دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(43)
السيد حافظ والمسرح الطليعى والسياسى
دور السيد حافظ فى المسرح الطليعى
دراسة بقلم الناقد
رزوق أحمد – المغرب وجدة
دراسة من كتاب
المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة
السيد حافظ والمسرح الطليعى والسياسى
دور السيد حافظ فى المسرح الطليعى
دراسة بقلم الناقد
رزوق أحمد – المغرب وجدة
إن الحديث عن مسيرة السيد حافظ الأدبية يقودنا حتماً إلى الحديث عن مساهمته فى المسرح الطليعى، وقد انتهج السيد حافظ منذ مسرحيته الأولى "كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى" المنهج الطليعى، فى الكتاب "ابو للنير" حينما قال : "إن الكاتب المسرحى الطليعى له حرية مطلقة إذ هو خالق عالمه وسيده ومن العدل أن يجعل الجموع والأشياء الجامدة تتكلم إذا راق له وأن يغفل الزمان والمكان، إن عالمه هو مسرحيته وفى داخلها الإله الخالق الذى يرتب الأصوات والإيماءات والحركات والكتل والألوان، والمسرحية يجب أن تكون عالماً بأكمله مع خالقها".
ويعتبر المسرح الطليعى ضرورة لمنح الإنسان فرصة المواجهة مع "الذات الواقع" ومع "الذات المجتمع" ومع "الذات الإنسان" ، والمسرح الطليعى له رواد فى الساحة العالمية والعربية، فحين نذكر المسرح الطليعى العالمى يتبادر إلى ذهننا مباشرة كتابات كل من "بيكيت" و"يونسكو" و "آداموف" و"جينه" كأعضاء فى المسرح الطليعى.
أما حينما نتحدث عن المسرح الطليعى العربى يأتى فى مقدمة كتاب المسرح الطليعيون العرب السيد حافظ، ويليه كل من محمد الماغوط وعز الدين المدنى وعبد الكريم برشيد وسعد الله ونوس وقاسم محمد وروجيه عساف وسمير العيادى ومحمود الزيودى.
ومسرح السيد حافظ هو المسرح الذى يهتم اهتماماً بالغاً بمعنى وجود الإنسان وبالدور الذى يقوم به فى المجتمع كما أنه يعمل على إيقاظ المتلقى ليشعر بأن هناك ما هو عجيب وما هو مألوف وما هو خارق للعادة ثمن الحياة اليومية وهذه هي وظيفة المسرح الطليعى يقول "الفريد جاري" : "إن وظيفة مسرح الطليعة الآن هو إيقاظ المتفرج حتى يحس بما هو خارق للعادة وغير مألوف".
فما هو مفهوم الطليعة عند كتاب المسرح الطليعى؟
يعرف بيرناردورت الطليعة كمصطلح فنى بقوله : "كل طليعة هى أولاً الانقطاع عن باقى الجيش، وهى كذلك رفض للنظام والسلوك المشترك".
فالأساس هو الانقطاع، الانقطاع عن الماضي والحاضر وعن كل المكونات التى صنعت هذا الحاضر بكل سلبياته المختلفة، الانقطاع عن شروط الهزيمة وهي شروط لها وجود في الإنسان وفي الرؤية المتخلفة للوجود وفي الفكر والمؤسسات والعلاقات والسلوك واللغة والفنون والآداب والطليعة أو المسرح الطليعى فى مفهوم السيد حافظ "هو فن تأسيس فكر العصر والتاريخ الذى نحياه، فالمسرح الطليعى هو ماضي وحاضر ومستقبل فى آن واحد، والكاتب الطليعى فى رأيه يجب أن يكون معاصراً لعصره لا مسجوناً فيه مندمجاً فى الواقع الحاضر كل الاندماج حتى يتكلم باسمه ويكون روح عصره وهو مثل الجندى فى إحدى حروب العصابات مهما كانت عقيدة المؤلف السياسية فإن فيه ليس تعبيراً عن حالة روحية كامنة فى وعيه".
أما الكاتب المسرحى التونسى "عز الدين المدنى" فيقول إن "كتاب الطليعة اتجهوا للطليعة لأنها غزو للجمهور لا الاكتفاء بما هو موجود والاقتصاد على ما هو فى متناول اليد".
أما الناقد "تاكيس موزندس" فيقول ان "الكاتب الطليعي محارب إلى مثل وهو فوضوى متمسك بفرديته ومسافر وحيد ماض فى طريقه الخاص، له آراؤه الشخصية دون حاجة إلى رفيق مهما كان هو ساع إلى بلوغ ما هو مستحيل دون أن يقنع بما هو ممكن وهو دائماً ساخط".
ويرى الكاتب المسرحى "عبد الكريم برشيد" أن الطليعى هو "هذا المناضل أبداً أى ذلك الإنسان الذى لا يعرف ما يسمى باستراحة المحارب، وذلك لأن الاستراحة لا تعنى فى النهاية غير الموت والفناء وسيادة الظلم والجهل والفقر وكل معوقات الحياة، فهو يناضل حتى الموت أو ما بعد الموت إن كان ذلك ممكناً عن طريق الإبداع الخالد الذى يحمل رسالة نضالية.
ويبرر "الفريد جارى" وجود المسرح الطليعى بقوله : "إنه ظهر نتيجة أن سرد الأمور المفهومة لا تؤدى إلا لإقفال النفس وإفساد الذاكرة، بينما يحرك اللامعقول النفوس الراكدة وينشط الذاكرة".
وهكذا نلاحظ أن السيد حافظ من خلال نصوصه المسرحية، وبدافع من الغيرة الوطنية والقومية، راح يقدم نقداً لاذعاً للواقع العربى المصاب، ثم إن إحساسه بخيبة الأمل التى تعيشها معظم الشعوب العربية فى استرداد حريتها وكرامتها وديمقراطيتها وعدالتها التى فقدت، يمثل انعكاساً مؤثراً على الأفكار المسرحية التى طرحها السيد حافظ ولا سيما النقد الاجتماعى الذى طرحه فى عدة نصوص مسرحية ومن بينها "ملك الزبالة" الذى من خلاله يستعرض تناقضات الواقع الاجتماعى العربى، ولا شك فى أن تعرضه للقضايا الاجتماعية والسياسية… استطاعت كلها تحديد موقفه من القضايا الوطنية والقومية ودوره فيها، فكان فى مسرحياته الكاشف عن مكامن من الضعف والمحرض الداعى إلى الثورة والتغيير والعمل على التقدم والرقى، والبحث عن الممكن بدل الاكتفاء بالكائن، وحين نطلع على كتابات السيد حافظ الطليعية نشعر بأنه ضمير الشعب المعبر عن روح نضاله، وقد آمن بأن القضايا الإنسانية التى يطرحها والمتمثلة فى حصول الإنسان العربى على حريته وعدالته وكرامته وهى قضايا قومية، آمن بالعروبة ووحدة الكفاح لتحقق الوحدة العربية.
وقد عالج السيد حافظ فى بعض مسرحياته عدة قضايا قومية من بينها النضال الوطنى الفلسطينى باعتباره نضالاً قومياً، حيث تعرض لشرح القضية الفلسطينية وشرح الموقف العالمى والعربى السلبى منها وتهاون العرب فى مؤازرة الفلسطينيين ويرى نجيب القرشالى أن دور السيد حافظ فى القضية الفلسطينية لا يقل أهمية عن دور كل من توفيق زياد ومحمود درويش وغسان كنفانى وسميح القاسم ومعين بسيسو.
4- نظرة عن المسرح السياسى
يؤرخ "كمال عيد" لظهور المسرح السياسى عند الغربيين بقوله : "وينبع من ألمانيا أيضاً المسرح السياسى بقيادة زعيمه "أرفين بسكاتور" المخرج وصاحب النظريات فى الفن… ومنها تنتقل هذه المدرسة إلى أمريكا لينشرها، وأدى ذلك المسرح إلى تعريف الجماعات بالمشاكل السياسية المحيطة بالمجتمع لمحاولة إشراك الجماهير وجدانياً فى التصرفات التى يمكن أن تصدر عن الحكام بعد النهضة السياسية التى عاصرت أوربا بعد الثورة الفرنسية.. الأمر الذى نجد له شبيهاً فى المستقبلية وفى بداية القرن العشرين عند الكاتب "برتولد برخت" الذى زامل أيضاً بيسكاتور فترة من الزمن وأقام معه مسرحه السياسى المشهور".
ومن هذا يتضح أن تسمية المسرح السياسى ليست جديدة على المسرح العالمى ولا سيما فى الدول التى سبق فيها ظهور الفكر الاشتراكى، فهل يمكن القول بأن العرب تأثروا بالغرب فى معالجة القضايا السياسية؟ أو أن المسرح السياسي العربي كان وليد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأمة العربية؟
أعتقد أن ظهور المسرح السياسى العربى جاء نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تعيشها الشعوب العربية، فإلى حدود السنوات الأخيرة نجد أن معظم الدور العربية إن لم نقل كلها لازالت لم ترق إلى المستوى المطلوب فى تحقيق الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير وظروف معيشية راقية، وتبقى الديمقراطية واللامركزية وغيرها من المتطلبات كشعارات ترفع فقط من أجل الوصول إلى السلطة، وحين تحقيق المراد ينقلب هذا المناضل أو الرمز إلى ديكتاتور من أجل المحافظة على منصبه، ولعلها قاعدة عامة فى جميع دول العالم والأمثلة على ذلك متعددة.
وينفى الكاتب المسرحى على عقلة عرسان أن يكون هناك مسرح سياسى ومسرح غير سياسي بقوله :" المسرح السياسي العربي؟! لا أكاد أتعرف على حدوده، المسرح بنظرى لا ينفصل عن السياسة ولم ينفصل عنها يوماً.. وتكون المسرحية جيدة، والمسرح مؤدياً لدوره وقريباً من الجمهور كلما كانت المسرحية على مساس بالواقع.. وتحتوى على إدراك له واستشراق لآفاق المستقبل، ومعبرة بوعي وبإيحاء عن أشكال التعامل الإنسانى الأفضل، والحياة الإنسانية سياسة.. التجمع البشري يحيا على السياسة وبها، ولا أستطيع أن أتميز ملامح مسرح سياسى بحت!!
أستطيع أن أتكلم عن السياسة فى المسرح.. أما المسرح السياسى فما هى معالمه التى تميزه عن المسرح ومذاهبه لينفرد بعنوان خاص كبير؟!… هناك سياسة وأفكار سياسية ودعوات سياسية وشعارات فى المسرح…".
فالمسرح السياسى التحريضى حسب أحمد العشرى "هو المسرح الذى يطرح الحالة المراد توصيلها ليتخذ المشاهد موقفاً فكرياً ومبدئياً فى تلك الحالة، ولابد لكاتب المسرح السياسى من التأنى والبحث فى جذور المشاكل التى يعرضها حتى يجعل من ذلك أداة قوية لإثارة الرغبة فى التغيير".
وحسب سامية أسعد فقد كان هناك دائماً نموذج من نماذج الأدب مهتم بالقضايا السياسية بطبيعة الحال.
والمسرح السياسى لا يقدم حلولا للمشاكل المعروضة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهو يعرض المتناقضات ويعريها وعلى المشاهد أن يتخذ موقفه، فالمسرح السياسى يهدف بتعريته للواقع وفضحه للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلى إيقاظ المتلقى من سباته.
ونجد فكرة المسرح السياسى بشكل أوضح عند الناقد المسرحى عبد العزيز حمودة الذي يرى أن :"المسرحية السياسية بمفهومها الحقيقى هى استخدام خشبة المسرح لتصوير جوانب مشكلة محددة –غالباً ما تكون سياسية، وقد تكون اقتصادية- مع تقديم وجهة نظر محددة بغية التأثير فى الجمهور أو تعليمه بطريقة فنية تعتمد على كل أدوات التعبير التى تميز المسرح عن كل ضروب الفنون الأخرى".
ويميز عبد العزيز حمودة بين نوعين من المسرح ذى الاهتمامات السياسية حيث يقول : "يجب أن نفرق بين المسرح السياسى أو ما يمكن أن نسميه مسرحاً سياسياً وبين المسرح ذى الإسقاطات السياسية. إذ أننا فى بلدنا نخلط بين هذا وذاك، وبين مسرح محدد هدفه بوضوح وبلا مواربة بين مسرح تجئ الإسقاطات السياسية فيه فى الخلفية، بين مسرح يهدف إلى أيديولوجية معينة وبطريقة مباشرة ومسرح تجئ فيه المفاهيم السياسية بقدر ما يسقطه المتفرجون عليه من مفاهيمهم أو ظروفهم هم، وحينما يخلط البعض بين الاثنين ويظلم الاثنين فى آن واحد، فالمسرح الأول قائم على العطاء فكرياً، أو بمعنى أدق سياسيا، والمسرح الثانى يعتمد فى معظم الأحيان على الأخذ، بمعنى أن المسرح السياسى الذي يفشل فى توصيل ما يريده المؤلف مثلاً يفقد سبب وجوده، ولا يتبقى له بعد ذلك شئ، أما المسرح ذو الإسقاطات السياسية فلا يعتمد وجوده على وصول المفاهيم السياسية إلى جمهوره، بل أن الإسقاطات السياسية قد تختلف من بلد لآخر بل من متفرج لمتفرج فى نفس الصالة ونفس الليلة…".
ويضيف فى نفس الموضع :"وعلى ضوء تعريفنا السابق للمسرح السياسي نستطيع التفريق بين النوعين، المسرح السياسى، لأنه يهدف إلى إيقاظ الناس ثم تعليمهم، يعتمد إلى حد كبير على الحقائق، أو القيمة الإخبارية للواقع، أى أن عملية الكتابة للمسرح السياسي هنا تسبقها مرحلة طويلة من البحث والتقصى".
ويضيف فى نفس السياق : "أما المسرح ذو الإسقاطات السياسية، فقد يعتمد على أساس من الواقع وقد لا يعتمد على الواقع إطلاقا، قد يعود إلى تاريخ حدث فعلاً وقد يتصور مستقبلاً لم يحدث بعد، ومع هذا قد تتواجد الإسقاطات السياسية، المهم أن الفنان هنا حينما يستخدم الواقع التاريخى مثلاً لا يستخدمه فى حد ذاته، وهو لبس ملزماً كفنان بالتمسك بحرفيته، ولا يجب أن يحاسب على الحرية التى يمارسها فى استخدامه، والمسرحية لا تكتب أساساً لخدمة هذا الواقع، بل أن الواقع هو الذى يخدم غرضاً آخر".
وعلى ضوء تعريفه السابق يحدد فارقاً آخر بين اللونين بقوله :"فالمسرح السياسي لا يهتم بالفرد ولا يحاول تصوير شخصية، لأنه أساساً لا يحاول التعرض لمشكلة فردية بل مشكلة جماعية. المهم هو تقديم الجماعة التى تمسها المشكلة وحينما تحل المشكلة فإن الحل لا يجئ نتيجة حتمية فنية أو نتيجة منطق التسلسل الفنى، بل يجئ هذا الحل على أنه الحل الذى حدث فعلاً أو الذى يجب أن يحدث فى الواقع".
وهكذا يتضح أن مجمل خصائص المسرح السياسي تنطبق على بعض مسرحيات السيد حافظ من بينها مسرحية "ملك الزبالة" مما يجعل تصنيفها ضمن المسرح السياسي من باب الإنصاف فى حق هذا المبدع المسرحى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق