مسرحية "مطلوب حيا أو ميتا " هي من النصوص المؤرخة للأزمة العربية والتي تبعث في قارئها نغمة تكاد تميل إلى اليأس والإحباط والهزيمة، لكن سرعان ما تجعله يغيّر توجّهه، إذ تتراءى له صور الحياة والتحدّي من قبل الشخوص ولاسيما  البطل أبو ذر أو فضاءات السوق والكوخ والصحراء التي كانت ترفض ذلك التّشوه وتحارب ذلك الموات الذي كاد يودي بها، متشبّثة بذاكرتها وتاريخها في صورة عبد الله بن مسعود وأبي ذر عبر لغة أرادها الكاتب سكناً يتحرّر من خلاله ليأسر قارئه من ذات الموقع بهز يقينياته حولها وملامسة أحلامه وطموحاته لأن اللغة من منظوره وجود وحياة وانفتاح على كل الإمكانيات وليس معطى جاهز.

انطلاقاً من لغة تقول الموت والحياة والصّمت والبوح والعجز والتّحدي والأنا والمجتمع، السّلطة والدين، راح الكاتب يبحث في أسباب الأزمة، ساعياً إلى تفسيرها بالعودة إلى جذورها الأولى، انطلاقاً من سؤال جوهري مفاده "هل هناك مساحة حقيقية فاصلة بين الماضي والحاضر؟ أليس الحاضر صورة تكاد تكون طبق الأصل عن ماضينا؟ هل أعدنا قراءة تاريخنا وفهمه على صعيد قومي وحتى إسلامي؟ لا أبداً، لهذا فالعودة إلى التاريخ ليس حالة رفاه ولكنها بالنسبة لي إشكال عويص "،([26]) هذا الإشكال التاريخي إذا ربطناه بالمآل في الحاضر، حاضر الأزمة، تجلّت لنا ملامح هذه الأخيرة عبر مرآة التاريخ التي إن استنطقناها بموضوعية بدت لنا بعض دوافع الأزمة وخفاياها كما هو الحال في مسرحية  "مطلوب حيا أو ميتا " التي فسّرت واقع الأزمة بالعودة إلى التاريخ. ليس كسلسلة متوالية من الأحداث بل كمحطات نعيد قراءتها من جديد.

1. تفسير التاريخ والذاكرة :

يمكننا بداية الإقرار بأن "مطلوب حيا أو ميتا "ليست مسرحية تاريخية تحاول إعادة كتابة التاريخ بوصفه نصّاً مقدّساً تعطيه هالةٌ من الجلال، ضمن إطارٍ منغلق محفوف بسياج القداسة، التي لا يستطيع المسرحي المساس بها، ذلك أن التاريخ، بعيداً عن المفاهيم الضّيقة التي تقضي بكونه جملة من الأحوال والأحداث، التي يمُرُّ بها إنسان أو شعب أو أمة، أو مختلف الظّواهر البشرية، أي "معرفة الأحوال المتحققة بالتتالي في الماضي بواسطة أي موضوع معرفي، شعب، مؤسسة، جنس، علم، لغة "،([27]) يبقى مفهوما غامضاً ولاسيما إذا ربطناه بالمسرح.

يبدو أن الكاتب السيد حافظ بخياله يكمّل التاريخ ويسدُّ ثغراته ويكشف مكبوتاته وما سكت عنه، ذلك أن "إعادة بناء الماضي هو جهد متزاوج بين عمل المخيلة وعمل المؤرخ، أو بين مرجعين: مرجع مباشر هو الحدث الماضي،  مرجع منتج هو الخيال. فهما يشكّلان الحدث التاريخي الماضي في قالب جديد ومبتكر هو القصة أو الرواية"،([28]) وبالنّظر إلى العلاقة الوثيقة بين التاريخ والمسرح يمكننا أن نسلّم بالدّور الفعاّل لخيال المبدع، وتشغيله ضمن الحدث التاريخي، بما يساهم في خلق جديدٍ، وكشْفٍ للمستتر خلفه، بالطبع بهدف إضفاء مسحة جمالية.

