Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

48مسرحية أبو ذر الغفارى تجربة البناء الديمقراطى بين الاستحالة والإمكان بقلم الدكتور/ عبد الرحمن بن زيدان – المغرب

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 48 )


مسرحية أبو ذر الغفارى

تجربة البناء الديمقراطى بين الاستحالة والإمكان

بقلم الدكتور/ عبد الرحمن بن زيدان – المغرب

 

دراسة من كتاب

المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة

 

مسرحية أبو ذر الغفارى

تجربة البناء الديمقراطى بين الاستحالة والإمكان

بقلم الدكتور/ عبد الرحمن بن زيدان – المغرب

 


 

هناك مجموعة من الضوابط والعوامل التى تحكم الانتاج المسرحى، وتعطيه فرادته داخل التجربة الإنسانية، وهى وجود واقع اجتماعى – تاريخى – يحول الإحساس والوعى بهذا الواقع إلى محفز لانتاج النص الأدبى وجعله يخلق وعياً له رؤيته للعام وحركته فى رصد مكونات الواقع وفى بناء عالم جديد يتجاوز السائد والثابت، ويتخطى البنيات العتيقة المسيطرة على الحقل الثقافى.

وإذا كان المسرح – يمثل وعياً تاريخياً – فلأنه يعتبر حقل التصادم ، يسكنه التناقض والصراع الفعل ورد الفعل ، الموقف ونقبض الموقف السكون والتحول، تجاوز الانعاكس المرآوى والنقل الحرفى للمرئى للاستفادة من المتخيل، إنه بناء واقع جديد تم تركيبه وصياغته لخدمة ما هو إنسانى.

إنها التجربة التى تمتاح نسغ حياتها من المعيش، لتصبح بعد ذلك ذات كينونة خاصة وحياة مميزة شكلتها الذات المبدعة وادخلتها فى حوار وجدل مع الوجود تولد عنه الوعى الحقيقى بظروف الإنسان ووضعيته وشكل العلاقات التى تحدد وجوده الإنسانى وما ينقصه من مناخات صحية للمارسة الديمقراطية.

إنه وعندما يتم تغييب العدل والمساواة من المجتمع، وعندما تظهر البنية المضادة لكل الإرادات الهادفة إلى التشييد الديمقراطى، وعندما تبرز الفئات الطفيلية التى تنشدالحفاظ على استمرارايتها بالتملق والنفاق وترديد الشعارات الجوفاء – بشكل ببغاوى – هنا يضطلع الأدب بنقد الواقع وتعريته والبحث عن البطل الإيجابى / الرمز الذى يحمل طموحات الجماهير وأحلامها ليصبح فعل التغيير جماعياً.

لعقد تعددت القراءات وتباينت الطروحات والأساليب فى تناول موضوع الديمقراطية فى الوطن العربى إلا أن هذه التعددية أبانت عن سلبياتها فى عدة مناسبات لأن مشروع الديمقراطية فى الوطن العربى ينطلق من خلفيات المصالح التى تفوق أكثر مما توحد، تشتت أكثر مما تجمع تكرس التباين الطبقى أكثر مما نقلصه، تدجن الناس وتعلبهن وفق ايديولوجيتها الخاصة التى تغيب كل حوار أو نقاش. أكثر مما تعطى الناس حرية الحوار والتفكير. لهذا إذا كانت غاية الوعى فى الأدب هى فهم الأشياء بهدف التغيير فإن كثيراً من الانتاجات الأدبية قد حملت وعيها معها عندما تحملت مسؤولية تناول إشكالية الديمقراطية بأسلوبها الخاص بعد عملية البحث فى ظروف الواقع ومعطياته الاجتماعية بطريقة أدبية إبداعية ، من زاوية خاصة وبوعى خاص أيضاً، إنها العملية التى زادت من زخم التجربة المسرحية العربية وعمقت حضورها ووظيفتها فى بنتة الثقافة العربية فأعطت تراكمات انخرط جلها فى موقع النماذج المتشبثة بالإنسان وقضاياه.

ومن النماذج التى كتبت فى هذا الموضوع موظفة التراث العربى توظيفاً سياسياً يجمع ما بين الأصالة والمعاصرة نجد مسرحية : "ظهور واختفاء أبى ذر الغفارى " للسيد حافظ ومحمد يوسف حيث فيها تتفجر اللغة النمطية لتعلن عن هويتها الجديدة وعن انتمائها إلى العصر والى العالم العربى وذلك برؤية تخترق ، وتمزق الأقنعة لتقديم ما وراء الأقنعة ، وما وراء المظاهر والشكليات، للكشف عن الخلل والعطب الذى جعل السير الديمقراطى غير سليم.

إنه النص الذى لم يكتف بهندسة العالم القائمة ، ولا بالمعطى الواقعى ، لكنه تعدى ذلك إلى هندسة قضائه الخاص، وترصيف الأحداث والوقائع مركزاً على التناقضات والصراعات التى تحبل بها مدينة : دولة فردوس الشورى – الفردوس الأخضر سابقاً ، المدينة التى يسكنها الاستبداد حتى النخاع ويظهر فيها الاختلاف واضحاً بين الشخوص والقناعات السياسية والطبقات الاجتماعية ، إنها المعطيات المادية التى نهضت عليها العملية المسرحية بعدما وجدت ان حياة المدينة قد ساءت أحوالها نتيجة انقسامها إلى عدد صغير من الأغنياء وعدد كبير من الفقراء ، حيث الحرية غير موجودة ، وحتى ما اذا وجدت فهى عبارة عن امتيازات خصوصية تقصر الحقوق على جزء فقط من المجتمع.

لقد أصبح الاستبداد والعسف المموه بالشعارات الزائة والمبادئ الديمقراطية الخاوية من أى محتوى حقيقى دالاً على ما آل اليه الواقع من ترد وتأزم داخل المدينة ، بسبب اعتماد المؤسسة الحاكمة على الديماغوجية ، والمغالطة القائمة على إضفاء الحصانة القدسية على نفسها وعلى أدواتها لتصبح براقة لامعة بسلوكيات لا تنطبق عما يجرى فى الواقع الحقيقى المقدم للناس .

السلطان : يا بنى.. أفعل ما شئت

لكن أم الناس يوم الجمعة وأنت معطر

وامسك فى يدك مسبحة.. واطلق البخور وتمتم.

الوالى العاقل يفعل ما يشاء فى الخفاء

وأمام العامة يخرج فى ثوب شفاف كالضوء

يتصدق ويصلى

ويبنى المسكن والمسجد..

هل تفهم يا بنى؟؟

هل هذا كان من الأسباب التى جعلت النص يقول المجهول – للمتلقى – عبر ايقاعات الأحورة التى كانت تكشف عن المكبوت "أى المجهور" ، وتسلط الأضواء على القطيعة الموجودة بين التوجهات اللاشعبية واللاديمقراطية وبين الطموح الهادف إلى إرساء قواعد حكم سليم كان رمزه أبا ذر الغفارى الذى لعب دوراً مهماً فى تحريك الأحداث بشكل يمزج بين الماضى والحاضر، بين الثابت والمتحول وذلك بجرأة تدين الواقع وتقدمه لنا من بداية المشهد الأول حيث يجلس الكورس أمام المسرح بينما يخرج المؤدى من جانب الستار المفتوح. وبعد التحدث عن أبى ذر يبدأ النور بضوء.

(الضوء يتحرك على الكورس الذى يرتدى ملابس عربية فى شكل عصرى)

الكورس

:

يا عبيد الأرض

يا كل الرعاة الطيبين

يا صفوف المحتاجين والمساكين

والعرايا،

والضحايا

يا كل المنبوذين

الصاعدين الهابطين فى مملكة الحق والباطل

سلوا جائعاً فى هذه المدينة

عن بشارة الغد

عن أحلام الضائعين الجائعين

يا "أبا ذر" تموت غريباً،

هل تموت غريباً يا "أبا ذر"؟؟

فى هذا المدخل يتم تقسيم المدينة إلى قسمين متعارضين ومتصارعين، فهناك المجموعة التى تبحث عن الحق والتى تتكون من : فقراء – عبير الأرض الرعاة الطيبيين – المحتاجين – المساكين – الضحايا – الهابطين. وهناك الأغنياء وهم حفنة من الناس تحكم بالباطل.

لقد أقامت المسرحية عالمها على هذا التقسيم المادى حيث أخضع تكوينها لشبكة العلاقات السائدة فى مجتمع فردوس الشورى " الفردوس الأخضر سابقاً " وهذا من الأسباب الذى لم يجعل جسدها كائناً هلامياً يخضع لنزوات الصدفة ، أو لعوامل غيبية ، ولكن هذا كان من العوامل التى جعلتها تقوقع نفسها داخل بؤرة الصراع، وداخل المستويات التى تم تحديدها حسب حضور وغياب أبى ذر أى وفق :

1-   البؤرة الأولى : التفسير

2-   البؤرة الثانية : الإدراك.

3-   البؤرة الثالثة : الموقف .

وعبر هذه المستويات المتلاحمة فى الموضوع كان يطرح الوعى الممكن على الصعيدين الاجتماعى والاسطتيقى بمنهج نقدى جعل الكتابة تفعل ما تقول وتقدم صوراً فكرية يدل على أن كتابة النص كانت عملية توجه اللغة لإحداث انقلاب استفزازى فى بناء النص وحمولته السياسية التى تم بناء وعيها بالعالم على وجود التوازن بين المحدود ، الفردوس الاخضر ، وبين المطلق .

موت وبعث أبى ذر الغفارى وحضوره كمبادئ ، وغيابه كذات فيزيقية ، وذلك بتقنية يختلط فيها الواقع بالوهم والحلم بالحقيقة والصحو بالسكر والشعور باللا شعور.

إن الإبداعية فى النص أصبحت سياسية والكتابة المشهدية أصبحت استعراضية إغرائية بالتلذذ بهذا الاستفزاز الذى كان يحطم الجدار الرابع عدة مرات لخلق حوار وتفاعل ما بين المعطى الأدبى والمتلقى بل ونقاش حول المسألة الديمقراطية التى اتخذت من مبادئ أبى ذر أساس بنائها وقناعاتها الفكرية وهى أن توزيع القوة الاقتصادية فى "الدولة" هو الذى يسوس توزيع القوة السياسية فيها ، وهذا ما جعل النص – فى تعامله مع التراث – يقدم أبا ذر على أنه " الصحابى الجليل ، الممسك بسيف الحق ، القابض على الجمر ، يظهر للسلطان فاتك بن أبى ثعلبة ، ابنه السلطان أبو المجون المجنح بن فاتك فى الحلم ".

إنه الرمز الذى يبدأ كتابته فى الزمن الحاضر حيث به سيتم فتح العالم والدخول إلى المعاصرة لتجاوز المرئى كما هو أو كما كان ، قبل أن تباشر الشخصيات الحلم الذى كان يتحرر من قيود المراقبة والوعى ليتأتى له الكشف عن الداخل والأغوار النفسية للأبطال ولواقعهم.

لقد بدأ إيقاع المسرحية بطيئاً فى المشهد الأول حيث " بقعة ضوء على إمرأة تجلس بجوار أبى ذر الذى يبدو عليه أنه فى الحشرجة الأخيرة، لكن بعد هذا سيصبح الانتقال سريعاً بين المشهد والمشهد لتفتيت واقع الطبقة المهيمنة التى تم التميز لها بـ:

1-   السلطان فاتك بن أبى ثعلبة.

2-   السلطان أبو المجون بن فاتك .

3-   الأدوات التى تدافع بها السلطة عن مصالحها ومنافعها والمتمثلة فى "هيئة المحكمة – الشرطة – فرقة شهود الزور – الوزير – شهود الاثبات – فرقة الفتيات الجميلات : (للترفيه والتجسس وشهادة الزور).

وطبعاً هناك ضحايا السلطة وهم :

1-   القاضى سيف الدين الفاروق "القاضى المعزول" .

2-   الخطباء الثلاثة .

3-   عامة الشعب . وهؤلاء يمثلون بنية وعى ايديولوجى هاص يهدد الفئة الأولى.

وحتى يظهر البون الشاسع بين هاتين الطبقتين المتصارعتين داخل مدينة "الحق والباطل" اجتماعياً وسياسياً وفكريا فقد كان لظرف المكان فى بناء بعض المشاهد وظيفته النحوية التى رصدت لنا هذا البون بين عالم الفقراء وعالم الأغنياء ويمكن هنا الاستشهادة بنموذج من النص مأخوذ من كلام زوجة أبى ذر :

المرأة

:

(زوجة "أبى ذر" )

يا سيدى

ومنبت الفكر الشريف

يا حلم الرجال الخصيب،

ومنبت الفكر الشريف

تسلقت أفكارك حوائط البيوت الضيقة المختنقة

وسقوف الأكواخ.

بين كل حانة وحانة مسجد

وبين كل لص ووال جمع من الفقراء والمساكين

وبين الحق والباطل سجون الجلادين

وبين قصور السلاطين والأمراء بيوت الفقراء

بلا طعام،

والموائد تمتد فى حدائق القصور الغناء

بأطيب الطعام

وأنت هنا.. تشرب رملاً وتأكل رملاً هنا..

إلى جوارى..

وهناك.. فى المدينة..

بين كل رجل ورجل رجل من الشرطة السرية..

وبين صوت وصوت الناس..

التضليل والضلال المبين..

وبين كل مضغة ومضغة من الطعام.. قلق المجاعة.. يا شريداً .. استيقظ

يا "أبا ذر" يا غريباً.. منفياً..

حدق فى الأفق الأزرق واستيقظ.

إن اعتماد هذا النوع من التركيب، والنداء الموجه لأبى ذر الغفارى لكى يعود.. معناه أن هناك الذين يملكون القدرة على جعل حاجاتهم فعالة حيث يحصل القلائل على الكعك قبل أن يتوفر الخبر للجميع ويشيد القصر الكبير بجانب حى الفقراء ومعناه كذلك رفض عالم الزيف والنفاق الاجتماعى والتسلق الطبقى السائد فى مجتمع حلت فيه علاقة العنف محل الأمن والسلام والترف "أبو المجون" محل سعادة البشر والقمع الاقتصادى المباشر "الفاتك" محل حرية التعبير وخدمة الصالح العام.

وإذا كانت مشاهد المسرحية تكشف عن شكل " العدالة " السائدة فى المدينة فللتاكد على أن شريعة الأقوى هى المهيمنة ، والحرية الموجودة ، هى القانون الذى يسمح به الأقوى ، كذلك أن هناك شعاراً ترفعه دولة "الفردوس الأخضر" وهو " أمرهم شورى بينهم " لكنه مبدأ تنفيه مؤسات الدولة والمحاكمات ومصادرات الحريات العامة :

صوت 3

:

فالأمر شورى بينكم؟؟

صوت 1

:

أليس هذا هو شعار دولة "فردوس الشورى"..؟؟

صوت 2

:

وشرطة دولة "فردوس الشورى"..؟؟

صوت 3

:

الفردوس الأخضر سابقاً..

صوت 1

:

وشعار الموالين للسلطان؟؟

صوت 2

:

وبطانة السلطان؟؟

صوت 1

:

وقيان السلطان؟؟

صوت 2

:

وعيون السلطان؟؟

صوت 2

:

وكلاب السلطان؟؟

صوت 1

:

وذئاب....

شرطى 1

:

(مقاطعاً فى حدة) اخرسوا يا حثالة

شرطى 2

:

إننى انصحكم بمغاردة المكان؟؟

شرطى 1

:

تفرقوا .. وعودوا إلى بيوتكم..

الكورس

:

هذا هو السؤال

ما بيننا وبينكم هو السؤال

الحكم شورى أيها الرجال

لكن لمن؟؟

وبين من؟؟

وضد من؟؟

هذا هو السؤال

إن المسرحية تطرح هوية مدينة الفردوس، شكلها ومضمونها ، صلتها بالماضى الذاتى ، وتوقها إلى المستقبل، مصادرة حرية التعبير فيها ، والبحث عن السبل التى ترد الاعتبار إلى هذه المدينة ، وذلك بطريقة فنية اتخذت الغناء والسماح به بالشكل الذى ترضى عنه الدولة أو الامتناع عنه من طرف الرافضين والمحتجين عن واقع المدينة تقنية فنية تبلور أهم مبادئ الفردوس الأخضر حيث المجون والفتك يعتبران وجهاً واحداً لعملة واحدة لا يمكن التفريق بينهما لأن كل طرف يكمل الأخر ويكتسب وجودهمن خلال علاقته بالآخر ، (السلطان أبو المجون ابن للسلطان فاتك).

ويبلور لنا المشهد الثانى من المسرحية ومن خلال الحوار الذى دار ما بين الشرطة وجمهرة الناس كيف تستبعد المناقشة الرشيدة من الميدان وكيف يتم إبعاد الحق والعدل من الحياة بهدف ترويض الناس على التسليم والخنوع لما هو موجود.

 

شرطى 1

:

لم لا تغنى مع الناس؟؟

شرطى 2

:

وأنت لم لا تغنى؟؟

شرطى 3

:

وأنت الآخر لم لا تغنى؟؟

(جمهرة من الناس لا تغنى)

(فى سخرية)

 - أصواتنا قبيحة، ولا يليق بجلال الموقف

أن تشوهه الأصوات القبيحة

شرطى 1

:

لا تهم الأصوات القبيحة،

إن الغناء تثبيت للولاء

هنا يصبح الغناء المفروض مظهراً للولاء ، أما رفضه فهو خروج عن الاجماع فى نظر الأجهزة الحاكمة وحتى يتم إظهار الصدام الذى وقفت عليه مشاهد المسرحية عندما تمحورت حول المسألة الديمقراطية نجد أن العلاقة بين البيعة والولاء والغناء والتعميم والأمان تتخذ حجمها وأهميتها وكونونتها من طبيعة السلطة ذاتها ، أما عدم الغناء فهو خروج عن الاجماع ودليل على عدم الولاء مما يؤدى حتماً إلى العقاب والسجن لأن النظام الحاكم يعتبر أن الحق هو ما يخدم الغرض الذى يرغب فى سيادته أو رفضه وتحويله إلى الشئ المناسب للحاجة ، أما ما عدا ذلك فهو خروج عن الطاعة وإحداث للقلاقل والشقاق والفتنة ؟

 

شرطى 1

:

وتتطاول علينا؟؟

ما اسمك؟؟

ما اسمك..؟؟

ما عملك

لماذا جئت إلى هذا المكان إذا لم يكن فى نيتك أن تبايع وتغنى؟؟

شرطى 2

:

أنت واحد من الخارجين على البيعة؟؟ لماذا لم تقل من أول الأمر؟؟

-  واذا غنينا.. نكون من الداخلين فى البيعة، والولاء؟؟

شرطى 3

:

نعم..

وتنالكم النعم،

وتفلتون من العقاب.

- إذن .. لن نغنى

شرطى 1

:

تعترفون بمروقكم.. وخروجكم على الإجماع؟؟

- نعم .. ولن نغنى

شرطى 2

:

سينالكم عقاب شديد؟؟

- نحن لم نخطئ

-  أتريدنا أن نبايع؟؟

شرطى 1

:

نعم

- وأن نغنى

شرطى 2

:

نعم

- وأن تثبت ولاءنا؟؟

شرطى 3

:

نعم

- وبماذا تعدوننا؟؟

شرطى 1

:

بالأمان،

شرطى 2

:

والعفو،

شرطى 3

:

وعدم مساسكم بأى سوء

.......

إنه حوار يكشف عن موقف التعانف بين تيارين يتجاذبان التاريخ الأول يعلن عن موته بالممارسات التى يقوم بها ضد الإنسان والديمقراطية أما الثانى فيعلن عن الأمل المتجدد ، والتحدى المستمر ومواصلة درب النضال ، حتى يدق آخر مسمار فى نعش التخلف الفكرى والاستغلال الاقتصادى والنفاذ الاجتماعى السائد فى مدينة الفردوس حيث يعيش الناس دائماً فى الخوف والارتياب ، ويتملك قلبهم شعور بالكارثة المقبلة التى سيكون من ضحاياها أبناء الشعب الطيب لأن غياب الحاكم العادل يعتبر السبب فى كل هذا . وفى غيابه يبقى الأمل الوحيد تحقيق مبادئ أبى ذر الغفارى التى بواسطتها يتم توجيه النقد إلى "ابى المجون" وخلخلة كيان المؤسسات القائمة :

ابو المجون

:

كيف أتصرف إذا ظهر " أبو ذر" فى المدينة؟؟

الأول

:

هل تمنحنا الأمان؟؟

ابو المجون

:

(فى لهفة) الأمان والسلطان إذا احببتم

الثانى

:

الأمان فقط يا مولانا السلطان

أبو المجون

:

لكم ما طلبتم

الثالث

:

إذا صدق ما رأيت فى المنام، فإن عليك أن تدرس أخلاقه ومبادئه..

أبو المجون

:

وما هى أخلاقه ومبادؤه؟؟

الأول

:

كان أبو ذر يحب الفقراء

أبو المجون

:

وهل كان أبى ظالماً؟؟

(لا يجيبون مخافة الحرج)

الثانى

:

وكان يحب الحق ويكره الظلم؟؟

أبو المجون

:

وهل كان ابى يكرههم؟؟

(لا يجيبون)

الثالث

:

وكان لا يتحرج من قول الحق، ولا الجهر به فى الأسواق

الأول

:

وكان تقياً، نقياً،

صلباً كالسيف

طيعاً كغصن الشجرة،

وليناً كانسياب الماء فى تجاويف الصخر الجبلى

ومشرقاً ببهاء المقاومة

- وكان يبيت على كسرة خبز

- وينام على سرير خشن

- ويصحى على آهات الفقراء

- وتنهدات المظلومين

- ودموع المنكسرين

- وإنكسار المسحوقين

أبو المجون

:

(مقاطعاً فى حدة)

أنتم معى أم ضدى

أنتم معى أم مع "أبى ذر"

هذه العملية النقدية بالطريقة الغير المباشرة جعلت النص المسرحى يقوم بصياغة اسئلته المقلقة على لسان الكورس الذى كان لا يؤجل طرح الأسئلة الحقيقة ، بل يعلن عن وجودها. إما بشكل جماعى ، او على لسان بعض الشخصيات المنتمية إلى الفئات المحرومة . إنها الأسئلة التى انفلتت من زحام التكرار والرتابة ورقابة "فاتك وأبى المجون" لتقدم هويتها على أنها ليست بذخاً او تأجيلاً للمواجهة ولكنها الرغبة الملحة فى تعميث ثقافة السؤال فى المجتمع العربى الذى يخاف من طرح الأسئلة .

الكورس

:

الراعى والرعية

من منهما الضحية؟؟

من منهما الفداء؟؟

من يخدم من؟؟

والقاضى.. ما دوره؟؟

ورئيس الشرطة العلنية؟؟.

ورئيس الشرطة السرية؟؟

والسجن لمن؟؟

للص أم لرافض السلطان؟؟

وكيف يحكم السجان؟؟

بالقانون،

أم على هو السلطان؟؟

.........

البيعة والمبايعة

من يملك هذا فى الرعية؟؟..

من يملك أن يرفض؟؟

الثورة أن تملك الاختبار

أن تملك حق الرفض..

من يسلب الناس حق الاختيار، وحق الرفض؟؟

بعد هذه الأسئلة نطرح السؤال التالى : كيف يتم تشييد مجتمع تسوده العدالة فى أوسع معانيها ؟

الجواب نستشفه من الأصوات المتداخلة لكل من أبى ذر الغفارى والكورس والمؤدى ، هذه الأصوات التى تكون بنية ايديولوجية مترابطة ، تعبر عن نفسها ، وتتكلم عن الحقوق المتعلقة بالهوية والانتماء الذى حدده التقسيم الهندسى للمكان داخل النص ، فهناك اليمين وفيه أبو المجون وبطانته أما اليسار فيقول عنه هذا الحاكم :

ابو المجون : ألا ترون ها هو أبو ذر على يسار المسرح .

                ...

                انظروا إلى يسار المسرح .

                إنه هناك .. إنه هنا .

                إنه هو بملامحه وسحنته ولحيته .

لقد عرضت المسرحية مشروع عالمها الجديد بعد أن غاصت فى موضوع الديمقراطية، ونفذت منه إلى المسائل التى جعلتها أمام مثبطات الهمم التى تجعل العالم الجديد مستحيل التحقق . لكنها لم تكتف بالتأمل فيه كفعل الاستغراق يقف عند حدود التفسير والإدراك بل تعدت ذلك إلى اتخاذ موقف ايجابى يعتمد على سخونة المواقف وعلى الأسلوب التحريضى الذى تم به محاضرة " أبى المجون " بالأصوات الرافضة ، المحتجة ، الداعية إلى النظر فى الواقع بغضب وهو ما جاء على لسان الخطباء الثلاث ، والكورس ، والمؤدى والجمهور .

(يختفى "أبو ذر" و"فاتك" ويظهر الكورس والمؤدى داخل الدائرة الضوئية بينما تتصاعد بعض أصوات من الصالة)

- نحن فى صف "أبى ذر"

- لابد أن يقيم الفقراء أمرهم بأيديهم

- سواء كان "أبى ذر" حاضراً أو غائباً

- أو سجيناً أو منفياً

....

المؤدى :      أراك يا "أبا ذر"

تخطب فى المدينة السجينة

فتنهض المدينة

من نومها، من سجنها

من كربها، من حزنها

يلامسون صوتك الذى يلامس السماء

 إنها الدعوة للفعل لاتخاذ موقف لتغيير العالم، إنه العمل الجماعى الذى عبر عنه الكورس فى شحنة درامية أعطت للعمل المسرحى تاريخيته ومشروعيته، وجعلت هذا الفعل سيراً إلى الأمام بعد أن تم تعرية الواقع المريض الموروث..

المؤدى :

الكورس :     سنقف كالبنيان المرصوص..

                " غناء درامى"

                لابد أن تقاوموا.

                لابد أن تقاوم.

                وأنتم يا جميع الناس لا.

                لابد أن تقاوموا..

        .......

المؤدى :       يا جميع الناس

                لابد أن تزاحموا.

                حذارى أن تساوموا .

                فالسن بالسن.

                والعين بالعين.

لقد اقتحم المؤلفان – السيد حافظ ومحمد يوسف – بهذا النص مجال التجريب. لبلورة كتابة مسرحية هادفة تحيل بسياسة ، وتعبر عن الاجتماعى وتفضح المتستر وراء الزيف وذلك بطريقة فنية تعتمد على :

·       إشراك الجمهور فى البعد الفكرى المغروس فى النص عند كل مشهد.

·       استثمار الحلم المغروس فى المشاهد ، كقيمة فكرية تمنح جوانى النص توترها وتأزمها.

·       تحطيم الجدار الرابع بهدف تحطيم الإيهام المسرحى.

·       تسيييس الخطاب المسرحى وإعطائه وظيفته التعليمية.

إن مسرحية "ظهور واختفاء أبى ذر الغفارى" تبقى وثيقة أداته لمدينة فيها من يجعل البناء الديمقراطى مستحيلاً. كما أن فيها من يعيش على أمل تحقيق هذا المشروع وهو إمكان انجاز هذا الطموح إذا ما توفرت العوامل الذاتية والموضوعية للتغيير ، أى عندما يرد سيف الحق إلى صاحبه الحقيقى : القاضى العزول ليتأتى الجمع ما بين المبادئ والممارسة لتتبلور مبادئ أبى ذر فى الواقع.

 

 

 

 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More