دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(42)
البناء الدرامى النفسى
فى كوميديا السيد حافظ
دراسة نقدية تحليلة
بقلم د. مدحت أبو بكر
دراسة من كتاب
المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة
البناء الدرامى النفسى
فى كوميديا السيد حافظ
دراسة نقدية تحليلة
بقلم د. مدحت أبو بكر
مدخل يقود إلى موضوع الدراسة:
إذا كان العالم النفسى الشهير سيجموند فرويد قد ابتدع مدرسة التحليل النفسى ، فإن الطبيب النفسى الشهير – أيضاً – جاكوب مورينو ابتدع أساليب العلاج الدرامى النفسى.
وقبل الجهود العلمية التحليلة النفسية الفرويدية ، والجهود العلاجية الدرامية النفسية المورينية ، انطلقت جهود إبداعية درامية مسرحية منذ انطلاق إبداعات الأربعة الكبار ايسخيليوس وسوفوكليس ويوربيدس واريستوفان ، وظلت هذه الإبداعات تنطلق لتقام حولها المدارس النقدية المستمدة من رحيق الإبداع الدرامى المسرحى..
والحقيقة المؤكدة ، الإبداع يسبق النقد ، والحقيقة المؤكدة أيضاً لا إبداع بدون نقد يواكبه ، ويحلل عناصره ويضيئ جوانبه للتعرف على إيجابياته وسلبياته، وهذا التعرف يمنح المبدع حق اللجوء إلى مناطق التجويد الإبداعى، ويمنح المتلقى تأشيرات الدخول إلى عالم الدراما المسرحية بتفاصيلها الدقيقة ورؤية هذه التفاصيل من زوايا يساندها الوعى والإدراك وتنمية الحس النقدى ، على مستوى التعامل مع الدراما المسرحية وعلى مستوى التعامل مع الحياة الواقعية.
وإذا كان المسرح نشأ وتطور تلبية لحاجة نفسية ، فالتعامل التحليلى النفسى لدراما المسرح رحلة ممتعة لاكتشاف الذات الإبداعية للكاتب المسرحى ، والذوات الدرامية للشخصيات المسرحية ، وهذا يجعل الدراسة النفسية الواعية المتأملة أحد أهم المشاغل التى لابد أن تتصدر قائمة اهتمامات الكاتب المسرحى حيث يحصل على المساندة النفسية فى تعاملاته مع شخصياته ويكون واعياً وهو يرسم ملامح الشخصيات ، مراعياً مبررات السلوك ، منتبها للتحولات التى تطرأ على الشخصيات والتى لابد أن تحمل إمكانات التواصل مع قناعات المتلقى خاصة إذا كان الكاتب مخلصاً للدراما الأرسطية ، مصاحباً لحدودها ، راضياً بقيودها.
وعندما يقرر المؤلف المسرحى التمرد على التقاليد الأرسطية وتقديم بناءات درامية مختلفة ، لن يمارس تمرده بعيداً عن العالم النفسى حتى لو قرر تقديم شخصيات لا تحكمها الدوافع النفسية المعروفة وتتصرف بلا منطق ، وتقفز من منطقة نفسية إلى منطقة أخرى بدون مبررات ، لأن أى تركيبة نفسية قد يعتقد المؤلف أنه يبتدعها، لابد أن يكون معادلها النفسى موجوداً فى الكتابات النفسية والنظرية ، والأبحاث والدراسات النفسية المستمدة من واقع الممارسة ، والمطبقة على حالات موجودة فى الواقع.
ومن هنا كان التركيز على التعامل الدرامى النفسى مع كوميديا السيد حافظ من خلال اختياره لموضوعات مسرحياته ، وصياغة الجمل الحوارية المستمدة من الملامح النفسية للشخصية والبناء الدرامى النفسى للمواقف الكوميدية ، والملامح النفسية لشخصية المؤلف وانعكاسها على تعاملاته الدرامية المسرحية .