إن الخطاب المسرحي في "مطلوب حيا أو ميتا " قدّم أنموذجاً للوطن المجروح الذي يبحث عن هويته، والذات المتأزمة التي تروم الخلاص، إنها الذات الدرامية التي أخذت تستنطق التاريخ وتستوقف بعض محطاته وتسائلها ضمن إطارها الزمني، لتقيم بينها وبين حاضر الموت والأزمة وشائج الاستمرارية والتّعاقب التي تقتضي أن هذا السَّبب يؤدي حتماً إلى تلك النتيجة، وفق رؤية درامية تعاملت مع التاريخ بوعي معيّن بالحاضر يسترجع أزمنة مضت ولكنها ما تزال تتحرّك عبر الذاكرة ليعيد صنع وتشخيص الأحداث.

انطلاقا من مقولة الفيلسوف ديكارت: "أُفكر إذن أنا موجود "، نستطيع أن نعتبر أن التّذكر بوصفه استعادة لأحداث ماضية استقرت في الذاكرة هو تدليل على الوجود، لأن الإنسان من دون ذاكرة، يعتبر ملغيّ الذّات والوجود لأن "الذّاكرة هي مجمل الأحداث المنسية والمشاعر والانطباعات والمتع والشروح والهواجس والمخاوف والأهوال التي اعترت حياة الإنسان ".([29]) معنى ذلك أن الذاكرة هي وجود الإنسان عبر الزّمن، ولكن ليس الماضي فحسب، بل الحاضر والمستقبل، ونقصد هنا "الذاكرة/التّذكر: وتسجِّل الماضي كأنه (تذكّر/صورة) وتكشف لنا صورة أو صُوراً من حياتنا الماضية، وتنقلها إلى وقتنا الحاضر مستهدفة المستقبل"،([30]) أي إعادة تشكيل الذّاكرة و الوعي بوصفهما جملة من الحقائق الممزوجة بالمشاعر التي تستدعي مثيلتها. وتقحمنا قراءة "مطلوب حيا أو ميتا " في ذاكرة الكاتب المتماهي مع البطل الدرامي، كونها تحاكي مراحل أو محطات من حياته . و"لكن مجهود التّذكر هنا يتداخل مع الخيال الذي يوظّفه الكتّاب أو مع المراوغة في سرد الحدث ".([31]) بما تتطلبه الضرورة الفنيّة.

يحقق الكاتب انتماءه للمجتمع وهويته في إطاره عبر هذا التّلاحم الذي يجسد ذاكرته، ذلك "أن الإحساس بالهوية الشخصية الذي يمتلكه كلُّ واحدٍ منَّا هو إحساسٌ بالاستمرارية عبر الزمن وهو ما لا يمكن امتلاكه دون الذاكرة "،([32]) التي تعكس شخصيته، والذّاكرة الجمعية لمجتمعه عبر الزّمن.

 فالكاتب المسرحي أفلح في تشكيل صورة حركية ومتجددة تتخطى التذكر في حدّ ذاته، إلى تركيب منجز جديد يستوعب الحاضر، ويتنبأ بالمستقبل، ذلك أن الروائي هو ذاك "المتذكر الذي ينتقل بذاكرته من الماضي وأحداثه وحيثياته إلى الحاضر المعيش، ويستبصر المستقبل ".([33]) وآية ذلك أن الذّاكرة تُفلت ذكرياتها دون تَبويبٍ أو تنظيم بل في بنية متماسكة أحياناً، مبعثرة أحياناً أخرى، خاضعة للزَّمن الذي يأبى التَّعاقبية الخطّية لألاَّ يكون الاشتغال المسرحي رتيباً ونمطياً.

2/ تفسير فساد السلطة:

نؤكد بداية أن النص الروائي تحدّث عن السلطة بوصفها هيكل عاماً، لا بوصفها هيكل تشخيصي، وذلك باستخدام صيغة الجمع دائماً.

ينتقد الكاتب المسرحي السيد حافظ على لسان "سيف الدين الفاروق "القاضي المعزول تلك التلفيقات السُلطوية المضخمّة قائلا:ـ " لن أنصرف إلى بيتي إلا بعد أن تجيبوني . أيها الناس هل أنا أبو ذر؟ فمرة أكون القاضي سيف الدين وأنا على كرسي الحكم. ومرة أكون أبا ذر وأنا في قفص الاتهام. نكتة...نكته سخيفة أليس كذلك؟  ".([34]) وبين الموت والسلطة السياسية علاقة حميمة مارستها هذه الأخيرة منذ نعومة أظفارها، لتكشف عن وجهها الاستغلالي والانتهازي، المتمثل في شهود الزور والشرطة ممثل الادعاء خبير الاختلاق وخبير التشويه.

هذا الخطاب حتماً دفع بالواقع السياسي الاجتماعي للفرد العربي إلى أفق التخييل، لماّ بات هذا الأخير ينوء بأحمال الفعل المتسلّط من أعلى رتبة في هرم السلطة إلى أدناها، فحيث أضحت مواجهة السلطة بأفعالها في الواقع أمرا عسيرا، يستوجب الكثير من الحذر، من قبل المواطن البسيط أو المثقف نتيجة الأفعال القمعية القهرية التهميشية كانت ثورة الخطاب المسرحي معادلاً للثورة في الواقع.

          لغة السيد حافظ لم تُركٍّز على الخطاب السُّلطوي، بقدر ما رَكَّزت على الفعل السُّلطوي باعتبار الفعل يترجم القول ويحتويه، حيث تتبع من خلالها عيوب السُّلطة وإيثارها لمصلحتها وتلاعبها لمصالح الوطن والشعب.

          يوظف الكاتب لفظة عفنستان توظيفاً رمزياً يشتغل في المستوى الدلالي، ليضاعف طاقة الفساد، التي وصلت فيه إلى حدْ التَّعفن.

وقد تعمّد المسرحي عدم ذكر هؤلاء المتسلطين بأسمائهم حماية لنفسه خاصة وأنه باستقراء الخطاب في "مطلوب حيا او ميتا "، نجد أن المسرحي قد جعل من السلطة الرّحم الذي أنجب التَّطرف والموت.

كما قد يكون هذا التَّستر من دواعي الضرورة الفنيّة التي تُبقي دائما على خطٍّ فاصل بين الواقع والتَّخييل.

أيًّا كان التَّأويل الأصَحْ فهو لا ينفي إيديولوجيا الكاتب الرّافضة لسياسة التسلط المتجلّية من خلال شخوصه ولاسيما شخصية البطل المتماهية معه، بل يمكننا القول أنه هو ذاته، وتلك سمة المثقّف الذي يستخدم اللغة وسيلة للتعبير عن أفكاره المرتبطة بالواقع الخارجي الذي لا يستطيع الفكاك منه، والواقع السياسي جزء منه.

إذا يحاول المسرحي، عبر النص الدرامي هذا إعلان رفضه لهذا الواقع (السياسي)، لكن الواضح أنه لم يقدّم بدائل واكتفى بالتّوصيف والرَّفض والإدانة، ولئن تمكّن من قول الحقيقة للسلطة فهو لم يستطع على مستوى الفعل تغيير مسارها أو تقديم رؤية بديلة للوضع السياسي القائم لأنه غيّب حضورها في هيئة شخوص، تتحدّث عن ذواتها وتبرز منطقها عبر الخطاب المسرحي، فيمكن التَّحاور معها وتبادل الأفكار والرُّؤى بما يمكّن من انتصار فكرة معينة في النهاية.

كما يمكننا القول من وجهة نظر تأويلية سوسيولوجية أن شخصية "أبو ذر الغفاري " احتمت بسلطة الخطاب الديني، لتنتقم للذّات المهمّشة فيها.

نتائج الدراسة :

أخيرا و من خلال المقاربة السوسيوبنائية، وتطبيق آليات الفهم والتفسير والوعي التي قمت بها حيث اتخذت من مسرحية " مطلوب حيا أو ميتا " مجالا للدراسة والتحليل، مسائلا متونها مرة ومحاولا التأويل مرة أخرى بوضعها في سياقها الاجتماعي السياسي الذي تشكلت ضمنه حيث حاولت ربط البنى النصية الداخلية بالبنى الخارج نصية سياسية اجتماعية ثقافية بما تقتضيه طبيعة المنهج المتبع في هذه الدراسة وقد سمحت طبيعة هذه المقاربة أن استخلص النتائج الآتية:

-     أوضحت لنا القراءة الداخلية للمدونة " مطلوب حيا أو ميتا "  بتطبيق آلية الفهم أن الفعل الدرامي فيها ينبني حول جدلية (الموت/الحياة) كتيمة مركزية تتفرع عنها جملة من الموضوعات الفرعية المتعلقة كلها بتوصيف واقع الأزمة وتأثيرها على شخصية البطل ووعيه المرتبط بالسياق التاريخي والسياسي.

