Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

47حكاية عبد المطيع مسرحية السخرية الواقعية والتقاط المفارقات بقلم الدكتور عبد الرحمن بن زيدان- المغرب

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 47 )


 

حكاية عبد المطيع
مسرحية السخرية الواقعية والتقاط المفارقات

بقلم الدكتور عبد الرحمن بن زيدان- المغرب

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة

 

حكاية عبد المطيع
مسرحية السخرية الواقعية والتقاط المفارقات

بقلم الدكتور عبد الرحمن بن زيدان- المغرب

 


 

الراوي الشعبي وبناء الكوميديا السوداء

تضعنا مسرحية "حكاية عبد المطيع" للكاتب المصري السيد حافظ داخل عالم مأساوي مُقنّع بقناع كوميدي، به يفتت مكونات "الدراما التقليدية"، وبه يعيد بناءها انطلاقا من جوهر الكوميديا السوداء لربط الحدث/الحكاية بالقوانين الاجتماعية التي تجعل الشخصية المحورية تنزع قناع النفاق عن وجه الكاذب العفن، وتعري الظواهر السلبية المسيطرة على المجتمع، وهو الموقف الذي تبناه الراوي في بداية المسرحية، لأنه يريد أن يجعل كل معرفة صادقة مستمدة من الواقع، ومستلهمة من واقعية الأحداث المستمدّة من التاريخ.

 (يقول الراوي: سيداتي...آنساتي... هذه الليلة... سنعود إلى الوراء، إلى زمن كان الإنسان الحيوان قوي النفوذ والسلطان، هذه الليلة نقدم لكم حكاية، وحكايتنا ليست هملت، أو هنري الرابع أو حتشبسوت أو نابليون... أي ملك من ملوك الأرض.

        الجوقة     : عن أي شيء تحكي إذا؟

        الراوي     : عبد المطيع

        الجوقة     : عبد المطيع)[1].

ويقربنا هذا التقديم ـ أكثر ـ من الدلالة العميقة لهذا النص حين يلجأ السيد حافظ إلى التحكم في الحكاية عبر تكثيف مجموعة من القضايا والإشكالات داخل فضاء النص بهدف تفجير المسكوت عنه، وإخراج المقموع في دواخل البطل للتجلي، هذا البطل الذي يعيش داخل علاقات واقعية سياسية متوترة سواء داخل البيت، أو خارجه، في محفز الشرطة، أو داخل السجن.

وإذا كانت أساسيات الكتابة في المسرحية تنهض على الرجوع إلى الحكاية الماضية "سنعود إلى الوراء"، فإنها تنطلق من رؤية خاصة لقرية عبد المطيع الواقعة قرب النيل، ومن وضعية الإنسان العربي الرافض للفساد، والتحلل، المسيطر على الهيئات السياسية الفاشلة في إرساء قواعد ديمقراطية صحيحة.

وتعدّ كثافة الأسئلة داخل الحكاية الرئة التي يتنفس منها البطل، وهي العامل المهم في الإفصاح عن مجموع القضايا، والمواقف التي لها علاقة بالآني، وامتداد الزمن الماضي في الحاضر، وبهموم عبد المطيع أصبحت المادة الجوهر في خلخلة الساكن، والثابت بأسلوب يختلط فيه الجِدّ بالهزل، والتلميح بالتصريح، لوتعطينا تصويرا كاريكاتوريا للواقع الذي أصبح الوجه الآخر للمأساة، إنها ظاهرة الضحك، والسخرية، التي تفرزها أوقات الشدة، والأزمات، والظاهرة التي اكتسبت شرعيتها من انغراسها في الواقع الاجتماعي المرتبك المنهار، ومن عمقها الراصد لمرحلة عجز النظام السياسي السائد عن تحويل السلبي إلى إيجابي، واللاستقرار إلى أمن، وطمأنينة، ومساواة تكون في صالح القوى المنتجة والمهمشة مثل: عبد المطيع، مهند، فاطمة، مرسي، وحمد.