وإذا كنا نختلف مع السيد حافظ فى بعض مناطق إبداعاته ونتفق مع مناطق أخرى ، فالحقيقة الباقية والتى تؤكد عليها هى أن السيد حافظ كاتب مسرحى لديه ما يقوله ، مشغول بهموم الإنسان العربى ، حتى لو كان قاسياً فى انتقاداته لسلوكيات هذا الإنسان ، مشغول بهموم التجمع العربى ، والعلاقات المصرية العربية ، إنه كاتب يتحرك محملاً بأفكار وقضايا ومشكلات لا أول لها ولا آخر ، إنه قلق دائماً ، مشغول دائماً ، يعيش داخل ذاته كثيراً ، يتحدث إلى الآخر ويهتم بالتبادل الحوارى بينما تكويناته الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية مشغولة بالتحليل والرصد والتأمل والتفسير بعد الإدراك ، إنه يعيش مخلصاً لعلاقة بين الوعى واللاوعى ، بين الشعور واللاشعور ، بين الآن وزمان ، بين الواقع والخيال ، وهذا الإخلاص للثنائيات المتناقضة يتولى تشكيل شخصيته الإنسانية ، وكيانه الإبداعى ، فالسيد حافظ لا يختلق العلاقة مع الوعى واللاوعى طبقاً لمتطلبات المواقف الحياتية ، والتوقيتات الزمانية وطبيعة الشخصيات التى يلتقيها أو يتعامل معها حسب درجات اقترابه من هذه الشخصيات أو تباعده عنها ، لكنه يترك ذاته لمن يريد ، عندما يستدعيه اللاوعى يطير إليه فراشة فرحة بالاستدعاء ، دون خوف من الاحتراق بأنوار وأضواء وتوهجات اللاوعى بانطلاقاته التى لا تعترف بالقيود المجتمعية ولا يرضيها الحدود الاجتماعية ، ويترك السيد حافظ ذاته الإبداعية للاوعى ، يداعبها ، ويقيم حوار معها .. وعندما يشعر الوعى بالحاجة إلى كيان هذا الإنسان ، يطالب بحقه فيستأذن الكيان الإنسانى حاملاً معه الكيان الإبداعى فى رحلة ممتعة إلى الوعى الذى يعيش الحدود والقيود راضياً بإندماجه داخل الجماعة الإنسانية، بعد أن عاش مساحات من التمرد الجميل.
تلك الديناميكية فى علاقة السيد حافظ – إنساناً ومبدعاً تتناثر فوق الأوراق نصوصاً مسرحية ، تشغل النقاشات وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع النصوص ومع فكر مؤلفها نحترم ابداعاته ونعلن دهشتنا لجرأته ، ويسعدنا إخلاصه لقضايا وطنه.
وهذه الدراسة تسعى إلى التحليل النقدى للمسرح الكوميدى للسيد حافظ من خلال التأملات النقدية التحليلة للبناء الدرامى النفسى سواء فيما يتعلق بتأثير الملامح النفسية لشخصيات المؤلف على توجيه وقيادة إبداعه، أو ما يتعلق بالتفاعل بين المتلقى وكوميديا المؤلف والتعامل النفسى للمتلقى فى الشخصيات والأحداث ولغة الحوار.
وقد اعتمدنا فى هذا التحليل على أربع مسرحيات هى :
1- وسام من الرئيس.
2- قراقوش والأراجوز.
3- ملك الزبالة.
4- رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة.
وأود الإشارة إلى ملاحظة غريبة وهى انعدام الدراسات والتناولات النقدية وقراءات النقاد والباحثين المصريين لمسرح السيد حافظ ، رغم أهمية هذا المؤلف ، وأهمية مسرحه وحقه وحق هذا المسرح المتميز بالثراء فى البحث عن موضوعات جديدة ، فى التناول النقدى اللائق.
وللحقيقة شعرت بالدهشة الممزوجة بالحيرة والحزن لهذا الموقف النقدى المصرى من مؤلف مسرحى مصرى بغض النظر عن الجيل الذى ينتمى إليه المؤلف، لأننى ضد التصنيفات الزمنية والعمرية والإيديولويجة والعقائدية، فالمسرح مسرح مهماً اختلفت موضوعاته، والكاتب المسرحى، ومدى التواصل بين مسرحه وبين الناس، ودرجة الوعى بقضايا الناس والتميز للاحتياجات النفسية والهموم المجتمعية والرغبات الجمعية الاجتمعية .
وقبل ممارسة التعامل النقدى مع كوميديا السيد حافظ والبناء الدرامى النفسى لمسرحه الكوميدى ، أرجو أن أكون قد رددت اعتباره ككاتب مسرحى مصرى هام تجاهله النقاد المسرحيون المصريون لأسباب لا يعلمها إلا الله ثم النقاد المسرحيون المصريون.
وأتمنى للسيد حافظ مزيداً من الجهود الإبداعية الجريئة المتمردة حتى لو اختلفنا معها أو مع بعضها فالنتيجة إضافات حرة إلى دنيا الحق والخير والجمال ، المسرح.
