دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 63 )
إشكاليـة التجريـب فـى
مسرح الســـيد حـافـظ
بقلم
د.مصطفى رمضانى
دراسة من كتاب
المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة
إشكاليـة التجريـب فـى
مسرح الســـيد حـافـظ
بقلم
د.مصطفى رمضانى
تـقـديــم
حين نستقرىء الريبرتوار المسرحي العربي أفقيا، يسترعي انتباهنا توا تربع المبدع المسرحي السيد حافظ على عرش التجريب، سواء على مستوى الكم أم على مستوى الكيف. فقد أبدع ما يناهز الأربعين عملا مسرحيا استحضر فيها مختلف الأساليب الفنية والاتجاهات الدرامية الحديثة والمعاصرة. ولكنها جميعا تظل وفية لمبدإ التجريب.
ومعلوم أن التجريب في المسرح العربي يظل موصولا بإشكاليتي التأسيس والتأصيل، حتى لا نكاد نفصل- أحيانا- بين هذه المستويات الثلاثة. فالمبدع المسرحي العربي حين يجرب الأشكال الدرامية من منطلق الحداثة، إنما يكون بصدد القيام بفعل التأسيس، نظرا لغياب القاعدة الجمالية الأصل التي يمكن أن تكون منطلقا أو قاعدة لفعل التجاوز الذي هو سمة أي تجريب.
والسيد حافظ يعي جيدا هذا المعطى الذي هو في جوهره معطى إيبستمولوجي.لذلك فهو يراهن على مستويين لتحقيق هذا البعد التجريبي الحداثي في مسرحه. وأعني بهما مستوى الكم والكيف معا. فوفرة الإنتاج سبيل للانتقال من مرحلة الكم إلى مرحلة الكيف. ولا يمكن معاينة أثر التجريب المسرحي بالملموس، إلا ضمن ريبرتوار يبرهن على نجاح التجربة في إطار التعدد والتنوع.
ولعل نظرة سريعة إلى الريبرتوار المسرحي للمبدع السيد حافظ، يؤكد هذا الغنى وذلك التعدد. فهو كاتب عايش مراحل الانتكاسات العربية، وعاين مرارة التناقضات الاجتماعية التي أفرزت كتابات غاضبة أحيانا، ويائسة حينا، وحالمة أحيانا أخرى. وبين الغضب و اليأس و الحلم، تستمر الكلمة الصادقة مبشرة بكل القيم التي تدعو إلى إنسانية الإنسان، وحيوية الحياة، وما إلى ذلك بما يؤمن به كل مبدع ملتزم و جاد وأصيل.
والسيد حافظ من طينة الكتاب الذين راهنوا على الكتابة، في زمن تضاءلت فيه قيمة الكلمة، بسبب كثرة الإحباطات، واتساع رقعة الخيانات، وتفشي ظاهرة التسيب الثقافي و الفني. فهو المرابط في رحاب الكلمة: يكتب في صمت و تواضع، بعيدا عن الأضواء و" الطبول الخرساء"؛ لأنه يؤمن بأن الأصيل سيظل أصيلا، وإن تعددت الأقنعة، وتنوعت أساليب الزيف والدجل..
لأجل ذلك، نجده يراهن على التجريب لتحقيق فعل الاختراق. وهي صفة لازمة في الإبداع الأصيل الذي يخترق كل الحواجز، ليصل إلى المتلقي في كل مكان و في كل زمن. وحين نقرأ نصوص السيد حافظ، نحس بهذه الصفة، لأنه يكتب للإنسان دون مراعاة لمكانه أو زمنه، تماما كما عند كبار المبدعين الخالدين الذين يخترقون فعلي الزمن و المكان بما أوتوا من قوة التأثير بالإمتاع و الإقناع.
ونحن إذ نصدر هذا الكتاب، إنما نستجيب لهذه القوة: قوة التأثير، لأن نصوص السيد حافظ فعلا تمتلك القدرة على الإمتاع والإقناع. فهي نصوص تجمع بين شعرية اللغة بطابعها الانزياحي، وبين حس بناء الشخصيات، وتركيب الأحداث وتنوعهاوغناها؛ فضلا عن الأسلوب العجائبي الذي هو نتاج خيال خصب، وذكاء و موهبة أصيلة... وهي كلها أمور تبرهن على مدى غنى هذه التجربة الإبداعية التي تشكل حالة خاصة في المسرح العربي، حري بأن يليها النقد ما تستحقه من عناية. فهي تجربة غنية بمكوناتها الأدبية و الجمالية و التقنية. وسيجد فيها الدارس ما هو قمين بإغناء التجربة المسرحية العربية: إبداعا و نقدا.
ولاأخفي القارىء الكريم أن هذا الغنى هو الذي كان وراء اهتمامنا بكتابات السيد حافظ عامة، وبكتاباته المسرحية على وجه الخصوص. بل إن هذا الغنى نفسه هو الذي أهل نصوصه المسرحية لتكون مادة للدرس الجامعي الأكاديمي في مستواه العالي.
فمن خلال البحث في إشكالية التجريب في المسرح العربي – الذي هو أحد محاور الدراسات العليا في جامعتنا – كان لا بد من الوقوف عند تجربة السيد حافظ المسرحية للبحث عن الأسس الجمالية فيها باعتبارها نموذجا للتجريب. وها نحن اليوم نقدم ضمن هذا الكتاب جزءا مما انتهينا إليه في تلك الوقفة العلمية. والكتاب في أصله مجموعة أبحاث أنجزها طلبة الدراسات العليا. ونظرا لأهميتها، ارتأينا طبعها مجتمعة، تعميما للفائدة من جهة، وتقديرا للجهود التي ما فتىء يبذلها المبدع السيد حافظ قصد ترسيخ كتابة مغايرة تؤمن بالاختلاف والتنوع.
د. مصطفـى رمضـانى
0 التعليقات:
إرسال تعليق