-     قدمت لنا " مطلوب حيا أو ميتا " صورة المثقف الذي يمتلك رؤية نقدية لواقع الأزمة انطلاقا من إيديولوجية خاصة التي تضع كل الحقائق موضع مساءلة وبحث بعيدا عن اليقين الجازم الذي يقضي بإلغاء الآخر لأن الحقيقة بطبيعتها نسبية.

-     قدم لنا المسرحي السيد حافظ فضاءات السوق والقصر والكوخ والمقهى، ليس بوصفها فضاءات جغرافية تؤطر حركة البطل وفعله فحسب بل بوصفها فضاءات للانتماء والاغتراب، فحيث تغيب كفضاء جغرافي تحضر كفضاء وجداني يملأ الذاكرة معا ليحقق جدلية (موت/حياة) إما موت الجسد، أو موت الذاكرة.

-     جسد الخطاب الروائي موضوع الحياة من خلال مجابهة البطل لواقع الموت بممارسته كافة طقوس الحياة، الاختلاط بالناس وحب السوق والكوخ الذين يعادلان إيمانه بهويته .

-     إن تطبيق إجراء التفسير أفضى بنا إلى تفسير جدلية (موت/حياة) كبنية نصية في إطار بنية خارج نصيه، التي كانت أرضية لتشكل هذه الجدلية وذلك بتتبع العلاقة بين طرفي الثنائية وجملة من الموضوعات الرامزة لها واستنطاقها.

-     فسرت موضوع الموت في " مطلوب حيا أو ميتا " بمساءلة التاريخ العربي والإسلامي وتجلياته عبر أزمنته الثلاثة (ماضي/حاضر/مستقبل) كمجال للفعل التخييلي الدرامي حيث تمت إعادة بناء الزمن التاريخي بما تقتضيه ضرورة الحدث المسرحي.

-     اشتغل خطاب الذاكرة في " مطلوب حيا أو ميتا " بوصفه المرجعية الحية التي تحقق هوية البطل، ورؤيته لواقعه الراهن حيث يكتسب الحدث الماضي لديه دلالته من خلال ارتباطه بالزمن الحاضر أي زمن الأزمة والعكس صحيح، إذ تتمثل الذاكرة نصيا كحدث يغذيه الشعور يخلق لدى البطل إحساس بالاستمرارية عبر الزمن.

-     وردت فكرة السلطة في " مطلوب حيا أو ميتا " بوصفها باعثا محفزا وعلة حقه لميلاد الأزمة وقد تم الإشارة إليها كهيكل عام لا كهيكل تشخيصي باستغلال مقولتين: السلطة تساوي الثروة والسلطة تساوي الشرعية وآية ذلك خدمتها لمصالحها الشخصية وتغاضيها عن خدمة الرعية، فتحولت من عامل بناء وتطوير للوطن إلى معول للقمع والهدم.

-     جعل الروائي من الكتابة في ظل الأزمة معادلا فنيا للحياة متخذا منها وطنا شاسعا يهزه بمخياله وإغراء لغته إنه وطن الكتابة الذي يوازي الحياة ويقهر الموت فعندما يغيب الوطن ويغزو المنفى أرواح الشخصيات ذلك حال أبي ذر وزوجته في الصحراء تصبح الكتابة الوسيلة المثلى لمعرفة الذات والوطن والأداة الناقلة لقساوة المنفى وغربته، وكذلك حال البطل الدرامي الذي يقاوم حالة الموت المسيطرة على حاضره بفعل الكتابة جاعلا منها عنوانا لوجوده وعاملا لبقاء الذاكرة والمجتمع.

-     يلجأ إليه (شارع، مدينة، بحر)، محققة بذلك الثنائية الجدلية التي يستند إليها السرد في ذاكرة الماء أي (حياة/موت).

-     وخلاصة القول أن الوعي الممكن الذي قدمه البطل كرؤية ممكنة للعالم بشقيه التخييلي والواقعي يلتقي مع الوعي الجمعي الشعبي، إذ يقوم على رؤية متكاملة تسعى إلى التغيير الايجابي، بتجاوز واقع العنف والموت، الذي أنتجه القمع السلطوي  إلى واقع ينبذ الرؤى المقدسة، والقول بيقينية المعرفة فيطرح وعيا وسطيا حواريا معتدلا يجمع بين الإيمان والقول وذلك بالعودة إلى معين الهوية ودينا وانتماء .

-     إن مقومات الوعي الممكن للبطل المتماهي مع الكاتب وهي: الانتصار لقيم الحق والعدل والحوار والتسامح كقيم مركزية تتيح بلوغ مستقبل أفضل ووعي الكاتب المسرحي ليس انعكاسا بسيطا للوعي الجمعي بل هو تعبير راق عنه، لأن هذا الأخير تنتجه النخبة المثقفة التي تستطيع تحديد رؤيتها للعالم والسبل الموصلة إليها.

 

 



([1]) عمر عيلان. في مناهج تحليل الخطاب السردي. ص:200.

([2]) لوسيان غولدمان. المنهجية في علم الاجتماع الأدبي. ترجمة مصطفى المسناوي. ط1. دار الحداثة، بيروت، 1981، ص:14.

([3]) حميد لحميداني. النقد الروائي والإيدولوجيا (من سوسيولوجيا الرواية إلى سوسيولوجيا النص الروائي).ط1. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1990، ص:66.

([4]) السيد حافظ . مطلوب حيا أو ميتا. ص 2

([5])  صالح إبراهيم. الفضاء ولغة السرد في روايات عبد الرحمن منيف. ط1. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2003، ص:19.

([6]) السيد حافظ .مطلوب حيا أو ميتا .ص10.

([7]) المصدر نفسه، ص22.

([8])  المصدر السابق. ص: 492.

([9]) شرف الدين ماجدولين. الصورة السردية في الرواية والقصة والسينما. ط1. منشورات الاختلاف، الجزائر، 2010، ص:63.

([10])  عادل ضرغام. في السرد الروائي. ص: 54.

([11])  المرجع نفسه. ص: 38.

([12])  المرجع نفسه. ص: 26.

([13])  المرجع السابق. ص:35.

([14])  المرجع نفسه. ص:29.

([15])  فاديا دلا، الروائي وسيني الأعرج. الكتابة متعة وليست نزهة.ج 1 (حوارات واسيني الأعرج الأكثر جدلا). ضمن كتاب زهرة ديك. واسيني الأعرج هكذا تكلّم...هكذا كتب. ص: 229.

([16])  جابر عصفور. مواجهة الإرهاب قراءات في الأدب العربي المعاصر. ص:58.

([17])السيد حافظ . مطلوب حيا أو ميتا . ص:35 .

([18]) عمر عيلان. الإيديولوجيا وبنية الخطاب في روايات عبد الحميد بن هدوقة(دراسة سسيوبنائية). ص:229.

([19])  السيد حافظ. مطلوب حيا أو ميتا ص:2.

([20])  إبراهيم خليل. بنية النص الروائي (دراسة). ط1. منشورات الاختلاف، الجزائر، 2010، ص:141.

([21])  جمال شحيد. في البنوية التركيبية (دراسة في منهج لوسيان غولدمان). ص:85.

([22]) عمر عيلان. في مناهج تحليل الخطاب السردي. ص:201.

([23]) جمال شحيد. في البنيوية التركيبية (دراسة في منهج لوسيان غولدمان. ص:177.

([24]) حميد لحميداني. الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي (دراسة بنيوية تكوينية. ص:16.

([25])  المرجع نفسه. ص:83.

([26])  زهية منصر. واسيني الأعرج، لو قذفنا كل كلب نبح لما بقي على الأرض حجر.ضمن كتاب سهام شراد. واسيني الأعرج قاب قوسين أو أدنى (حوارات في الرواية والكتابة والحياة 2004-2014). ص: (47-48).

([27])  جنَّات بلخَنْ. السرد التاريخي عند بول ريكور. ط1. منشورات الاختلاف، الجزائر، 2013، ص:51.

([28])  المرجع نفسه. ص:89.

([29])  جمال شحيد. الذاكرة في الرواية العربية المعاصرة. ط1. دار الفارس للنّشر والتوزيع، الأردن، 2011، ص:75.

([30])  المرجع السابق. ص:77.

([31])  المرجع نفسه. ص:119.

([32])  ميري ورنوك. الذاكرة في الفلسفة والأدب. ترجمة فلاح رحيم. ط1. دار الكتاب الجديد المتحدة، لبنان، 2007، ص:117.

([33])  المرجع نفسه. ص: 205.

([34])  السيد حافظ. مطلوب حيا أو ميتا. ص:32.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More