يتكون هذا النص من مجموعة من البنيات الأساسية المضطلعة بوظيفتها الدلالية في تلاحم الحدث، وهي بنيات ترتبط بالحركة الداخلية للنص، وتتواشج مع فعل تركيب مفارقات عالم متناقض تتصارع فيه المصالح، والانتماءات الطبقية، إنه عالم عبد المطيع: القرية/القاهرة القائم على الثنائيات الضدية التي حددت هيكلية الحكاية، وحددت ذاتها الظاهرة والباطنة في النص المسرحي عبر الأحداث المتضادة، والأماكن المتباينة التي يمكن جدولتها كالتي:

عالم عبد المطيع                       العالم النقيض

الكوخ                          يقابله القصر

عبد المطيع                    يقابله السلطان "قنصوه الغوري"

الثوب الممزق                 يقابله الحرير 

الفقر                           يقابله الغنى           

الأبيض                         يقابله الأسود

الأسئلة                         يقابلها الأمر

رؤية الواقع                    يقابلها مرض العين

الأجير                          يقابله المالك

الطلب                          يقابله المنع

همّ جماعي                     يقابله همّ فردي

وطبعا يعتبر واقع القرية مصدرا لهذه الثنائيات حيث تتحرك الأحداث والشخوص ـ وفقا لمعطيات البنية الزمانية والمكانية لعصر المماليك ـ واستمرار هذا الزمن في سير الأحداث، إنه المجنون/العاقل الذي تتقاذفه المشاكل، والأحداث، وتعصف به رياح الأزمات، فلا يجد إلا الهروب وسيلة يتخلص بها من سلطة العقل، ومن جبروت الواقع ليسلط سيف الضحك الغاضب، والفضح الجريء، على كل عيب اجتماعي.

إنها الكتابة التي لا تستقي مادتها من التأملات الفكرية المجردة، بل من الحياة الواقعية التي يخترقها النص الدرامي بالأسئلة التي بلغت أربعة وأربعين سؤالا، كانت تصاغ عبر الحوارات لتكون في حجم المأساة لتجد الجواب على لسان "مهند" في خطاب ينتقد عداء النظام السائد لإنسانية الإنسان، إنها الوحدة الداخلية، والتوحد في القناعات، والطموح بين عبد المطيع ومهند الذي يأخذ صفة السيف البتّار القاطع والحاسم بأجوبته:

(مهند          :   كل المدينة عاطلة عن العمل، السوق نائم، نهب المماليك كل شيء)[2].

...

 (عبد المطيع  :  ما أخبار العمل؟

مهند           : البضاعة مكدسة... ولا عمل.

عبد المطيع    :  والحل؟

المهند          : هذا عصر المماليك كل مملوك صاحب قطعة أرض، يملك الأرض ومن عليها.

مهند           : ومن أتى بالمماليك إلينا؟

مهندس                :  السلاطين.

عبد المطيع    :  ومن أتى بالسلاطين إلينا؟

مهند           :  إلى هنا لا أفهم، لقد خلقنا ووجدنا السلاطين)[3].

إن هذه الأسئلة ـ وغيرها من الأسئلة ـ تضعنا داخل الهاجس الذي يسكن عبد المطيع لأنه من خلالها لا يدعو إلى التصالح الطبقي، أو مهادنة الواقع، بل نجده يصطدم مع مجتمع يعيش لحظة السقوط، فيبحث بهذه الأسئلة عن لحظة بديلة لتحقيق حلم الفقراء، يغير بها المعيش المأزوم، لكن هذا الطموح يصطدم بالقوَى المضادة لخير الإنسانية، والمتمثلة في المؤسسات القائمة كما حددتها الحكاية المسرحية:

(النظام الشرطوي : الشرطي رقم 1، الشرطي رقم 2. رئيس الشرطة الذي قدمه لنا عبد المطيع بشكل كاريكاتوري يقول: (رئيس الشرطة بنفسه وشحمه ولحمه)[4].

السجن.

الجهاز البيروقراطي المرموز له بالمستشارين والوزير.

الجهاز الإعلامي: المرموز له بالمنادي.

إنها المؤسسات التي تزرع الخوف في النفوس، ترغب، ترهب، إنها الصورة المتكررة في خطاب المسرحية الذي نقلته الشخوص الضعيفة اجتماعيا، والمحاصرة نفسيا.

 (عبد المطيع :  ماذا جرَى يا مرسي؟

مرسي       :  لا شيء دعني من حديثك...إذا رأتنا الشرطة ذهبنا إلى الجحيم)[5].

هناك الدعوة إلى (الامتثال لأوامر السلطان)[6].

وهناك الرقابة وضبط تحركات الوطن: (إذا رأتنا الشرطة ذهبت إلى الجحيم)[7].

وهناك المنع: (ممنوع الضحك بأمر من السلطان)[8].

وهناك الاختطافات: (لو رأوك لقبضوا عليك)[9].

وهناك الضحية عبد المطيع: (قبضوا عليه...على عبد المطيع وحماره)[10].

وهناك المحاكمة: (حكموا عليه بخمسين جلدة كل صباح وكل مساء ولمدة أسبوع)[11].

إن هذا التناقض الذي يعيشه عالم عبد المطيع داخل عالم سلطوي نابع من التباين الإيديولوجي، والنفسي لشخوص المسرحية، وهو تناقض يستفيد منه الطرف الآخر المتحكم في هذه المؤسسات، وأدواتها "قنصوه الغوري"، في عالم قائم على النهب، والابتزاز، والرشوة، وفرض الضرائب، والتهميش، وإلغاء عالم الفقراء، لتحلّ محلّه المؤسسات المتسلّطة التي تلوي الرقاب من أجل مصلحتها.

 (رئيس الشرطة               : كم فدّانا تملك؟

عبد المطيع            : "يضحك" لا شيء.

رئيس الشرطة         : إذا كيف تعيش؟

عبد المطيع            : أجير، أنا فلاح أجير)[12].

إن البطل الناطق بآسم المقهورين المهمشين في مجتمع إقطاعي يتعرض كل يوم للإذلال، والقهر، والعسف، إنه الشخصية التي تتكاثف حولها كل خطوط المأساة، ويكفي أنه أصبح شريكا لحماره في كثير من الصفات منها الجوع،و الإذلال،و السجن،والضرب،والعذاب.

 (عبد المطيع  : حماري يا سيدنا منذ أمس لم يأكل.

حمد            : أتعذب الحيوان؟

عبد المطيع    : لماذا تحزن على الحيوان والإنسان في كل لحظة يموت.

من المسؤول عنه؟ إذا كان الحيوان جائعا فما رأيك في الإنسان الجائع)[13].

(عبد المطيع   : (فأنا فقير والفقراء كثيرون).

 (عبد المطيع  : إسمعني أنت، نريد طعاما، زوجتي تشاجرت معي لمدة يومين، نريد طعاما للأولاد وللحمار، أتفهم)[14].    

وهذا ما يجعل هذه التجربة جزء من واقع الفقراء مثله (أنا فقير والفقراء كثيرون)، إنه يقدّم لنا وجوده داخل العلاقات المتوترة مع الزوجة، ومع الشرطة، ومع الواقع الذي هو هويته، ووجهه الحقيقي. فالمرأة عنده وعاء لإنجاب الأطفال الذين يصبحون بكثرتهم يحاصرونه بأفواههم المفتوحة، ويطوّقونه بمرضهم المتناسل، ويسجنونه بجهلهم، وأميتهم الموروثة في محبس الضياع.

خلل واقع أم خلل بطل في سياق تاريخي مختل؟

إن عبد المطيع أب لا يتحكم في مصيره، ولا يملك لواقعه تغييرا، وعلى الرغم من ذلك، فهو يحاول التعرف أكثر ـ وبكل تفصيل - عن أسباب الأزمة، لكن عندما يكثر من طرح الأسئلة والاستهزاء من الشرطة، يصبح محاصرا بالمؤسسات القمعية، ومن هنا يأتي سبب تحوّل حياته التي مرت في زمن المسرحية بمرحلتين اثنتين:

مرحلة طرح الأسئلة وتأسيس وعي جديد في وجدان المتلقي/ الجمهور ليدرك الأسباب التي خلقت منه بطلا مأساويا.

مرحلة الغيبوبة التي أُدخل فيها السجن مضطرا نتيجة تعرضه للاستنطاق والضرب، والاعتقال، والإهانة وهو ما نقله لنا الحوار الذي تضمّنه الفصل الثاني بكل المشاهد التي كانت تكوّنه.

(الشيخ محمد  : يا بني الرجل في غيبوبة...)[15].

(أم بثينة       : العم عبد المطيع مسكين في غيبوبة)[16].

(أم بثينة       : أبوك في غيبوبة)[17].

(فاطمة:        : لا تخافي فزوجك في غيبوبة لن يفيق بسهولة)[18].

(العجوز        : الرجل في غيبوبة نفسية منك)[19].

        وعلى هذا الأساس فإن الخلل ليس في عبد المطيع، وإنما هو خلل يكمن في الأجهزة المتحكمة في سير الأمور السياسية في المدينة، وهذا ما رصدته لنا المسرحية عبر سيرورة الأحداث، فالمرض الذي ألمّ بـ"قنصوه الغوري"، هو علّة فسيولوجية مرتبطة بالذات، ومرتبطة بكينونة هذه الذات في التاريخ، فمرض العين جعل هذا الحاكم لا يعير اهتماما للفئات المحرومة من الحرية، ومن الدواء، ومن التعليم، لكنه يعطي الأهمية لنفسه لتثبيت أنانيته بضرب أبسط الحقوق الإنسانية،  ومصادرة كل فعل معارض له. إنه المتحكم الغائب الذي يجري ذكره على لسان الشخوص، وهو الشبح المخيف ذو العاهة التي فصلته عن عالمه، فأبعدته عن واقع الفقراء، والمحرومين، وفقدانه حاسة البصر، يعني أنه في ديجور معنوي يريد تصييره نورا في أعين عبد المطيع وفي بصيرة أهل القرية بالقوة. إن إيديولوجيا الحاكم تسعى إلى أن تخلق لنفسها ظاهرة ملفته للنظر، ومحورا يدور في فلكه الآخرون، إنه زمن الدكتاتوريات التي تكرس عبادة الشخصية في غياب الحوار، والديمقراطية، والعدالة.

        من هنا يصبح اللونان "الأبيض والأسود" علامة دالة على مزاجية "قنصوه الغوري" الخاضع لأهوائه، ولنزواته، فهو يريد تلوين الآخرين بما يشعر به هو، دون معرفة حاجة هذا الآخر، إنه نوع من "الحلولية" التي يريد أن يحققها بالسجون، وبمخافر الشرطة، وبالخطب، وبالأوامر، ليصبح الحاكم المطاع مقابل آسم البطل عبد المطيع الذي يجب أن ينحني، ويسالم، ويهادن، ويتكيف مع الموجود، ويرتدي اللباس الأسود في حالة الحزن، ويلبس الأبيض في حالة الفرح، ويشارك حاكمه همّه، وأفراحه، وأتراحه، لكن عبد المطيع الرمز كان يمثل استثناء، ويمثل خروجا عن الأوامر كفلاح فقير طيب لا يبحث إلا عمّا يحقق به إنسانيته.

(الراوي        : كل القاهرة نفذت الأوامر إلا هو.

الجوقة : نامت القاهرة على كتفيه مثقلة بالأعباء.

الراوي : نامت أحزانه الفرعونية وأحلامه العربية على وسادته.

الجوقة   : حلم مثل جده الأكبر بالطيور وسأل المفسرين على الطير في الأحلام.

الراوي   : قال بعضهم إنها الهجرة.

الجوقة   : وقال بعضهم إنها الحرية.

الراوي   : وكان في نظر البعض خيرا.

الجوقة   : وفي نظر البعض شرا.

الراوي   : كان يكره الأهرامات لأنها قتلت جده ولا يدري أنها رمز العبودية.

الجوقة   : كان يكره ولا يعرف أن هذا العصر منحني القامة مقهور المعاني... مدنس بين أصابع المهانة.

الجوقة   : لم يحلم بالملابس الحريرية، ولم يعرف لماذا كان يدور بالمدينة.

الراوي   : لم يعلم ماذا يدور حوله)[20].            

 

لقد كان واقع المدينة البوصلة الحقيقية التي أعطت المسرحية منحى نقديًا لاذعًا صاغ الكاتب منه تجربته لرفض المغالطات التي يقوى فيها فن صناعة الوهم، أو فبركة القرارات، ومصادرة لحظة الفرح الحقيقية، ليحلّ محلها الاحتفال المزيف، والنفاق الاجتماعي، والتغيير البراني من خلال مظاهر إعلان "الدولة" عن نفسها، فالمواطن لا يهمّ... ولا تهمّ وضعيته... هكذا يأتي "الفورمان الأول" ليأمر الناس بالدخول في الحداد، ومعايشة حزن الحاكم لمشاركة قنصوه الغوري حالاته المرضية الخاصة.

        يقول المنادي: (يا أهل المدينة الظافرة فورمان، فورمان، من سيدنا الوزير إلى الشعب العظيم "يفتح الورقة"، بآسم الله، والحمد لله، والحاضر يبلغ الغائب، سيدنا السلطان مريض... شفاه وعفاه، وبآسم السلطان، نعلن الحداد في البلاد، ترتدي كل البلاد الملابس السوداء، ولا يرتدي أحد أي زي آخر، فالرجال، والأطفال، والنساء كلهم يرتدون ملابس سوداء، ويمنع أولا الاحتفال بالختان، ثانيا الاحتفال بالعروس، أو بأي احتفال إلى حين شفاء السلطان، ويصلي الجميع ركعتين بعد كل صلاة طالبين من الله الشفاء لعين السلطان، قنصوه الغوري... عاش السلطان، ومن يخالف الأوامر، يتعرض لعقاب سيدنا الوزير، الرجل الطيب، الرجل الكريم، الحكيم، وما على الرسول إلا البلاغ فرمان فرمان...)[21].

        هذا البيان يؤكد الخلل ويعكسه، وينقل لنا الايديولوجيا التي تحدد نوعية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الآمر والمأمور، بين رأس الهرم في المؤسّسة الحاكمة وعامّة الشعب، إلا أن عبد المطيع يبقَى الوحيد المتفرد بموقفه، لأن تغيير الثياب عنده لا يغير من واقع الإنسان شيئا، لهذا يطالب عبد المطيع بأسلوب ساخر من رئيس الشرطة أن يأخذ ثوبه الممزق لتظهر حقيقة واقعه عارية.

رئيس الشرطة : (يشير إلى ثوب عبد المطيع المهلهل الأبيض)

هذا الثوب يعجبني.

عبد المطيع    : معقول.

رئيس الشرطة : والله.

عبد المطيع    : يا رجل إنه ممزق.

رئيس الشرطة : (يضحك بتمثيل) والله يعجبني.

عبد المطيع    : ثوبي هذا يعجبك وأنت رئيس الشرطة؟

رئيس الشرطة : نعم.

عبد المطيع    : إذا تعالى نتبادل الملابس أنت ترتدي ملابسي، وأنا أرتدي ملابسك "يبدأ في خلع ملابسه"

رئيس الشرطة : قف يا أبله لا تتحرك "بصوت خشن غاضب)[22].

هذه السخرية اللاذعة هي التي قادت البطل إلى السجن، عقابا له على تمرّده، وخروجه عن طاعة الأوامر، وهو ما جعله يكتسب قيمة وبطولة اتخذت تأويلات كثيرة لدى مجموعة من الرجال الذين لم تعط لهم أسماء محددة، ليظلوا خاضعين للقراءة المتعددة:

(رجل 1 : يقال إن عبد المطيع كان زعيما لحركة المناهضة.

رجل 2  : يقال إنه ارتدى الملابس البيضاء عنادا في السلطان)[23].

إن المسألة التي تبقى لافتة للنظر في تطور الأحداث، هي في صدور البيان الثاني الذي يعلن شفاء السلطان، ويدعو الناس مرة أخرى إلى تغيير اللون الأسود بالأبيض، وإعلان الفرحة ومظاهر الزينة في القرية، ومرة أخرى يبقى عبد المطيع حاملا ورم المدينة في قلبه، يرينا الأشياء، ويظهرالعلائق من جوانبها المتناقضة، والغامضة، وهو مشدود إلى الرؤية الكلية للنص، وهي رفض سيادة الهجانة، والاضطهاد، منتقدا السلطة الحاضرة من خلال الخطب، والأوامر، رافضا القيام بمهمة القاضي، وهو ما نجد له ضلالا في موقف الراوي والجوقة.

لقد ظل الراوي والجوقة يُخضعان بعض جوانب الحكاية للسرد، والأخبار لأنهما جزء من كل وطرف في القضية المطروحة.

(الراوي : أين المصابيح يا رجال لهذا الرجل؟

المصابيح مفقودة.

خارج القصر، الأبواب والنوافذ مغلوقة.

هذه السكة أمامكم.

إنه النفاق... لم يدر أن الفرمان قد صدر بارتداء الملابس البيضاء، من يحمل هموم عبد المطيع النجمة... البحر... السيف... الزهور... الجو

الجوقة : كل الأيام مطعونة.

الشريف فينا مطعون.

ينزف... والأصحاب والرفاق يطلقون عليه الضحكات هذا زمن رديء.

هذا زمن الجنون.

أين التاريخ لينزل من عليائه ليرى الشوارع ليرى ما يفعل بالشعوب...)[24].

        إن جملة "الشريف فينا مطعون" تجعل البعد السياسي والاجتماعي لحكاية عبد المطيع لا تستثني الجوقة من كونها ضحية الزمن الرديء الذي تحدثت عنه المسرحية.

لقد بنى السيد حافظ هذه الحكاية/ المسرحية  في فصلين هما:

الفصل الأول: وفيه رصد واقع الفئات المحرومة.

الفصل الثاني: ويتكون من مجموعة من المشاهد التي يربط بينها وبين الفصل الأول الحكي الذي يقوم به الراوي مع الجوقة والبطل عبد المطيع الرافض للانقياد وراء إغراء السلطان بتنصيبه قاضي للقرية يقول: (لا يا سيدي أنا لا أريد أن أكون قاضي القضاة...أنا أريد أن أكون من العراة...)[25].


 

 

 



([1]) السيد حافظ: حكاية عبد المطيع، ص: 5.

([2]) المرجع نفسه. ص: 7

([3]) المرجع نفسه:ص 10.

([4]) المرجع نفسه:.ص 26.

([5]) المرجع نفسه:ص 22.

([6]) المرجع نفسه:ص 39.

([7]) المرجع نفسه: ص 22.

([8]) المرجع نفسه:ص 50.

([9]) المرجع نفسه:ص 22.

([10]) المرجع نفسه:ص 41.

([11]) المرجع نفسه:ص 43.

([12]) المرجع نفسه: ص 39.

([13]) المرجع نفسه: ص23.

([14]) المرجع نفسه: ص 23.

([15]) المرجع نفسه: ص 68.

([16]) المرجع نفسه: ص 55.

([17]) المرجع نفسه: ص 54.

([18]) المرجع نفسه: ص 55.

([19]) المرجع نفسه :ص 55.

([20]) المرجع نفسه : ص 31 ـ 32.

([21]) المرجع نفسه: ص 34 ـ 35.

([22]) المرجع نفسه: ص 36.

([23]) المرجع نفسه: ص 51.

([24]) المرجع نفسه: ص 59.

([25]) المرجع نفسه: ص 61.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More