المبحث الأول
تنوع المصادر الكوميدية عند اختيار الموضوعات المسرحية يتميز السيد حافظ بالتعامل مع مصادر متنوعة عند اختيار موضوعات مسرحياته، وفى المسرحيات الأربع التى تعاملنا معها بالتحليل النقدى فى هذه الدراسة، نجد أن المؤلف لجأ إلى مجموعة مختلفة من المصادر التى تعامل معها وهو يكتب مسرحياته الكوميدية. وعندما نتأمل المسرحيات الأربع نجد المؤلف قد تعامل مع المصادر الأتية:
أولاً : الواقع السياسى المعاصر فى مسرحية وسام من الرئيس.
ثانياً : الموروث الشعبى المصرى فى قراقوش والأراجوز.
ثالثاً : العلاقات المصرية العربية فى رحلات ابن بسبوسة.
رابعاً : التراث التاريخى العربى فى ملك الزبالة.
وقبل أن نقدم استعراضاً موجزاً حول موضوع كل نص من النصوص الأربع، نجد ضرورة الإشارة إلى استضافة السيد حافظ للسياسة فى الموضوعات الأربع رغم تنوع وتعدد المصادر التى لجأ اليها للتعامل الكوميدى معها فالسياسة جزء أساسى من النسيج الدرامى للكوميديات الأربع ، ولعل هذا الملمح يتضح من خلال استعراض موضوعات هذه النصوص.
أولاً : وسام من الرئيس .. والواقع العالمى المعاصر :
عندما تناسى الرئيس العراقى صدام حسين وقادة جيوشه ومسئولو سياساته أهمية العلاقات الأبدية التى تربط الدول العربية ، وقرر اقتحام الكويت فى سلوك أثار دهشة الجميع ، أصيب الوجدان العربى بشرخ لن يستطيع الزمان معالجته بسهولة ، لقد تمكن هذا الزعيم العربى العراقى من إيلامنا جميعاً وأصابنا بوجع مؤلم أنتج العديد من الأعمال الدرامية المسرحية ، كان معظمها مجرد انفعالات انطباعية تفتقد إلى القدر على التعامل الدرامى مع هذا الحدث.
ويأتى رد فعل السيد حافظ ككاتب مسرحى عربى مصرى من خلال رؤية شديد الذكاء ، عندما تعامل مع أثار ما بعد الحرب التى أشعلها صدام حسين وتدخلت جميع الدول من كل مكان فى الدنيا كأطراف فى هذا الصراع ، ولكل دولة وجهة نظرها الخاصة التى تحمل مبررات المشاركة.
وقد تعامل المؤلف مع الواقع العالمى المعاصر من زاوية خاصة به فلم يدخل مباشرة إلى جحيم الأحداث المؤلمة ولم يبحث فى أطماع زعيم عربى فى دولة عربية ، ولكنه قرر تعرية هذا الواقع من خلال ردود أفعال مؤسسات عديدة فى مصر مع جندى مصرى شارك فى حرب التحرير والكوميديا النابعة من الإحساس بالألم فيما يتعلق بحرب التحرير أن الدولة العالمية الكبرى – أمريكا – فرضت واقعاً عالمياً وخططت ونظمت وقادت ما أسمته حرب التحرير ، لماذا ، التحرير دولة عربية من الاستعمار العربى ، أليس هذا الواقع دافعاً للضحك ، وكلفه الضحك الذى نشعر معه بكابوس البكاء.
ويستعرض السيد حافظ التأثير غير المباشر لهذا الواقع العالمى المعاصر على العلاقات بين فاضل العسكرى المصرى الذى شارك فى الحرب وأصيب فيها ، وبين مختلف المؤسسات الاجتماعية والمسئولين مثل اللواء الطبيب عزمى والرقيب سعيد ومحروس شعللها الصحفى الغارق فى البحث عن مصالحه والعمدة الذى اغتصب ثلاثة قراريط من فاضل وزوجته.
ومن هذا التناول الكوميدى يسحبنا المؤلف إلى رؤية السياسة الكويتية فى سياسات أمريكا عندما يستدعى لا شعور فاضل أحداث وحوارات تمت بينه وبين جورج سمبو الجندى الأمريكى ، ويأتى هذا الاستدعاء من خلال الارتباط الشرطى بين ظهور سمبو الذى التقى بفاضل فى القاهرة، وتفاصيل علاقة سمبو بفاضل عندما شاركا مجموعة من الجنود متعددى الجنسبات فى حرب التحرير ، هنا يقول الكاتب المسرحى كلمته من خلال الواقع العالمى المعاصر ذلك الواقع الذى فرض على الكويت والدول المجاورة التى تدفع لسمبو ولكل جندى امريكى أو اجنبى مبالغ مالية كبيرة تبدأ من ألف ومائتى دولار شهرياً ، بينما يحصل الجندى المصرى على مائتى جنيه مصرى فقط لا غير شهرياً ، ويتضح من الحوار الذى يدور بين فاضل وسمبو ومدى الصراع العنيف الذى يعيش فاضل داخل نيرانه عندما يفكر فى هذا الواقع العالمى للمؤلف.
ثانياً : قراقوش والأراجوز .. والتعامل مع الموروث الشعبى المصرى :
فى مسرحية قراقوش والأراجوز لا يستسهل السيد حافظ لعبة الاعتراف من ينابيع الموروثات الشعبية المصرية أو العربية ، لكنه يقدم مزجاً ذكياً بين قراقوش وأحكامه الظالمة وسلوكياته المتبجحة وقراراته التى لا تطاق ، وبين الأراجوز الضمير الشعبى الناقد الراصد المتأمل المحلل الذى يقول للأعور أنت أعور "فى عينه" دون أن يمتلك هذا الأعور أية قدرات على مجازاة الأراجوز لأنه يلعب ويمزح ويضحك ، والجميع يضحكون على ذكائه وانتقاداته.
وهكذا مزج السيد حافظ بين الجانب التاريخى من خلال التعامل مع شخصية تاريخية هى شخصية أبو سعيد بهاء الدين قراقوش ، والجانب الشعبى من خلال شخصية الأراجوز الذى تحول إلى شخصية تنتقد سلوكيات قراقوش وتحرض الناس على التمرد والثورة ورفض أحكام القراقوشين.
وتلعب السياسة دورها كجانب مختزن داخل المخزون النفسى للمؤلف ، فيتحول – كمؤلف – إلى أراجوز مسرحى ينتقد من خلال الشخصيات والأحداث سياسات الحكام فى تلك الفترة ، ومسئوليتهم عن صناعة الظاهرة القراقوشية ، فيدخل المؤلف – الأراجوز – عش الدبابير عندما ينقد القائد العربى البارع سلوكاً وحكماً وقيادة وحرباً صلاح الدين الأيوبى، ورغم براعة هذا القائد ، إلا أنه مسئول عن تواجد قراقوش وانتشاره وتحوله إلى كيان مثير للإزعاج لكل من ألقى بهم الزمان داخل نطاق أحكامه الغريبة ، ويأتى انتقاد المؤلف لصلاح الدين الأيوبى ومسئوليته لأنه لم ينتبه لهذا الوزير ولم يمنع تجاوزاته ولم يوقفه عند حده ، اعتمد على قراقوش ومنحه صلاحيات جعلته أكثر ظلماً وتجاوزاً وتجنباً على المواطنين.
وهكذا يلعب السيد حافظ السياسة من خلال رحلة كوميدية فى التاريخ المصرى ، وبالتحديد خلال المساحة الزمنية التى شهدت أمجاد القائد صلاح الدين الأيوبى ، ووزيره قراقوش.
ثالثاً: رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة.. وتناول العلاقات المصرية العربية:
ولأن السيد حافظ أحد الكتاب المسرحيين الذين طافوا بأعمالهم فى العديد من الدول العربية ، فإن رحلاته لم تكن لمجرد الحصول على موارد مالية فقط ، لكنه كان يفتح لنفسه مساحات من التواجد فى الدول العربية كمؤلف مسرحى مصرى ، وخلال هذه الرحلات ، كان الكاتب المسرحى داخل السيد حافظ يقوم بعمليات الملاحظة المتأملة للواقع ، والاستماع الواعى للأخرين، والرصد التحليلى للأحداث ، ويستوعب ما لاحظه وما شاهده وما استمع إليه ويضعه فى ذاكرته الدرامية المسرحية ، والنتيجة استدعاء هذا المخزون ليتناثر فى أكثر من نص مسرحى للسيد حافظ ، ويظهر متكاملاً فى نص بعنوان " رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة" .
وتقفز السياسة إلى هذا النص من الأبواب والنوافذ لتعلن عن التأثر العربى الواضح بالسياسات الغربية ، ويتناول المؤلف فى هذا النص العلاقات المصرية العربية من خلال المواطن المصرى عبد الله الذى يسافر بحثاً عن موارد مالية تضمن له حياة لائقة ، وقبل السفر تبدأ معاناة ابن بسبوسة وعذاباته مع سفارة الدولة الشرقية ، ثم سفارة الدولة الغربية ، ورغم الانتقادات الحادة التى يوجهها السيد حافظ فى هذا النص للكثير من سلوكيات الأخوة العرب تجاه المصريين ، إلا أن الكوميديا المسرحية لا تفسد للود العربى قضية ، وبذلك يكون نص رحلات ابن بسبوسة وثيقة عتاب مسرحى من كتاب مصرى إلى الأخوة العرب.
رابعاً : ملك الزبالة .. والتراث التاريخى العربى :
ويتعامل السيد حافظ مع فترة تاريخية عربية تم خلالها حدث هام ، الفترة التاريخية هى السبع سنوات الواقعة بين عام 265 – 373 هجرية ، والحدث هو تولى قسام التراب شيخ الزبالين فى دمشق مسئوليات الحكم ، وذلك بعد أن قرر جامعوا القمامة الإضراب عن العمل وتركوا القمامة تتراكم أكواماً فى كل مكان ، ويلعب السيد حافظ السياسة فى نص " ملك الزبالة " من خلال تبادل الأدوار حيث يتحول المحكومون إلى حكام ، ويصبح الحكام محكومين ، هذه التركيبة التى ترسم خريطة جديدة للسلوكيات والعلاقات تمنح المؤلف الفرصة لرسم المواقف الكوميدية الناتجة عن تبادل الأماكن ، لأن أساليب حياة الشخصيات تغيرت ، الذين كانوا يحتلون مساحات التواجب فى قمة الحكم أصبحوا حكاماً ترصدهم وتحاسبهم وتأسلهم عن أفعالهم الماضية والحاضرة.
ولعبة تبادل الأدوار فى السيكودراما يستخدمها المعالج الدرامى فى النفس ليشعر كل فرد بانفعالات الآخر الذى يأخذ مكانه .
وفى ملك الزبالة يقدم السيد حافظ إسقاطات سياسة كوميدية من خلال التعامل مع دمشق كرمز للدول العربية والروم كإشارة للدولة الأمريكية الكبرى المتحكمة فى خط سير التحركات والعلاقات والتحالفات فى مختلف دول العالم.
وبذلك نجد السيد حافظ يقوم بتجوالات لا تهدأ من الواقع العالمى إلى الموروث الشعبى المصرى، إلى التراث التاريخى العربى والعلاقات المصرية العربية.
وفى تجوالاته إلى الموضوعات المتنوعة والأماكن المتعددة والقضايا المختلفة ، يتسم السيد حافظ بالوعى بأدق تفاصيل المكان والزمان والإنسان.
ويتمتع بروح ساخرة مرحة ، ويتميز بالجرأة فى التناول ، منطلقاً من أهداف تتعلق بالصالح الأكبر ، وتتجاوز أسوار الحسابات والتوازنات إيمان من هذا المؤلف بأن المسرح الذى يقام على أسس من جبر الخواطر والخوف من هذا وذاك ينهار لأنه يفقد إمكانات المقاومة.
ولا يمكن أن ننهى حديثنا عن تنوع مصادر ومنابع الدراما لدى هذا المؤلف ، إلا عندما نؤكد أن السيد حافظ الكاتب المسرحى يلبى حاجة نفسية للسيد حافظ المواطن المصرى العربى ، وأن قلم الكاتب المسرحى يصرخ معبراً عن ألم الإنسان.
وإذا كان المواطن العادى يعبر عن أراءه ووجهات نظره فى الأحداث والناس فى لقاءاته المختلفة ، وإذا كانت الحاجة النفسية للإنسان هذا الكائن الحوارى – إلى التعبير والتحاور مع الآخرين تتم بصورة إفراغية وجدانية فردية ، فإن الكاتب المسرحى يقوم بعملية الإفراغ الوجدانى الجمعى عند مشاهدى المسرح عندما يتابعون العرض المسرحى ، أو عندما يقرأون النص المسرحى.
وموضوعات السيد حافظ نابضة بالتعبير عن احتياجات نفسية شعبية سواء تلك الموضوعات التى تعامل السيد حافظ من خلالها من الموروث الشعبى أو التراث التاريخى ، وهى الموضوعات تظل طازجة لا تسقط بالتقادم ، أو الموضوعات التى كانت رد فعل لأحداث عالمية أو عربية فتناولها رصد تسجيلى درامى لأحداث واقعية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق